الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الإردب المصري، وهو الذي عبر عنه بصواع الملك، وأذن مؤذن: أي نادى مناد، من التأذين وهو تكرار الأذان والإعلام بالشيء الذي تدركه الأذن، والعير: الإبل التي عليها الأحمال والمراد أصحابها، زعيم: كفيل أجعله جزاء لمن يجىء به، الكيد:
التدبير الذي يخفى ظاهره على المتعاملين به حتى يؤدى إلى باطنه المراد منه، ودين الملك:
شرعه الذي يدين الله تعالى به.
الإيضاح
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) أي ولما دخلوا عليه فى مجلسه الخاصّ بعد دخولهم باحة القصر من حيث أمرهم أبوهم، ضم إليه أخاه الشقيق بنيامين، وقد حصل ما كان يتوقع يعقوب أو فوق ما كان يتوقع من الحدب عليه والعناية التي خصه بها.
(قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) يوسف الذي فقد تموه صغيرا.
(فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي فلا يلحقنك بعد الآن بؤس أي مكروه ولا شدة بسبب ما كانوا يعملون من الجفاء وسوء المعاملة بحسدهم لى ولك.
روى أنهم قالوا له: هذا أخونا قد جئناك به، فقال لهم أحسنتم وأصبتم، وستجدون أجر ذلك عندى، فأنزلهم وأكرمهم، ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخى يوسف حيا لأجلسنى معه، فقال يوسف بقي أخوكم وحيدا، فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله، وقال أنتم عشرة فلينزل كل اثنين منكم بيتا (حجرة) وهذا لاثانى له فيكون معى، فبات يوسف يضمه إليه ويشمّ رائحته حتى أصبح وسأله عن ولده، فقال لى عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لى هلك فقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال من يجد أخا مثلك؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه وقال له: إنى أنا أخوك إلخ.
(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) أي فلما قضى لهم حاجتهم ووفاهم كيلهم جعل الإناء الذي يكيل به الطعام فى رحل أخيه.
وفى قوله: جعل السقاية، إيماء إلى أنه وضعها بيده ولم يكل ذلك إلى أحد من فتيانه كتجهيزهم الأول والثاني لئلا يطلعوا على مكيدته.
(ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) أي وقد افتقد فتيانه السقاية، لأنها الصواع الذي يكيلون به للممتارين فلم يجدوها، فأذن مؤذنهم بذلك أي كرر النداء به كدأب الذين ينشدون المفقود فى كل زمان ومكان قائلا:
(أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) أي يا أصحاب العير قد ثبت عندنا أنكم سارقون، فلا ترحلوا حتى ننظر فى أمركم.
(قالُوا: وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ؟) أي قال إخوة يوسف للمؤذن ومن معه:
أي شىء تفقدون، وما الذي ضل عنكم فلم تجدوه؟.
(قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) أي نفقد الصواع الذي عليه شارة الملك.
(وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) أي ولمن أتى به حمل جمل من القمح، وفى هذا دليل على أن عيرهم كانت الإبل لا الحمير.
(وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي قال المؤذن وأنا كفيل بحمل البعير، أجعله حلوانا لمن يحىء به، سواء أكان مفقودا أم جاء به غير سارقه.
(قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) أي قالوا لقد علمتم بما خبرتموه من أمرنا وسيرتنا من حين مجيئنا فى امتيارنا الأول وحين عودتنا إذ رددنا بضاعتنا التي ردت إلينا مع غيرها، أننا ما جئنا لنفسد فى أرض مصر بسرقة ولا غيرها مما فيه تعدّ على حقوق الناس.
(قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) أي قال فتيان يوسف لهم فما جزاء سارقه إن كنتم كاذبين فى جحودكم للسرق وادعائكم البراءة والنزاهة؟.
(قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) أي جزاؤه أخذ من وجد فى رحله وظهر أنه هو السارق له وجعله عبدا لصاحبه، وقوله:
(فَهُوَ جَزاؤُهُ) تقرير للحكم السابق وتأكيد له بإعادته، كما تقول حق الضيف أن يكرم، فهو حقه، والقصد من الأول إفادة الحكم، ومن الثاني إفادة أن ذلك هو الحق الواجب فى مثل هذا، وقد كان الحكم فى شرع يعقوب أن يسترقّ السارق سنة.
(كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) أي مثل هذا الجزاء الأوفى نجزى الظالمين للناس بسرقة أمتعتهم وأموالهم فى شريعتنا، فنحن أشد الناس عقابا للسراق.
وهذا تأكيد منهم بعد تأكيد لثقتهم ببراءة أنفسهم.
(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) أي فبدأ يوسف بتفتيش أوعيتهم التي تشتمل عليها رحالهم ابتعادا عن الشبهة وظن التهمة بطريق الحيلة.
(ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) أي ثم إنه بعد أن فرغ من تفتيش أوعيتهم فتش وعاء أخيه فأخرج السقاية منه.
(كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي مثل هذا الكيد والتدبير الخفىّ كدنا ليوسف، وألهمناه إياه، وأوحينا إليه أن يفعله.
ذلك أن الحكمة الإلهية اقتضت تربية إخوة يوسف وعقابهم بما فرطوا فى يوسف واستحقاقهم إتمام النعمة عليهم يتوقف على أخذه بطريق لا جبر فيه ولا تقتضيه شريعة الملك، وبه يذوقون ألم فراق بنيامين ومرارته، فيما لا لوم فيه على أحد غير أنفسهم، ولن يكون هذا الحكم منهم إلا بوقوع شبهة السرقة على بنيامين من حيث لا يؤذيه ذلك ولا يؤلمه، وقد أعلمه أخوه يوسف به وبغايته. وفى هذا إيماء إلى جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما ظاهره الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف شرعا ثابتا.
ثم علل ما صنعه الله من الكيد ليوسف بقوله:
(ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) أي وما كان له ولا مما تبيحه أمانته لملك مصر أن يخالف شرعه الذي فوض له الحكم به وهو لا يبيح استرقاق السارق، فما كان