الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا نَسُوءُكَ «1» ]. وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لِأَهْلِ الْعِرَاقِ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ «2» [الزمر: 53] قَالُوا: إِنَّا نَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ: وَلَكِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَقُولُ: إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى. وَفِي الْحَدِيثِ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [إِذًا وَاللَّهِ لَا أَرْضَى وَوَاحِدٌ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّارِ [.
[سورة الضحى (93): آية 6]
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6)
عَدَّدَ سُبْحَانَهُ مِنَنَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً لَا أَبَ لَكَ، قَدْ مَاتَ أَبُوكَ. فَآوى أَيْ جَعَلَ لَكَ مَأْوَى تَأْوِي إِلَيْهِ عِنْدَ عَمِّكَ أَبِي طَالِبٍ، فَكَفَّلَكَ. وَقِيلَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ: لِمَ أُوتِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبَوَيْهِ؟ فَقَالَ: لِئَلَّا يَكُونَ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ حَقٌّ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ. فَمَجَازُ الْآيَةِ: أَلَمْ يَجِدْكَ وَاحِدًا فِي شَرَفِكِ لَا نَظِيرَ لَكَ، فَآوَاكَ اللَّهُ بِأَصْحَابٍ يَحْفَظُونَكَ وَيَحُوطُونَكَ.
[سورة الضحى (93): آية 7]
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (7)
أَيْ غَافِلًا عَمَّا يُرَادُ بِكَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ، فَهَدَاكَ: أَيْ أَرْشَدَكَ. وَالضَّلَالُ هُنَا بِمَعْنَى الْغَفْلَةِ، كَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى «3» [طه: 52] أَيْ لَا يَغْفُلُ. وَقَالَ فِي حَقِّ نَبِيِّهِ: وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ»
[يوسف: 3]. وَقَالَ قَوْمٌ: ضَالًّا لَمْ تَكُنْ تَدْرِي الْقُرْآنَ وَالشَّرَائِعَ، فَهَدَاكَ اللَّهُ إِلَى الْقُرْآنِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ معنى
(1). رواية الحديث كما ورد في صحيح مسلم: كتاب الايمان: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَا قول الله عز وجل فِي إِبْرَاهِيمَ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) الآية وقول عِيسَى عليه السلام (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: (اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي)، وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عز وجل:(يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يبكيك) فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ: (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك).
(2)
. آية سورة الزمر.
(3)
. آية 52 سورة طه.
(4)
. آية 3 سورة يوسف.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي سُورَةِ" الشُّورَى" «1». وَقَالَ قَوْمٌ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا أَيْ فِي قَوْمٍ ضُلَّالٍ، فَهَدَاهُمُ اللَّهُ بِكَ. هَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَالْفَرَّاءِ. وَعَنِ السُّدِّيِّ نَحْوُهُ، أَيْ وَوَجَدَ قَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ، فَهَدَاكَ إِلَى إِرْشَادِهِمْ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا عَنِ الْهِجْرَةِ، فَهَدَاكَ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: ضَالًّا أَيْ نَاسِيًا شَأْنَ الِاسْتِثْنَاءِ حِينَ سُئِلْتَ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَالرُّوحِ- فَأَذْكَرَكَ، كما قال تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما «2» [البقرة: 282]. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ طَالِبًا لِلْقِبْلَةِ فَهَدَاكَ إِلَيْهَا، بَيَانُهُ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ «3»
…
[البقرة: 144] الْآيَةَ. وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الطَّلَبِ، لِأَنَّ الضَّالَّ طَالِبٌ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ مُتَحَيِّرًا عَنْ بَيَانِ مَا نَزَلَ عَلَيْكَ، فَهَدَاكَ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى التَّحَيُّرِ، لِأَنَّ الضَّالَّ مُتَحَيِّرٌ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ ضَائِعًا فِي قَوْمِكَ، فَهَدَاكَ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الضَّيَاعِ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ مُحِبًّا لِلْهِدَايَةِ، فَهَدَاكَ إِلَيْهَا، وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ «4» [يوسف: 95] أَيْ فِي مَحَبَّتِكَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
هَذَا الضَّلَالُ أَشَابَ مِنِّي الْمَفْرِقَا
…
وَالْعَارِضَيْنِ وَلَمْ أَكُنْ مُتَحَقِّقَا «5»
عَجَبًا لِعَزَّةَ فِي اخْتِيَارِ قَطِيعَتِي
…
بَعْدَ الضَّلَالِ فَحَبْلُهَا قَدْ أَخْلَقَا
وَقِيلَ:" ضَالًّا" فِي شِعَابِ مَكَّةَ، فَهَدَاكَ وَرَدَّكَ إِلَى جَدِّكَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَغِيرٌ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، فَرَآهُ أَبُو جَهْلٍ مُنْصَرِفًا عَنْ أَغْنَامِهِ، فَرَدَّهُ إِلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، حِينَ رَدَّهُ إِلَى جَدِّهِ عَلَى يَدَيْ عَدُوِّهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ إِبْلِيسُ بِزِمَامِ النَّاقَةِ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ، فَعَدَلَ بِهَا عَنِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَنَفَخَ إِبْلِيسَ نَفْخَةً وَقَعَ مِنْهَا إِلَى أَرْضِ الْهِنْدِ، وَرَدَّهُ إِلَى الْقَافِلَةِ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ حَلِيمَةَ لَمَّا قَضَتْ حَقَّ الرَّضَاعِ، جَاءَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِتَرُدَّهُ على عبد المطلب،
(1). آية 52 راجع ج 16 ص (55)
(2)
. آية 282 سورة البقرة.
