المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة العيدين - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٣

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌باب صلاة العيدين

‌باب صلاة العيدين

المقدمة

سمي: "عيدًا"؛ لأنَّه يعود ويتكرر بما أنعم الله به على عباده من العبادات والشعائر، وبما تفضل به عليهم من المباحات والطيبات، التي يظهرونها ويتمتعون بها في هذين اليومين، فمنها الفطر بعد المنع من مباح الطعام والشراب، والنكاح والتبسط في المباحات، والتهاني والزيارات، وشكر الله تعالى على صحة الأجسام، وأداء الشعائر العظام، ومنها صدقة الفطر، والتكبير والصلاة، وإتمام المناسك في البقاع المقدسة، وما يقرَّبون من الدماء المشروعة.

ولكل أمة أعيادها التي تتكرر بمرور مناسبة من المناسبات الكبيرة عندهم، يحيون بها تلك المناسبة، ويعيدون ذكراها، ويظهرون الفرح والسرور بمرور وقتها، ولكن أمدَّ الله المسلمين بعيدَي: الفطر والنحر، اللذين هما يوما عبادةٍ، وشكرٍ، وسرورٍ، وفرحٍ، فليسا مجرد عبادة، وليسا مجرد عادة، وإنما جمعا خيري الدنيا والآخرة.

وهذه الاجتماعات الإسلامية تحقق من المصالح الدينية والدنيوية، ما يدل على أنَّ الإسلام هو المنهج الذي جاء به الله تعالى لإسعاد البشرية، ولا يسوغ تعظيم زمان ولا مكان، لم يأت تعظيمه في الشرع؛ وذلك كتعظيم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكرى الإسراء والمعراج، ويوم بدر، والفتح، والهجرة.

ص: 21

قال في "تنبيه الغافلين": اعتقاد ذلك قربة من أعظم البدع، وأقبح السيئات، فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات ألا يحضر المسجد الذي تقام فيه، فتكثير سواد أهل البدع منهي عنه، وترك المنهي عنه واجب، والله المستعان.

***

ص: 22

394 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ" رَوَاهُ التِّرمذِيُّ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسنٌ؛ كما قال الترمذي، قال المؤلف في "التلخيص": ورواه الدارقطني (2/ 525) من حديث عائشة مرفوعًا، وصوَّب الدارقطني وقفه، ورواه أبو داود (2324) من حديث محمد بن المنكدر عن أبي هريرة مرفوعًا؛ بلفظ:"الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون"، وابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، ونقل الترمذي عن البخاري؛ أنَّ ابن المنكدر سمع من عائشة، وإذا ثبت سماعه عنها أمكن سماعه من أبي هريرة؛ لأنَّه مات بعدها.

* مفردات الحديث:

- يفطر الناس: من "الإفطار" والمراد به: التعييد بعيد الفطر.

- يضحي الناس: التضحية في الأصل: ذبح الأضحية، ويطلق هنا ويراد به: التعييد ليوم الأضحى.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

يدل الحديث على أنَّ الفطر من صوم رمضان، وأحكام عيد الأضحى، والأضاحي -تكون مع الجماعة، ومعظم المسلمين، فلا يشذ أحد عنهم بفطر وتضحية، من دون السواد الأعظم؛ فإنَّ هذه الأمة بجملتها معصومة، فلا تجتمع على ضلال.

2 -

قال في "شرح الزاد وحاشيته": ومن رأى وحده هلال رمضان ورُدَّ قوله،

(1) الترمذي (802).

ص: 23

لزمه الصوم؛ لعلمه أنَّه من رمضان، فلزمه حكمه، ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم، واختاره الشيخ وغيره: قال: يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون"[رواه الترمذي (802)]، ومعناه: أنَّ الصوم والفطر مع الجماعة ومعظم الناس، وأنَّه لو رأى هلال النحر وحده، لم يقف بعرفة، دون سائر الحجاج.

3 -

يدل الحديث على أنَّ التَّعبد بعيد الفطر، والتعبد يوم الأضحى بالشعائر، من صلاةٍ وذبحٍ ومناسك -هي يوم يؤديها المسلمون معتقدين صوابها، ولو ظهر لهم بعد ذلك الخطأ في رؤية الهلال، فليس عليهم عتبٌ ولا وزرٌ، وما أتوا به من عبادات فصحيح، واقع موقعه عند الله تعالى، وهذا تخفيف من الله على عباده وتيسير عليهم، واعتبار لما وقع من هذه الأمة المعصومة، التي لا تجتمع على ضلال.

قال في "نيل المآرب" وغيره: وإن أخطأ الناس أو أكثرهم؛ بأن وقفوا بعرفة يوم الثامن، أو العاشر -أجزأهم ذلك؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون"[رواه الترمذي (802)].

