الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الشورى (42): آية 9]
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَمِ اتَّخَذُوا" أَيْ بَلِ اتَّخَذُوا." مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ" يَعْنِي أَصْنَامًا." فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ" أَيْ وَلِيُّكَ يَا مُحَمَّدُ وَوَلِيُّ مَنِ اتَّبَعَكَ، لا ولي سواه «1» ." وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى " يُرِيدُ عِنْدَ الْبَعْثِ." وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَقْدِرُ على شي.
[سورة الشورى (42): آية 10]
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ" حِكَايَةُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ وَمَا خَالَفَكُمْ فِيهِ الْكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، فَقُولُوا لَهُمْ حُكْمَهُ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَيْكُمْ، وَقَدْ حَكَمَ أَنَّ الدِّينَ هُوَ الْإِسْلَامُ لَا غَيْرُهُ. وَأُمُورُ الشَّرَائِعِ إِنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ بَيَانِ اللَّهِ." ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي" أَيِ الْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ هُوَ رَبِّي وَحْدَهُ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ: أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ ذَلِكُمُ اللَّهُ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَيَحْكُمُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ هُوَ رَبِّي." عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ" اعْتَمَدْتُ." وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" أَرْجِعُ.
[سورة الشورى (42): آية 11]
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) قَوْلُهُ تَعَالَى:" فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" بِالرَّفْعِ عَلَى النَّعْتِ لِاسْمِ اللَّهِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ فَاطِرُ. وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى النِّدَاءِ، وَالْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ فِي" عَلَيْهِ". وَالْفَاطِرُ: الْمُبْدِعُ وَالْخَالِقُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ «2» .. " جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً" قِيلَ معناه إناثا. وإنما
(1). ما بين المربعين من ح ل هـ.
(2)
. راجع ج 6 ص 397، ج 9 ص 270 و346، ج 14 ص 24 وما بعدها. 319
قَالَ:" مِنْ أَنْفُسِكُمْ" لِأَنَّهُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ." وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً" يَعْنِي الثَّمَانِيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي" الْأَنْعَامِ"«1» ذُكُورَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَإِنَاثَهَا." يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ" أَيْ يَخْلُقُكُمْ وَيُنْشِئُكُمْ" فِيهِ" أَيْ فِي الرَّحِمِ. وَقِيلَ: فِي الْبَطْنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ كَيْسَانَ:" فِيهِ" بِمَعْنَى بِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى" يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ" يُكَثِّركُمْ بِهِ، أَيْ يُكَثِّركُمْ يَجْعَلُكُمْ أَزْوَاجًا، أَيْ حَلَائِلُ، لِأَنَّهُنَّ سَبَبُ النَّسْلِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْهَاءَ فِي" فِيهِ" لِلْجَعْلِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ" جَعَلَ"، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَخْلُقُكُمْ وَيُكَثِّرُكُمْ فِي الْجَعْلِ. ابْنُ قُتَيْبَةَ:" يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ" أَيْ فِي الزَّوْجِ، أَيْ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ. وَقَالَ: وَيَكُونُ" فِيهِ" فِي الرَّحِمِ، وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ الرَّحِمَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ." لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" قِيلَ: إِنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، أَيْ لَيْسَ مثله شي. قَالَ:
وَصَالِيَاتٍ كَكُمَا يُؤْثَفَيْنَ «2»
فَأَدْخَلَ عَلَى الْكَافِ كَافًا تَأْكِيدًا لِلتَّشْبِيهِ. وَقِيلَ: الْمِثْلُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وهو قول ثعلب: ليس كهو شي، نَحْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا"«3» . [البقرة: 137]. وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ" فَإِنْ آمَنُوا بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا" قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ:
وَقَتْلَى كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّ
…
خِيلِ يَغْشَاهُمْ مَطَرٌ مُنْهَمِرُ
أَيْ كَجُذُوعِ. وَالَّذِي يَعْتَقِدُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ فِي عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَمَلَكُوتِهِ وَحُسْنَى أَسْمَائِهِ وَعَلِيِّ صِفَاتِهِ، لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَا يُشْبَّهُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ مِمَّا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ عَلَى الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، فَلَا تَشَابُهَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الحقيقي، إذ صفات القديم عز وجل بِخِلَافِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ، إِذْ صِفَاتُهُمْ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْأَغْرَاضِ وَالْأَعْرَاضِ، وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَزَلْ بِأَسْمَائِهِ وَبِصِفَاتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي (الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ
(1). راجع ج 7 ص 113 طبعه أولى أو ثانية.
(2)
. الصاليات: الأثافي، وهي الأحجار التي ينصب عليها القدر. ومعنى يؤثفين: ينصبن للقدر. (راجع خزانة الأدب في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة وكتاب سيبويه). [ ..... ]
(3)
. آية 137 سورة البقرة.