الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرية، والقرية هنا تصلح لأن يراد بها القوم أنفسهم، وأن يراد بها المكان لأنه يهلك كما يهلك أهله، والبيات: الإغارة على العدو ليلا والإيقاع به على غرّة، والبأس: العذاب والقائلون: هم الذين ينامون استراحة وسط النهار أي حين القائلة يقال: قال يقيل قيلا وقيلولة، والدعوى: ما يدعيه الإنسان، وتطلق على القول أيضا.
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فيما سلف أنه أنزل الكتاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لينذر به الناس ويكون موعظة وذكرى لأهل الإيمان، وأنه طلب إليه أن يأمر الناس باتباع ما أنزل إليهم من ربهم وألا يتبعوا من دونه أحدا يتولونه فى أمر التشريع- أردف هذا التخويف من عاقبة المخالفة لذلك ولما يتبعه من أصول الدين وفروعه، والتذكير بما حل بالأمم قبلهم بسبب إعراضهم عن الدين وإصرارهم على أباطيل أوليائهم.
الإيضاح
(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) أي وكثير من القرى أهلكناها لعصيانها رسلها فيما جاءوها به من عند ربها، وكان هلاكها إما حين البيات ليلا كقوم لوط، وإما حين القائلة وهم آمنون نهارا كقوم شعيب، وكلا الوقتين وقت دعة واستراحة لم تكن تنتظر فيه كل منهما هلاكا ولا عذابا، فلا يجمل بالعاقل أن يأمن غدر الليالى ولا خدع الأيام ولا يغتر بالرخاء فيعدّه علامة على أنه مستحق له فهو مظنة الدوام.
وفى ذلك تعريض بغرور كفار قريش بقوتهم وثروتهم وعزهم وعصبيتهم، وأن ذلك من دلائل رضا الله عنهم كما قال تعالى حكاية عنهم:«وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» .
(فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي فما كان دعاؤهم واستغاثتهم حين جاءهم العذاب إلا أن اعترفوا بظلمهم فيما كانوا عليه، وشهدوا ببطلانه، تحسرا وندامة وطمعا فى الخلاص ولكن أنى ينفع الندم، وقد أزفت الآزفة، ليس لها من دون الله كاشفة؟.
وفى الآية من العبرة- أن كل مذنب يقع عليه عقاب ذنب فعله فى الدنيا، يعترف بجرمه ويندم على ما قرط منه إذا هو علم أنه سبب العقاب، وقلما يشعر المرء بعقاب فى الدنيا على الذنوب، لأنه يأتى على التراخي غالبا فالأمراض التي تتولد من شرب الخمر كأمراض القلب والكبد والجهاز التناسلى وضعف النسل واستعداده للأمراض إلى نحو ذلك من الأمراض الجسدية والعقلية تحصل ببطء، وقلما يعرفها غير الأطباء ومن ثم لا يشعر بها السكارى وإنما يشعرون بما يعقب الشرب من صداع وغثيان يسهل عليهم احتماله وترجيح لذة النشوة عليه.
إلى أنه لو علمها بعد فقلما يفيد علمه بها شيئا بعد بلوغ تأثيرها هذه الدرجة فى السكر حتى تحمله على التوبة، إذ داء الخمار يزمن، وحب السكر يضعف الإرادة.
وعقاب الأفراد على الذنوب فى الدنيا لا يطرد، كما يطرد فى الأمم، فعقابها فى الدنيا على ما تجترح- حتم لا شبهة فيه، ولكن له آجال ومواقيت أطول مما يكون فى الأفراد، ويختلف باختلاف أحوال الأمة فى القوة والضعف، فأمة نشأ فيها الظلم والطغيان وعدمت الثقة بين أفرادها واختل نظام الأمن فيها وكثر فيها الفسق والفجور- تسوء حالها وتنحلّ قواها وتتفكك روابط الألفة والمودة بين أفرادها وتضعف منعتها، فتحسب أهلها جميعا وقلوبهم شتى، ولا يزال أمرها يأخذ فى التدهور والفساد حتى يستولى عليها العدو القاهر ويمتص ثروتها ويجعل أهلها أذلة مستضعفين، وقلما تشعر أمة بعاقبة ذنوبها قبل وقوع العقوبة، كما لا يجديها نفعا أن يقول حكماؤها:
يا ويلنا إنا كنا ظالمين. وربما عمها الجهل، وران على قلوبها الفساد، فلا تشعر بأن ما حل بها إنما كان جزاء وفاقا، ونكالا من الله على ما قدمت من عمل، واقترفت من إثم،