4 -

يؤخذ من ذلك وجوب اتحاد المسلمين، وتوحيد صفهم، وجمع كلمتهم؛ ليكونوا أمةً واحدةً في نصر دينهم، وإعلاء كلمة ربهم، ونشر دينه، وليتحدوا في وجه عدوهم، فها هي ذي أحكام الإسلام لا تعترف إلَاّ بالأحكام العامة، ولا ترى للشاذ عن جماعة المسلمين حكمًا بنفسه، فلا صفة له معتبرة، حتى ولو تيقن صدق نفسه، فيدُ الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، وإنما تؤكل من الغنم القاصية، فأحكام الإسلام تعلمنا الاتحاد والاجتماع، وعدم الاختلاف والتفرق؛ قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

ص: 24

395 -

وَعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ: "أنَّ رَكْبًا جَاءُوا، فَشَهِدُوا أنَّهُمْ رَأوا الهِلَالَ بِالأَمْسِ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا أنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلَاّهُمْ". رَوَاه أَحمَدُ وأَبُو دَاوُدَ، وهذا لفظهُ، وإسنادهُ صحيح (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

قال المؤلف: إسناده صحيح، قال في "التلخيص": رواه أحمد وأبو داود والنسائي (1557)، وابن ماجه (1653) من حديث أبي عمير عن عمومةٍ له، وصحَّحه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم وابن حبان والبيهقي والخطابي وابن حجر، قال البيهقي: إسناده صحيح، وقال الدارقطني: إسناده حسنٌ ثابت.

* مفردات الحديث:

- رَكْبًا: بفتح الراء وسكون الكاف، جمع:"راكب وركوب"، والمراد: الراكبون على رواحلهم، ويكونون من العشرة فما فوق.

- الهلال: -بكسر الهاء- هو غرة القمر إلى سبع ليالٍ من الشهر.

- بالأمس: هو اليوم الذي قبل اليوم الحاضر، وقد يدل على الماضي مطلقًا، وهو مبني على الكسر، جمعه:"أُموس وأُمس وأماسي"، وإذا نُكِّر، أو أضيف، أو دخلت عليه "أل"- فإنَّه يبنى على الكسر.

- يغدوا: بفتح ياء المضارعة؛ أي: يذهبوا في الغداة؛ وهي أول النهار.

وغدا يغدو من باب قعد، والغدو: الذهاب غدوةً؛ وهي ما بين صلاة

(1) أحمد (20061)، أبو داود (1157).

ص: 25

الصبح وطلوع الشمس، وجمع الغدوة:"غدي"؛ مثل مدية ومدي، قال في "المصباح": هذا أصله، ثم أكثر استعماله، حتى استعمل في الذهاب والانطلاق، أيَّ وقت كان.

- إلى مصلاهم: بضم الميم-: موضع الصلاة، فهو ظرف مكان.

قال مؤرخ المدينة السمهودي: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في عدة أماكن في الصحراء، ثم استقرَّ على المصلى المعروف اليوم، الذي يبعد عن باب السلام ألف ذراع.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

أنَّ المعول عليه في ثبوت الصيام، والإفطار، والحج، وغيرها -هو رؤية الهلال، فلا تثبت الأحكام بالحساب، وإنما تثبت بالرؤية وحدها.

2 -

قال شيخ الإسلام: لا ريب أنَّه ثبت بالسنة الصحيحة، واتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم، والمعتمِد عليه، كما أنَّه ضالٌّ في الشريعة، مبتدعٌ في الدين، فهو مخطىء في العقل، وعلم الحساب؛ فإنَّ علماء الهيئة يعرفون أنَّ الرؤية لا تنضبط بأمر حسابي، فإنَّها تختلف باختلاف المكان وانخفاضه وغير ذلك، وسيأتي الكلام على هذا في باب الصيام بأتم من هذا، إن شاء الله تعالى.

3 -

فيه قبول قول الأعراب حتى في الأمور الشرعية.

4 -

فيه أنَّ الشاهد لا يعنت، ولا يكشف عيبه عند أداء الشهادة، ما لم يكن هناك ريبة وشكٌّ في شهادته، فعلى الحاكم الشرعي التحري.

5 -

أنَّ الأحكام الشرعية لا تثبت أحكامها إلَاّ حين بلوغها، والإنسان قبل أن يبلغه العلم والخبر معذورٌ فيما فعل، وما ترك.

6 -

وجوب الفطر من حين يتحقق الخبر؛ بأنَّ اليوم الذي هم صائمون فيه عيد، فصيام يوم العيد حرام، ولا يصح.

ص: 26

7 -

فيه أنَّ صلاة العيد لا تفوت بفوات وقتها، وهو زوال الشمس من يوم العيد، وإنما تصلى في نظيره من الغد.

8 -

فيه وجوب صلاة العيد، فالأمر بالخروج إليها أمرٌ بها، والأمر للوجوب.

9 -

أنَّ الأفضل أن تقام صلاة العيد في الصحراء، حتى في المدينة المنورة، أما في مكة فالأفضل أن تكون في المسجد الحرام، جوار الكعبة المشرفة.

* خلاف العلماء:

إذا صلى العيد في نظير وقتها من اليوم الثاني؛ هل تكون قضاءً، أو أداءً؟ فيه خلافٌ بين العلماء.

قال في "الإنصاف": فإن لم يعلم بالعيد إلَاّ بعد الزوال، خرج من الغد فصلى بهم، هذا بلا نزاع، ولكن تكون قضاءً على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب.

وقال أبو المعالي: تكون أداءً مع عدم العلم.

قال في "الشرح الكبير": قطع به جماعة.

قلت: الراجح أنَّها أداءٌ لا قضاءٌ؛ لأنها لو كانت قضاءً، لصليت إذا زال العذر، ولو بعد الزوال.

ولما في البخاري (597)، ومسلم (684) من حديث أنس؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من نام عن صلاةٍ، أو نسيَهَا، فلْيُصلِّها إذا ذكرها؛ فإنَّ الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} ".

والحديث هنا ليس فيه ما يدل على أنَّها قضاءٌ.

