الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَعْرِفَةِ فَلَا يَقْتَضِي مَفْعُولًا ثَانِيًا مثل" لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ 60"[الأنفال: 60]. وَجَوَابُ" لَوْ 20" مَحْذُوفٌ، أَيْ لَوْ عَلِمُوا الْوَقْتَ الذي (لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) وَعَرَفُوهُ لَمَّا اسْتَعْجَلُوا الْوَعِيدَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ لَعَلِمُوا صِدْقَ الْوَعْدِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ عَلِمُوهُ لَمَا أَقَامُوا عَلَى الْكُفْرِ وَلَآمَنُوا. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِ السَّاعَةِ، أَيْ لَوْ عَلِمُوهُ عِلْمَ يَقِينٍ لَعَلِمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ. وَدَلَّ عَلَيْهِ (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً) 40 أَيْ فَجْأَةً يَعْنِي الْقِيَامَةَ. وقيل العقوبة. وقيل: النار فلا يتمكنون حِيلَةٍ (فَتَبْهَتُهُمْ)40. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بَهَتَهُ بَهْتًا أَخَذَهُ بَغْتَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ 40". وَقَالَ الْفَرَّاءُ:" فَتَبْهَتُهُمْ 40" أَيْ تُحَيِّرُهُمْ، يُقَالُ: بَهَتَهُ يَبْهَتُهُ إِذَا وَاجَهَهُ بِشَيْءٍ يُحَيِّرُهُ. وَقِيلَ: فَتَفْجَأَهُمْ. (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) 40 أَيْ صَرْفَهَا عَنْ ظُهُورِهِمْ. (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أَيْ لَا يُمْهَلُونَ ويؤخرون لتوبة واعتذار.
[سورة الأنبياء (21): آية 41]
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) 10 هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَعْزِيَةٌ لَهُ. يَقُولُ: إِنِ اسْتَهْزَأَ بِكَ هَؤُلَاءِ، فَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرُوا. ثُمَّ وَعَدَهُ النَّصْرَ فَقَالَ:(فَحاقَ) أَيْ أَحَاطَ وَدَارَ (بِالَّذِينَ) كَفَرُوا وَ (سَخِرُوا مِنْهُمْ) وهزءوا بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي جزاء استهزائهم.
[سورة الأنبياء (21): الآيات 42 الى 44]
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44)
قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) يَحْرُسُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ. وَالْكَلَاءَةُ الْحِرَاسَةُ وَالْحِفْظُ، كَلَأَهُ اللَّهُ كِلَاءً (بِالْكَسْرِ) أَيْ حَفِظَهُ وَحَرَسَهُ. يُقَالُ: اذْهَبْ فِي كِلَاءَةِ اللَّهِ، وَاكْتَلَأْتُ مِنْهُمْ أَيِ احْتَرَسْتُ، قَالَ الشَّاعِرُ هُوَ ابْنُ هَرْمَةَ:
إِنَّ سُلَيْمَى وَاللَّهُ يَكْلَؤُهَا
…
ضَنَّتْ بِشَيْءٍ مَا كَانَ يَرْزَؤُهَا
وقال آخر: «1»
أَنَخْتُ بَعِيرِي وَاكْتَلَأْتُ بِعَيْنِهِ
وَحَكَى الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ" قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ" بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ. وَحَكَيَا" مَنْ يَكْلَاكُمْ" عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْمَعْرُوفُ تَحْقِيقُ الْهَمْزَةِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ. فَأَمَّا" يَكْلَاكُمْ" فَخَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ النحاس: أحدهما: أن بدل الهمزة إنما يَكُونُ فِي الشِّعْرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا يَقُولَانِ فِي الماضي كُلْيَتِهِ. ثُمَّ قِيلَ: مَخْرَجُ اللَّفْظِ مَخْرَجُ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّفْيُ. وَتَقْدِيرُهُ: قُلْ لَا حَافِظَ لكم (بِاللَّيْلِ) إذا نمتم (وَ) ب (النَّهارِ) إِذَا قُمْتُمْ وَتَصَرَّفْتُمْ فِي أُمُورِكُمْ. (مِنَ الرَّحْمنِ) أَيْ مِنْ عَذَابِهِ وَبَأْسِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَمَنْ ينصرني من الله"«2» [هود: 63] أَيْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَالْخِطَابُ لِمَنِ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ بِالصَّانِعِ، أَيْ إِذَا أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ، فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى إِحْلَالِ الْعَذَابِ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَهُ. (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ) أَيْ عَنِ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: عَنْ مَوَاعِظِ رَبِّهِمْ وَقِيلَ: عَنْ مَعْرِفَتِهِ. (مُعْرِضُونَ) لَاهُونَ غَافِلُونَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ) الْمَعْنَى: أَلَهُمْ وَالْمِيمُ صِلَةٌ. (تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) أَيْ مِنْ عَذَابِنَا. (لَا يَسْتَطِيعُونَ) يَعْنِي الَّذِينَ زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ (نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) فَكَيْفَ يَنْصُرُونَ عَابِدِيهِمْ. (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُمْنَعُونَ. وَعَنْهُ: يُجَارُونَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنَا لَكَ جَارٌ وَصَاحِبٌ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ مُجِيرٌ مِنْهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
يُنَادِي بِأَعْلَى صوته متعوذا
…
ليصحب منها والرماح دواني
(1). هو كعب بن زهير وعجزه.
وآمرت نفسي أي أمري أفعل
(2)
. راجع ج 9 ص 58 فما بعد.