الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تزيين الشيطان لهم ما يعملون، ومن ثم انغمسوا فى ظلمات لا خلاص لهم منها، وأصبحوا فى حيرة وتردد على الدوام.
الإيضاح
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها؟) أي أأنتم أيها المؤمنون كأولئك الشياطين أو كأوليائهم الذين يجادلونكم بما أوحوه إليهم من زخرف القول الذي غرّوهم به؟ أفمن كان ميتا بالكفر والجهل فأحييناه بالإيمان وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس وهو نور القرآن المؤيد بالحجة والبرهان، يمشى به فى الناس على بصيرة من أمر دينه وآدابه ومعاملاته للناس كمن مثله المبين لحاله مثل السائر فى ظلمات بعضها فوق بعض (ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر) وهو ليس بخارج منها لأنه يبقى متحيرا لا يهتدى إلى وجه صلاحه، فيستولى عليه الخوف والفزع والعجز والحيرة الدائمة. وكذلك الخابط فى ظلمات الجهل والتقليد الأعمى وفساد الفطرة ليس بخارج منها، لأنها قد أحاطت به وألفتها نفسه فلم يعد يشعر بالحاجة إلى الخروج منها إلى النور، بل ربما شعر بالألم من هذا النور المعنوي كما يألم الخفّاش بالنظر إلى النور الحسى.
والخلاصة- إنه ينبغى للمسلم أن يكون حيا عالما على بصيرة فى دينه وأعماله وحسن سيرته، وأن يكون القدوة والأسوة للناس فى الفضائل والخيرات والحجة على فضل دينه على سائر الأديان.
(كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي مثل هذا التزيين الذي تضمنه المثل السابق، وهو تزيين نور الهدى والدين لمن أحياه الله حياة عالية، وتزيين ظلمات الضلال والكفر لموتى القلوب، قد زيّن للكافرين ما كانوا يعملون من الآثام كعداوة النبي صلى الله عليه وسلم وذبح القرابين لغير الله وتحريم مالم يحرمه الله وتحليل ما حرمه بمثل تلك الشبهات التي تقدم ذكرها.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) أي وكما أن أعمال أهل مكة مزينة لهم جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، فزين لهم بحسب سننا فى البشر سوء أعمالهم فى عدوان الرسل ومقاومة الإصلاح اتباعا للهوى، واستكبارا فى الأرض.
ومجمل القول: إن سنة الله فى الاجتماع البشرى قد قضت أن يكون فى كل عاصمة لشعب أو أمة بعث فيها رسول أو لم يبعث- زعماء مجرمون يمكرون بالرسل وبسائر المصلحين من بعدهم، وهكذا كان الحال فى أكثر أكابر الأمم والشعوب ولا سيما فى العصور التي تكثر فيها المطامع ويعظم حب الرياسة والكبرياء فتراهم يمكرون بالأفراد والجماعات، فيحفظوا رياستهم ويعززوا كبرياءهم كما يمكرون بغيرهم من الساسة والرؤساء إرضاء لمطامع أمتهم وتعزيز نفوذ حكومتهم بين الشعوب والدول.
والمراد بالأكابر المجرمين من يقاومون دعوة الإصلاح ويعادون المصلحين من الرسل وورثتهم، وكان أكثر أكابر مكة كذلك، وتخصيص الأكابر بذلك لأنهم أقدر على المكر واستتباع الناس لهم.
(وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) أي وما يمكر أولئك الأكابر المجرمون الذين يعادون الرسل فى عصرهم ودعاة الإصلاح من ورثتهم من بعدهم- إلا بأنفسهم.
وهكذا شأن من يعادون الحق والعدل ليبقى لهم ما هم عليه من فسق وفساد، لأن سنة الله قد جرت بأن عاقبة المكر السيء تحيق بأهله فى الدنيا والآخرة، أما فى الدنيا فبما ثبت فى القرآن من نصر المرسلين وهلاك الكافرين المعاندين، ومن علو الحق على الباطل، ومن هلاك القرى الظالمة، وبما أيده الاختبار ودلّت عليه نظم العمران من أن تنازع البقاء يقضى ببقاء الأمثل والأصلح «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» .
وقد أشارت الآيات إلى أن هذا كان سنة الله فى الأولين فقال: «وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