* فائدة:

الصلوات إذا فات وقتها، فهي قضاؤها على أربعة أقسام:

الأول: تقضى على الفور في أي وقت، وهي الصلوات الخمس، ورواتبها إن قضيت.

ص: 27

الثاني: تقضى في نظير وقتها، وهي صلاة العيد، وهذا على المذهب.

الثالث: تقضى بغيرها، وهي صلاة الجمعة، فالظهر بدل عنها.

الرابع: لا تقضى، وهي ذوات الأسباب؛ فإنَّها إذا فاتت، فإنها سنة فات محلها؛ كتحية المسجد، وصلاة الكسوف ونحوها.

والقضاء يحكي الأداء، إلَاّ على قول من يرى أنَّ من فاته الوتر قضاه شفعًا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر -غالبًا- بإحدى عشرة، فإذا نام عنه، صلَّى من النهار اثنتي عشرة، وكذلك الظهر إذا صلَّيت بدل الجمعة.

***

ص: 28

396 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ، حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكلُهُنَّ وِتْرًا". أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.

وفي روايةٍ مُعلَّقةٍ، وَوصَلَهَا أَحْمَدُ:"وَيَأْكُلُهُنَّ أفْرَادًا"(1).

ــ

* مفردات الحديث:

- أفرادًا: بفتح الهمزة، والفرد: الوتر، وهو الواحد، وهو المذكور في رواية البخاري.

(1) البخاري (953)، أحمد (11859).

ص: 29

397 -

وَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: "كَاَن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ، حَتَّى يَطْعَمَ، وَلا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى، حتَّى يُصلِّي" روَاهُ أَحْمدُ والتِّرمذِيُّ وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

وقد ساقه الإمام أحمد من طريقين كلاهما عن بريدة الأسلمي، قال في "بلوغ الأماني": أحد الطريقين أخرجه الترمذي وابن ماجه، والثاني أخرجه البيهقي (3/ 283)، وابن حبان، والحاكم (1/ 433)، والدارقطني (2/ 45)، وصححه ابن القطان.

قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 -

فيه استحباب أكل تمرات في يوم عيد الفطر قبل الذهاب إلى المصلى.

قال ابن قدامة: لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل في هذا اليوم قبل الصلاة خلافًا.

2 -

أنَّ تكون التمرات وترًا، والوتر -هنا- أقله ثلاث.

3 -

يستحب أكلهن أفرادًا، واحدةً بعد الأخرى؛ لأنَّه أصح، وألذ، وأمرأ.

4 -

إن لم يجد تمرات، أكل غيرهن، والأفضل أن تكون حلوى، ففي ذلك فوائد دينية، وصحية: أما الدينية: فإنَّ في ذلك مبادرة إلى فطر هذا اليوم، الذي أوجب الله فطره، وفيه تمييز لهذا اليوم بالأكل عن الأيام التي قبله،

(1) أحمد (22474)، الترمذي (542)، ابن حبان (7/ 52).

ص: 30

التي كان المسلم فيها صائمًا، فالشارع الحكيم يتطلع إلى تمييز العادات من العبادات.

أما الفوائد الصحية: فإنَّ المعدة بعد الصوم والنوم فارغة من الطعام، والجسم قد تحللت مواد عناصره، ومحتاجٌ إلا سرعة إسعافه بما يرد إليه قوته ونشاطه، وأسرع مفعول لذلك هو التمر.

قال الدكتور قباني في كتابه "الغذاء لا الدواء": إنَّ التمر غنيٌّ جدًّا بالمواد الغذائية الضرورية للإنسان، والتمر غنىٌّ بعددٍ من أنواع السكاكر، ونسبتها فيه تبلغ سبعين في المائة، والسكاكر الموجودة في التمر سريعة الامتصاص، سهلة التمثل، تذهب رأسًا إلى الدم فالعضلات؛ لِتَهَبَهَا القوة، وقد أثبت الطبّ الحديث صحة سنة الرسول الأعظم في الصيام، وفي الإفطار، فالصائم يستنفد السكر المكتنز في خلايا جسمه، وهبوط نسبة السكر في الدم عن حدها المعتاد؛ لذا كان من الضروري أن نمدَّ أجسامنا بمقدارٍ وافرٍ من السكر ساعة الإفطار، والمعدة تستطيع هضم المواد السكرية في التمر خلال نصف ساعة، فإذا بالدم يتبرع بالوقود السكري، الذي يبعث في خلايا الجسم النشاط.

هذا وقد أطال في هذا الموضوع، وسيكون بحثنا أتم من هذا في باب الصيام، إن شاء الله تعالى.

5 -

أما الحديث رقم (397): ففيه أنَّ هديه صلى الله عليه وسلم أنَّه يخرج يوم الفطر لصلاة العيد حين يطعم، تمييزًا لهذا اليوم الواجب فطره ومبادرةً بالفطر في هذا اليوم الذي أمرنا الله تعالى بفطره، ففيه امتثال للأمر، وتحقيق للمصلحة، ولعلَّ في ذلك إكمالاً لفضيلة الفطر على تمر؛ فإن هذا فطر من جميع الصيام.

6 -

تقدم أنَّ الأفضل أن يكون الفطر على تمرات وترًا، وأقل الجمع الوتري ثلاث، فإن لم يجد تمرًا طعم مما شابهه عنده.

ص: 31

7 -

أما يوم عيد الأضحى: فكان لا يطعم؛ لأنَّه لا يوجد قبل هذا اليوم صيام واجب، يحسن تمييزه عن غيره، فهو متميز بنفسه.

