الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان التأخير في طعام البيع أو في طعام القرض أو فيهما معا (واعلم) أن الأبيات الاثنى عشر التي تضمنت أحكام المقاصة قسم الناظم فيها الدينين إلى ثلاثة أقسام لأنهما إما أن يكونا عينا أو طعاما أو عرضا وكل منهما إما من بيع أو قرض أو أحدهما من بيع والآخر من قرض فهذه تسع صور وفي كل منها إما أن يتفق الدينان في النوع والصفة والقدر وإما أن يختلفا في النوع أو في الصفة أو في القدر فهذه أربع صور في تسع بست وثلاثين صورة تضرب في ثلاثة أحوال الأجل إما أن يحلا معا ويحل أحدهما فقط أو لا يحل واحد منها فتحصل مائة صورة وثمان صور تؤخذ كلها من كلام الناظم منطوقا ومفهوما منها ما هو جائز ومنها ما هو ممنوع كما رأيت والله أعلم ثم قام يتكلم عن الحوالة فقال
فصل في الحوالة
قال القاضي عياض وغيره الحوالة مأخوذة من التحول من شيء إلى شيء لأن الطالب تحول من طلبه لغريمه إلى غريم غريمه اه وهي في الاصطلاح قسمان حوالة إذن وحوالة قطع كما يأتي هذا آخر النظم والذي تكلم عليه الناظم في هذا الفصل حوالة القطع وهي التي يشترط في صحتها الشروط الآتية وعرفها ابن عرفة بقوله هي طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى ولا ترد المقاصة إذ ليست طرحا بمثله في أخرى لامتناع تعلق الدين بذمة من هو له اه فقوله طرح الدين الخ هو من إضافة المصدر إلى مفعوله والتقدير الحوالة طرح المحال الدين عن ذمة المحيل بسبب وجود مثله في ذمة أخرى وهي ذمة المحال عليه واحترز بقوله في أخرى من المقاصة فإنها وإن كان فيها طرح بمثله لكن ليس الطرح في ذمة أخرى وبعبارة أخرى إن كلا من الحوالة والمقاصة فيه طرح بمثله لكن في الحوالة طرح عن ذمة وتعلق بذمة أخرى وفي المقاصة طرح عن ذمة ولم يتعلق بذمة أخرى لأن الدين لا يتعلق بمن هو له كما قال وإنما يتعلق بمن هو عليه (والأصل) في مشروعيتها قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم مطل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على ملي فليتبع الحديث فالمطل بفتح الميم من مطله بدينه إذا سوفه بوعد الوفاء مرة أخرى ومعناه أن تأخير الغني أداء الدين لربه مع حلوله ظلم حرام باتفاق ولفظ اتبع بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ما قبل ءاخره مبني للنائب وأحدكم هو نائب للفاعل وقوله فليتبع بسكون لام الأمر وفتح أول الفعل وسكون ثانيه وفتح ما قبل ءاخره مبني للفاعل أي من طلب منه أن يكون تابعا لغيره بدينه فليتبع، وحكمها الندب عند أكثر الشيوخ وقال بعضهم هي مباحة وذهب أهل الظاهر إلى وجوبها كما في ابن راشد، وحكمة مشروعيتها الرفق والتوسعة فلهذا استثنيت من بيع الدين بالدين وبيع العين بالعين غير يد بيد كما استثنيت الشركة والتولية والإقالة من بيع الطعام قبل قبضه لما فيها من المعروف وأركانها أربعة المحيل والمحال والمحال عليه والمحال به، وشروطها ستة وجود الدين وحلول المحال له ورضى المحيل والمحال فقط وتساوي الدينين وأن لا يكونا طعامين من بيع والصيغة وتكلم الناظم على جميعها منطوقا ومفهوما سوى الشرط الأخير وبدا بالشرطين الأول فقال
(وامنع حوالة بشيء لم يحل
…
وبالذي حل بالإطلاق أحل)
