المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المسد (111): آية 1] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٢٠

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سورة الطارق]

- ‌[سورة الطارق (86): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الطارق (86): آية 4]

- ‌[سورة الطارق (86): الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الطارق (86): آية 9]

- ‌[سورة الطارق (86): آية 10]

- ‌[سورة الطارق (86): الآيات 11 الى 16]

- ‌[سورة الطارق (86): آية 17]

- ‌[تفسير سورة الأعلى]

- ‌[سورة الأعلى (87): آيَةً 1]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 2 الى 5]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة الأعلى (87): آية 9]

- ‌[سورة الأعلى (87): آية 10]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 14 الى 15]

- ‌[سورة الأعلى (87): آية 16]

- ‌[سورة الأعلى (87): آية 17]

- ‌[سورة الأعلى (87): الآيات 18 الى 19]

- ‌[تفسير سورة الغاشية]

- ‌[سورة الغاشية (88): آيَةً 1]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 4]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 5]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 6]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 7]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 11]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الغاشية (88): آية 17]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة الغاشية (88): الآيات 21 الى 26]

- ‌[تفسير سورة الفجر]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 3]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 8]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 9]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 10]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 14]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 21]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 22 الى 23]

- ‌[سورة الفجر (89): آية 24]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 25 الى 26]

- ‌[سورة الفجر (89): الآيات 27 الى 30]

- ‌[تفسير سورة البلد]

- ‌[سورة البلد (90): آيَةً 1]

- ‌[سورة البلد (90): آية 2]

- ‌[سورة البلد (90): آية 3]

- ‌[سورة البلد (90): آية 4]

- ‌[سورة البلد (90): الآيات 5 الى 9]

- ‌[سورة البلد (90): آية 10]

- ‌[سورة البلد (90): آية 11]

- ‌[سورة البلد (90): آية 12]

- ‌[سورة البلد (90): آية 13]

- ‌[سورة البلد (90): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة البلد (90): الآيات 17 الى 20]

- ‌[تفسير سورة الشمس]

- ‌[سورة الشمس (91): آيَةً 1]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 2]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 3]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 4]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 5]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 6]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 7]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 8]

- ‌[سورة الشمس (91): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الشمس (91): الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة الشمس (91): آية 15]

- ‌[تفسير سورة والليل]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 5 الى 10]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة الليل (92): الآيات 19 الى 21]

- ‌[تفسير سورة الضحى]

- ‌[سورة الضحى (93): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الضحى (93): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الضحى (93): آية 6]

- ‌[سورة الضحى (93): آية 7]

- ‌[سورة الضحى (93): آية 8]

- ‌[سورة الضحى (93): الآيات 9 الى 11]

- ‌[تفسير سورة ألم نشرح]

- ‌[سورة الشرح (94): آية 1]

- ‌[سورة الشرح (94): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الشرح (94): آية 4]

- ‌[سورة الشرح (94): الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة الشرح (94): الآيات 7 الى 8]

- ‌[تفسير سورة التين]

- ‌[سورة التين (95): آية 1]

- ‌[سورة التين (95): آية 2]

- ‌[سورة التين (95): آية 3]

- ‌[سورة التين (95): الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة التين (95): آية 6]

- ‌[سورة التين (95): آية 7]

- ‌[سورة التين (95): آية 8]

- ‌[تفسير سورة العلق]

- ‌[سورة العلق (96): آيَةً 1]

- ‌[سورة العلق (96): آية 2]

- ‌[سورة العلق (96): آية 3]

- ‌[سورة العلق (96): آية 4]

- ‌[سورة العلق (96): آية 5]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة العلق (96): آية 8]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 13 الى 14]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة العلق (96): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة العلق (96): آية 19]

- ‌[تفسير سورة القدر]

- ‌[سورة القدر (97): آية 1]

- ‌[سورة القدر (97): الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة القدر (97): آية 4]

- ‌[سورة القدر (97): آية 5]

- ‌[تفسير سورة البينة]

- ‌[سورة البينة (98): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة البينة (98): آية 4]

- ‌[سورة البينة (98): آية 5]

- ‌[سورة البينة (98): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة البينة (98): آية 8]

- ‌[تفسير سورة الزلزلة]

- ‌[سورة الزلزلة (99): آية 1]

- ‌[سورة الزلزلة (99): آية 2]

- ‌[سورة الزلزلة (99): آية 3]

- ‌[سورة الزلزلة (99): الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الزلزلة (99): الآيات 7 الى 8]

- ‌[تفسير سورة والعاديات]

