المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 32] يا بَنِي آدَمَ - تفسير المراغي - جـ ٨

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌[تتمة سورة الانعام]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 113]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 115]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 116 الى 121]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 123]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 124 الى 127]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 128]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 129 الى 132]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 140]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 159]

- ‌المعنى الجملي

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 160]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 165]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌خلاصة ما اشتملت عليه السورة من العقائد والأحكام

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 3]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 4 الى 5]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 6 الى 9]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 10]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 11 الى 18]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌مغزى هذا القصص

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 27]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 32]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 34]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 36]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 37 الى 39]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 47]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 48 الى 49]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 51]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 57 الى 58]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌إعادة الموتى

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: ‌ ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 32] يا بَنِي آدَمَ

[سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 32]

يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)

‌المعنى الجملي

بعد أن ذكر سبحانه فى الآية السالفة أنه أمر عباده بالعدل فى كل الأمور واتباع الوسط منها- طلب إلينا أن نأخذ الزينة فى كل مجتمع للعبادة، فنستعمل الثياب الحسنة فى الصلاة والطواف ونحو ذلك، كما أباح لنا أن نأكل ونشرب مما خلق الله بشرط ألا نسرف فى شىء من ذلك.

أخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: كان الناس يطوفون بالبيت عراة ويقولون: لا نطوف فى ثياب أذنبنا فيها، فجاءت امرأة فألقت ثيابها فطافت ووضعت يدها على قبلها وقالت:

اليوم يبدو بعضه أو كله

فما بدا منه فلا أحلّه

فنزلت هذه الآية.

‌الإيضاح

(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الزينة ما يزين الشيء أو الشخص، وأخذها التزين بها، والمراد بالزينة هنا الثياب الحسنة كما يدل على ذلك سبب نزول الآيات، وأقلّ هذه الزينة ما يدفع عن المرء أقبح ما يشينه بين الناس وهو ما يستر عورته، وهو الواجب لصحة الصلاة والطواف، وما زاد على ذلك من التجمل بزينة اللباس عند الصلاة ولا سيما صلاة الجمعة والعيد فهو سنة لا واجب.

ص: 132

ويرى بعض العلماء وجوب الزينة للعبادة عند كل مسجد بحسب عرف الناس فى تزينهم فى المجامع والمحافل، ليكون المؤمن حين عبادة ربه مع عباده المؤمنين فى أجمل حال لا تقصير فيها ولا إسراف.

أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله عز وجل أحق من تزيّن له، فإن لم يكن له ثوبان فليتّزر إذا صلى، ولا يشتمل أحدكم فى صلاته اشتمال اليهود» .

وأخرج الشافعي وأحمد والبخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصلين أحدكم فى الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شىء» .

وعلى الجملة فالزينة تختلف باختلاف حال الإنسان فى السعة والضيق، فمن عنده ثوب واحد يستر جميع بدنه فليستر به جميع بدنه وليصلّ به، فإن لم يستر إلا العورة كلها أو الغليظة منها وهى السوءتان فليستر به ما يستره، ومن وجد ثوبين أو أكثر فليصلّ بهما.

وهذا الأمر بالزينة عند كل مسجد أصل من الأصول الدينية والمدنية عند المسلمين وكان سببا فى تعليم القبائل المتوحشة القاطنة فى الكهوف والغابات أفرادا وجماعات لبس الثياب عند دخولها فى حظيرة الإسلام، وكانوا قبل ذلك يعيشون عراة الأجسام رجالا ونساء حتى ذكر بعض المنصفين من الإفرنج أنّ لانتشار الإسلام فى إفريقية منّة على أوربا بنشرة للمدنية بين أهلها، إذ ألزمهم ترك العرى وأوجب لبس الثياب فكان ذلك سببا فى رواج تجارة المنسوجات.

وبهذا نقل الإسلام أمما وشعوبا كثيرة من الوحشية إلى الحضارة الراقية.

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) أي خذوا زينتكم عند المساجد وأداء العبادات، وكلوا واشربوا من الطيبات، ولا تسرفوا فيها، بل عليكم بالاعتدال فى جميع ذلك، لأن الله الخالق لهذه النعم لا يحب المسرفين فيها، بل يعاقبهم على هذا الإسراف بمقدار ما ينشأ عنه من المضارّ والمفاسد، لأنهم قد خالفوا سنن الفطرة وجنوا

ص: 133

على أنفسهم فى أبدانهم وأموالهم، وجنوا على أسرهم وأوطانهم، إذ هم أعضاء فى جسم الأسرة والأمة.

