الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ تَعَالَى:" أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ" قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بضم الياء فيهما. وقرى" يَتَقَبَّلُ، وَيَتَجَاوَزُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالضَّمِيرُ فِيهِمَا يَرْجِعُ لِلَّهِ عز وجل. وَقَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" نَتَقَبَّلُ، وَنَتَجَاوَزُ" النُّونُ فِيهِمَا، أَيْ نَغْفِرُهَا وَنَصْفَحُ عَنْهَا. وَالتَّجَاوُزُ أَصْلُهُ مِنْ جُزْتُ الشَّيْءَ إِذَا لَمْ تَقِفْ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا" وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ" إِلَى آخِرِهَا مُرْسَلَةٌ نَزَلَتْ عَلَى الْعُمُومِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَمَعْنَى" نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ" أَيْ نَتَقَبَّلُ مِنْهُمُ الْحَسَنَاتِ وَنَتَجَاوَزُ عَنِ السَّيِّئَاتِ. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ- وَيَحْكِيهِ مَرْفُوعًا-: إِنَّهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا قُبِلَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَغُفِرَتْ سَيِّئَاتُهُمْ. وَقِيلَ: الْأَحْسَنُ مَا يَقْتَضِي الثَّوَابَ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَلَيْسَ فِي الْحَسَنِ الْمُبَاحِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، حَكَاهُ ابْنُ عِيسَى." فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ"" فِي" بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ مَعَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، تَقُولُ: أَكْرَمَكَ وَأَحْسَنَ إِلَيْكَ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ، أَيْ مَعَ جَمِيعِهِمْ." وَعْدَ الصِّدْقِ" نُصِبَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ، أَيْ وَعَدَ اللَّهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ وَعْدَ الصِّدْقِ. وَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ الصِّدْقَ هُوَ ذَلِكَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَهُ الله، وهو كقوله تعالى:" حَقُّ الْيَقِينِ"«1» [الواقعة: 95]. وَهَذَا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، فَأَمَّا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ فَتَقْدِيرُهُ: وَعْدُ الْكَلَامِ الصِّدْقِ أَوِ الْكِتَابُ الصِّدْقِ، فَحَذَفَ الْمَوْصُوفَ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ «2» ." الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ" فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسِنَةِ الرسل، وذلك الجنة.
[سورة الأحقاف (46): الآيات 17 الى 18]
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (18)
(1). آية 95 سورة الواقعة.
(2)
. راجع ج 9 ص 356.
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ" أَيْ أَنْ أُبْعَثَ." وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي" قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَحَفْصٍ وَغَيْرِهِمَا" أُفٍّ" مَكْسُورٌ مُنَوَّنٌ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ" أُفٍّ" بِالْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ. الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ غَيْرِ مُنَوَّنٍ، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ، وَقَدْ مَضَى فِي" بَنِي إِسْرَائِيلَ"«1» . وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" أَتَعِدانِنِي" بِنُونَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ. وَفَتَحَ يَاءَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ. وَأَسْكَنَ الْبَاقُونَ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَهِشَامٌ" أَتَعِدَانِّي" بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الشَّامِ. وَالْعَامَّةُ عَلَى ضَمِّ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ" أَنْ أُخْرَجَ". وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَنَصْرٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو مَعْمَرٍ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَضَمِّ الرَّاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، وَكَانَ يَدْعُوهُ أَبَوَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُجِيبُهُمَا بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ أَيْضًا: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، وَكَانَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ أُمُّ رُومَانَ يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَعِدَانِهِ بِالْبَعْثِ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمَا بِمَا حَكَاهُ اللَّهُ عز وجل عَنْهُ، وَكَانَ هَذَا مِنْهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ أَيْضًا: هِيَ نَعْتُ عَبْدٍ كَافِرٍ عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَيْفَ يُقَالُ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَاللَّهُ عز وجل يَقُولُ:" أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ" أَيِ الْعَذَابُ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عَدَمُ الْإِيمَانِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُؤْمِنِينَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدٍ كَافِرٍ عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلى مروان ابن الْحَكَمِ حَتَّى يُبَايِعَ النَّاسَ لِيَزِيدَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا هِرَقْلِيَّةَ «2» ، أَتُبَايِعُونَ لِأَبْنَائِكُمْ! فَقَالَ مَرْوَانُ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ فِيهِ" وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما" الْآيَةَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ بِهِ. وَلَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَعَنَ أَبَاكَ وَأَنْتَ فِي صُلْبِهِ، فَأَنْتَ فَضَضٌ «3» مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ جَعَلَ الْآيَةَ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ" أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ"
(1). راجع ج 10 ص 242.
(2)
. أراد أن البيعة لأولاد الملوك سنة ملوك الروم، وهرقل: اسم ملك الروم.
(3)
. كل ما انقطع من شيء أو تفرق فهو فضض، أراد أنك قطعة وطائفة منها.