الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهل قدر الدين الذي عليه لمحجوره أو جهل أصله فالأول واجب والثاني مندوب ويصح قبضه لمحجوره الشيء الذي صيره له بالأشهاد ما لم يكن دار سكناه وإلا فلا بد من إخلائها إلا إذا تسوغها بعدلين فإن سكناه بها حينئذ لا يضر ويصح التصيير وقوله تمخيا أي تبريا (فرع) اتفق ابن القاسم وسحنون على أن لا شفعة في التمخي فعلله ابن القاسم بجهل الثمن وعلله سحنون بأنه صدقة ويصح التوفيق بينهما بأن القائل بجهل الثمن حيث كان له أصل والقائل بالصدقة حيث لم يكن له أصل فيحملان على الوفاق وحيث كان الحوز لا بد منه فلا فائدة في هذا الخلاف (ولما) فرغ من الكلام على بيوع النقد والاجال شرع في بيان السلم فقال
بفتح السين واللام (وأبحاثه ستة) الأول في معناه لغة واصطلاحا (والثاني) في أصل مشروعيته (والثالث) في حكمه (والرابع) في حكمته (والخامس) في أركانه (والسادس) في شروطه (فإما) معناه في اللغة فهو السلف قال في المصبح السلم في البيع مثل السلف وزنا ومعنى وأسلمت إليه بمعنى أسلفت أيضاً والسلم أيضاً شجر العضاء الواجدة سلمة مثل قص وقصبة وبالواحدة كني فقيل أبو سلمة وأم سلمة والسلمة وزان كلمة الحجر وبها سمي ومنه بنو سلمة بطن من الأنصار والجمع سلام وزان كتاب والسلام بفتح السين شجر والسلام اسم من سلم عليه والسلام اسم من أسماء الله تعالى قال الهيلي وسلام اسم رجل لا يوجد بالتخفيف إلا عبد الله بن سلام وإما أسم غيره من المسلمين فلا يوجد إلا بالتثقيل والسلم بكسر السين وفتحها أي مع سكون اللام الصلح ويذكر ويؤنث سالمه مسالمة وسلاما وسلم المسافر يسلم من باب تعب سلامة خلص ونجي من الآفات فهو سالم وبه سمي وسلمه الله بالتثقيل في التعدية والسلامي بضم السين أنثى قال الخليل هي عظام الأصابع وقال قطرب السلاميات عروق ظاهر الكف والقدم وأسلم لله فهو مسلم وأسلم دخل في دين الإسلام اهـ ما به الحاجة
وفي مثلثات قطرب. تحية المرء السلام. وأسم الحجارة السلام. والعرق في الكف السلام. رووه في لفظ النبي. فالأول بالفتح والثاني بالكسر والثالث بالضم (قال) ابن راشد وحكى ابن بشير في الأنوار البديعة عن بعض المتقدمين كره أن يقول أسلمت وإنما يقول أسلفت ولذلك لم يقل في مصدره إسلاما على ما يقتصيه الفعل الرباعي قال وهذا منه تورع من ابتذال لفظة لها معنى شريف في الشريعة في تصرف ديناري اهـ (وفي) الحطاب قال ابن عبد السلام وكره بعض السلف لفظة السلم في حقيقته العرفية التي هي أحد أنواع البيع ورأى إنه إنما يستعمل لفظة السلف أو التسليف صوناً منه للفظ السلم عن التبذل في الأمور الدنيوية ورأى إنه قريب من لفظ الإسلام ثم قال والصحيح جوازه لاسيما وغالب استعمال الفقهاء إنما هو صيغة الفعل مقرونة بلفظ في فيقول أسلم في كذا فإذا أرادوا الاسم أتوا بلفظ السلم وقال ما يستعملون الإسلام في هذا الباب اهـ. وفي الاصطلاح عرفه ابن راشد بقوله هو بيع دين بعين مقبوضة في المجل أو