(3)
. آية 144 سورة البقرة.
(4)
. آية 95 سورة يوسف.
(5)
. المفرق (كمقعد ومجلس): وسط الرأس. والعارض: صفحة الخد.
فَسَمِعَتْ عِنْدَ بَابِ مَكَّةَ: هَنِيئًا لَكِ يَا بَطْحَاءَ مَكَّةَ، الْيَوْمَ يُرَدُّ إِلَيْكِ النُّورُ وَالدِّينُ وَالْبَهَاءُ وَالْجَمَالُ. قَالَتْ: فَوَضَعْتُهُ لِأُصْلِحَ ثِيَابِي، فَسَمِعْتُ هَدَّةً شَدِيدَةً، فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ: مَعْشَرَ الناس، أين الصبي؟ فقال: لم نر شيئا، فصحت: وا محمداه! فَإِذَا شَيْخٌ فَانٍ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَاهُ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى الصَّنَمِ الْأَعْظَمِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ فَعَلَ. ثُمَّ طَافَ الشَّيْخُ بِالصَّنَمِ، وَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَقَالَ: يَا رَبِّ، لَمْ تَزَلْ مِنَّتُكَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَهَذِهِ السَّعْدِيَّةُ تَزْعُمُ أَنَّ ابْنَهَا قَدْ ضَلَّ، فَرُدَّهُ إِنْ شِئْتَ. فَانْكَبَّ (هُبَلُ) عَلَى وَجْهِهِ، وَتَسَاقَطَتِ الْأَصْنَامُ، وَقَالَتْ: إِلَيْكَ عنا أيها الشيخ، فهلا كنا عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ. فَأَلْقَى الشَّيْخَ عَصَاهُ، وَارْتَعَدَ وَقَالَ: إِنَّ لِابْنِكِ رَبًّا لَا يُضَيِّعُهُ، فَاطْلُبِيهِ عَلَى مَهَلٍ. فَانْحَشَرَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَطَلَبُوهُ فِي جَمِيعِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَجِدُوهُ. فَطَافَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِالْكَعْبَةِ سَبْعًا، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّهُ، وَقَالَ:
يَا رَبِ رُدَّ وَلَدِي مُحَمَّدًا
…
ارْدُدْهُ رَبِّي وَاتَّخِذْ عِنْدِي يَدَا
يَا رَبِّ إِنْ مُحَمَّدٌ لَمْ يُوجَدَا
…
فَشَمْلُ قَوْمِي كُلِّهِمْ تَبَدَّدَا
فَسَمِعُوا مُنَادِيًا يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ: مَعَاشِرَ النَّاسِ لَا تَضِجُّوا، فَإِنَّ لِمُحَمَّدٍ رَبًّا لَا يَخْذُلُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا بِوَادِي تِهَامَةَ، عِنْدَ شَجَرَةِ السَّمُرِ. فَسَارَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ هُوَ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ، يَلْعَبُ بِالْأَغْصَانِ وَبِالْوَرِقِ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، حِينَ انْصَرَفَ عَنْكَ جِبْرِيلُ وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُ الطَّرِيقَ، فَهَدَاكَ إِلَى سَاقِ الْعَرْشِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ وَغَيْرُهُ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا: تُحِبُّ أَبَا طَالِبٍ، فَهَدَاكَ إِلَى مَحَبَّةِ رَبِّكَ. وَقَالَ بَسَّامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا بِنَفْسِكِ لَا تَدْرِي مَنْ أَنْتَ، فَعَرَّفَكَ بِنَفْسِكَ وَحَالِكَ. وَقَالَ الْجُنَيْدِيُّ: وَوَجَدَكَ مُتَحَيِّرًا فِي بَيَانِ الْكِتَابِ، فَعَلَّمَكَ الْبَيَانَ، بَيَانَهُ: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ «1» [النحل: 44]
…
الآية. لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ «2» [النحل: 64]. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: إِذَا وَجَدَتِ الْعَرَبُ شَجَرَةً مُنْفَرِدَةً فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، لَا شَجَرَ مَعَهَا، سَمَّوْهَا ضَالَّةً، فَيُهْتَدَى بِهَا إِلَى الطَّرِيقِ، فقال الله تعالى
(1). آية 44 سورة النحل.
(2)
. آية 64 سورة النحل. [ ..... ]