الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يصيد، والمخلب لما يصيد، والشحم: ما يكون على الأمعاء والكرش والكلى من المادة الدهنية، حملت ظهورها أي علقت بها، والحوايا: المباعر أو المرابض (مجتمع الأمعاء فى البطن) أو المصارين والأمعاء، بأسه: أي عذابه.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فى سابق الآيات أنه ليس لأحد أن يحرم شيئا من الطعام ولا غيره إلا بوحي من ربه على لسان رسله، ومن فعل ذلك يكون مفتريا على الله معتديا على مقام الربوبية، ومن اتبعه فى ذلك فقد اتخذه شريكا لله تعالى، وأبان أن من هذا الافتراء ما حرّمته العرب فى جاهليتها من الأنعام والحرث.
قفّى على ذلك بذكر ما حرمه على عباده من الطعام على لسان خاتم رسله وألسنة بعض الرسل قبله.
أخرج عبد بن حميد عن طاوس قال: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويستحلون أشياء فنزلت: «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً» الآية
الإيضاح
(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المفترين على الله الكذب فيما يضرهم من تحريم ما لم يحرم عليهم، وقل لغيرهم من الناس:
لا أجد فيما أوحاه إلىّ ربى طعاما محرما على آكل يريد أن يأكله- إلا أن يكون ميتة لم تذكّ ذكاة شرعية، وذلك شامل لما مات حتف أنفه، وللمنخنقة والموقوذة والنطيحة ونحوها، أو دما مسفوحا أي سائلا كالدم الذي يجرى من المذبوح، فلا يدخل فيه الدم الجامد كالكبد والطحال،
وفى الحديث «أحلّت لنا ميتتان السمك والجراد، ودمان الكبد والطحال»
أو لحم خنزير، فإن كل ذلك خبيث تعافه الطباع السليمة،
وهو ضار بالأبدان الصحيحة، أو فسقا أهل لغير الله به وهو ما يتقرب به إلى غيره تعبدا ويذكر اسمه عليه عند ذبحه.
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فمن دفعته ضرورة الجوع وفقد الحلال إلى أكل شىء من هذه المحرمات حال كونه غير مريد لذلك ولا قاصد له، ولا متجاوز حد الضرورة- فإن ربك الذي لم يحرم ذلك إلا لضرره- غفور رحيم، فلا يؤاخذه بأكل ما يسد به مخمصته ويدفع عنه ضرر الهلاك.
والخلاصة- قل: لا أجد فيما أوحى إلىّ من أخبار الأنبياء وشرائعهم، ولا فيما شرع على لسانى- أن الله حرم أىّ طعام إلا هذه الأنواع الأربعة، وما حرمه على اليهود تحريما مؤقتا عقوبة لهم وهو ما ذكر أهمه فى الآية التالية، ودليل التوقيت قوله فى سورة آل عمران:«وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» وقوله مخاطبا من يتبع النبي صلى الله عليه وسلم منهم: «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ» ودليل كونه عقوبة لا لذاته قوله: «كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ» .
وما صح من الأحاديث فى النهى عن طعام غير هذه الأنواع الأربعة فهو إما مؤقت لعارض وإما للكراهة فقط، ومن الأول تحريم الحمر الأهلية
فقد روى ابن أبي شيبة والبخاري عن ابن عمر قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر»
ومن الثاني ما
رواه البخاري ومسلم عن أبي ثعلبة الخشني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير» .
ثم بين سبحانه ما حرمه على بنى إسرائيل خاصة عقوبة لهم لا على أنه من أصول شرعه على ألسنة رسله قبلهم أو بعدهم فقال:
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) أي وعلى الذين هادوا دون غيرهم من أتباع الرسل حرمنا كل ذى ظفر أي ما ليس منفرج الأصابع كالإبل والنعام والإوزّ والبط كما قاله ابن عباس وابن جبير وقتاده ومجاهد.
(وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) أي إنه حرم عليهم لحم كل ذى ظفر وشحمه وكل شىء منه، وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرم منهما إلا الشحوم الخالصة وهى الثروب (واحدها ثرب، وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش) وشحوم الكلى.
والخلاصة- ومن البقر والغنم دون غيرهما مما أحل لهم من حيوان البر والبحر حرمنا عليهم شحومهما الزائدة التي تنتزع بسهولة لعدم اختلاطها بلحم ولا عظم، ولم نحرم عليهم ما حملت الظهور أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، والسبب فى تخصيص البقر والغنم بهذا الحكم أن القرابين عندهم لا تكون إلا منهما، وكان يتخذ من شحمهما الوقود للرب كما ذكر ذلك فى الفصل الثالث من سفر اللاويين فقد جاء فيه بعد التفصيل فى قرابين السلامة من البقر والغنم (كلّ الشحم للرب فريضة فى أجيالكم فى جميع مساكنهم، لا تأكلوا شيئا من الشحم ولا الدم.
(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) أي إنما حرم الله ذلك عليهم عقوبة بغيهم فشدد عليهم بذلك، وليس ذلك بالخبيث لذاته.
ولما كان هذا النبأ عن شريعة اليهود من الأنباء التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا قومه يعلمون منها شيئا لأميتهم، وكان مظنة تكذيب المشركين له، لأنهم لا يؤمنون بالوحى ومظنة تكذيب اليهود له بأن الله لم يحرم ذلك عقوبة ببغيهم وظلمهم، أكده فقال:
(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أي وإنا لصادقون فى هذه الأخبار عن التحريم وعلته، لأن أخبارنا صادرة عن العلم المحيط بكل شىء، ولأن الكذب محال علينا، لأنه نقص فلا يصدر عنا.