الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَيْرُ عَاصِيَيْنِ وَلَا آثِمَيْنِ بِالْقِتَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلْحَةَ:] شَهِيدٌ [. وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّ قَاتِلَ الزُّبَيْرِ فِي النَّارِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَعَدَ غَيْرَ مُخْطِئٍ فِي التَّأْوِيلِ. بَلْ صواب أراهم اللَّهُ الِاجْتِهَادَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَعْنَهُمْ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَتَفْسِيقَهُمْ، وَإِبْطَالَ فَضَائِلِهِمْ وَجِهَادَهُمْ، وَعَظِيمَ غِنَائِهِمْ فِي الدِّينِ، رضي الله عنهم. وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُهُمِ عَنِ الدِّمَاءِ الَّتِي أُرِيقَتْ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالَ:" تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ" «1» [البقرة: 141]. وسيل بَعْضُهُمْ عَنْهَا أَيْضًا فَقَالَ: تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا يَدِي، فَلَا أُخَضِّبُ بِهَا لِسَانِي. يَعْنِي فِي التَّحَرُّزِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي خَطَأٍ، وَالْحُكْمِ عَلَى بَعْضِهِمْ بِمَا لَا يَكُونُ مُصِيبًا فِيهِ. قَالَ ابْنُ فَوْرِكٍ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إِنَّ سَبِيلَ مَا جَرَتْ بَيْنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمُنَازَعَاتِ كَسَبِيلِ مَا جَرَى بَيْنَ إِخْوَةِ يُوسُفَ مَعَ يُوسُفَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْوَلَايَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِيمَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: فَأَمَّا الدِّمَاءُ فَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيْنَا الْقَوْلُ فِيهَا بِاخْتِلَافِهِمْ. وَقَدْ سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ قِتَالِهِمْ فَقَالَ: قِتَالٌ شَهِدَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَغِبْنَا، وَعَلِمُوا وَجَهِلْنَا، وَاجْتَمَعُوا فَاتَّبَعْنَا، وَاخْتَلَفُوا فَوَقَفْنَا. قَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، وَنَعْلَمُ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَعْلَمَ بِمَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَّا، وَنَتَّبِعُ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَنَقِفُ عِنْدَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا نَبْتَدِعُ رَأْيًا مِنَّا، وَنَعْلَمُ أَنَّهُمُ اجْتَهَدُوا وَأَرَادُوا اللَّهَ عز وجل، إِذْ كَانُوا غَيْرَ مُتَّهَمِينَ فِي الدين، ونسأل الله التوفيق.
[سورة الحجرات (49): آية 10]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" أَيْ فِي الدِّينِ وَالْحُرْمَةِ لَا فِي النَّسَبِ، وَلِهَذَا قِيلَ: أُخُوَّةُ الدِّينِ أَثْبَتُ مِنْ أُخُوَّةِ النَّسَبِ، فَإِنَّ أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين،
(1). (134) سورة البقرة.
وَأُخُوَّةَ الدِّينِ لَا تَنْقَطِعُ بِمُخَالَفَةِ النَّسَبِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:] لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا [«1». وَفِي رِوَايَةٍ:] لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ ولا يحقره، التقوى ها هنا- وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبَ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضِهِ [لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:] الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَعِيبُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ فِي الْبُنْيَانِ فَيَسْتُرُ عَلَيْهِ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا يُؤْذِيهِ بِقُتَارِ قِدْرِهِ إِلَّا أَنْ يَغْرِفَ لَهُ غَرْفَةً وَلَا يَشْتَرِيَ لِبَنِيهِ الْفَاكِهَةَ فَيَخْرُجُونَ بِهَا إِلَى صِبْيَانِ جَارِهِ وَلَا يُطْعِمُونَهُمْ مِنْهَا [. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:] احْفَظُوا وَلَا يَحْفَظُ مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيلٌ [. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" أَيْ بَيْنَ كُلِّ مُسْلِمَيْنِ تَخَاصَمَا. وَقِيلَ: بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: أَرَادَ بِالْأَخَوَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ، لِأَنَّ لَفْظَ التَّثْنِيَةِ يَرِدُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ، كقوله تعالى:" بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ" «2» [المائدة: 64]. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ أَصْلِحُوا بَيْنَ كُلِّ أَخَوَيْنِ، فَهُوَ آتٍ عَلَى الْجَمِيعِ. وَقَرَأَ ابْنُ سِيرِينَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالْجَحْدَرِيُّ وَيَعْقُوبُ" بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ" بِالتَّاءِ عَلَى الْجَمْعِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" إِخْوَانِكُمْ". الْبَاقُونَ" أَخَوَيْكُمْ" بِالْيَاءِ عَلَى التَّثْنِيَةِ. الثَّالِثَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَغْي لَا يُزِيلُ اسْمَ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُمْ إِخْوَةً مُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ بَاغِينَ. قَالَ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَهُوَ الْقُدْوَةُ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ أَهْلِ الجمل وصفين: أمشركون هم؟
(1). التحسس (بالحاء): الاستماع لحديث القوم. والتناجش: أن تزيد في ثمن سلعة ولا رغبة لك في شرائها. وقيل: هو تحريض الغير على الشراء.
(2)
. آية 64 سورة المائدة.