الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
الضر: أي ضر المجاعة من الهزال والضعف، والمزجاة: الرديئة التي يدفعها التجار من أزجى الشيء وزجاه: إذا دفعه برفق كما قال: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً» وآثرك: أي اختارك وفضلك، والخاطئ: هو الذي يأتى بالخطيئة عمدا، والمخطئ:
من إذا أراد الصواب صار إلى غيره، والخطء: الذنب، وخطّأته: قلت له أخطأت، ولا تثريب: أي لا لوم ولا تأنيب وثرّب فلان على فلان إذا عدد عليه ذنوبه، ويأت بصيرا أي يصر بصيرا فى الحال، أو يأت إلىّ وهو بصير.
الإيضاح
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) أي بعد أن قبلوا وصية أبيهم حين قال لهم اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه، وعادوا إلى مصر- دخلوا على يوسف عليه السلام فقالوا له يا أيها العزيز أصابنا الهزال والضعف لما نحن فيه من المجاعة وكثرة العيال وقلة الطعام وقد شكوا إليه رقة الحال وقلة المال وشدة الحاجة وغير ذلك مما يرقق القلب مع أن مقصدهم التحسس من يوسف وأخيه- ليروا تأثير الشكوى فيه،
فإن رق قلبه لهم ذكروا ما يريدون وإلا سكتوا، وقد كان أبوهم يرجّح أنه هو يوسف فأرادوا أن يروا تأثير هذا الاستعطاف فيه.
(وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) أي ببضاعة رديئة يحتقرها التجار ويدفعونها احتقارا لها.
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) أي فأتمه كما تعودنا من جميل رعايتك وإحسانك.
(وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بما تزيده على حقنا ببضاعتنا بعد أن تغمض عن رداءتها.
(إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) فيخلف ما ينفقون ويضاعف الأجر لهم.
وقد بالغوا فى الضراعة والتذلل، لما كانوا يرون من تأثير ذلك فى ملامح وجهه، وجرس صوته، ومعالبة دمعه.
ثم بعد أن ذكر طريق تحسسهم ذكر ردّ يوسف عليهم.
(قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) أي قال ما أعظم ما فعلتم بيوسف من قبل وبأخيه بنيامين من بعد على قرب العهد، وما أقبح ما أقدمتم عليه، كما يقال للمذنب هل تدرى من عصيت، وهل تعرف من خالفت.
(إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) قبح ما فعلتموه فى حكم شرعكم، وحقوق بر الوالدين وما يجب من رحمة القرابة والرحم.
وخلاصة ذلك- إنكم كنتم فى حال يغلب عليكم فيها الجهل بهذه الحقوق، وبعاقبة البغي والعقوق.
وقد يكون المراد من الجهل الطيش والنّزق واتباع الهوى وطاعة الحسد والأثرة.
وقد قال لهم هذه المقالة تمهيدا لتعريفهم بنفسه، إذ آن أن يصارحهم به بعد أن بلغ الكتاب أجله، وبلغت به وبهم الأقدار غايتها، ولم يبق بعد هذا إلا التصريح، وتأويل رؤياه التي كانت السبب فى كل ما حدث من تلك الأفاعيل.
وقد ذكّر يوسف إخوته بذنوبهم تذكيرا مجملا قبل أن يتعرف إليهم بذكر
العذر وهو الجهل بقبح الذنب فى ذاته وبسوء عاقبته لتمكن نزغ الشيطان من أنفسهم الأمارة بالسوء، وقد ذكرهم بطريق سؤال العارف المتجاهل على طريق التقرير لا التقريع والتوبيخ كما يدل عليه نفى التثريب والدعاء بالمغفرة.
قال صاحب الكشاف فى تفسير الآية: أتاهم من جهة الدين وكان حليما موفقا، فكلمهم مستفهما عن معرفة وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب «فقال هل علمتم» قبح «ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون» لا تعلمون قبحه، فلذلك أقدمتم عليه يعنى هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه؟ لأن علم القبح يدعو إلى الاستقباح، والاستقباح يجر إلى التوبة، فكان كلامه شفقة عليهم وتنصحا لهم فى الدين لا معاتبة وتثريبا، إيثارا لحق الله على حق نفسه فى ذلك المقال الذي يتنفس فيه المكروب، وينفث المصدور، ويتشفى المغيظ المحنق، ويدرك ثأره الموتور فلله أخلاق الأنبياء ما أوطأها وأسجحها، ولله حصا عقولهم ما أوزنها وأرجحها اه.
وكان سؤاله إياهم عما فعلوا بيوسف وأخيه وهو سؤال العارف بأمرهم فيه من البداءة إلى النهاية- مصدقا لما أوحاه الله إليه حين ألقوه فى غيابة الجب من قوله: «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» إذ يبعد أن يعرف هذا سواه، فأرادوا أن يتثبتوا من ذلك ويستيقنوا به، فوجهوا إليه سؤالا هو سؤال المتعجب المستغرب لما يسمع.
(قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟) أي قالوا من المؤكد قطعا أنك أنت يوسف- وقد عجبوا من أنهم يترددون عليه مدى سنتين أو أكثر وهم لا يعرفونه وهو يعرفهم ويكتم نفسه.
(قالَ أَنَا يُوسُفُ) الذي ظلمتمونى غاية الظلم، وقد نصرنى الله فأكرمنى وأوصلنى إلى أسمى المراتب، أنا ذلك العاجز الذي أردتم قتله بإلقائه فى غيابة الجب، ثم صرت إلى ما ترون.
(وَهذا أَخِي) الذي فرّقتم بينى وبينه وظلمتموه، ثم أنعم الله عليه بما تبصرون.