الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرض: زلزلت واهتزت، ورجف القلب والفؤاد من الخوف، ودار الرجل:
ما يسكنها هو وأهله، ويطلق على البلد وهو المراد هنا، وجثم الناس: قعدوا لا حراك بهم، قال أبو عبيدة: الجثوم للناس والطير كالبروك للإبل.
الإيضاح
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) أي ولقد أرسلنا إلى بنى ثمود أخاهم صالحا.
(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي قال صالح لثمود: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، فما لكم من إله تعبدونه سواه.
(قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قد جاءتكم حجة وبرهان على صدق ما أقول وحقيقة ما أدعو إليه من إخلاص التوحيد له وإفراده بالعبادة دون سواه.
وفى قوله: من ربكم، إيماء إلى أنها ليست من فعله، ولا مما ينالها كسبه، وهكذا سائر ما يؤيد به الله الرسل من خوارق العادات.
وهذه المقالة كانت لهم بعد نصحهم وتذكيرهم بنعم الله وتكذيبهم له كما جاء فى سورة هود من قوله: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها» إلى آخر الآيات.
(هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً) أضاف الناقة إلى الله تعظيما لشأنها، ولأنها لم تأت بنتاج معتاد وأسباب معهودة، ومن ثم كانت آية. وأىّ آية؟.
وإنما استشهد صالح على صحة نبوته بالناقة، لأنهم سألوه إياها آية دالة على صدق دعوته وصحة نبوته.
ثم ذكر ما يترتب على كونها آية أنه لا ينبغى التعرض لها فقال:
(فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي إن الأرض أرض الله والناقة ناقة الله فاتركوها تأكل ما تأكل فى أرض ربها، وليس لكم أن تحولوا بينها وبينها، ولا تتعرضوا لها بسوء فى نفسها ولا فى أكلها، فإنكم إن
فعلتم ذلك أخذكم عذاب أليم، وقد وصف فى سورة هود العذاب بالقريب وهو أنه يقع بعد ثلاثة أيام من مسهم إياها بالسوء، وكذلك كان، وجاء فى سورة القمر:
«وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ» .
وجاء تفسير هذا فى سورة الشعراء: «هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ» أي إن الماء الذي كانوا يشربون منه قسمة بينهم وبين الناقة، إذ كان ماء قليلا، فكانوا يشربونه يوما وتشرب هى يوما، وقد روى عن ابن عباس أنهم كانوا يستعيضون عن الماء يوم شربها بلبنها.
ثم ذكّرهم بنعم الله عليهم وبوجوب شكرها بعبادته تعالى وحده فقال:
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) أي وتذكروا نعم الله عليكم وإحسانه إليكم، إذ جعلكم خلفاء لعاد فى الحضارة والعمران والقوة والبأس وأنزلكم منازلهم تتخذون من سهولها قصورا زاهية، ودورا عالية، بما ألهمكم من حذق فى الصناعة، فجعلكم تضربون اللبن وتحرقونه آجرا (الطوب المحرق) وتستعملون الجص وتجيدون هندسة البناء ودقة النجارة، وتنحتون من الجبال بيوتا، إذ علمكم صناعة النحت، وآتاكم القوة والجلد.
روى أنهم كانوا يسكنون الجبال فى الشتاء لما فى البيوت المنحوتة من القوة، فلا تؤثر فيها الأمطار والعواصف، ويسكنون السهول فى باقى الفصول للزراعة والعمل.
(فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي وتذكروا هذه النعم العظام، واشكروها له بتوحيده وإفراده بالعبادة، ولا تتصرفوا فيها تصرف كفران وجحود بفعل ما لا يرضى الله الذي خلقها لكم، فما بالكم بالكفر والعثى فى الأرض بالفساد.
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ: أَتَعْلَمُونَ
أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ؟)
قد جرت سنة الله أن يكون الفقراء المستضعفون أسرع الناس إلى إجابة دعوة الأنبياء والرسل، وإلى كل دعوة لإصلاح، فإنه لا يثقل عليهم أن يكونوا تابعين لغيرهم، وأن يكفر بها أكابر القوم وأغنياؤهم المترفون، إذ يشق عليهم أن يكونوا مرءوسين لسواهم، كما يصعب عليهم الامتناع عن الإسراف فى الشهوات، والوقوف عند حدود الاعتدال.
وعلى هذا السنن سار الملأ من قوم صالح إذ قالوا للمؤمنين منهم: أتعلمون أن صالحا رسول من عند الله؟ ومرادهم بهذا التهكم والاستهزاء بهم.
(قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي إنا بما أرسل به صالح من الحق والهدى مصدّقون ومقرون بأنه من عند الله، وأن الله أمر به، وعن أمر الله دعانا صالح.
وفى جوابهم هذا دون أن يقولوا- نعم، أو نعلم أنه مرسل منه، أو إنا برسالته عالمون- إيماء إلى أنهم علموا بذلك علما يقينيا إذ عانيا له السلطان على عقولهم وقلوبهم وما كل من يعلم شيئا يصل علمه إلى هذه المرتبة، بل من الناس من يعلم الشيء بالبرهان لكنه يجحده ويحاربه وهو موقن به حسدا لأهله، أو استكبارا عنه كما قال تعالى:
«وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا» .
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) أي قال الذين استكبروا عن أمر الله وأمر رسوله صالح: إنا بالذي صدقتم به من نبوة صالح وإن الذي جاء به هو الحق- جاحدون منكرون لا نصدق به ولا نقر.
وإنما لم يقولوا إنا بالذي أرسل به صالح كافرون- لأن ذلك يتضمن إثبات الرسالة فلو قالوه لكان شهادة منهم على أنفسهم بجحود الحق على علمهم به استكبارا وعنادا.
ثم ذكر ما فعلوه مما يدل على كفرهم بآيات ربهم فقال:
(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) أي فعقر أولئك المستكبرون الناقة، ونسب الفعل إليهم جميعا والفاعل واحد منهم كما جاء فى سورة القمر:«فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ»
وجاء فى حديث البخاري مرفوعا «فانتدب لها رجل ذو عزه ومنعة فى قومه كأبى زمعة»
لأنهم لما اتفقوا عليه ورضوا به صاروا كأنهم فعلوه جميعا.
وفى ذلك تهويل وتفظيع لأمرهم، وأن أضراره ستصيبهم جميعا، ومثل هذا من الأعمال ينسب إلى الأمة فى جملتها، وتعاقب عليه جميعها كما قال:«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» .
(وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي وتمردوا وتجبروا عن اتباع الحق الذي بلّغهم صالح إياه، وهو ما سلف ذكره.
(وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الوعد يكون فى الخير والشر أي قالوا له: ائتنا بما وعدتنا به من عذاب الله ونقمته، إن كنت رسولا إلينا، وتدّعى أن وعيدك تبليغ عنه، فالله ينصر رسله على أعدائه، فعجّل ذلك لنا.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) وفى سورة هود «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ» وفى سورة حم السجدة «فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ» وفى سورة الذاريات «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» والمراد بالجميع الصاعقة، فإن لنزولها صيحة شديدة القوة ترجف من هولها الأفئدة وتضطرب الأعصاب، وربما اضطربت الأرض وتصدع ما فيها من بنيان.
وقد علم أن سبب حدوثها اتصال كهربائية الأرض بكهربائية الجو التي يحملها
السحاب، فتحدث صوتا كالصوت الذي يحدث باشتعال قذائف المدافع، وهذا الصوت هو المسمى بالرعد.
وتحدث الصاعقة تأثيرات عظيمة كصعق الناس والحيوان وهدم المبانى أو تصديعها وإحراق الشجر ونحو ذلك، وقد هدى العلم إلى الطريق فى اتقاء أضرارها بالمباني العظيمة بوضع ما يسمونه (مانعة الصواعق) .
وقد يجوز أن الله سبحانه جعل هلاكهم فى وقت ساق فيه السحاب المشبع بالكهرباء إلى أرضهم بحسب السنن المعروفة، وقد يجوز أن الله قد خلق تلك الصاعقة لأجلهم على سبيل خرق العادة، وأيهما كان قد وقع، فقد صدق الله رسوله وحدث ما أنذرهم به.
(فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي لم يلبثوا أن سقطوا مصعوقين جثثا هامدة حين نزلت بهم الصيحة فى أرضهم.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) أي قال لهم صالح بعد أن جرى عليهم ما جرى مغتما متحسرا كما يقول المتحسر على من مات جانيا على حياته بالتفانى فى شهواته: ألم أنهك عما يوردك ريب المنون. ألم أحذرك تلك العاقبة الوخيمة التي لم تتداركها قبل وقوعها، فماذا أفعل، إذ فضلت لذة الساعات والأيام، على عيش هنىء يدوم عشرات الأعوام.
وروى مثل هذا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم من ندائه بعض قتلى قريش ببدر بعد دفنهم فى القليب (البئر غير المبنية) .
«يا فلان بن فلان، وفلان بن فلان: أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟. قال راوى الحديث أبو طلحة الأنصاري: قال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