ما قرب منه (وقال) ابن عرفة في تعريفه هو عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين (فقوله) عقد معاوضة جنس يشمل السلم وغيره من أنواع المعاوضة وتخرج التبرعات إذ لا معاوضة فيها كالهبة ونحوها. وقوله يوجب عمارة ذمة يخرج به المعاوضة في المعينات. وقوله بغير عين يخرج به البيع بثمن مؤجل. وقوله ولا منفعة يخرج به الكراء المضمون وما أشبهه من المنافع. وقوله في الذمة غير متماثل العوضين يخرج به السلف (وأما) الأصل في مشروعيته فبالكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله تعالى وأحل الله البيع وقال عز وجل يأيها الذين إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه هذه الآية تجمع الدين كله. وأما السنة فقد ورد في الصحيح إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وروي عنه عليه الصلاة والسلام إنه أشترى عبداً بعبدين أسودين (وأما) حكمه فقد انعقد الإجماع على جوازه لأنه معلوم من
الدين بالضرورة كما في الفائق. وقال المشذالي في حاشيته في أول السلم الأول صرح في المدونة بأنه رخصة مستثنى من بيع ما ليس عندك اهـ. حطاب (وأما) الحكمة في مشروعيته فلتهيل الاسترزاق للمحتاجين لأنه لا يقع إلا منهم في الغالب وحفظا من بيع أملاكهم بسبب دين ونحوه من الأمور التي تكون باعثه على التسبق على الطعام ونحوه (وأما) أركانه فستة العقد والمسلم بكسر اللام وهو المتري والمسلم إليه وهو البائع والمسلم بفتح اللام وهو العوض المعبر عنه براس مال السلم والمسلم فيه وهو المبيع إلى أجل والصيغة وهو كل ما يدل عليه كالبيع وللموثقين في ذلك عبارات يكتبونها بحسب ما هو المتعارف عندهم (وأما) شروطه فسبعة منها ما هو مختص ومنها ما هو مشترك كما ستعرفه وقد أشار إليها الناظم فقال
(فيما عدا الأصول جوز السلم
…
وليس في المال ولا كن في الذمم)
(والشرح للذمة وصف قاما
…
يقبل الالتزام والالزاما)
(وشرط ما يسلم فيه أن يرى
…
متصفا مؤجلا مقدرا)
(بوزن أو كيل وذرع أو عدد
…
مما يصاب غالباً عند الأمد)
(وشرط رأس الماس أن لا يحظلا
…
في ذاك دفعه وأن يعجلا)
(وجاز إن أخر كاليومين
…
والعرض فيه بخلاف العين)
يعني أن السلم جائز فيما عدا الأصول من عرض وطعام وعين وثمار وحيوان فهذه أقسام البيع المتقدمة. ولا يكون المسلم فيه من هذه الأقسام الخمسة معيناً كما قال الناظم وليس في المال يعني به المعين بل إنما يكون المسلم فيه منها ديناً في الذمة وكونه ديناً في الذمة هو (الشرط الأول) من شروط المسلم فيه (والذمة) وصف اعتباري كالطهارة قائم بالإنسان يقبل الالتزام لما التزمه اختيارا كنفقة على فقير وصلاة وصوم ونحو ذلك ويقبل الإلزام لما ألزمه الحاكم إياه من أرش جناية أو عيب أو طلاق بسببه
