الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَشِيَتِ اللَّهَ إِذْ قَدْ بَثَّ طَيْرًا
…
وَظِلَّ سَحَابَةٍ مَرَّتْ عَلَيْنَا
وَبَاتَتْ كُلُّهَا تَدْعُو بِحَقٍّ
…
كَأَنَّ لَهَا عَلَى الْحُبْشَانِ دَيْنَا
وَيُرْوَى أَنَّهَا لَمْ تُصِبْهُمْ كُلَّهمْ، لَكِنَّهَا أَصَابَتْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَمِيرَهُمْ رَجَعَ وشر ذمة لَطِيفَةٌ مَعَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرُوا بِمَا رَأَوْا هَلَكُوا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا رَدَّ اللَّهُ الْحَبَشَةَ عَنْ مَكَّةَ، عَظَّمَتِ الْعَرَبُ قُرَيْشًا وَقَالُوا: أَهْلُ اللَّهِ، قَاتَلَ عَنْهُمْ، وَكَفَاهُمْ مَئُونَةَ عَدُوِّهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
[تفسير سورة قريش]
تَفْسِيرُ سُورَةِ" قُرَيْشٍ" مَكِّيَّةٌ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَمَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ وَهِيَ أَرْبَعُ آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة قريش (106): آية 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1)
قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمَعْنَى. يَقُولُ: أَهْلَكْتُ أَصْحَابَ الْفِيلِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، أَيْ لِتَأْتَلِفَ، أَوْ لِتَتَّفِقَ قُرَيْشٌ، أَوْ لِكَيْ تَأْمَنَ قُرَيْشٌ فَتُؤَلِّفُ رِحْلَتَيْهَا. وَمِمَّنْ عَدَّ السُّورَتَيْنِ وَاحِدَةً أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا فِي مُصْحَفِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ لَنَا إِمَامٌ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَيَقْرَؤُهُمَا مَعًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فقرأ في الاولى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين: 1] وفي الثانية (ألم تر كيف)[الفيل: 1] و (لإيلاف قريش)[قُرَيْشٍ: 1]. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هَذِهِ السُّورَةُ مُتَّصِلَةٌ بِالسُّورَةِ الْأُولَى «1» ، لِأَنَّهُ ذَكَّرَ أَهْلَ مَكَّةَ عَظِيمَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا فَعَلَ بِالْحَبَشَةِ، ثُمَّ قَالَ:(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ نِعْمَةً مِنَّا عَلَى قُرَيْشٍ. وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَخْرُجُ فِي تِجَارَتِهَا، فَلَا يُغَارُ عَلَيْهَا وَلَا تُقْرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. يَقُولُونَ هُمْ أَهْلُ بَيْتِ الله عز وجل، حتى جاء صاحب الفيل
(1). الذي في كتاب الفراء:" قال بعضهم كانت موصولة ب (- ألم تر كيف فعل ربك) إلخ.
لِيَهْدِمَ الْكَعْبَةَ، وَيَأْخُذَ حِجَارَتَهَا، فَيَبْنِيَ بِهَا بَيْتًا فِي الْيَمَنِ يَحُجُّ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ عز وجل، فَذَكَّرَهُمْ نِعْمَتَهُ. أَيْ فَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، أَيْ لِيَأْلَفُوا الْخُرُوجَ وَلَا يجترئ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ. ذَكَرَهُ النحاس: حدثنا أحمد ابن شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- وَكَانَ ثِقَةً مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- قَالَ حَدَّثَنِي خَطَّابُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ قَالَ: نِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. قَالَ: كَانُوا يَشْتُونَ بِمَكَّةَ، وَيَصِيفُونَ بِالطَّائِفِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ تَامًّا، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ أَثْنَاءَ السُّورَةِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِمُتَّصِلَةٍ، لِأَنَّ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى انْقِضَاءِ السُّورَةِ وَافْتِتَاحِ الْأُخْرَى، وَأَنَّ اللَّامَ مُتَعَلِّقَةٌ بقوله تعالى: لْيَعْبُدُوا