روى النسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا فى غير مخيلة (كبر وإعجاب بالنفس) ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمه على عبده» .

وعن ابن عباس أنه قال: كل ما شئت، واشرب ما شئت، والبس ما شئت إذا أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة.

والإسراف: تجاوز الحد فى كل شىء، والحدود منها:

(1)

طبيعى كالجوع والشّبع والظمأ والرّىّ، فمن أكل إذا أحس بالجوع أو كف عن الأكل إذا شعر بالشبع وإن كان يستلذ الاستزادة، أو شرب إذا شعر بالظمأ واكتفى بما يزيله ولم يزد على ذلك لم يكن مسرفا فى أكله وشربه، وكان طعامه وشرابه نافعين له.

(2)

اقتصادى وهو أن تكون النفقة على نسبة معينة من دخل الإنسان بحيث لا تستغرق كسبه.

(3)

شرعى فإن الشارع حرم من الطعام الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، وحرم من الشراب الخمر، وحرم من اللباس الحرير الخالص، أو الغالب على الرجال دون النساء، وحرم الأكل والشرب فى أوانى الذهب والفضة وعدّه من السرف المنهىّ عنه، فهذه الأشياء لا يباح استعمالها إلا لضرورة تقدر بقدرها.

والمعول عليه فى الإنفاق فى كل طبقة عرف المعتدلين فيها، فمن تجاوز طاقته مباراة لمن هم أغنى منه وأقدر كان مسرفا، وكم جرّ الإسراف إلى خراب بيوت عامرة ولا سيما فى المهور وتجهيز العرائس وحفل العرس والمأتم و (الزار) .

ثلاثة تشقى بها الدار

العرس والمأتم والزار

وهذا السرف كبير الضرر عظيم الخطر على الأمم أكثر من ضرره على الأفراد

ص: 134

ولا سيما فى البلاد التي تأنى إليها أنواع الزينة من البلاد الأجنبية عنها، إذ تذهب الثروة إلى غير أهلها، وربما ذهبت إلى من يستعين بها على استذلالهم والعدوان عليهم والخلاصة- إن الطعام والشراب من ضرورات الحياة الحيوانية، ولكن ضل فى ذلك فريقان:

(ا) فريق البخلاء والغلاة فى الدين تركوا الأكل والشرب من الطيبات المستلذة، إما بخلا وشحا أو تحرجا وتأثما، إما دائما أو فى أوقات مخصوصة من السنة (ب) فريق المترفين الذين أسرفوا فى اللذات البدنية وجعلوها جلّ همهم، فهم يأكلون ويشربون ويتمتعون كما تتمتع الأنعام، وليس لهم غاية يقفون عندها، أو نهاية ينتهون إليها.

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) إخراج الله للزينة خلق موادها وتعليم طرق صنعها بما أودع فى فطرهم من حبها والميل إلى الافتنان فى استعمالها، إذ خلقهم مستعدين لإظهار آياته فى جميع ما خلق فى هذا العالم الذي يعيشون فيه، بما أودع فى غرائزها من الميل إلى البحث فى كشف المجهول والاطلاع على خفايا الأمور، فهم لا يدعون شيئا عرفوه بحواسهم أو عقولهم حتى يبحثوه من طرق شتى وأوجه لا نهاية لها، ولن تنتهى بحوثهم مادام الإنسان على ظهر البسيطة.

وغريزة حب الزينة وحب التمتع بالطيبات كانت من أهم الأسباب فى اتساع أعمال الفلاحة والزراعة ورقىّ ضروب الصناعة، واتساع وسائل العمران، ومعرفة سنن الله وآياته فى الأكوان، وهما لا يذمّان إلا بالإسراف فيهما والغفلة عن شكر المنعم بهما.