- ‌[سورة العاديات (100): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 3]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 4]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 5]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 6]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 7]

- ‌[سورة العاديات (100): آية 8]

- ‌[سورة العاديات (100): الآيات 9 الى 11]

- ‌[تفسير سورة القارعة]

- ‌[سورة القارعة (101): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة القارعة (101): آية 4]

- ‌[سورة القارعة (101): آية 5]

- ‌[سورة القارعة (101): الآيات 6 الى 11]

- ‌[تفسير سورة التكاثر]

- ‌[سورة التكاثر (102): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة التكاثر (102): الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة التكاثر (102): آية 5]

- ‌[سورة التكاثر (102): الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة التكاثر (102): آية 8]

- ‌[تفسير سورة والعصر]

- ‌[سورة العصر (103): آية 1]

- ‌[سورة العصر (103): آية 2]

- ‌[سورة العصر (103): آية 3]

- ‌[تفسير سورة الهمزة]

- ‌[سورة الهمزة (104): آية 1]

- ‌[سورة الهمزة (104): آية 2]

- ‌[سورة الهمزة (104): الآيات 3 الى 7]

- ‌[سورة الهمزة (104): الآيات 8 الى 9]

- ‌[تفسير سورة الفيل]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 1]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 2]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 3]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 4]

- ‌[سورة الفيل (105): آية 5]

- ‌[تفسير سورة قريش]

- ‌[سورة قريش (106): آية 1]

- ‌[سورة قريش (106): آية 2]

- ‌[سورة قريش (106): آية 3]

- ‌[سورة قريش (106): آية 4]

- ‌[تفسير سورة الماعون]

- ‌[سورة الماعون (107): الآيات 1 الى 7]

- ‌[تفسير سورة الكوثر]

- ‌[سورة الكوثر (108): آية 1]

- ‌[سورة الكوثر (108): آية 2]

- ‌[سورة الكوثر (108): آية 3]

- ‌[تفسير سورة الكافرون]

- ‌[سورة الكافرون (109): الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الكافرون (109): آية 6]

- ‌[تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّصْرِ]

- ‌[سورة النصر (110): آية 1]

- ‌[سورة النصر (110): آية 2]

- ‌[سورة النصر (110): آية 3]

- ‌[تفسير سورة تبت]

- ‌[سورة المسد (111): آية 1]

- ‌[سورة المسد (111): آية 2]

- ‌[سورة المسد (111): آية 3]

- ‌[سورة المسد (111): آية 4]

- ‌[سورة المسد (111): آية 5]

- ‌[تفسير سورة الإخلاص]

- ‌[سورة الإخلاص (112): الآيات 1 الى 4]

- ‌[تفسير سورة الفلق]

- ‌قوله تعالى [سورة الفلق (113): الآيات 1 الى 5]

- ‌[تفسير سورة الناس]

- ‌[سورة الناس (114): الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الناس (114): آية 4]

- ‌[سورة الناس (114): آية 5]

- ‌[سورة الناس (114): آية 6]

الفصل: ‌[سورة المسد (111): آية 1]

[تفسير سورة تبت]

سُورَةُ" تَبَّتْ" وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ. وَهِيَ خُمْسُ آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة المسد (111): آية 1]

بسم الله الرحمن الرحيم

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «1» [الشعراء: 214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلِصِينَ «2» "، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهُ! فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا مُحَمَّدٌ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ: [يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! [فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ: [أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ [؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: [فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ!، أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا! ثُمَّ قَامَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. زَادَ الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ: فَلَمَّا سَمِعَتِ امْرَأَتُهُ مَا نَزَلَ فِي زَوْجِهَا وَفِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ، أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ «3» مِنْ حِجَارَةٍ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِ أَخَذَ اللَّهُ بَصَرَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلا تَرَى إِلَّا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَهْجُونِي، وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَاهُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَشَاعِرَةٌ:

مُذَمَّمًا عَصَيْنَا

وَأَمْرَهُ أَبَيْنَا

ودينه قلينا

(1). آية 214 سورة الشعراء.

(2)

. قال النووي في شرح مسلم: (وظاهر هذه العبارة أن قوله ورهطك منهم المخلصين كان قرآنا أنزل ثم نسخت تلاوته.

(3)

. الفهر (بالكسر): الحجر ملء الكف وقيل الحجارة مطلقا.