وهناك حكمة أخرى؛ وهو أنَّ من أفضل أعمال هذا اليوم الأضحية، فهي عبادة لله تعالى، أُمرنا بالأكل منها، فكان الأفضل أن أول ما يأكل من أضحيته، ولذا جاء في رواية البيهقي (3/ 283):"وكان إذا رجع، أكل من كبد أضحيته".

8 -

في الحديث دليل على أنَّ الموفق لأمر الله يستطيع أن يجعل من العادات -كالأكل والشرب والنوم وغيرها- عباداتٍ تقربه من الله تعالى، وتزيد في حسناته، فهذا كله راجعٌ إلى النية وحسن القصد.

وهي مسألةٌ كبيرةٌ هامةٌ، تحتاج إلى فِطنةٍ، وتوفيقٍ من الله تعالى.

***

ص: 32

398 -

وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّة رضي الله عنها قَالَتْ: "أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ فِي العِيدَيْنِ، يَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، وَتَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى". مُتَّفقٌ علَيهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- أُمرنا: بالبناء للمجهول، وهذه الصيغة تُعَدّ من المرفوع.

- أنَّ نُخْرجَ: بنون المتكلم، و"أن" مصدرية، والتقدير: بالإخراج.

- العواتق: جمع: "عاتق" بالتاء المثناة الفوقية، وهنَّ البنات الأبكار، البالغات والمراهقات.

- الحُيَّض: بضم الحاء وتشديد الياء، جمع "حائض"، قال في "المصباح": والمرأة حائض؛ لأنَّه وصفٌ خاصٌّ، وجاء "حائضة" بناء له على حاضت، وجمع الحائضة: حائضات.

- يعتزل الحُيَّض المصلى: يعني: أنَّ الحُيَّض يجتنبن مصلى العيد، إذا خرجن لسماع الموعظة.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

قولها: "أُمرنا" الآمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا حديث مرفوع.

2 -

فيه التأكيد الشديد على الخروج لصلاة العيدين، وعدم التخلف عنها، حتى أُمر بالخروج من كان الأفضل لهن الصلاة في بيوتهن، وهنَّ الشابات من النساء، وأُمر بالخروج من لا تصح منهنَّ الصلاة، وهنَّ الحُيَّض.

كل ذلك لسماع الخطبة والموعظة في هذين اليومين الفاضلين، وحضور

(1) البخاري (324)، مسلم (890).

ص: 33

دعوة المسلمين ربَّهم.

3 -

إنَّ يوم العيد يوم اجتماع، وتفرغ لعبادة الله تعالى وشكره، في مشهدها ومصلاها، فلا ينبغي التخلف عن هذا المشهد الكبير، الذي خرج فيه المسلمون في صعيد صحراوي واحد، ضاحين بارزين لربهم، فإنَّ هذا المشهد الرائع قَمِن أن يُسْتَجَابَ فيه الدعاء، فالمتعيَّن حضوره.

4 -

أنَّ مصلى العيد كمصلى الصلوات الأُخر من حيث الأحكام، فلهذا أُمر الحُيَّض أنَّ يعتزلن المصلى.

5 -

وجوب اجتناب الحائض المسجد.

6 -

أنَّ الحائض غير ممنوعة من الدعاء، ومن ذكر الله تعالى.

7 -

فضل يوم العيد، وكونه مرجوًّا فيه إجابة الدعاء.

8 -

الأصل الوجوب في الأمر بإخراج العواتق والحُيَّض؛ ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، ولكن للعلماء فيه ثلاثة أقوال:

(أ) أنَّه واجب؛ للأمر به عليهن.

(ب) أنه سنة، وحمل الأمر على الندب؛ لأنَّ الأمر بخروجهن لشهود دعوة المسلمين غير واجب.

(ج) أنَّه منسوخ، ففي أول الإسلام كانوا محتاجين لتكثير سواد المسلمين، ولما كثر المسلمون استغني عن هذا.

والقول الراجح -من هذه الأقوال الثلاثة- القول الثاني: أنَّه سنة.

قال شيخ الإسلام: لا بأس بحضور النساء غير متطيبات، ولا لابسات ثياب زينة، أو شهرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"وليخرجن تَفِلَات"، ويعتزلن الرجال، ويعتزل الحُيَّض المصلى. اهـ.

9 -

أما ابن الملقن فقال في "شرح العمدة": لا يصح أن يستدل بالأمر بإخراج النساء على وجوب صلاة العيد والخروج؛ لأنَّ هذا الأمر إنما وُجِّه إلى

ص: 34

من ليس بمكلف بالصلاة اتفاقًا؛ كالحيض، وإنما مقصود هذا الأمر تدريب الصغار على الصلاة، وشهود دعوة المسلمين، ومشاركتهم في الثواب، وإظهار كمال الدين. اهـ.

10 -

فيه حضور مجالس الذكر والخير لكل أحد، حتى الحائض والجنب، ومن في معناهما، إلَاّ في المسجد.

* خلاف العلماء:

اتَّفق العلماء على مشروعية صلاة العيدين.

واختلفوا: هل هي سنة، أو فرض؟ وهل هو فرض كفاية، أو فرض عين؟ على ثلاثة أقوال:

ذهب المالكية والشافعية إلى: أنَّها سنة مؤكدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي السائل عما يجب عليه من الصلاة: "خمس صلوات كتبهن الله على عباده، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا"[رواه البخاري (46) ومسلم (11)] وكونها سنة مؤكدة؛ لمواظبته عليها.