والخلاصة- إن الدين لم يحرمهما إلا إذا كانا عائقين عن الكمال الروحي والكمال الخلقي، وإنه لم يجعل تركهما قربة إلى الله كما جرى على ذلك الوثنيون من البراهمة وغيرهم وقلّدهم فى ذلك بعض المسلمين وصاروا يبثون فى الأمم الإسلامية تعاليم تقضى

ص: 135

بأن روح الدين ومخ العبادة فى التقشف وحرمان النفس من التمتع بلذات الحياة، وقد بين الله وجه الصواب فى ذلك بقوله لرسوله:

(قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي قل أيها الرسول لأمتك: إن الزينة والطيبات من الرزق للذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويشاركهم فيها غيرهم تبعا لهم وإن لم يستحقها مثلهم، وهى خالصة لهم يوم القيامة.

وقصارى ذلك- إن الدين يورث أهله سعادة الدنيا والآخرة جميعا كما يدل على ذلك قوله: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى» وقوله: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً» .

ذاك أن المؤمن يزداد علما وإيمانا بربه وشكرا له كلما عرف شيئا من سننه وآياته فى نفسه أو فى غيرها من الكائنات، ومن أهم أركان الشكر استعمال النعمة فيما وهبها المنعم لأجله من شكر الجوارح كشكر اللسان بالثناء عليه وشكر سائر الأعضاء كذلك ففى حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي والحاكم «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر» والسر فى هذا أن الأكل والشرب من الطيبات بدون إسراف هما قوام الحياة والصحة، وهما الدعامتان اللتان يتوقف عليهما القيام بجميع الأعمال الدينية والدنيوية من عقلية وبدنية، ولهما التأثير العظيم فى جودة النسل الذي به يكثر سواد الأمة.

والملابس الجيدة النظيفة لها فوائد:

(1)

حفظ الصحة.

(2)

كرامة من يتجمل بها فى نفوس الناس.

(3)

إظهار نعمة الله على لابسها، والمؤمن يثاب بنيته على كل ما هو محمود من هذه الأمور بالشكر عليها.

روى أبو داود عن أبي الأحوص قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 136

فى ثوب دون فقال: ألك مال؟ قلت نعم: قال من أىّ المال؟ قلت قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال: فإذا آتاك الله فلير أثر نعمته عليك وكرامته لك» .

وأخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» .

وقد كانت العرب تحرم زينة اللباس فى الطواف تعبدا، وتحرّم الادّهان ونحوه حال الإحرام بالحج كذلك، وتحرم من الأنعام والحرث ما ذكر فى سورة الأنعام، وحرم أهل الكتاب كثيرا من الطيبات.

فجاء الدين الإسلامى الجامع بين مصالح الدنيا ومصالح الآخرة والمطهّر للنفوس والمهذب للأخلاق، فأنكر هذا التحكم المخالف لسنن الفطرة وبين أن هذا التحريم لم يكن إلا من وساوس الشيطان ولم يوح به الله إلى أنبيائه ورسله المصطفين الأخيار.

(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي إن هذا التفصيل لحكم الزينة والطيبات الذي ضل فيه كثير من الأمم والأفراد ما بين إفراط وتفريط- لا يعقله إلا الذين يعلمون سنن الاجتماع وطبائع البشر ومصالحهم، ونحن قد فصلناه على لسان هذا النبي الأمى الذي لم يكن يعرف شيئا من تاريخ البشر فى أطوار بداوتهم وأطوار حضارتهم قبل أن ننزلها عليه، فكان ذلك آية دالة على نبوته، إذ ما كان لمثله أن يعلمها إلا بالوحى من عندنا، ولولا الكتاب الكريم لما خرجت العرب من ظلمات الوثنية والجهالة إلى ذلك النور الذي صلحت به وأصلحت أمما كثيرة بالدين والفنون والآداب وما أحيت من علوم الأوائل.

ولكن وا أسفا قد أضحى المسلمون من أجهل الشعوب بسنن الله فى الأكوان وبالعلوم والمعارف اللازمة لتقدم الحضارة والمدنية، وأصبحوا فى مؤخرة الأمم وصاروا مضرب الأمثال فى التأخر والخمول والكسل، وبذا استكانوا وذلوا وصاروا أفقر الأمم وأضعفهم وأقلهم خدمة لدينهم، وخالفوا ما رسمه لهم ذلك الدين من أن لهم زينة

ص: 137