إلى غير ذلك. وإنما يكون ممنوعاً في المعين لأنه إن كان ملكا للمسلم إليه وشرط التأجيل أو قصده منع لأنه شراء معين يقبض إلى أجل بعيد وإن قصد تعجيله فلا معنى لتسميته سلما بل هو بيع معجل جائز. وإن كان ملكاً لغيره فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عندك (قال) ابن راشد رحمه الله تعالى (فائدة) بيع ما ليس عنده على ثلاثة أوجه جائز ومكروه ومختلف فيه (فالجائز) أن يبيعه ما ليس عنده إلى أجل بنقد وهو السلم (والمكروه) أن يبيعه ما ليس عنده نقداً أو إلى أجل بثمن إلى أجل. والمختلف فيه أن يبيعه ما ليس عنده نقداً بنقد فقيل مكروه وقيل حرام اهـ (الشرط الثاني) من شروط المسلم فيه أن يكون مضبوطاً بصفاته التي تختلف باختلافها القيمة في السلم عادة بحيث تكون معلومة لهما ولغيرهما لأنه متى أختص المتعاقدان بعلمها دل ذلك على ندورها والندور يقتضي عزة الوجود فيؤدي ذلك إلى التنازع فتنتفي الرخصة التي هي أصله وإلى هذا أشار الناظم بقوله (وشرط ما يسلم فيه أن يرى متصفا الخ) ولهذا منع السلم في الأصول المفهوم من قوله (فيما عدا الأصول جوز الخ) فمفهومه أن الأصول لا يجوز فيه السلم وهو كذلك لأنها وأن كانت تضبط بالصفة لتشاح الناس في مواضعها واختلاف أغراضهم فيها فلا بد من تعيينها دفعاً لكثرة الخطر وإذا عين موضعها خرج عن كونه سلماً في الذمة وصار في معين كما يمنع السلم في ما لا يمكن وصفه كتراب المعدن فإنه لا يسلم فيه عين ولا عرض لأن صفته لا تعرف فإن عرفت بتجربة جاز أن يسلم فيه عرض ونحوه لا غين لئلا يدخله الربى (الشرط الثالث) من شروط المسلم فيه أن يكون مؤجلا بأجل معلوم للمتعاقدين وإليه أشار الناظم بقوله مؤجلا وسواء كان الأجل حقيقيا وأقله نصف شهر إلا أن يشترط أن يقبض المسلم فيه ببلد غير بلد العقد على مسافة كيومين ذهاباً فقط ويخرج المسلم إليه بالفور لدفع المسلم فيه فرارا من جهالة زمن القبض وإلا فلا بد من التأجيل بنصف شهر فأكثر أو حكميا كمن لهم عادة بوقت القبض فلا يحتاج إلى ضرب أجل قاله اللخمي (الشرط الرابع) من شروط المسلم فيه أن يكون مقدرا
بكيل أو وزن أو ذرع أو عدد وإليه أشار بقوله (مقدار بوزن الخ)(الشرط الخامس) من شروط المسلم فيه أن يكون موجودا في الغالب عند حلول أجله المعين بينهما كما مر في الأجل الحقيقي أو الحكمي وإليه أشار بقوله (مما يصاب غالبا عند الأمد) وسواء كان يملكه البائع أم لا (قال) في المدونة ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة من الثمار الرطبة وغيرها لا يشترط أخذ سلمه إلا في أبانه وإن شرط اخذه في غير أبانه لم يجز لإنه شرط ما لا يقدر عليه اهـ مواق (فرع) مرتب فإن انقطع المسلم فيه الذي له وقت معين يوجد فيه لفوات أبانه بسبب البائع خير المشتري في الفسخ عن نفسه فيرجع بعين ماله إذا كان المسلم فيه طعاماً ولا يجوز أخذ غيره لما يلزم عليه من بيع الطعام قبل قبضه وفي البقاء لعام قابل وإن كان التأخير بسبب المشتري فإنه لا يخير بل يبقى لعام قابل لظلمه البائع بالتأخير فتخييره زيادة ظلم قاله ابن عبد السلام وكذا إذا غفلا معاً حتى فات الأبان بانقطاعه بأمر سماوي كجائحة ولم يقبض شيئاً من المسلم فيه أما إن قبض منه