وذهب الحنابلة إلى: أنَّها فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي، سقطت عن الباقين؛ فدليل وجوبها قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر]، ومواظبته عليه الصلاة والسلام عليها، ولأنَّها من أعلام الدين الظاهرة، أما أنها لا تجب على الأعيان؛ فلحديث الأعرابي المقتضي نفي وجوب صلاة غير الصلوات الخمس.

وذهب الحنفية إلى: أنَّها واجبة، تجب على مَنْ تَجب عليهم الجمعة، سوى الخطبتين فهما سنة عندهم.

والرواية الأخرى عن الإمام أحمد: أنَّها فرض عين؛ للآية، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حتى النساء، وهو اختيار الشيخ تقي الدين.

وهذا القول هو الراجح، أما أدلة فرض الكفاية: فهي أدلة فرض العين،

ص: 35

فهي فيه أوضح وأظهر

أما حديث الأعرابي: فليس فيه ما يدل على عدم وجوبها؛ لأنَّ سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم، وإجابته إياه، هو بصدد ما يتكرر في اليوم والليلة من الصلوات التي هي مفروضات، فلا يمنع العارض لسبب؛ كصلاتي العيدين، اللتين هما شكر لله تعالى على توالي نعمه الخاصة بصيام رمضان، وقيامه، ونحر البدن، وأداء المناسك.

***

ص: 36

399 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأبُو بكرٍ، وَعُمَرُ يُصَلُّونَ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخُطْبْةِ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- كان: قال الكرماني: قالوا: مثل هذا التركيب يفيد الاستمرار.

- العيدين: تثنية: "عيد"، وهما عيد الفطر، وعيد الأضحى، وأصل العيد:"العود"؛ لأنَّه مشتق من: عاد يعود عودًا، وهو الرجوع، قلبت واوه ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، ويجمع على: أعياد، وكان من حقه أن يجمع على: أعوادة لأنَّه من: العود كما ذكرنا، ولكن جمع بالياء؛ للزومها في الواحد.

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 -

المشروع أن تصلى صلاة العيدين قبل الخطبة، وعلى هذا عامة أهل العلم، قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنَّ صلاة العيدين قبل الخطبة.

قال الحافظ: وعليه جماعة فقهاء الأمصار، وعدَّه بعضهم إجماعًا.

2 -

فلو قدم الخطبة على الصلاة، لم يعتد بخطبته؛ وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي، قال المجد: هو قول أكثر العلماء.

وحكمة التأخير هنا -والله أعلم-: أنَّ خطبة الجمعة شرط للصلاة، والشرط مقدم على المشروط؛ بخلاف خطبة العيد، فليست بشرطٍ، وإنما هي سنةٌ.

(1) البخاري (963)، مسلم (888).

ص: 37

3 -

ذكر الراوي الشيخين مع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقرره من السنة -إنما هو على وجه البيان لتلك السنة، أنَّها ثابتة معمول بها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لم تنسخ، وأنَّ العمل بها من الخليفتين الراشدين بمحضر من مشيخة الصحابة، وليس ذكرهما من باب الاشتراك في التشريع، فمعاذ الله بهم عن ذلك.

***

ص: 38

400 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى يَوْمَ العِيدِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا، وَلَا بَعْدَهُمَا" أخرجه السَّبعة (1).

401 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي قَبْلَ العِيدِ شَيئًا، فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلهِ، صَلَّى رَكعَتَيْنِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بإسْنَادٍ حَسَنٍ (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسنٌ.

الحديث (401) فيه فقرتان: الأولى: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئًا"، وقد جاء هذا في الصحيحين من حديث ابن عباس:"أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يتنفل قبل العيد، ولا بعدها".

الفقرة الثانية: "فإذا رجع إلى منزله، صلَّى ركعتين".

قال في "التلخيص": رواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد، وهو عند الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

قال الألباني: إنَّما هو حسن فقط؛ فإنَّ ابن عقيل فيه كلام من قبل حفظه؛ لذلك قال الحافظ والبوصيري: هذا إسناد حسن.

وفي الباب عن ابن عمر، وفيه:"فلم يصلِّ قبلها، ولا بعدها"، صححه الترمذي والحاكم، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث ابن عمرو، أخرجه

(1) البخاري (964)، مسلم (884)، أحمد (3143)، أبو داود (1159)، الترمذي (537)، النسائي (1587)، ابن ماجه (1291).

(2)

ابن ماجه (1293).

ص: 39

أحمد وابن ماجه بسند حسن، ومن حديث جابر أخرجه أحمد بسند صحيح.

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 -

أجمع المسلمون على أنَّ صلاة العيدين ركعتان، وأنَّ لها كغيرها من الصلوات أركانًا وشروطًا وواجبات وسننًا، نقل ذلك الخلف عن السلف، يستثنى من ذلك أنَّ صلاتي العيدين ليس لهما أذانٌ ولا إقامةٌ، وأنه يستحب فيهما التكبيرات الزوائد.

2 -

لا بأس أن يصلي في بيته إذا عاد إليه.

3 -

يدل الحديث (400) على أنَّه يكره التنفل قبل الصلاة وبعدها بموضعها قبل مغادرته، ولو كانت صلاة العيد في مسجد.

4 -

بعض العلماء أجاز التنفل قبل صلاة العيد في موضعها، وبعضهم أجازها بعدها، وبعضهم قبلها وبعدها.