أَيْ فَلْيَعْبُدُوا هَؤُلَاءِ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، لِإِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ لِلِامْتِيَارِ «1». وَكَذَا قَالَ الْخَلِيلُ: لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً، كَأَنَّهُ قَالَ: أَلَّفَ اللَّهُ قُرَيْشًا إِيلَافًا فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. وَعَمِلَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ فِيمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ غَيْرُ عَاطِفَةٍ، كَقَوْلِكَ: زَيْدًا فَاضْرِبْ. وَقِيلَ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ لَامُ التَّعَجُّبِ، أَيِ اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ. وَقِيلَ: بمعنى إلى. وقرا ابن عامر: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ مَهْمُوزًا مُخْتَلَسًا بِلَا يَاءٍ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْأَعْرَجُ" لِيلَافِ" بِلَا هَمْزٍ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ. الْبَاقُونَ لِإِيلافِ بِالْيَاءِ مَهْمُوزًا مُشْبَعًا، مِنْ آلَفْتُ أؤلف إِيلَافًا. قَالَ الشَّاعِرُ:
الْمُنْعِمِينَ إِذَا النُّجُومُ تَغَيَّرَتْ
…
وَالظَّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ
وَيُقَالُ: أَلِفْتُهُ إِلْفًا وَإِلَافًا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْضًا:" لِإِلْفِ قُرَيْشٍ" وَقَدْ جَمَعَهُمَا مَنْ قَالَ:
زَعَمْتُمْ أَنَّ إِخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ «2»
…
لَهُمْ إِلْفٌ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَافُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وفلان قد ألف هذا الموضع (بالكسر) يألفه إِلْفًا، وَآلَفَهُ إِيَّاهُ غَيْرُهُ. وَيُقَالُ أَيْضًا: آلَفْتُ الموضع أولفه إيلافا. وكذلك: آلفت الموضع أولفه مؤالفة وإلافا،
(1). أي لجلب الطعام.
(2)
. كذا في نسخ الأصل بالرفع على الخبر. وفي اللسان وشرح القاموس: (قريشا) بالنصب على البدل. [ ..... ]
فَصَارَ صُورَةُ أَفْعَلَ وَفَاعَلَ فِي الْمَاضِي وَاحِدَةً. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ" لِيَأْلَفَ" بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْأَمْرِ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَفَتْحُ لَامِ الْأَمْرِ لُغَةٌ حَكَاهَا ابْنُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرُهُ. وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَعِيبُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ لِإِيلافِ. وَقَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ" إِلَافِ قُرَيْشٍ" اسْتُشْهِدَ بِقَوْلِ أَبِي طَالِبٍ يُوصِي أَخَاهُ أَبَا لَهَبٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
فَلَا تُتْرَكَنْهُ مَا حَيِيتَ لِمُعْظَمٍ
…
وَكُنْ رَجُلًا ذَا نَجْدَةٍ وَعَفَافِ
تَذُودُ الْعِدَا عَنْ عُصْبَةٍ هَاشِمِيَّةٍ
…
إِلَافُهُمُ فِي النَّاسِ خَيْرُ إِلَافِ
وَأَمَّا قُرَيْشٌ فَهُمْ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ. فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ دُونَ بَنِي كِنَانَةَ وَمَنْ فَوْقَهُ. وَرُبَّمَا قَالُوا: قريشي، وهو القياس، قال الشاعر:
بكل قريشي عليه مهابة»
فَإِنْ أَرَدْتَ بِقُرَيْشٍ الْحَيَّ صَرَفْتَهُ، وَإِنْ أَرَدْتَ به القبيلة لم تصرفه، قال الشاعر:
وَكَفَى قُرَيْشَ الْمَعْضِلَاتِ وَسَادَهَا «2»
وَالتَّقْرِيشُ: الِاكْتِسَابُ، وَتَقَرَّشُوا أَيْ تَجَمَّعُوا. وَقَدْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، فَجَمَعَهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فِي الْحَرَمِ، حَتَّى اتَّخَذُوهُ مَسْكَنًا. قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبُونَا قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا
…
بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قُرَيْشًا بَنُو فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ. فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَلِدْهُ فِهْرٌ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: [إِنَّا وَلَدُ النَّضْرِ ابن كنانة لا نقفوا «3» أُمَّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا]. وَقَالَ وَائِلَةُ بن الأسقع: قال النبي صلى الله
(1). تمامه
سريع إلى داعي الندى والتكرم
(2)
. هذا عجز بيت لعدي بن الرقاع يمدح الوليد بن عبد الملك. وصدره كما في اللسان:
غلب المساميح الوليد سماحة
(3)
. قفا فلان فلانا: إذا قذفه بما ليس فيه أي لا نتهمها ولا نقذفها، وقيل: معناه لا نترك النسب إلى الآباء، وننتسب إلى الأمهات.