المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الضحى (93): الآيات 1 الى 3] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٢٠

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة الطارق]

- ‌[سورة الطارق (86): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الطارق (86): آية 4]

- ‌[سورة الطارق (86): الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الطارق (86): آية 9]

- ‌[سورة الطارق (86): آية 10]

- ‌[سورة الطارق (86): الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة الطارق (86): آية 17]

- ‌[تفسير سورة الأعلى]

- ‌[سورة الأعلى (87): آيَةً 1]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 2 الى 5]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة الأعلى (87): آية 9]

- ‌[سورة الأعلى (87): آية 10]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة الأعلى (87): آية 16]

- ‌[سورة الأعلى (87): آية 17]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 18 الى 19]

- ‌[تفسير سورة الغاشية]

- ‌[سورة الغاشية (88): آيَةً 1]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 4]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 5]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 6]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 7]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 11]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 17]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 21 الى 26]

- ‌[تفسير سورة الفجر]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 3]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 8]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 9]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 10]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 14]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 21]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 22 الى 23]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 24]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 27 الى 30]

- ‌[تفسير سورة البلد]

- ‌[سورة البلد (90): آيَةً 1]

- ‌[سورة البلد (90): آية 2]

- ‌[سورة البلد (90): آية 3]

- ‌[سورة البلد (90): آية 4]

- ‌[سورة البلد (90): الآيات 5 الى 9]

- ‌[سورة البلد (90): آية 10]

- ‌[سورة البلد (90): آية 11]

- ‌[سورة البلد (90): آية 12]

- ‌[سورة البلد (90): آية 13]

- ‌[سورة البلد (90): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البلد (90): الآيات 17 الى 20]

- ‌[تفسير سورة الشمس]

- ‌[سورة الشمس (91): آيَةً 1]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 2]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 3]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 4]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 5]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 6]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 7]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 8]

- ‌[سورة الشمس (91): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الشمس (91): الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 15]

- ‌[تفسير سورة والليل]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 5 الى 10]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 19 الى 21]

- ‌[تفسير سورة الضحى]

- ‌[سورة الضحى (93): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الضحى (93): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الضحى (93): آية 6]

- ‌[سورة الضحى (93): آية 7]

- ‌[سورة الضحى (93): آية 8]

- ‌[سورة الضحى (93): الآيات 9 الى 11]

- ‌[تفسير سورة ألم نشرح]

- ‌[سورة الشرح (94): آية 1]

- ‌[سورة الشرح (94): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الشرح (94): آية 4]

- ‌[سورة الشرح (94): الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة الشرح (94): الآيات 7 الى 8]

- ‌[تفسير سورة التين]

- ‌[سورة التين (95): آية 1]

- ‌[سورة التين (95): آية 2]

- ‌[سورة التين (95): آية 3]

- ‌[سورة التين (95): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة التين (95): آية 6]

- ‌[سورة التين (95): آية 7]

- ‌[سورة التين (95): آية 8]

- ‌[تفسير سورة العلق]

- ‌[سورة العلق (96): آيَةً 1]

- ‌[سورة العلق (96): آية 2]

- ‌[سورة العلق (96): آية 3]

- ‌[سورة العلق (96): آية 4]

- ‌[سورة العلق (96): آية 5]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة العلق (96): آية 8]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة العلق (96): آية 19]

- ‌[تفسير سورة القدر]

- ‌[سورة القدر (97): آية 1]

- ‌[سورة القدر (97): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة القدر (97): آية 4]

- ‌[سورة القدر (97): آية 5]

- ‌[تفسير سورة البينة]

- ‌[سورة البينة (98): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة البينة (98): آية 4]

- ‌[سورة البينة (98): آية 5]

- ‌[سورة البينة (98): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البينة (98): آية 8]

- ‌[تفسير سورة الزلزلة]

- ‌[سورة الزلزلة (99): آية 1]

- ‌[سورة الزلزلة (99): آية 2]

- ‌[سورة الزلزلة (99): آية 3]

- ‌[سورة الزلزلة (99): الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الزلزلة (99): الآيات 7 الى 8]

- ‌[تفسير سورة والعاديات]

- ‌[سورة العاديات (100): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 3]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 4]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 5]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 6]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 7]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 8]

- ‌[سورة العاديات (100): الآيات 9 الى 11]

- ‌[تفسير سورة القارعة]

- ‌[سورة القارعة (101): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة القارعة (101): آية 4]