حتى قال النووي: ولا حجة في الحديث لمن كرهه؛ لأنَّه يلزم من ترك الصلاة كراهتها، والأصل أنَّه لا مانع حتى يثبت. اهـ.

وقد ردَّ عليه الشيخ صديق في كتابه "السراج الوهاج"، فقال: أقول: لم تثبت هذه الصلاة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر بها، وهذا القدر يكفي في المنع منها؛ لحديث:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، ولا دليل لمن جوَّزها، وإنما جاءت كراهتها في ذلك؛ لمخالفتها السنة المطهرة.

***

ص: 40

402 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى العِيدَ بِلَا أذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ، وَأَصْلُهُ في البُخَارِيِّ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

في معناه ما في البخاري (960)، ومسلم (886) عن ابن عباس:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى العيدين، ثم خطب بلا أذانٍ ولا إقامةٍ"، ورواه مسلم (887) من حديث جابر بن سمرة قال:"صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرَّة ولا مرَّتين، بغير أذان ولا إقامة".

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

يكره الأذان والإقامة لصلاة العيدين، ووجه الكراهة أنه لم يَرِدْ، وما لم يَرِدْ فلا يُشرع.

2 -

قال النووي: لا يشرع الأذان والإقامة لغير المكتوبات الخمس؛ وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف.

وقال الشيخ تقي الدين: لا ينادى لعيد، ولا استسقاء، قال في "شرح الزاد": الأذان والإقامة فرض كفاية للصلوات الخمس المكتوبة، والجمعة من الخمس، وهما ليسا شرطًا للصلاة، فتصح بدونهما، قال الشارح: بلا خلاف نعلمه.

(1) أبو داود (1147)، البخاري (960).

ص: 41

403 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيد رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، وَأوَّلُ شَيءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَتقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، والنَّاسُ علَى صُفُوفِهِمْ، فَيعِظُهُمْ وَيَأْمُرُهُم". مُتَّفقٌ علَيهِ (1).

ــ

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

قوله: "يخرج إلى المصلى" فيه مشروعية صلاة العيدين في الصحراء، خارج العمران، ولو كان في المدينة المنورة.

2 -

أنَّها لا تصلى في المسجد، إلَاّ لحاجة؛ كمطر ونحوه.

3 -

البداءة بالصلاة قبل الخطبة، فإن قدَّم الخطبة على الصلاة، فلا يعتد بها، وتقدم بأوسع من هنا.

4 -

كراهة الصلاة في مصلى العيد قبلها، فإنَّ أول شيء بدأ به الصلاة.

5 -

أنَّ للعيدين خطبتين كخطبتي الجمعة في الأحكام، ويزيد العيدان بالتكبير فيهما، قال غير واحد: اتَّفق الموجبون لصلاة العيد، وغيرهم على عدم وجوب خطبته، ولا نعلم قائلاً بوجوبها.

6 -

أنَّ الإمام بعد الصلاة ينصرف عن القبلة، ويستقبل الناس، فيعظهم ويرشدهم في كل وقت بما يناسبه.

7 -

استحباب بقاء الناس على صفوفهم؛ لاستماع الخطبتين، وكثير من الناس ينفرون بعد الصلاة، ولا يسمعون الموعظة، ولا شك أنَّ هذا عدم اهتمام بالخير، وحرمان من فضل الله في هذا المشهد العظيم.

(1) البخاري (956)، مسلم (889).

ص: 42

* فائدة:

قولهُ: "والناس على صفوفهم" يعني: مستقبلي القبلة، واستقبال القبلة له أربع حالات:

الأولى: واجب؛ وذلك في الصلوات فرضها ونفلها.

الثاني: مستحب؛ وذلك عند الدعاء.

الثالث: يكون مشروعًا، وذلك عند كل عبادةٍ، من ذكرٍ وتلاوةٍ، ووضوءٍ وغيرها، إلَاّ بدليل.

قال صاحب "الفروع": وهو متوجه في كل عبادةٍ، إلَاّ بدليل.

الرابع: حرام؛ وذلك عند قضاء الحاجة، على خلافٍ: هل هو عامٌّ، أو في الفضاء فقط؟

***

ص: 43

404 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "التَّكْبِيرُ فِي الفِطْرِ سَبعٌ فِي الأُوْلَى وَخَمْسٌ فِي الأُخْرَى، وَالقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كلْتَيْهِمَا". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ البُخَارِيِّ تَصْحِيْحَهُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث قويٌّ بشواهد.

قال في "التلخيص" ما خلاصته: رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وصححه أحمد وعلي بن المديني، والبخاري فيما حكاه الترمذي، وللحديث شواهد:

1 -

ما رواه الترمذي (536)، وابن ماجه (1277)، والدارقطني (2/ 46)، وابن عدي، والبيهقي (3/ 285)، من حديث: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وكثير ضعيف.

2 -

ما رواه الترمذي من حديث عائشة، وفيه ابن لهيعة، ذكر الترمذي أنَّ البخاري ضعفه.

3 -

رواه البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف، وصحح الدارقطني إرساله.

4 -

رواه البيهقي (3/ 289) عن ابن عباس، وهو ضعيف.

وروى العقيلي عن أحمد أنَّه قال: لا يُروى في التكبير في العيدين حديث صحيح مرفوع.

وقال الحاكم: الطرق إلى عائشة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي

(1) أبو داود (1151).

ص: 44

هريرة -فاسدة.

وقال الشيخ الألباني: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح، ويؤيده عمل الصحابة به.