ص: 234

ثُمَّ انْصَرَفَتْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا تَرَاهَا رَأَتْكَ؟ قَالَ: [مَا رَأَتْنِي، لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ بَصَرَهَا عَنِّي [. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إِنَّمَا تُسَمِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُذَمَّمًا، يَسُبُّونَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: [أَلَا تَعْجَبُونَ لِمَا صَرَفَ اللَّهُ عَنِّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ، يَسُبُّونَ وَيَهْجُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ [. وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا مَا حَكَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَاذَا أُعْطَى إِنْ آمَنْتُ بِكَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: [كَمَا يُعْطَى الْمُسْلِمُونَ [قَالَ مَا لِي عَلَيْهِمْ فَضْلٌ؟!. قَالَ: [وأى شي تَبْغِي [؟ قَالَ: تَبًّا لِهَذَا مِنْ دِينٍ، أَنْ أَكُونَ أَنَا وَهَؤُلَاءِ سَوَاءً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ. تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ إِذَا وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ انْطَلَقَ إِلَيْهِمْ أَبُو لَهَبٍ فَيَسْأَلُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا. فَيَقُولُ لَهُمْ أَبُو لَهَبٍ: إِنَّهُ كَذَّابٌ سَاحِرٌ. فَيَرْجِعُونَ عَنْهُ وَلَا يَلْقَوْنَهُ. فَأَتَى وَفْدٌ، فَفَعَلَ مَعَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالُوا: لَا نَنْصَرِفُ حَتَّى نَرَاهُ، وَنَسْمَعَ كَلَامَهُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو لَهَبٍ: إِنَّا لَمْ نَزَلْ نُعَالِجهُ فَتَبًّا لَهُ وَتَعْسًا. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاكْتَأَبَ لِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ

السُّورَةَ. وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا لَهَبٍ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِحَجَرٍ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ لِلْمَنْعِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ. وَمَعْنَى تَبَّتْ: خسرت، قاله قَتَادَةُ. وَقِيلَ: خَابَتْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ ضَلَّتْ، قَالَهُ عَطَاءٌ. وَقِيلَ: هَلَكَتْ، قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ يَمَانُ بْنُ رِئَابٍ: صَفِرَتْ مِنْ كُلِّ خَبَرٍ. حَكَى الْأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رحمه الله سَمِعَ النَّاسُ هَاتِفًا يَقُول:

لَقَدْ خَلَّوْكَ وَانْصَرَفُوا

فَمَا أَبَوْا وَلَا رَجَعُوا

وَلَمْ يُوفُوا بنذرهم

فيا تبا لما صنعوا»

وخصى الْيَدَيْنِ بِالتَّبَابِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِهِمَا، أَيْ خَسِرَتَا وَخَسِرَ هُوَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ نَفْسُهُ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ النَّفْسِ بِالْيَدِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بِما قَدَّمَتْ يَداكَ «2» [الحج: 10].

(1). في بعض نسخ الأصل:

فتبا للذي صنعوا

(2)

. آية 10 سورة الحج. [ ..... ]

ص: 235

أَيْ نَفْسُكُ. وَهَذَا مَهْيَعُ «1» كَلَامِ الْعَرَبِ، تُعَبِّرُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ عَنْ كُلِّهِ، تَقُولُ: أَصَابَتْهُ يَدُ الدهر، وئد الرَّزَايَا وَالْمَنَايَا، أَيْ أَصَابَهُ كُلُّ ذَلِكَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