- ‌[سورة القارعة (101): آية 5]

- ‌[سورة القارعة (101): الآيات 6 الى 11]

- ‌[تفسير سورة التكاثر]

- ‌[سورة التكاثر (102): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة التكاثر (102): الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة التكاثر (102): آية 5]

- ‌[سورة التكاثر (102): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة التكاثر (102): آية 8]

- ‌[تفسير سورة والعصر]

- ‌[سورة العصر (103): آية 1]

- ‌[سورة العصر (103): آية 2]

- ‌[سورة العصر (103): آية 3]

- ‌[تفسير سورة الهمزة]

- ‌[سورة الهمزة (104): آية 1]

- ‌[سورة الهمزة (104): آية 2]

- ‌[سورة الهمزة (104): الآيات 3 الى 7]

- ‌[سورة الهمزة (104): الآيات 8 الى 9]

- ‌[تفسير سورة الفيل]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 1]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 2]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 3]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 4]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 5]

- ‌[تفسير سورة قريش]

- ‌[سورة قريش (106): آية 1]

- ‌[سورة قريش (106): آية 2]

- ‌[سورة قريش (106): آية 3]

- ‌[سورة قريش (106): آية 4]

- ‌[تفسير سورة الماعون]

- ‌[سورة الماعون (107): الآيات 1 الى 7]

- ‌[تفسير سورة الكوثر]

- ‌[سورة الكوثر (108): آية 1]

- ‌[سورة الكوثر (108): آية 2]

- ‌[سورة الكوثر (108): آية 3]

- ‌[تفسير سورة الكافرون]

- ‌[سورة الكافرون (109): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الكافرون (109): آية 6]

- ‌[تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّصْرِ]

- ‌[سورة النصر (110): آية 1]

- ‌[سورة النصر (110): آية 2]

- ‌[سورة النصر (110): آية 3]

- ‌[تفسير سورة تبت]

- ‌[سورة المسد (111): آية 1]

- ‌[سورة المسد (111): آية 2]

- ‌[سورة المسد (111): آية 3]

- ‌[سورة المسد (111): آية 4]

- ‌[سورة المسد (111): آية 5]

- ‌[تفسير سورة الإخلاص]

- ‌[سورة الإخلاص (112): الآيات 1 الى 4]

- ‌[تفسير سورة الفلق]

- ‌قوله تعالى [سورة الفلق (113): الآيات 1 الى 5]

- ‌[تفسير سورة الناس]

- ‌[سورة الناس (114): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الناس (114): آية 4]

- ‌[سورة الناس (114): آية 5]

- ‌[سورة الناس (114): آية 6]

الفصل: ‌[سورة الضحى (93): الآيات 1 الى 3]

[تفسير سورة الضحى]

سُورَةُ" الضُّحَى" مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ. وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الضحى (93): الآيات 1 الى 3]

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الضُّحى «1» ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهَارُ، لِقَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى فَقَابَلَهُ بِاللَّيْلِ. وَفِي سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ «2» [الأعراف: 98 - 97] أَيْ نَهَارًا. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَجَعْفَرُ الصَّادِقُ: أَقْسَمَ بِالضُّحَى الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبِلَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ. وَقِيلَ: هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي خَرَّ فِيهَا السَّحَرَةُ سُجَّدًا. بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى «3» [طه: 59]. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ: فِيهِ إضمار، مجازه ورب الضحى. وسَجى مَعْنَاهُ: سَكَنَ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ. يُقَالُ: لَيْلَةٌ سَاجِيَةٌ أَيْ سَاكِنَةٌ. وَيُقَالُ لِلْعَيْنِ إِذَا سَكَنَ طَرَفُهَا: سَاجِيَةٌ. يُقَالُ: سَجَا اللَّيْلُ يَسْجُو سَجْوًا: «4» إِذَا سَكَنَ. وَالْبَحْرُ إِذَا سَجَا: سَكَنَ. قَالَ الْأَعْشَى:

فَمَا ذَنْبُنَا «5» أَنْ جَاشَ بَحْرُ ابْنِ عَمِّكُمْ

وَبَحْرُكَ سَاجٍ مَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا

وَقَالَ الرَّاجِزُ:

يَا حَبَّذَا الْقَمْرَاءُ والليل الساج

وطرق مثل ملاء النساج

(1). راجع ص 72 وما بعدها من هذا الجزء.