* ما يؤخد من الحديث:

1 -

استحباب التكبير في صلاتي العيدين بقول: "الله أكبر"؛ امتثالاً لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185].

2 -

قَدْرُهُ ست تكبيرات في الركعة الأولى، غير تكبيرة الإحرام، وخمسٌ في الركعة الثانية، غير تكبيرة الانتقال من السجود إلى القيام.

قال البخاري: ليس في الباب أصح من هذا، وقال ابن عبد البر: روي عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة حسان: "أنَّه كبر سبعًا في الأولى، وستًّا في الثانية"، ولم يرو عنه خلافه، وهو أولى ما عمل به.

3 -

محل الزوائد في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة الانتقال من السجود إلى القيام.

4 -

يكون بعد التكبيرة السابعة التعوذ، ثم قراءة الفاتحة، ثم السورة، ولا يفصل بين التكبيرة السابعة والتعوذ بذكر، والتعوذ للقراءة.

5 -

يرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لقول وائل بن حجر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة"، وهو مذهب جمهور العلماء، ومنهم الإمامان: أبو حنيفة والشافعي، ورواية عن مالك.

6 -

يقول بين كل تكبيرتين: "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وصلى الله على محمَّدٍ وآله وسلم تسليمًا كثيرًا"، واختاره الشافعي وغيره.

7 -

قال شيخ الإسلام: ليس في ذلك شيء معين، فاستحبَّ أن يتخللها ذكر. وقال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يحفظ

ص: 45

عنه ذكر معين بين التكبيرات، وكان يضع يمينه على شماله بين كل تكبيرتين.

8 -

التكبيرات الزوائد والذكر الذي بينها مستحب إجماعًا؛ لأنَّه ذكر مشروع بين تكبيرة الإحرام والقراءة، أشبه دعاء الاستفتاح.

***

ص: 46

405 -

وعنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قَال: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الأَضحَى وَالفِطرِ بـ {ق} و {اقْتَرَبَتِ} " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

استحباب قراءة سورة {ق} في الركعة الأولى بعد الفاتحة، وسورة {القمر} بعد الفاتحة في الركعة الثانية من صلاة العيدين، فهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

2 -

جاء في مسند أحمد، وسنن ابن ماجه من حديث سمرة بن جندب:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم-كان يقرأ في صلاة العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} " قال ابن عبد البر: تواترت الروايات بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

3 -

الحكمة -والله أعلم- من قراءة {ق} و {القمر} -: أنهما اشتملتا على أخبار ابتداء الخلق، والبعث، والنشور، والمعاد، والقيامة، والحساب، والجنة، والنار، والترغيب، والترهيب، والإخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذِّبين، وتشبيه بروز الناس في العيد، ببروزهم في البعث، وخروجهم من الأجداث، كأنَّهم جراد منتشر، وغير ذلك من الحِكم.

(1) مسلم (891).

ص: 47

406 -

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قالَ: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ العِيدِ، خَالَفَ الطَّرِيقَ". أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ (1).

ولأَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيحٌ.

أما رواية أبي داود إسنادها: عبد الله بن عمر العمري، وفيه مقال، وله شواهد:

- عن أبي هريرة، رواه أحمد والترمذي، قال البخاري: حديث جابر أصح.

- عن سعيد القرظي وأبي رافع، رواهما ابن ماجه.

- عن عبد الرحمن بن حاطب، رواه ابن قانع وأبو نعيم.

* مفردات الحديث:

- إذا كان يوم عيد: "كان" -هنا- تامة، و"يوم عيد" فاعل لها، ولا تحتاج إلى خبر؛ فإنَّها إذا كانت تامة، فيكتفى برفع المسند إليه على أنَّه فاعل لها، ولا تحتاج إلى خبر، و"إذا" شرطية.

- خالف الطريق: هو جواب الشرط؛ أي: يذهب إلى المصلى من طريق، ويعود من المصلى من طريق أخرى.

(1) البخاري (986).

(2)

أبو داود (1156).

ص: 48

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

استحباب مخالفة الطريق في الذهاب والإياب في صلاة العيد؛ بأن يذهب إليها من طريق، ويعود منها من طريق آخر؛ فذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال بذلك أكثر أهل العلم، ويكون مشروعًا في حق الإمام والمأموم.

2 -

قال في "المبدع": الظاهر أنَّ مخالفة الطريق في العيد شرعت لمعنى خاص، فلا يلحق به غيره، قالوا: إنَّما ورد مخالفة الطريق في العيد، فيجب الوقوف مع النص لأمرين:

أولاً: أنَّ من شرط القياس أن نفهم العلة التي شرع من أجلها المخالفة في صلاة العيد، وهي مجهولة.

الثاني: على فرض فهمنا للعلة، فإنَّ القياس لا يصح؛ ذلك أنَّ القاعدة الشرعية أنَّ الشيء، إذا وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يَرِد به سنة -فإنَّ السنة في الترك، فالسنة بالترك كالسنة بالفعل سواء بسواء.

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء في الحكمة من مخالفة الطريق، فقيل:

1 -

ليسلِّم على أهل الطريقين.

2 -

لينال بركة مشيه في الطريقين.

3 -

ليُظهر شعائر الإسلام في كل فجاج الطرق.

4 -

ليَشهد له الطريقان.

5 -

وقيل: للتفاؤل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا.

قال ابن القيم: الأصح أنَّه لذلك كله، ولغيره من الحِكم، التي لا يخلو عنها فعله صلى الله عليه وسلم.

