الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَحْسَرْتُهُ أَيْضًا فَهُوَ حَسِيرٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَا يَمَلُّونَ. ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَسْتَنْكِفُونَ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: لَا يَكِلُّونَ. وَقِيلَ: لَا يَفْشَلُونَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) 20 أَيْ يُصَلُّونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيُنَزِّهُونَهُ دَائِمًا. (لَا يَفْتُرُونَ) 20 أَيْ لَا يَضْعُفُونَ وَلَا يَسْأَمُونَ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّقْدِيسَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ. قَالَ عبد الله بن الحرث سَأَلْتُ كَعْبًا فَقُلْتُ: أَمَا لَهُمْ شُغْلٌ عَنِ التسبيح؟ أما يشغلهم عنه شي؟ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هل يشغلك شي عَنِ النَّفَسِ؟! إِنَّ التَّسْبِيحَ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ النَّفَسِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنْ بَنِي آدَمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «1» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) قَالَ الْمُفَضَّلُ: مَقْصُودُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْجَحْدُ، أَيْ لَمْ يَتَّخِذُوا آلِهَةً تَقْدِرُ عَلَى الْإِحْيَاءِ. وَقِيلَ:" أَمِ" بِمَعْنَى" هَلْ" أَيْ هَلِ اتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ يُحْيُونَ الْمَوْتَى. وَلَا تَكُونُ" أَمِ" هُنَا بِمَعْنَى بَلْ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لَهُمْ إِنْشَاءَ الْمَوْتَى إِلَّا أَنْ تُقَدَّرَ" أَمْ" مَعَ الِاسْتِفْهَامِ فَتَكُونَ" أَمِ" الْمُنْقَطِعَةَ فَيَصِحُّ الْمَعْنَى، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ. وَقِيلَ:" أَمِ" عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ أَفَخَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ لَعِبًا، أَوْ هَذَا الَّذِي أَضَافُوهُ إِلَيْنَا مِنْ عِنْدِنَا فَيَكُونُ لَهُمْ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ؟ أَوْ هَلْ مَا اتَّخَذُوهُ مِنَ الْآلِهَةِ فِي الْأَرْضِ يُحْيِي الْمَوْتَى فَيَكُونُ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ؟. وَقِيلَ:" لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ 10"[الأنبياء: 10] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِالْمُعَاتَبَةِ، وَعَلَى هَذَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ تَكُونُ" أَمْ" مُتَّصِلَةً. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:" يُنْشِرُونَ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ مِنْ أَنْشَرَ اللَّهُ الْمَيِّتَ فَنُشِرَ أَيْ أَحْيَاهُ فَحَيِيَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: بِفَتْحِ الياء، أي يحيون ولا يموتون.
[سورة الأنبياء (21): الآيات 22 الى 24]
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
(1). راجع ج 1 ص 289 فما بعد.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا) أي لو كان في السموات وَالْأَرَضِينَ آلِهَةٌ غَيْرُ اللَّهِ مَعْبُودُونَ لَفَسَدَتَا. قَالَ الْكِسَائِيُّ وَسِيبَوَيْهِ:" إِلَّا" بِمَعْنَى غَيْرَ فَلَمَّا جُعِلَتْ إِلَّا فِي مَوْضِعِ غَيْرَ أُعْرِبَ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَهَا بِإِعْرَابِ غَيْرَ، كَمَا قَالَ:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ
…
لَعَمْرِ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: لَوْ كَانَ مَعَنَا رَجُلٌ إِلَّا زَيْدٌ لَهَلَكْنَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:" إِلَّا" هُنَا فِي مَوْضِعِ سِوَى، وَالْمَعْنَى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ سِوَى اللَّهِ لَفَسَدَ أَهْلُهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ لَوْ كَانَ فِيهِمَا إِلَهَانِ لَفَسَدَ التَّدْبِيرُ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إِنْ أَرَادَ شَيْئًا وَالْآخَرُ ضِدَّهُ كَانَ أَحَدُهُمَا عَاجِزًا: وَقِيلَ: مَعْنَى" لَفَسَدَتا" أَيْ خَرِبَتَا وَهَلَكَ مَنْ فِيهِمَا بِوُقُوعِ التَّنَازُعِ بِالِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ. (فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) نَزَّهَ نَفْسَهُ وَأَمَرَ الْعِبَادَ أَنْ يُنَزِّهُوهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أَوْ وَلَدٌ. قَوْلُهُ تعالى: (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) قَاصِمَةٌ لِلْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ الْمَعْنَى. لا يسأله الْخَلْقُ عَنْ قَضَائِهِ فِي خَلْقِهِ وَهُوَ يَسْأَلُ الْخَلْقَ عَنْ عَمَلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ. بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَنْ يُسْأَلُ غَدًا عَنْ أَعْمَالِهِ كَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ. وَقِيلَ: لَا يُؤَاخَذُ عَلَى أَفْعَالِهِ وَهُمْ يُؤَاخَذُونَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَيُحِبُّ رَبُّنَا أَنْ يُعْصَى؟ قَالَ: أَفَيُعْصَى رَبُّنَا قَهْرًا؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَنِي. الْهُدَى وَمَنَحَنِي الرَّدَى أَأَحْسَنَ إِلَيَّ أَمْ أَسَاءَ؟ قَالَ: إِنْ مَنَعَكَ حَقَّكَ فَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ مَنَعَكَ فضله فهو يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ:" لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ". وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عز وجل مُوسَى وَكَلَّمَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ رَبٌّ عَظِيمٌ، لَوْ شِئْتَ أَنْ تُطَاعَ لَأُطِعْتَ، وَلَوْ شِئْتَ أَلَّا تُعْصَى مَا عُصِيتَ، وَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَاعَ وَأَنْتَ فِي ذَلِكَ تُعْصَى فَكَيْفَ هَذَا يَا رَبِّ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أَعَادَ التَّعَجُّبَ فِي اتِّخَاذِ الْآلِهَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ مُبَالَغَةً فِي التَّوْبِيخِ، أَيْ صِفَتُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْإِحْيَاءِ، فَتَكُونُ" أَمِ" بِمَعْنَى هَلْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلْيَأْتُوا بِالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ احْتِجَاجٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْقُولِ، لِأَنَّهُ قَالَ:" هُمْ يُنْشِرُونَ" وَيُحْيُونَ الْمَوْتَى، هَيْهَاتَ! وَالثَّانِي احْتِجَاجٌ بِالْمَنْقُولِ، أَيْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ مِنْ