الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها- أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي والذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاءهم به من وحيه وتنزيله وشرائع دينه وعملوا ما أمرهم به واجتنبوا ما نهاهم عنه- هم أهل الجنة دون سواهم، وهم يخلدون فيها أبدا لا يخرجون منها ولا يسلبون نعيمها.
ومعنى قوله: (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أننا لا نفرض على المكلف إلا ما يكون فى وسعه وما لا يشق عليه أداؤه ولا يضيق به ذرعا- وقد جاءت هذه الجملة أثناء الكلام للتنبية إلى أن العمل الصالح الذي يوصل إلى الجنة سهل غير صعب، وميسور لا عسر فيه ولا مشقة.
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أي وأذهبنا ما كان فى قلوب هؤلاء الذين ذكرت صفتهم من حقد وضغن مما يكون عادة فى الدنيا. فهم لا يدخلون الجنة وفى قلوبهم أدنى عداوة أو بغضاء مما يكون من أسباب تنغيص النعيم فيها، حال كون الأنهار تجرى من تحتهم فيرونها وهم فى غرفات قصورهم تتدفق فى جنانها وبساتينها، فيزدادون حبورا وسرورا لا تشوب صفاءهم شائبة كدر.
روى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعض من بعض ظلاماتهم فى الدنيا، فيدخلون الجنة وليس فى قلوب بعضهم على بعض غلّ» .
وروى عن قتادة أن عليا كرم الله وجهه قال: إنى لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً» .
(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ) أي وقالوا شاكرين لله بألسنتهم معبّرين عن غبطتهم وبهجتهم: الحمد لله الذي هدانا فى الدنيا
للإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي كان جزاؤه هذا النعيم، وما كان من شأننا ولا مقتضى فكرنا أن نهتدى إليه بأنفسنا لولا أن هدانا الله إليه بتوفيقه إيانا لاتباع رسله ومعونته لنا عليها ورحمته الخاصة بنا- إلى هدايته التي فطرنا عليها وهداية ما خلق لنا من المشاعر والعقل.
(لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ) أي إنهم قالوا حين رأوا ما وعدهم به الرسل عيانا لقد جاءت رسل ربنا بالحق، وهذا مصداق ما وعدنا به فى الدنيا على التوحيد وصالح العمل.
(وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي ونادتهم الملائكة قائلين لهم: تلكم هى الجنة التي وعدتم بوراثتها جزاء صالح أعمالكم.
أخرج ابن جرير عن السّدى قال: ليس من مؤمن ولا كافر إلا وله فى الجنة والنار منزل مبين، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ودخلوا منازلهم رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله، ثم يقال: يا أهل الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون، فيقتسم أهل الجنة منازلهم.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار، فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: «أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ» .
وفى الآية دلالة واضحة على أن الجنة تنال بالعمل، وفى معناها آيات وأحاديث كثيرة.
أما
حديث أبي هريرة الذي رواه الشيخان «لن يدخل أحدا عمله الجنة- قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدّنى الله بفضله ورحمته»
فيراد منه أن عمل الإنسان مهما كان عظيما فلا يستحق به الجنة لذاته لولا رحمة الله وفضله، حين جعل هذا الجزاء العظيم على ذلك العمل القليل، فدخول الجنة بالعمل دخول بفضل