(2)

. آية 97، (98)

(3)

. آية 59 سورة طه.

(4)

. في اللسان: (يسجو سجوا وسجوا).

(5)

. في ديوان الاعشين:

أتوعدني أن جاش

والدعامص: جمع الدعموص: وهو دويبة صغيرة تكون في مستنقع الماء.

ص: 91

وَقَالَ جَرِيرٌ:

وَلَقَدْ رَمَيْنَكَ يَوْمَ رُحْنَ بِأَعْيُنٍ

يَنْظُرْنَ مِنْ خِلَلِ السُّتُورِ سَوَاجِي

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سَجى غطى كل شي. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَجْو اللَّيْلِ: تَغْطِيَتُهُ النَّهَارَ، مِثْلَمَا يُسَجَّى الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: غَشِيَ بِظَلَامِهِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنْهُ: إِذَا ذَهَبَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: إِذَا أَظْلَمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقْبَلَ، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا. وَرَوَى ابْنُ أبي نجيح عن مجاهد: سَجى استوى. والقول الأول أشهر في اللغة: سَجى سَكَنَ، أَيْ سَكَنَ النَّاسُ فِيهِ. كَمَا يُقَالُ: نَهَارٌ صَائِمٌ، وَلَيْلٌ قَائِمٌ. وَقِيلَ: سُكُونُهُ اسْتِقْرَارُ ظلامه واستواؤه. ويقال: وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى: يَعْنِي عِبَادَهُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ فِي وَقْتِ الضُّحَى، وَعِبَادَهُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ بِاللَّيْلِ إِذَا أَظْلَمَ. وَيُقَالُ: الضُّحى: يَعْنِي نُورَ الْجَنَّةِ إِذَا تُنَوَّرُ. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى: يَعْنِي ظُلْمَةَ اللَّيْلِ إِذَا أَظْلَمَ. وَيُقَالُ: وَالضُّحى: يَعْنِي النُّورَ الَّذِي فِي قُلُوبِ الْعَارِفِينَ كَهَيْئَةِ النهار. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى: يَعْنِي السَّوَادَ الَّذِي فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ كَهَيْئَةِ اللَّيْلِ، فَأَقْسَمَ اللَّهُ عز وجل بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ. (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ) هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ. وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام أَبْطَأَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَلَاهُ اللَّهُ وَوَدَّعَهُ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: احْتَبَسَ عَنْهُ الْوَحْيُ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقِيلَ: خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ، وَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ مِنَ اللَّهِ لَتَابَعَ عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ «1» فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي لَأَرْجُوُ أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرُبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ جُنْدَبٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [هَلْ أَنْتِ إِلَّا أُصْبُعٌ دميت،

(1). هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان، وهي حمالة الحطب، زوج أبي لهب.

ص: 92

وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ [! قَالَ: وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. لَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ:" فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا" أَسْقَطَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ أَيْضًا عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: رُمِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في إصبعه بحجر، فدميت، فقال: [هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيَتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيَتِ [فَمَكَثَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَا يَقُومُ اللَّيْلَ. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ جَمِيلٍ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ: مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرُبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَنَزَلَتْ وَالضُّحى. وَرَوَى عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، قَالَ: أَبْطَأَ جِبْرِيلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ، فَجَاءَ وَهُوَ وَاضِعُ جَبْهَتِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ يَدْعُو، فَنُكِتَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. وَقَالَتْ خَوْلَةُ- وَكَانَتْ تَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ جِرْوًا دَخَلَ الْبَيْتَ، فَدَخَلَ تَحْتَ السَّرِيرِ فَمَاتَ، فَمَكَثَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّامًا لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَقَالَ: [يَا خَوْلَةُ، مَا حَدَثَ فِي بَيْتِي؟ مَا لِجِبْرِيلَ لَا يَأْتِينِي [قَالَتْ خَوْلَةُ فَقُلْتُ: لَوْ هَيَّأَتُ الْبَيْتَ وَكَنَسْتُهِ، فَأَهْوَيْتُ بِالْمِكْنَسَةِ تَحْتَ السَّرِيرِ، فَإِذَا جِرْوٌ مَيِّتٌ، فَأَخَذْتُهُ فَأَلْقَيْتُهُ خَلْفَ الْجِدَارِ، فَجَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ تَرْعَدُ لَحْيَاهُ- وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ اسْتَقْبَلَتْهُ الرِّعْدَةُ- فَقَالَ: [يَا خَوْلَةُ دَثِّرِينِي [فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ. وَلَمَّا نَزَلَ جِبْرِيلُ سأله النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّأَخُّرِ فَقَالَ: [أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ [. وَقِيلَ: لَمَّا سَأَلَتْهُ الْيَهُودُ عَنِ الرُّوحِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ قَالَ: [سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا [. وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَاحْتَبَسَ عَنْهُ الْوَحْيُ، إِلَى أَنْ نَزَلَ جبريل عليه بقوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» [الكهف: 23] فَأَخْبَرَهُ بِمَا سُئِلَ عَنْهُ. وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَزَلَتْ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. وَقِيلَ: إن المسلمين قالوا: يا رسول الله، مالك لَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ: [وَكَيْفَ يَنْزِلُ عَلَيَّ وَأَنْتُمْ لَا تُنْقُونَ رَوَاجِبَكُمْ- وَفِي رِوَايَةٍ بَرَاجِمَكُمْ «2» - وَلَا تَقُصُّونَ أَظْفَارَكُمْ وَلَا تَأْخُذُونَ مِنْ شواربكم [. فنزل

