الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأُطْعِمُوا نَخْلَ خَيْبَرَ، وَبَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَقَدْ كَانَ الْحُدَيْبِيَةُ أَعْظَمَ الْفُتُوحِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إِلَيْهَا فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَلَمَّا وَقَعَ الصُّلْحُ مَشَى النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَعَلِمُوا وَسَمِعُوا عَنِ اللَّهِ، فَمَا أَرَادَ أَحَدٌ الْإِسْلَامَ إِلَّا تَمَكَّنَ مِنْهُ، فَمَا مَضَتْ تِلْكَ السَّنَتَانِ إِلَّا وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَكَّةَ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أيضا والعوفي: هو فتح خبير. وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ، وَخَيْبَرُ إِنَّمَا كَانَتْ وَعْدًا وُعِدُوهُ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ"«1» [الفتح: 10] وَقَوْلُهُ" وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ"«2» [الفتح: 20]. وَقَالَ مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ- وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ-: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ «3» الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالُوا: أَوْحَى اللَّهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَخَرَجْنَا نُوجِفُ «4» فَوَجَدْنَا نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ «5» ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم" إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً" فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَوَفَتْحٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:] نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ [. فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى" فَتْحاً" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً»
، لِأَنَّ اسْمَ الْفَتْحِ لَا يَقَعُ مُطْلَقًا إِلَّا عَلَى مَا فُتِحَ عَنْوَةً. هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الِاسْمِ. وَقَدْ يُقَالُ: فُتِحَ الْبَلَدُ صُلْحًا، فَلَا يُفْهَمُ الصُّلْحُ إِلَّا بِأَنْ يُقْرَنَ بِالْفَتْحِ، فَصَارَ الْفَتْحُ فِي الصُّلْحِ مَجَازًا. وَالْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَدْ مَضَى القول فيها «7» ، ويأتي.
[سورة الفتح (48): الآيات 2 الى 3]
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3)
(1). آية 15 من هذه السورة.
(2)
. آية 20 من هذه السورة.
(3)
. في ك: يهرعون.
(4)
. الإيجاف: سرعة السير.
(5)
. كراع الغميم: موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة.
(6)
. أي فتحت بالقتال، قوتل أهلها حتى غلبوا عليها.
(7)
. راجع ج 8 ص 2
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَتْحاً مُبِيناً غَيْرَ تَامٍّ، لِأَنَّ قَوْلَهُ" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ" مُتَعَلِّقٌ بِالْفَتْحِ. كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِكَيْ يَجْمَعَ اللَّهُ لَكَ مَعَ الْفَتْحِ الْمَغْفِرَةَ، فَيَجْمَعُ اللَّهُ لَكَ بِهِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: هِيَ لَامُ الْقَسَمِ. وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ لَامَ الْقَسَمِ لَا تُكْسَرُ وَلَا يُنْصَبُ بِهَا، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ: لِيَقُومَ زَيْدٌ، بِتَأْوِيلِ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ. الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ جُعِلَ فَتْحُ مَكَّةَ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ؟ قُلْتُ: لَمْ يُجْعَلْ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ، وَلَكِنْ لِاجْتِمَاعِ مَا عُدِّدَ مِنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ: الْمَغْفِرَةُ، وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ، وَهِدَايَةُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالنَّصْرُ الْعَزِيزُ. كَأَنَّهُ قَالَ: يَسَّرْنَا لَكَ فَتْحَ مَكَّةَ وَنَصَرْنَاكَ عَلَى عَدُوِّكَ لِيُجْمَعَ لَكَ عِزُّ الدَّارَيْنِ وَأَعْرَاضُ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ مَكَّةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جِهَادٌ لِلْعَدُوِّ سَبَبًا لِلْغُفْرَانِ وَالثَّوَابِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ" مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:] لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ [. ثُمَّ قَرَأَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: هنيئا مريئا يا وسول اللَّهِ، لَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ مَاذَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ" لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ- حَتَّى بَلَغَ- فَوْزاً عَظِيماً" قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح. وفية عن مجمع ابن جَارِيَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ" فَقِيلَ:" مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ" قَبْلَ الرِّسَالَةِ." وَما تَأَخَّرَ" بَعْدَهَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَنَحْوَهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى" إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ- إلى قوله- تَوَّاباً" «1» [النصر: 3 - 1]." لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ" قَبْلَ الرِّسَالَةِ" وَما تَأَخَّرَ" إِلَى وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ:" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ" مَا عَمِلْتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُوحَى إِلَيْكَ." وَما تَأَخَّرَ" كُلُّ شَيْءٍ لَمْ تَعْمَلْهُ، وَقَالَهُ الْوَاحِدِيُّ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي جَرَيَانِ الصَّغَائِرِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي سُورَةِ" الْبَقَرَةِ"«2» ، فَهَذَا قَوْلٌ. وقيل:
(1). راجع ج 20 ص 229.
(2)
. راجع ج 1 ص 308 طبعه ثانية أو ثالثة.