الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالميسور له أخذ أخيه من إخوته ومنعه من الرحيل معهم إلا بحكمهم على أنفسهم بشريعة يعقوب التي تبيح ذلك.
ولما كانت هذه الوسيلة إلى تلك الغاية الشريفة منكرة بحسب الظاهر، لأنها تهمة باطلة، وكان من شأن يوسف أن يتباعد عنها ويتحاماها إلا بوحي من الله- بين أنه فعل ذلك بإذن الله ومشيئته فقال:
(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) أي إنه فعل ذلك بإذن الله ووحيه، لا أنه هو الذي اخترع هذه المكيدة.
(نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) أي نرفع من نشاء درجات كثيرة فى العلم والإيمان ونريه وجوه الصواب فى بلوغ المراد، كما رفعنا درجات يوسف على إخوته فى كل شىء.
وفى هذا إيماء إلى أن العلم أشرف المقامات، وأعلى الدرجات.
(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) أي وفوق كل عالم من هو أوسع إحاطة منه وأرفع درجة، إلى أن يصل الأمر إلى من أحاط بكل شىء علما وهو فوق كل ذى علم.
وخلاصة ذلك- إن إخوة يوسف كانوا علماء إلا أن يوسف كان أعلم منهم.
[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 79]
قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79)
الإيضاح
(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) أي قال إخوة يوسف، إن
يسرق بنيامين فقد سرق أخوه يوسف من قبل، فالسرقة جاءت وراثة من أمهما إذ هما لا ينفردان منا إلا بها. وفى قولهم هذا إيماء إلى أن الحسد لا يزال كامنا فى قلوبهم، لاختلاف الأمهات، ولمزيد محبة الأب لهما.
وأصح ما قيل فى سرقة يوسف مارواه ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا قال:
سرق يوسف عليه السلام صنما لجده أبى أمه من ذهب وفضة فكسره وألقاه فى الطريق فعيره بذلك إخوته.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان أول ما دخل على يوسف عليه السلام من البلاء فيما بلغني أن عمته وكانت أكبر ولد إسحاق عليه السلام وكانت إليها منطقة إسحاق إذ كانوا يتوارثونها بالكبر، وكان يعقوب حين ولد له يوسف عليه السلام قد حضنته عمته فكان معها، فلم يحب أحد شيئا من الأشياء كحبها إياه حتى إذا ترعرع ووقعت نفس يعقوب عليه السلام عليه فأتاها فقال يا أخية سلمى إلىّ يوسف، فو الله ما أقدر على أن يغيب عنى ساعة قالت: فو الله ما أنا بتاركته فدعه عندى أياما أنظر إليه، لعل ذلك يسلينى عنه، فلما خرج يعقوب من عندها عمدت إلى منطقة إسحاق عليه السلام فحزمتها على يوسف عليه السلام من تحت ثيابه، ثم قالت فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتمست ثم قالت:
اكشفوا أهل البيت فكشفوهم فوجدوها مع يوسف عليه السلام، فقالت والله إنه لسلم لى أصنع فيه ما شئت، فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل فهو سلم لك ما أستطيع غير ذلك، فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت.
وهذا هو الذي عناه إخوته بقولهم (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) وهذه الروايات لا يوثق بها كما لا يدل شيء منها على سرقة حقيقية.
(فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) أي فأضمر مقالتهم فى نفسه ولم يجبهم عنها.
(وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) أي ولم يؤاخذهم بها لا قولا ولا فعلا صفحا عنهم وحلما.
ثم فسر ما أسره بقوله:
(قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) أي قال فى نفسه أنتم شر فى مكانتكم ومنزلتكم ممن تعرضون به أو تفترون عليه، إذ أنكم سرقتم من أبيكم أحب أولاده إليه وعرضتموه للهلاك، والرق، وقلتم لأبيكم قد أكله الذئب إلخ.
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) أي والله أعلم منكم بما تصفونه به، لأنه سبحانه هو العليم بحقائق الأشياء، فيعلم كيف كانت سرقة الذي أحلتم سرقته عليه.
ثم أرادوا أن يستعطفوه ليطلق لهم أخاه بنيامين فيرجعوا به إلى أبيهم، لأنه قد أخذ عليهم الميثاق بأن يردوه إليه.
(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) طاعنا فى السن لا يكاد يستطيع فراقه وهو علالته التي يتعلل بها عن شقيقه الهالك، أو هو كبير القدر جدير بالرعاية كما علمت مما سلف من قصصه ومن تعلقه به.
(فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) أي بدله فلسنا عنده بمنزلته فى المحبة والشفقة عنده.
ثم عللوا رجاءهم فى إجابته بقولهم:
(إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) إلينا فى ميرتنا وضيافتنا وتجهيزنا، فأتم إحسانك، فما الإنعام إلا بالإتمام، أو المعنى إن من عادتك الإحسان مطلقا، فاجر على عادتك ولا تغيرها، فنحن أحق الناس بذلك.
فأجابهم عن مقالتهم:
(قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) أي حاش لله أن نأخذ إلا من وجدنا الصواع عنده، لأنا قد أخذناه بفتواكم (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) فلا يسوغ لنا أن نخلّ بموجبها.
ولم يقل إلا من سرق متاعنا اتقاء للكذب، لأنه يعلم أنه ليس بسارق.
(إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) أي إنا إذا أخذنا غيره لظالمون من وجهين: مخالفة شرعكم ونص فتواكم، ومخالفة شريعة الملك.