الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالثُّمَالِيُّ: بِالْمَنِّ، وَهُوَ خِطَابٌ لِمَنْ كَانَ يَمُنُّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْلَامِهِ. وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ، وَقَوْلُ الْحَسَنِ يَجْمَعُهُ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْكَبَائِرَ تُحْبِطُ الطَّاعَاتِ، وَالْمَعَاصِي تُخْرِجُ عَنِ الْإِيمَانِ. الثَّانِيَةُ- احْتَجَّ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنَ التَّطَوُّعِ- صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا- بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ فِيهِ إِبْطَالَ الْعَمَلِ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ- وَهُوَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ-: الْمُرَادُ بِذَلِكَ إِبْطَالُ ثَوَابِ الْعَمَلِ الْمَفْرُوضِ، فَنَهَى الرَّجُلَ عَنْ إِحْبَاطِ ثَوَابِهِ. فَأَمَّا مَا كَانَ نَفْلًا فَلَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ. فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فَالْعَامُّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ. وَوَجْهُ تَخْصِيصِهِ أَنَّ النَّفْلَ تَطَوُّعٌ، وَالتَّطَوُّعُ يَقْتَضِي تَخْيِيرًا. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِسْلَامِ ذَنْبٌ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَخَافُوا الْكَبَائِرَ أَنْ تُحْبِطَ الْأَعْمَالَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا عَصَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدْ أبطلتم أعمالكم.
[سورة محمد (47): آية 34]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)
بَيَّنَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ يُوجِبُ الْخُلُودُ فِي النَّارِ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" الْكَلَامُ «1» فِيهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أصحاب القليب «2» . وحكمها عام.
[سورة محمد (47): آية 35]
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَلا تَهِنُوا" أَيْ تَضْعُفُوا عَنِ الْقِتَالِ. وَالْوَهَنُ: الضَّعْفُ وَقَدْ وَهَنَ الْإِنْسَانُ وَوَهَنَهُ غَيْرُهُ، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. قَالَ:
إنني لست بموهون فقر «3»
(1). راجع ج 3 ص (48)[ ..... ]
(2)
. المراد به قليب بدر.
(3)
. هذا عجز بيت لطرفة، وصدره:
وإذا تلسنني ألسنها
ووهن أيضا (بالكسر) وهنا أي ضعف، وقرى" فَما وَهَنُوا" بِضَمِّ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا. وَقَدْ مَضَى فِي (آلِ عِمْرَانَ) «1». الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ" أَيِ الصُّلْحَ." وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ" أَيْ وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فِي الْحُجَّةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَأَنْتُمُ الْغَالِبُونَ لِأَنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ وَإِنْ غَلَبُوكُمْ فِي الظَّاهِرِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا تَكُونُوا أَوَّلَ الطَّائِفَتَيْنِ ضَرَعَتْ إِلَى صَاحِبَتِهَا. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا، فَقِيلَ: إِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها"«2» [الأنفال: 61]، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الصُّلْحِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إِلَى الصُّلْحِ. وَقِيلَ: مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها". وَقِيلَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ. وَالْآيَتَانِ نَزَلَتَا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحَالِ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ" وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها" مَخْصُوصٌ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَالْأُخْرَى عَامَّةٌ. فَلَا يَجُوزُ مُهَادَنَةُ الْكُفَّارِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ إِذَا عَجَزْنَا عَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى «3» ." وَاللَّهُ مَعَكُمْ" أَيْ بِالنَّصْرِ والمعونة، مثل" وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" «4» [العنكبوت: 69] " وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ" أَيْ لَنْ يُنْقِصَكُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُ الْمَوْتُورُ الَّذِي قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرَكْ بِدَمِهِ، تَقُولُ مِنْهُ: وَتَرَهُ يَتِرُهُ وَتْرًا وَتِرَةً. وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام:] مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ [أَيْ ذَهَبَ بِهِمَا. وَكَذَلِكَ وَتَرَهُ حَقَّهُ أَيْ نَقَصَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ
" أَيْ لَنْ يَنْتَقِصَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ، كَمَا تَقُولُ: دَخَلْتُ الْبَيْتَ، وَأَنْتَ تُرِيدُ فِي الْبَيْتِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. الْفَرَّاءُ:" وَلَنْ يَتِرَكُمْ" هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَتْرِ وَهُوَ الْفَرْدُ، فَكَانَ الْمَعْنَى وَلَنْ يفردكم بغير ثواب.
(1). راجع ج 4 ص (230)
(2)
. آية 61 سورة الأنفال
. (3). راجع ج 8 ص 69
(4)
. 39 سورة العنكبوت.