الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطُورِ سَيْنَاءَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ قَالَ: وَهَكَذَا هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ تَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ. وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ [الفيل: 1]. ولِإِيلافِ قُرَيْشٍ [قُرَيْشٍ: 1] جَمَعَ بَيْنَهُمَا. ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. النَّحَّاسُ: وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ (سِينَاءَ)(بِكَسْرِ السِّينِ)، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ (بفتح السين). وقال الأخفش: طُورِ جبل. وسِينِينَ شَجَرٌ وَاحِدَتُهُ سِينِينِيَّةٌ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: سِينِينَ فِعْلِيلُ، فَكُرِّرَتِ اللَّامُ الَّتِي هِيَ نُونٌ فِيهِ، كَمَا كُرِّرَتْ فِي زِحْلِيلٍ: لِلْمَكَانِ الزَّلِقِ، وَكِرْدِيدَةٍ: لِلْقِطْعَةِ مِنَ التَّمْرِ، وَخِنْذِيدٍ: لِلطَّوِيلِ. وَلَمْ يَنْصَرِفْ سِينِينَ كَمَا لَمْ يَنْصَرِفْ سَيْنَاءُ، لِأَنَّهُ جُعِلَ اسْمًا لِبُقْعَةٍ أَوْ أَرْضٍ، وَلَوْ جُعِلَ اسْمًا لِلْمَكَانِ أَوْ لِلْمَنْزِلِ أَوِ اسْمٍ مُذَكَّرٍ لَانْصَرَفَ، لِأَنَّكَ سَمَّيْتَ مُذَكَّرًا بِمُذَكَّرٍ. وَإِنَّمَا أَقْسَمَ بِهَذَا الْجَبَلِ لِأَنَّهُ بِالشَّأْمِ وَالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ فِيهِمَا، كَمَا قَالَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ [الاسراء: 1].
[سورة التين (95): آية 3]
وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
يَعْنِي مَكَّةَ. سَمَّاهُ أَمِينًا لِأَنَّهُ آمِنٌ، كَمَا قَالَ: أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً «1» [العنكبوت: 67] فَالْأَمِينُ: بِمَعْنَى الْآمِنُ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أَسْمُ وَيْحَكِ أَنَّنِي
…
حَلَفْتُ يَمِينًا لَا أَخُونُ أَمِينِي
يَعْنِي: آمِنِي. وَبِهَذَا احْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ بِالتِّينِ دِمَشْقَ، وَبِالزَّيْتُونِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَأَقْسَمَ اللَّهُ بِجَبَلِ دِمَشْقَ، لِأَنَّهُ مَأْوَى عِيسَى عليه السلام، وَبِجَبَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِأَنَّهُ مَقَامُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَبِمَكَّةَ لِأَنَّهَا أَثَرُ إِبْرَاهِيمَ وَدَارُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
[سورة التين (95): الآيات 4 الى 5]
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، وَأَرَادَ بِالْإِنْسَانِ: الْكَافِرَ. قِيلَ: هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. وَقِيلَ: كِلْدَةُ بْنُ أُسَيْدٍ. فَعَلَى هَذَا نزلت في منكري
(1). آية 67 سورة العنكبوت.
الْبَعْثِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ آدَمُ وَذُرِّيَّتِهِ. فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وَهُوَ اعْتِدَالُهُ وَاسْتِوَاءُ شَبَابِهِ، كَذَا قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ. وَهُوَ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ، لأنه خلق كل شي منكبا عل وَجْهِهِ، وَخَلَقَهُ هُوَ مُسْتَوِيًا، وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ، وئد وَأَصَابِعُ يَقْبِضُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ: مُزَيَّنًا بِالْعَقْلِ، مُؤَدِّيًا لِلْأَمْرِ، مَهْدِيًّا بِالتَّمْيِيزِ، مَدِيدَ الْقَامَةِ، يَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهُ بِيَدِهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ:" لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ أَحْسَنُ مِنَ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ حَيًّا عَالِمًا، قَادِرًا مَرِيدًا مُتَكَلِّمًا، سَمِيعًا بَصِيرًا، مُدَبِّرًا حَكِيمًا. وَهَذِهِ صِفَاتُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَعَنْهَا عَبَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَوَقَعَ الْبَيَانُ بِقَوْلِهِ: [إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ [يَعْنِي عَلَى صِفَاتِهِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ] عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ [وَمِنْ أَيْنَ تَكُونُ لِلرَّحْمَنِ صُورَةٌ مُتَشَخِّصَةٌ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعَانِيَ". وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْأَزْدِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْقَاضِي الْمُحْسِنُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عِيسَى بْنُ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ يُحِبُّ زَوْجَتَهُ حُبًّا شَدِيدًا فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ لَمْ تَكُونِي أَحْسَنَ مِنَ الْقَمَرِ، فَنَهَضَتْ وَاحْتَجَبَتْ عَنْهُ، وَقَالَتْ: طَلَّقْتَنِي!. وَبَاتَ بِلَيْلَةٍ عَظِيمَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى دَارِ الْمَنْصُورِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَأَظْهَرَ لِلْمَنْصُورِ جَزَعًا عَظِيمًا، فَاسْتَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ وَاسْتَفْتَاهُمْ. فَقَالَ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ: قَدْ طُلِّقَتْ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ سَاكِتًا. فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. يَا أمير المؤمنين، فالإنسان أحسن الأشياء، ولا شي أحسن منه. فقال المنصور لعيسى ابن مُوسَى: الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّجُلُ، فَأَقْبِلْ عَلَى زَوْجَتِكَ. وَأَرْسَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ إِلَى زَوْجَةِ الرَّجُلِ: أَنْ أَطِيعِي زَوْجَكِ وَلَا تَعْصِيهِ، فَمَا طَلَّقَكِ. فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ أَحْسَنُ خَلْقِ اللَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، جَمَالَ هَيْئَةٍ، وَبَدِيعَ تَرْكِيبٍ الرَّأْسُ بِمَا فِيهِ، وَالصَّدْرُ بِمَا جَمَعَهُ، وَالْبَطْنُ بِمَا حَوَاهُ، وَالْفَرْجُ وَمَا طَوَاهُ، وَالْيَدَانِ وَمَا بَطَشَتَاهُ، وَالرِّجْلَانِ وَمَا احْتَمَلَتَاهُ. وَلِذَلِكَ قَالَتْ الْفَلَاسِفَةُ: إِنَّهُ الْعَالَمُ الْأَصْغَرُ، إِذْ كُلُّ مَا في المخلوقات جمع فيه «1» .
(1). في بعض نسخ الأصل وابن العربي: (أجمع فيه).