يعني أن الحوالة التي تبرأ بها ذمة المحيل تمنع إذا كانت بدين لم يحل أجله لأنه يكون من بيع الدين بالدين ومن بيع العين بالعين غير يد بيد وهو منهي عنه وإنما رخص في ذلك مع الحلول كما قال وبالذي حل بإطلاق أحل أي أجز الحوالة بالدين الذي حل أجله مطلقا كان الدين الذي في ذمة المحال عليه حالا أم لا لأنه إذا كان حالا فظاهر وإن لم يحل فهو زيادة معروف لأنه قبل أمرين الحوالة والتأخير (وبعبارة) أخرى أنه يشترط في الحوالة وجود دين للمحيل في ذمة المحال عليه وكذا للمحال على المحيل وإلا كانت وكالة لا حوالة وإن لم يوجد دين في الصورة الأولى كانت حمالة لا حوالة ولو وقعت بلفظ الحوالة كما يشترط حلول الدين المحال له وهو الدين الذي للمحال على المحيل لأنه إذا لم يكن حالا أدى إلى تعمير ذمة بذمة فيدخله ما
وقع النهي عنه من بيع الدين بالدين ومن بيع الذهب بالفضة أو الكفر لا يا بيد إن كان الدينان من عين إلا أن يكون الدين المنتقل إليه حالا ويقبضه قبل الافتراق كالصرف فيجوز وإما حلول الدين الذي على المحال عليه في غير مسألة العين المذكورة فلا يشترط كما علمت ثم أشار إلى ما يفهم منه الشرط الثالث فقال
(وبالرضى والعلم من محال
…
عليه في المشهور لا تبال)
يعني أن المحال عليه لا يشترط علمه بالحوالة ولا رضاه بها على القول المشهور لأنه محل التصرف كما في ابن راشد كما لا يشترط حضوره في البلد ولا إقراره لو سئل في القول المشهور المعمول به ورجح بعضهم مقابله ومال إليه التسولي لاكنه لا يعول عليه كما في حاشية المهدي مستوفى فشد يدك عليه ولا تغتر بأبحااث التسولي مع الرهوني والله الموفق للصواب وإنما يشترط رضى المحال عليه إذا كانت عدواته بينه وبين المحال سابقة على وقت الحوالة بل لا تصح على المشهور وأما لو حدثت بعد الحوالة فهل يمنع من اقتضاء دينه لئلا يبالغ في إيذائه بشدة مطالبته فيوكل من يقتضيه عنه أو لا يمنع لأن الحوالة سابقة تردد وظاهر كلام ابن القصار أنه لا يمكن من الاقتضاء بنفسه كما في الزرقاني. وقول الناظم لا تبال أي لا تعتبر رضى المحال عليه شرطا من شروط الحوالة فرضاه وعدم رضاه على السواء لأنه محل التصرف كما مر. ومفهوم النظم أن المحيل والمحال لا بد من رضاهما وهو كذلك قال صاحب المختصر شرط الحوالة رضى المحيل والمحال فقط اه قال في التوضيح لا خلاف في اشتراط رضى المحيل لأن الحق متعلق بذمته فلا يجبر على أن يعطيه من ذمة أخرى وأما رضى المحال فهو مبني على مذهب الجمهور من عدم وجوب قبول الحوالة وأما على مذهب أهل الظاهر فلا لوجوب ذلك عليه وأما رضى المحال عليه فلا يشترط على المشهور وحكى ابن شعبان قولا باشتراط رضاه والأول أظهر وعلى المشهور فيشترط في ذلك السلامة من العداوة كما تقدم قاله مالك ثم أشار إلى الشرط الرابع فقال
(ولا يجوز أن يحال إلا
…
فيما يجانس لدين حلا)
يعني أن الحوالة لا تجوز إلا إذا كان دين المحيل مماثلا لدين المحال قدرا وجنسا وصفة فلا يحال بدينار مثلا على دينارين وتجوز على إحدهما ويبقى الآخر لصاحبه ولا بعين على عرض وبالعكس ولا بقمح جيد مثلا على أدون منه وبالعكس قال البناني نقلا عن المقدمات من الشروط أن يكون الدين الذي يحيله به مثل الذي يحيله عليه في القدر والصفة لا أقل ولا اكثر ولا أدنى ولا أفضل لأنه إن كان أقل أو أكثر أو مخالفا له في الجنس والصفة لم تكن حوالة وكان بيعا على وجه المكايسة فدخلها ما نهي عنه من بيع الدين بالدين أيضا اه ولا تجوز بذهب عن فضة وعكسه إلا أن يقبض المحال به عاجلا لأنه صرف لا بد فيه من التناجز وإلى هذا أشار الناظم بقوله
