الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ نَاصِيَةِ أَبِي جَهْلٍ كَاذِبَةٍ فِي قَوْلِهَا، خَاطِئَةٍ فِي فِعْلِهَا. وَالْخَاطِئُ مُعَاقَبٌ مَأْخُوذٌ. وَالْمُخْطِئُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ «1» . وَوَصْفُ النَّاصِيَةِ بِالْكَاذِبَةِ الْخَاطِئَةِ، كَوَصْفِ الْوُجُوهِ بِالنَّظَرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «2» [القيامة: 23]. وَقِيلَ: أَيْ صَاحِبُهَا كَاذِبٌ خَاطِئٌ، كَمَا يُقَالُ: نَهَارُهُ صَائِمٌ، وَلَيْلُهُ قَائِمٌ، أَيْ هُوَ صَائِمٌ في نهاره، ثم قائم في ليله.
[سورة العلق (96): الآيات 17 الى 18]
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أَيْ أَهْلَ مَجْلِسِهِ وَعَشِيرَتَهُ، فَلْيَسْتَنْصِرْ بِهِمْ. (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) أَيِ الْمَلَائِكَةَ الْغِلَاظَ الشِّدَادَ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ- وَاحِدُهُمْ زِبْنِيٌّ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: زَابِنٌ. أَبُو عُبَيْدَةَ: زِبْنِيَةٌ. وَقِيلَ: زَبَانِيٌّ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ، كَالْأَبَابِيلِ وَالْعَبَادِيدِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الشُّرَطُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ، وَمِنْهُ الْمُزَابَنَةُ «3» فِي الْبَيْعِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمُّوا الزَّبَانِيَةَ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِأَرْجُلِهِمْ، كَمَا يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ، حَكَاهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ- رحمه الله قَالَ: وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ، وَبَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَنَا أَدْعُو قَوْمِي حَتَّى يَمْنَعُوا عَنِّي رَبَّكَ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ. فَلَمَّا سَمِعَ ذِكْرَ الزَّبَانِيَةِ رَجَعَ فَزِعًا، فَقِيلَ لَهُ: خَشِيتَ مِنْهُ! قَالَ لَا! وَلَكِنْ رَأَيْتُ عِنْدَهُ فَارِسًا يُهَدِّدُنِي بِالزَّبَانِيَةِ. فَمَا أَدْرِي مَا الزَّبَانِيَةُ، وَمَالَ إِلَيَّ الْفَارِسُ، فَخَشِيتُ مِنْهُ أَنْ يأكلني. وفي الاخبار أن الزبانية رؤوسهم فِي السَّمَاءِ وَأَرْجُلُهُمْ فِي الْأَرْضِ، فَهُمْ يَدْفَعُونَ الْكُفَّارَ فِي جَهَنَّمَ وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَعْظَمُ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُمْ بَطْشًا. وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ هَذَا الِاسْمَ عَلَى مَنِ اشْتَدَّ بَطْشُهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
مَطَاعِيمُ فِي الْقُصْوَى مَطَاعِينُ فِي الْوَغَى
…
زَبَانِيَةٌ غُلْبٌ عظام حلومها «4»
(1). الخاطئ: من تعمد لما لا ينبغي أي القاصد للذنب. والمخطئ: من أراد الصواب فصار إلى غيره.
(2)
. آية 23 سورة القيامة.
(3)
. هي بيع الرطب في رءوس النخل بالتمر ونهى عنها لما يقع فيها من الغبن والجهالة.
(4)
. غلب: جمع أغلب وهو الغليظ الرقبة. والعرب تصف السادة بغلظ الرقبة وطولها. والحلوم: جمع الحلم وهو العقل.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا [. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ أَبُو جَهْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ! فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: بأي شي تُهَدِّدُنِي يَا مُحَمَّدُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ أَهْلِ الْوَادِي هَذَا نَادِيًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ مِنْ سَاعَتِهِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَالنَّادِي فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمَجْلِسُ الَّذِي يَنْتَدِي فِيهِ الْقَوْمُ، أَيْ يَجْتَمِعُونَ، وَالْمُرَادُ أَهْلُ النَّادِي، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
لَهُمْ مَجْلِسٌ صهب السبال أذلة «1»
وقال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوههم «2»
وقال آخر:
وَاسْتَبَّ بَعْدكَ يَا كُلَيْبُ الْمَجْلِسُ «3»
وَقَدْ نَادَيْتُ الرَّجُلَ أُنَادِيهِ إِذَا جَالَسْتُهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:
وَجَارُ الْبَيْتِ وَالرَّجُلُ الْمُنَادِي
…
أَمَامَ الْحَيِّ عَقْدُهُمَا سَوَاءُ
(1). تمامه:
سواسية أحرارها وعبيدها
والبيت لذي الرمة لا لجرير. و (صهب): حمر. و (السبال): الشعر الذي عن يمين الشفة العليا وشمالها.
(2)
. تمام البيت:
وأندية ينتابها القول والفعل
المقامات: المجالس، وإنما سميت المقامات لان الرجل كان يقوم في المجلس فيحض على الخير ويصلح بين الناس. وأندية: جمع الندى وهو المجلس أيضا وفية الشاهد. [ ..... ]
(3)
. هذا عجز بيت المهلهل يرثى أخاه كليبا. وصدره:
نبئت أن النار بعدك أوقدت