لَمَّا أَكَبَّتْ يَدُ الرَّزَايَا

عَلَيْهِ نَادَى أَلَا مُجِيرُ

وَتَبَّ قَالَ الْفَرَّاءُ: التَّبُّ الْأَوَّلُ: دُعَاءٌ وَالثَّانِي خَبَرٌ، كَمَا يُقَالُ: أَهْلَكَهُ اللَّهُ وَقَدْ هَلَكَ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ" وَقَدْ تَبَّ" وَأَبُو لَهَبٍ اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَامْرَأَتُهُ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ، أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكِلَاهُمَا، كَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ طَارِقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيُّ: إِنِّي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ، إِذْ أَنَا بِإِنْسَانٍ يَقُولُ: [يا أيها النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا [، وَإِذَا رَجُلٌ خَلْفَهُ يَرْمِيهِ، قَدْ أَدْمَى سَاقَيْهِ وعرقوبيه ويقول: يا أيها النَّاسُ، إِنَّهُ كَذَّابٌ فَلَا تُصَدِّقُوهُ. فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، زَعَمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ. وَهَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَذَّابٌ. وَرَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو لَهَبٍ: سَحَرَكُمْ مُحَمَّدٌ! إِنَّ أَحَدَنَا لَيَأْكُلُ الْجَذَعَةَ «2» ، وَيَشْرَبُ الْعُسَّ «3» مِنَ اللَّبَنِ فَلَا يَشْبَعُ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَشْبَعَكُمْ مِنْ فَخِذِ شَاةٍ، وَأَرْوَاكُمْ مِنْ عُسِّ لَبَنٍ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَبِي لَهَبٍ قِيلَ: سُمِّيَ بِاللَّهَبِ لِحُسْنِهِ، وَإِشْرَاقِ وَجْهِهِ. وَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ فِي هَذَا دَلِيلًا عَلَى تَكْنِيَةِ الْمُشْرِكِ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا كَنَّاهُ اللَّهُ بِأَبِي لَهَبٍ- عِنْدَ الْعُلَمَاءِ- لِمَعَانٍ أَرْبَعَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى، وَالْعُزَّى: صَنَمٌ، وَلَمْ يُضِفِ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعُبُودِيَّةَ إِلَى صَنَمٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرَ مِنْهُ بِاسْمِهِ، فَصَرَّحَ بِهَا. الثَّالِثُ: أَنَّ الِاسْمَ أَشْرَفُ مِنَ الْكُنْيَةِ، فَحَطَّهُ اللَّهُ عز وجل عَنِ الْأَشْرَفِ إِلَى الْأَنْقَصِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ دَعَا اللَّهُ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَيَدُلُّكَ عَلَى شَرَفِ الِاسْمِ عَلَى الْكُنْيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسَمَّى وَلَا يُكْنَى، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَبَيَانِهِ، وَاسْتِحَالَةِ نِسْبَةِ الْكُنْيَةِ إليه، لتقدسه عنها. الرابع- أن

(1). يقال طريق مهيع: أي واضح واسع بين.

(2)

. الجذعة: ولد الشاة في السنة الثانية.

(3)

. العس (بالضم): القدح الكبير.

ص: 236

اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ نِسْبَتَهُ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ، فَيَكُونَ أَبًا لَهَا، تَحْقِيقًا لِلنَّسَبِ، وَإِمْضَاءً لِلْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ. وَقَدْ قِيلَ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ. فَكَانَ أَهْلُهُ يُسَمُّونَهُ (أَبَا لَهَبٍ)، لِتَلَهُّبِ وَجْهِهِ وَحُسْنِهِ، فَصَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَقُولُوا: أَبُو النُّورِ، وَأَبُو الضِّيَاءِ، الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ، وَأَجْرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ أَنْ يُضِيفُوهُ إِلَى (لَهَبٍ) الَّذِي هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَكْرُوهِ الْمَذْمُومِ، وَهُوَ النَّارُ. ثُمَّ حَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَهَا مَقَرَّهُ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ. (أَبِي لَهْبٍ) بِإِسْكَانِ الْهَاءِ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذاتَ لَهَبٍ إِنَّهَا مَفْتُوحَةٌ، لِأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِيهَا رُءُوسَ الْآيِ. الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عز وجل الْقَلَمَ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ. وَقَالَ مَنْصُورٌ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ. هَلْ كَانَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ؟ وَهَلْ كَانَ أَبُو لَهَبٍ يَسْتَطِيعُ أَلَّا يَصْلَى النَّارَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَسْتَطِيعُ أَلَّا يَصْلَاهَا، وَإِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ أَبُو لَهَبٍ وَأَبَوَاهُ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مُوسَى لِآدَمَ:(أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، خَيَّبْتَ «1» النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ آدَمُ: وَأَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ بِكَلَامِهِ، وَأَعْطَاكَ التَّوْرَاةَ، تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الله السموات وَالْأَرْضَ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى «2» [. وَقَدْ تَقَدَّمَ «3» هَذَا. وَفِي حَدِيثِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ آدَمَ قَالَ لِمُوسَى: (بِكُمْ وَجَدْتُ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي)؟ قَالَ: (بِأَلْفَيْ عَامٍ) قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: (أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ وَكَتَبَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ بِأَلْفَيْ عَامٍ). فَحَجَّ «4» آدَمُ مُوسَى. وَفِي حَدِيثِ طَاوُسٍ وَابْنِ هُرْمُزَ وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هريرة: [بأربعين عاما [.

(1). في الأصول: (أغويت).

(2)

. أي غلبه بالحجة.

(3)

. راجع ج 11 ص (256)

(4)

. أي غلبه بقوة حجته.

ص: 237