(ولا تحل بأحد النقدين في
…
ثانيهما إلا أن القبض اقتفى)
ومعنى اقتفى اتبع والقبض فاعل بفعل محذوف والتقدير أن اتبع القبض بحضرة الثلاثة في مجلس لم يطل فيه التقابض فاحل وإلا فلا وأشار إلى الشرط الخامس بقوله
(وفي طعام ما إحالة تفي
…
إلا إذا كانا معا من سلف)
يعني أن الحوالة في الطعام لا تجوز سواء اتفق الطعامان أم لا استوت رؤوس أموالهما أم لا حلا أو أحدهما أم لا إلا إذا كانا معا من سلف فتجوز وإن لم يحل الدين المحال عليه لأن طعام القرض يجوز بيعه قبل قبضه بخلاف طعام البيع وقوله ما إحالة تفي فما نافية وتفي مضارع وفي أي لا تتم الحوالة في الطعامين إلا إذا كانا معا من سلف فإن كان أحدهما من بيع والآخر من سلف فأشار إلى حكمها فقال
(وفي اجتمعا سلم وقرض
…
يشترط الحلول في ذي القبض)
يعني أن الطعامين إذا كان أحدهما من بيع والآخر من سلف جازت الحوالة بشرط حلول الدين المحال به كما هو الموضوع وحلول الدين المحال عليه كان هو السلم أو القرض وأنه لا بد من حلولهما معا عند ابن القاسم وإلا فلا تجوز وعند مالك وجميع أصحابه إلا ابن القاسم تجوز وإن لم يحل أجل المحال عليه بمنزلة ما إذا
كانا معا من سلف قال ابن يونس وقولهم أصوب فعلم من هذا أن ما درج عليه الناظم في هذا الفرع ضعيف قال الشيخ مياره مراده بذي القبض الدين المقبوض حسا وهو ما على المحال عليه وكذلك يشترط حلول الدين المحال به ولا أشكال إلا أنه لما قدم اشتراط الحلول في المحال به لم يحتج إلى إعادته (ولما) قدم أنه لا يشترط حلول المحال عليه وهو مشترط في الطعامين أحدهما من بيع والآخر من سلف احتاج إلى التنصيص عليه ولم يسعه السكوت عنه وعلى ذلك نبه بقوله وفي اجتماع سلم وقرض البيت اه يعني على مذهب ابن القاسم كما مر (الشرط السادس) صيغتها قال ابن عرفة ما دل على ترك المحال دينه في ذمة المحيل بمثله في ذمة المحال عليه ابن رشد لا تكون إلا بالتصريح بلفظ الحوالة أو ما ينوب منابه كقوله خذ منه حقك وأنا برئ من دينك وشبهه اه بناني (فروع الأول) قال ابن جزي الحوالة على نوعين إحالة قطع وإحالة إذن فأمما إحالة القطع فلا تجوز في المذهب إلا بشروط حلول الدين المحال به ومساواة الدينيين في القدر والصفة وأن لا يكونا طعامين أو أحدهما من سلم. وأما حالة الآذن فهي كالتوكيل على القبض فتجوز بما حل وبما لم يحل ولا تبرأ بها ذمة المحيل حتى يقبض المحال من المحال عليه ماله ويجوز للمحيل أن يعزل المحال في الإذن عن القبض ولا يعزله في إحالة القطع اه (الثاني) فائدة إحالة القطع البراءة من الدين قال مالك إذا أحالك غريمك على من له عليه دين فرضيت باتباعه برئت ذمة غريمك ولا ترجع عليه في غيبة المحال عليه أو عدمه ولو غرك غريمك من عدم يعلمه أو بفلسه فلك طلب المحيل ولو لم يغرك أو كنتما عالمين بفلسه كانت حوالة لازمة لك اه مواق (الثالث) لو دفع المحال عليه الدين بعد الإحالة للمحيل قال الحطاب لم أر فيه نصا والظاهر أنه أن علم بالحوالة لزمه غرمه للمحتال وإلا لم يلزمه (الرابع) إذا صدرت الحوالة بين المحيل والمحال بصيغتها فلما قبض المحال القدر الذي احتال به قال له المحيل إنما احتلك لتقبضه لي على سبيل الوكالة وعلى سبيل أنه سلف مني لك وقال المحال إنما قبضته من الدين الذي لي عليك فإن القول