الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ مِنَ الْغَيَاطِلَةِ «1» . وَحَكَى النَّقَّاشُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ ذَاتَ ليلة ومعه الوليد ابن الْمُغِيرَةِ، فَتَحَدَّثَا فِي شَأْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ! فَقَالَ لَهُ مَهْ! وَمَا دَلَّكَ عَلَى ذَلِكَ!؟ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، كُنَّا نُسَمِّيهِ فِي صِبَاهُ الصَّادِقَ الْأَمِينَ، فَلَمَّا تَمَّ عَقْلُهُ وَكَمُلَ رُشْدُهُ، نُسَمِّيهِ الْكَذَّابَ الْخَائِنَ!! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ! قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَهُ وَتُؤْمِنَ بِهِ؟ قَالَ: تَتَحَدَّثُ عَنِّي بَنَاتُ قُرَيْشٍ أَنِّي قَدِ اتَّبَعْتُ يَتِيمَ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَجْلِ كِسْرَةٍ «2» ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنِ اتَّبَعْتُهُ أَبَدًا. فَنَزَلَتْ" وَخَتَمَ عَلَى سمعه وقلبه".
[سورة الجاثية (45): آية 24]
وَقالُوا مَا هِيَ إِلَاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَاّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ يَظُنُّونَ (24)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَقالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا" هَذَا إِنْكَارٌ مِنْهُمْ لِلْآخِرَةِ وَتَكْذِيبٌ لِلْبَعْثِ وَإِبْطَالٌ لِلْجَزَاءِ. وَمَعْنَى" نَمُوتُ وَنَحْيا" أي نموت نحن وتحيا أولادنا، قاله الكلبي. وقرى" وَنَحْيا" بِضَمِّ النُّونِ. وَقِيلَ: يَمُوتُ بَعْضُنَا وَيَحْيَا بَعْضُنَا. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ نَحْيَا وَنَمُوتُ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ." وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ" قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي السِّنِينَ وَالْأَيَّامَ. وقال قتادة: إلا العمر، والمعنى واحد. وقرى" إِلَّا دَهْرٌ يَمُرُّ". وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: الدَّهْرُ هُوَ الَّذِي يُهْلِكُنَا وَهُوَ الَّذِي يُحْيِينَا وَيُمِيتُنَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الْمَوْتُ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
أَمِنَ الْمَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ
…
والدهر ليس بمعتب من يجزع
(1). في كتاب الاشتقاق لابن دريد (ص 75 طبع أوربا):" بنو قيس بن عدي كانوا من رجال قريش يلقبون الغياطل، وكان قيس سيد قريش في دهره غير مدافع". قال:" والغياطل: جمع غيطلة، وهو الشجر الملتف، واختلاط الظلام".
(2)
. في أز ح: كسيرة.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَيْ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا اللَّهُ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ مَا يُهْلِكُنَا إِلَّا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَهُوَ الَّذِي يُهْلِكُنَا وَيُمِيتُنَا وَيُحْيِينَا فَيَسُبُّونَ الدَّهْرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرَ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ". قُلْتُ: قَوْلُهُ" قَالَ اللَّهُ" إِلَى آخِرِهِ نَصُّ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ. وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُدَ. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ). وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ اسْمًا إِنَّمَا خَرَجَ رَدًّا عَلَى الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الدَّهْرَ هُوَ الْفَاعِلُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَكَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ ضُرٌّ أَوْ ضَيْمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ نَسَبُوا ذَلِكَ إِلَى الدَّهْرِ فَقِيلَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ، أَيْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَاعِلُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تُضِيفُونَهَا إِلَى الدَّهْرِ فَيَرْجِعُ السَّبُّ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. وَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هذا ما ذكرناه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ
…
) الْحَدِيثَ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ، وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ:
يَا عَاتِبَ الدَّهْرِ إِذَا نَابَهُ
…
لَا تَلُمِ الدَّهْرَ عَلَى غَدْرِهِ
الدَّهْرُ مَأْمُورٌ، لَهُ آمِرٌ
…
وَيَنْتَهِي الدَّهْرُ إِلَى أَمْرِهِ
كَمْ كَافِرٍ أَمْوَالُهُ جَمَّةٌ
…
تَزْدَادُ أَضْعَافًا عَلَى كُفْرِهِ
وَمُؤْمِنٌ لَيْسَ له درهم
…
يزداد إِيمَانًا عَلَى فَقْرِهِ
وَرُوِيَ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الدَّهْرَ فَزَجَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ: إِيَّاكَ يَا بُنَيَّ وَذِكْرَ الدَّهْرِ! وَأَنْشَدَ:
فَمَا الدَّهْرُ بِالْجَانِي لِشَيْءٍ لِحِينِهِ
…
وَلَا جَالِبَ الْبَلْوَى فَلَا تَشْتُمَ الدَّهْرَا
وَلَكِنْ مَتَى مَا يَبْعَثُ اللَّهُ بَاعِثًا
…
عَلَى مَعْشَرٍ يَجْعَلُ مَيَاسِيرَهُمْ عُسْرَا