الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) أَيْ كَمَا أُرْسِلَ مُوسَى بِالْعَصَا وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ وَمِثْلِ نَاقَةِ صَالِحٍ. وَكَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا رُؤْيَا وَلَكِنْ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ نَقْتَرِحُهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ الِاقْتِرَاحُ بعد ما رَأَوْا آيَةً وَاحِدَةً. وَأَيْضًا إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِآيَةٍ هِيَ مِنْ جِنْسِ مَا هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ، وَلَا مَجَالَ لِلشُّبْهَةِ فِيهَا فَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِآيَةٍ غَيْرِهَا، وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ لَقَالُوا: هَذَا مِنْ بَابِ الطِّبِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَتِنَا، وَإِنَّمَا كَانَ سُؤَالُهُمْ تَعَنُّتًا إِذْ كَانَ اللَّهُ أَعْطَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَبَيَّنَ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ لَأَعْطَاهُمْ مَا سَأَلُوهُ لِقَوْلِهِ عز وجل:" وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ"«1» [الأنفال: 23]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ قَوْمَ صَالِحٍ وَقَوْمَ فِرْعَوْنَ. (أَهْلَكْناها) يُرِيدُ كَانَ فِي عِلْمِنَا هَلَاكُهَا: (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) يُرِيدُ يُصَدِّقُونَ، أَيْ فَمَا آمَنُوا بِالْآيَاتِ فَاسْتُؤْصِلُوا فَلَوْ رَأَى هَؤُلَاءِ مَا اقْتَرَحُوا لَمَا آمَنُوا، لِمَا سَبَقَ مِنَ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ عِقَابُهُمْ لِعِلْمِنَا بأن في أصلابهم من يؤمن: و" من" زَائِدَةٌ فِي قَوْلِهِ:" مِنْ قَرْيَةٍ" كَقَوْلِهِ:" فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ"«2» [الحاقة: 47]:
[سورة الأنبياء (21): الآيات 7 الى 10]
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي «3» إِلَيْهِمْ) هَذَا رَدٌّ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ:" هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ"[الأنبياء: 3] وَتَأْنِيسٌ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، أَيْ لم يرسل قبلك إلا رجالا.
(1). راجع ج 7 ص 388.
(2)
. راجع ج 18 ص 276. [ ..... ]
(3)
. (يوحى) بالياء قراءة نافع.
(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) يُرِيدُ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَهُ سُفْيَانُ: وَسَمَّاهُمْ أَهْلَ الذِّكْرِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَذْكُرُونَ خَبَرَ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّا لَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ: وَكَانَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يُرَاجِعُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآنَ، أَيْ فَاسْأَلُوا الْمُؤْمِنِينَ الْعَالِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، قَالَ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ: وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الرُّسُلَ كَانُوا مِنَ الْبَشَرِ، فَالْمَعْنَى لَا تَبْدَءُوا بِالْإِنْكَارِ وَبِقَوْلِكُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، بَلْ نَاظِرُوا الْمُؤْمِنِينَ لِيُبَيِّنُوا لَكُمْ جَوَازَ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مِنَ الْبَشَرِ: وَالْمَلَكُ لَا يُسَمَّى رجلا، لان الرجل يقع على ماله ضِدٌّ مِنْ لَفْظِهِ تَقُولُ: رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، وَرَجُلٌ وَصَبِيٌّ فَقَوْلُهُ:" إِلَّا رِجالًا 10" مِنْ بَنِي آدَمَ: وَقَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:" نُوحِي إِلَيْهِمْ". مَسْأَلَةٌ- لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَيْهَا تَقْلِيدُ عُلَمَائِهَا، وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل:" فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" وَأَجْمَعُوا على أن الأعمى لأبد لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِمَيْزِهِ بِالْقِبْلَةِ إِذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا بَصَرَ بِمَعْنَى مَا يَدِينُ بِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ عَالِمِهِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَجُوزُ لَهَا الْفُتْيَا، لِجَهْلِهَا بِالْمَعَانِي الَّتِي مِنْهَا يَجُوزُ التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) الضَّمِيرُ فِي" جَعَلْناهُمْ 10: 73" لِلْأَنْبِيَاءِ، أَيْ لَمْ نَجْعَلِ الرُّسُلَ قَبْلَكَ خَارِجِينَ عَنْ طِبَاعِ الْبَشَرِ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى طَعَامٍ وَشَرَابٍ.- (وَما كانُوا خالِدِينَ) يُرِيدُ لَا يَمُوتُونَ وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ:" مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ"[المؤمنون: 33] وقولهم:" مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ"«1» [الفرقان: 7]. وَ" جَسَداً" اسْمُ جِنْسٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَجْسَادًا، وَقِيلَ: لَمْ يَقُلْ أَجْسَادًا، لِأَنَّهُ أَرَادَ وَمَا جَعَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَسَدًا. وَالْجَسَدُ الْبَدَنُ، تَقُولُ مِنْهُ: تَجَسَّدَ كَمَا تَقُولُ مِنَ الْجِسْمِ تَجَسَّمَ. وَالْجَسَدُ أَيْضًا الزَّعْفَرَانُ أَوْ نَحْوُهُ من الصبغ، وهو الدم أيضا، قال النابغة:
وما أهريق على الأنصاب من جسد «2»
(1). راجع ج 13 ص 4.
(2)
. صدر البيت:
فلا لعمر الذي مسحت كعبته
أقسم بالله أولا ثم بالدماء التي كانت تصب في الجاهلية على الأنصاب.