الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّهُ أُتِيَ بِخُنْثَى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: (وَرِّثُوهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَبُولُ). وَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ، وَنَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَحَكَاهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا دَلَالَةَ فِي الْبَوْلِ، فَإِنْ خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحْكَمُ بِالْأَكْثَرِ. وَأَنْكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ: أَتَكِيلُهُ! وَلَمْ يَجْعَلْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لِلْكَثْرَةِ حُكْمًا. وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا: تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ عَلَى الرَّجُلِ بِضِلْعٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ فِي" النِّسَاءِ" «1» مُجَوَّدًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الرَّابِعَةُ- قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ مِنْ رُءُوسِ الْعَوَامِّ وُجُودَ الْخُنْثَى، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ الْخَلْقَ إِلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى. قُلْنَا: هَذَا جَهْلٌ بِاللُّغَةِ، وَغَبَاوَةٌ عَنْ مَقْطَعِ الْفَصَاحَةِ، وَقُصُورٌ عَنْ مَعْرِفَةِ سَعَةِ الْقُدْرَةِ. أَمَّا قُدْرَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، وَأَمَّا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَلَا يَنْفِي وُجُودَ الْخُنْثَى، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:" لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ". فَهَذَا عُمُومُ مَدْحٍ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ تَقْتَضِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ" يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً" فَهَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْغَالِبِ فِي الْمَوْجُودَاتِ، وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ «2» النَّادِرِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ عُمُومِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَالْوُجُودُ يَشْهَدُ لَهُ وَالْعِيَانُ يُكَذِّبُ مُنْكِرَهُ، وَقَدْ كَانَ يَقْرَأُ مَعَنَا بِرِبَاطِ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى الْإِمَامِ الشَّهِيدِ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ خُنْثَى لَيْسَ لَهُ لِحْيَةٌ وَلَهُ ثَدْيَانِ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ، فَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِهِ، وَمَعَ طُولِ الصُّحْبَةِ عَقَلَنِي الْحَيَاءُ عَنْ سُؤَالِهِ، وبودي اليوم لو كاشفته عن حاله.
[سورة الشورى (42): آية 51]
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
(1). راجع ج 5 ص 65 فما بعدها.
(2)
. لفظة ذكر ساقطة من ح ز ل.
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى" وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً" سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا تُكَلِّمُ اللَّهَ وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا كَمَا كَلَّمَهُ مُوسَى وَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِنَّا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْعَلَ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ مُوسَى لَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ) فَنَزَلَ قَوْلُهُ" وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً"، ذَكَرَهُ النَّقَّاشُ وَالْوَاحِدِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ." وَحْياً" قَالَ مُجَاهِدٌ: نَفَثَ يَنْفُثُ فِي قَلْبِهِ فَيَكُونُ إِلْهَامًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي «1» إِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ، رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ. خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ)." أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ" كَمَا كَلَّمَ مُوسَى." أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا" كَإِرْسَالِهِ جِبْرِيلَ عليه السلام. وَقِيلَ:" إِلَّا وَحْياً" رُؤْيَا يَرَاهَا فِي مَنَامِهِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ زُهَيْرٍ." أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ" كَمَا كَلَّمَ مُوسَى." أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا" قَالَ زُهَيْرٌ هُوَ جِبْرِيلُ عليه السلام." فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ" وَهَذَا الْوَحْيُ مِنَ الرُّسُلِ خِطَابٌ مِنْهُمْ لِلْأَنْبِيَاءِ يَسْمَعُونَهُ نُطْقًا وَيَرَوْنَهُ عِيَانًا. وَهَكَذَا كَانَتْ حَالُ جِبْرِيلَ عليه السلام إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ فَلَمْ يَرَهُ مِنْهُمْ إِلَّا مُحَمَّدٌ وَعِيسَى وَمُوسَى وَزَكَرِيَّا عليهم السلام. فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَكَانَ وَحْيًا إِلْهَامًا فِي الْمَنَامِ. وَقِيلَ" إِلَّا وَحْياً" بِإِرْسَالِ جِبْرِيلَ" أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ" كَمَا كَلَّمَ مُوسَى." أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا" إِلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ" أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ" بِرَفْعِ الْفِعْلَيْنِ. الْبَاقُونَ بِنَصْبِهِمَا. فَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ وَهُوَ يُرْسِلُ. وَقِيلَ:" يُرْسِلُ" بِالرَّفْعِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ إِلَّا مُوحِيًا أَوْ مُرْسَلًا. وَمَنْ نَصَبَ عَطَفُوهُ عَلَى مَحَلِّ الْوَحْيِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُوحِيَ أَوْ يُرْسِلَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْجَارِّ مِنْ أَنِ الْمُضْمَرَةِ. وَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، التَّقْدِيرُ أَوْ بِأَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْطِفَ" أَوْ يُرْسِلَ" بِالنَّصْبِ عَلَى" أَنْ يُكَلِّمَهُ" لِفَسَادِ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ يَصِيرُ: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُرْسِلَهُ أَوْ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ رَسُولًا، وَهُوَ قَدْ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مِنَ الْبَشَرِ وأرسل إليهم.
(1). الروع (بالضم): القلب والعقل. والروع (بالفتح): الفزع.