شيئاً وجب التأخير لأن السلم يتعلق بذمة المسلم إليه فلا يبطل ببطلان الأجل كالدين والقول لمن دعا إلى التأخير إن لم يتراضيا بالمحاسبة وإلا عمل بها سواء كان رأي المال مثلياً أو مقوماً إذ لا يتهمان في المحاسبة على البيع والسلف لأن انقطاعه من الله تعالى وكذلك إذا كان الانقطاع لهروب أحدهما فإن التهمة أيضاً منتفية أما لو سكت المشتري عن طلب البائع حتى ذهب الأبان فلا يجوز تراضيهما بالمحاسبة لإتهامهما على البيع والسلف وإذا رضيا بالمحاسبة فلا يجوز له أن يأخذ بقية رأس ماله عرضاً ولا غيره لأنه بيع الطعام قبل قبضه أي إذا كان المسلم فيه طعاماً كما هو الموضوع قاله الخرشي وغيره (الشرط السادس) وهو ما كان مشتركاً بين المسلم فيه ورأس المال أن لا يكونا طعامين ولا نقدين لما في المدونة أن الطعام بالطام إلى أجل لا يصح كانا من صنف واحد أو من صنفين مختلفين كانا أو أحدهما مما يدخر أو لا يدخر أو مما يكال أو يوزن أو يعد وكذلك جميع التوابل واللحمان والحيتان وجميع الأدام والأشربة عدا
الماء ولا يجوز ذهب بذهب ولا فضة بفضة ولا أحدهما بالأخر نسا لا على الوجه الذي يجوز نقداً ولا على خلافه ولا الدنانير والدراهم في الفلوس (فان) قيل هذا الشرط غير مختص بالسلم بل يعم السلم وغيره كما تقدم في البيوع فلأي شيء ذكر هنا (أجيب) بأن ذكر الطعامين والنقدين هنا ليس مقصوداً بالذات وإنما أصل الكلام أن يقال أن لا يؤدي السلم إلى شيء ممنوع وغير ذلك من العبارات كما في الحطاب وإلى هذا المعنى أشار الناظم بقوله (وشرط رأس المال أن لا يحلا
…
في ذاك دفعه) أي وشرط رأس المال أن لا يمنع دفعه في المسلم فيه كما يشترط في المسلم فيه أن لا يمنع دفعه في رأس المال. وإنه لا يسلم شيء في أكثر منه أو أجود لأنه سلف بمنفعة ولا في أقل منه ولا أدنى لأنه ضمان بجعل إلا أن تختلف منافع الجنس الواحد فيجوز حينئذ سلمه في أكثر منه وفي أقل وفي أجود وفي أردأ لأن اختلاف المنافع يصير الجنس الواحد كالجنسين كالسبق في الخيل والحمل في الإبل والقوة على الحرث والعمل للبقر وكثرة اللبن في الغنم والكبر والصغر في الآدمي والغنم ورقيق القطن وغليظه ورقيق الكتان وغليظه وكذا الحرير والصوف كما في الحطاب (الشرط السابع) المختص برأس المال أن يكون كله مقبوضاً خوفا من الدين بالدين وجاز تأخيره ثلاثة أيام ولو بشرط على المشهور وإليه أشار الناظم بقوله (وأن يعجلا
…
وجاز إن أخر كاليومين) وأدخلت الكاف الثالث فإن كانت الزيادة أكثر من ثلاثة أيام وأن بلا شرط فسد العقد إذا كان رأس المال عيناً فإن كان عرضاً حاضراً جاز فيه التأخير أكثر من ثلاثة أيام بلا شرط وإليه أشار بقوله (والعرض فيه بخلاف العين) يعني أن العرض الحاضر يجوز تأخيره في السلم أكثر من ثلاثة أيام بلا شرط كما مر بخلاف رأس المال العين فإنه لا يجوز فيه ذلك كما علمت والله أعلم (ولما) فرغ من الكلام على بيع الذوات شرع يتكلم على بيع المنافع وهو أنواع كالبيع وبدأ بالكراء فقال