(1). آية 23 سورة الكهف.

(2)

. الرواجب (واحدها راجبة): وهي ما بين عقد الأصابع. والبراجم (واحدها برجمة بالضم): هي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ.

ص: 93

جِبْرِيلُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:[مَا جِئْتَ حَتَّى اشْتَقْتُ إِلَيْكَ [فقال جبريل: [أنا كُنْتُ أَشَدَّ إِلَيْكَ شَوْقًا، وَلَكِنِّي عَبْدٌ مَأْمُورٌ [ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ «1» [مريم: 64]. وَدَّعَكَ بِالتَّشْدِيدِ: قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ، مِنَ التَّوْدِيعِ، وَذَلِكَ كَتَوْدِيعِ الْمُفَارِقِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزبير أنهما قرأاه (وَدَعَكَ) بِالتَّخْفِيفِ، وَمَعْنَاهُ: تَرَكَكَ. قَالَ:

وَثَمَّ وَدَعْنَا آلَ عَمْرٍو وَعَامِرٍ

فَرَائِسَ أَطْرَافِ الْمُثَقَّفَةِ «2» السُّمْرِ

وَاسْتِعْمَالُهُ قَلِيلٌ. يُقَالُ: هُوَ يَدَعُ كَذَا، أَيْ يَتْرُكُهُ. قَالَ الْمُبَرِّدُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: لَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ وَدَعَ وَلَا وَذَرَ، لِضَعْفِ الْوَاوِ إِذَا قُدِّمَتْ، وَاسْتَغْنَوْا عَنْهَا بِتَرَكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَما قَلى) أَيْ مَا أَبْغَضَكَ رَبُّكَ مُنْذُ أَحَبَّكَ. وَتَرَكَ الْكَافَ، لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ. وَالْقِلَى: الْبُغْضُ، فَإِنْ فَتَحْتَ الْقَافَ مَدَدْتَ، تَقُولُ: قَلَاهُ يَقْلِيهِ قِلًى وَقَلَاءً. كَمَا تَقُولُ: قَرَيْتُ الضَّيْفَ أقرئه قرى وقراء. ويقلاه: لغة طئ. وَأَنْشَدَ ثَعْلَبُ:

أَيَّامَ «3» أُمِّ الْغَمْرِ لَا نَقْلَاهَا

أَيْ لَا نُبْغِضُهَا. وَنَقْلَى أَيْ نُبْغِضُ. وَقَالَ: «4»

أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةً

لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِنْ تَقَلَّتِ

وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَلَسْتُ بِمَقْلِيِّ الْخِلَالِ وَلَا قَالِ «5»

وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَاكَ. فَتَرَكَ الْكَافَ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، كَمَا قَالَ عز وجل: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ «6» [الأحزاب: 35] أي والذاكرات الله.

(1). آية 64 سورة مريم.

(2)

. المثقفة والمثقف: الرمح.

(3)

. كذا في اللسان. وفي الأصول: (يا رب). وبعده كما في اللسان:

ولو تشاء قبلت عيناها

(4)

. هو كثير عزة.

(5)

. صدر البيت:

صرفت الهوى عنهن من خشية الردى

[ ..... ]

(6)

. آية 35 سورة الأحزاب.

ص: 94