الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّقَّاشُ. وَقِيلَ: انْتَظِرِ الْفَتْحَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ بِزَعْمِهِمْ قَهْرَكَ. وَقِيلَ: انْتَظِرْ أَنْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ بِكَ رَيْبَ الْحَدَثَانِ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقِيلَ: ارْتَقِبْ مَا وَعَدْتُكَ مِنَ الثَّوَابِ فَإِنَّهُمْ كَالْمُنْتَظِرِينَ لِمَا وَعَدْتُهُمْ مِنَ الْعِقَابِ. وَقِيلَ: ارْتَقِبْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ يَوْمُ الْفَصْلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا وُقُوعَ الْقِيَامَةِ، جُعِلُوا كَالْمُرْتَقِبِينَ لِأَنَّ عَاقِبَتَهُمْ ذَلِكَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[تفسير سُورَةُ الْجَاثِيَةِ
-]
سُورَةُ الْجَاثِيَةِ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَجَابِرٍ وَعِكْرِمَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: إِلَّا آيَةً، هِيَ:" قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ"«1» [الجاثية: 14] نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ وَالنَّحَّاسُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُمَرَ رضي الله عنه، شَتَمَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. فَأَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل" قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ" [الجاثية: 14] ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ:" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ"«2» [التوبة: 5]. فَالسُّورَةُ كُلُّهَا مَكِّيَّةٌ عَلَى هَذَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَهِيَ سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ آيَةً. وَقِيلَ سِتٌّ.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الجاثية (45): الآيات 1 الى 2]
بسم الله الرحمن الرحيم
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" حم" مُبْتَدَأٌ وَ" تَنْزِيلُ" خَبَرُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:" حم" اسْمُ السُّورَةِ. وَ" تَنْزِيلُ الْكِتابِ" مُبْتَدَأٌ. وَخَبَرُهُ" مِنَ اللَّهِ". والكتاب القرآن. و" الْعَزِيزِ" الْمَنِيعُ." الْحَكِيمِ" فِي فِعْلِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ جميع هذا «3» .
[سورة الجاثية (45): الآيات 3 الى 5]
إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)
(1). آية 14.
(2)
. آية 5 سورة التوبة.
(3)
. راجع ج 1 ص 287 وج 2 ص 131 طبعه ثانية.
قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" أَيْ فِي خَلْقِهِمَا" لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ" يَعْنِي الْمَطَرَ." فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" تَقَدَّمَ جَمِيعُهُ مُسْتَوْفًى فِي" الْبَقَرَةِ" وَغَيْرِهَا «1» . وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ"" وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ" بِالرَّفْعِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا. وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى اسْمِ" إِنَّ" وَخَبَرِهَا" فِي السَّماواتِ". وَوَجْهُ الْكَسْرِ فِي" آيَاتٍ" الثَّانِي الْعَطْفُ على ما عملت فيه، التقدير: وإن فِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ. فَأَمَّا الثَّالِثُ فَقِيلَ: إِنَّ وَجْهَ النَّصْبِ فِيهِ تَكْرِيرُ" آيَاتٌ" لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ، كَمَا تَقُولُ: ضَرَبْتُ زَيْدًا زَيْدًا «2» . وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى مَا عَمِلَتْ فِيهِ" إِنَّ" عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ" فِي"، التَّقْدِيرُ: وَفِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ آيَاتٌ. فَحُذِفَتْ" فِي" لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ في الحذف:
أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسِبِينَ امْرَأً
…
وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَّيْلِ «3»
نَارَا فَحَذَفَ" كُلَّ" الْمُضَافَ إِلَى نَارٍ الْمَجْرُورَةِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ. وَلَمْ يُجِزْهُ سِيبَوَيْهِ، وَأَجَازَهُ الْأَخْفَشُ وجماعة من الكوفيين، فعطف" اختلاف" عَلَى قَوْلِهِ:(وَفِي خَلْقِكُمْ) ثُمَّ قَالَ: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ) فَيَحْتَاجُ إِلَى الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَالْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ قَبِيحٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ حُرُوفَ الْعَطْفِ تَنُوبُ مَنَابَ الْعَامِلِ، فَلَمْ تَقْوَ أَنْ تَنُوبَ مَنَابَ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إِذْ لَوْ نَابَ مَنَابَ رَافِعٍ وَنَاصِبٍ لَكَانَ رَافِعًا نَاصِبًا فِي حَالٍ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الرَّفْعِ فَحَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ" إِنَّ" مَعَ مَا عَمِلَتْ فِيهِ. وَقَدْ أَلْزَمَ النَّحْوِيُّونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْعَطْفَ عَلَى عاملين، لأنه عطف على" وَاخْتِلَافِ" عَلَى" وَفِي خَلْقِكُمْ"، وَعَطَفَ" آياتٌ" عَلَى مَوْضِعِ" آياتٌ" الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى تَكْرِيرِ" فِي". ويجوز أن يرفع
(1). راجع ج 2 ص 191 وما بعدها. وج 14 ص (58)
(2)
. في ل: زيدا وزيدا بزيادة الواو.
(3)
. البيت لابي دواد الايادي.