***

ص: 49

407 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِيْنَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: قَدْ أبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَومَ الفِطْرِ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح، أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح، وأخرجه الحاكم (1/ 434) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، كما أخرجه الإمام أحمد بعدة أسانيد، بعضها ثلاثيات من السند العالي.

* مفردات الحديث:

- ولهم يومان يلعبون فيهما: هذان اليومان أحدهما يسمى: "النيروز"؛ أي اليوم الجديد بالفارسية، فهو أول يوم تتحول فيه الشمس إلى برج الحمل.

اليوم الثاني: "المهرجان" معرب عن "مهركان" بالفارسية، وهو أول يوم تتحول فيه الشمس إلى برج الميزان، وأما العرب فقلدوهم واتَّبعوهم في ذلك.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الإسلام أبطل كل أعياد الجاهلية؛ لأنَّها أعياد لا تعود إلى معنىً كريمٍ، ولا إلى ذكرى يحسن إحياؤها وتذكرها، وحينما أبطل تلك الأعياد لم يُحْرِم المسلمين من المتع المباحة، وأنواع الفرح والسرور؛ فأبدلهم بأعياد إسلامية كريمة.

(1) أبو داود (1134)، النسائي (3/ 179).

ص: 50

2 -

جواز اللعب والغناء في أيام الأعياد للرجال والنساء؛ بشرط أن يخلو من المحرمات؛ كاختلاط الرجال والنساء، ووجود الأغاني المحرمة، ووجود المعازف.

3 -

نأخذ من هذا أنَّه يجب على المسلمين أن يجتنبوا أعياد الوثنيين، والكتابيين: اليهود والنصارى، فلا يحضروها، ولا يعنوا بها، ولا يعينوا عليها، ولا يهنئوا فيها، ولا يتخذوا شيئًا من مراسمها، ولا يتركوا أعمالهم فيها؛ فإنَّهم إن فعلوا ذلك. فقد أحيوا أعياد الجاهلية، فما كفار هذا الزمان إلَاّ شرٌّ من كفار الجاهلية الأولى.

قال شيخ الإسلام: دلت الدلائل من الكتاب، والسنة، والإجماع، والآثار، والاعتبار، على أنَّ التشبه بالكفار منهيٌّ عنه.

4 -

قال شيخ الإسلام: أعياد الكفار من الكتابيين، وغيرهم، من جنس واحد، لا يختلف حكمها في حق المسلم، فلا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعامٍ، ولا لباسٍ، ولا اغتسالٍ، ولا إيقاد نيرانٍ، ولا تعطيل عادة؛ من معيشةٍ أو غيرها، أو ترك الأعمال الراتبة من الصنائع، أو التجارة، أو اتخاذه يوم راحةٍ، وفرحٍ، ولعبٍ، على وجه يخالف ما قبله وما بعده من الأيام.

5 -

هنا نوع آخر من الأعياد وهي أعياد وطنية، اتخذتها الدول والحكومات، وهي إما أعيد استقلال، أو عيد ثورة، أو عيد يعظمون فيه ذكرى من ذكرياتهم، ومثلها أعياد الأسر، والأفراد، مثل عيد ميلاد، أو عيد شم النسيم، أو عيد رأس السنة الميلادية، أو عيد ميلاد زعيمهم، أو عيد الأم، أو غير ذلك؛ فهذه كلها أعياد جاهلية، تحولت علينا يوم تحول علينا الاستعمار السياسي والعسكري والفكري، ولم نستطع التحرر منه.

6 -

هناك أعياد اتخذت صبغة دينية، وهي الاحتفال بالميلاد النبوي، وذكرى

ص: 51

الإسراء والمعراج.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: الاحتفال بذكرى المعراج ليس بمشروع؛ لدلالة الكتاب والسنة والاستصحاب والعقل.

أما الكتاب: فمثل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].

وأما السنة: ففي الصحيحين من حديث عائشة؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه، فهو رد".

وأما العقل: فلو كان هذا مشروعًا، لكان أولى الناس بفعله محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

7 -

يدل الحديث على أنَّ عيدي الفطر والأضحى هما عيدا المسلمين الشرعيين.

8 -

قد جاءت الأحاديث والآثار بتوسع المسلمين فيهما بأنواع المباحات، والفرح والسرور، والزينة والتهاني والزيارات، كما أنَّهما عيدا شكر لله تعالى؛ إذ منَّ على المسلمين بصيام رمضان وقيامه، وأداء المناسك والأضاحي بيسر وسهولة، فعلى المسلمين الاتباع، وترك الابتداع، ففي الشرع ما فيه الكفاية؛ وذلك بدون:

- أن نشارك الكفار في أعيادهم، ونحتفي بها معهم.

- ولا أن نتَّخذ أعيادًا إفرنجية، غرسها الاستعمار عندنا.

- ولا أن نتَّخذ أعيادًا لمناسبات إسلامية، بعضها لم يُحقق زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله، ولا أحد من أصحابه، وإنما هي محدثة من القرون المتخلفة، حينما نُسيت السنة، وأحييت البدعة، وتفرق المسلمون، والله نسأل أن يوفق المسلمين لإحياء سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

9 -

حسن الدعوة إلى الله تعالى، وحسن الأسلوب فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أبطل يومي عيد أهل المدينة، جاء بأسلوب لطيفٍ مُغْرٍ، فَقارن بين يومي الجاهلية، وبين عيد الفطر وعيد الأضحى، وذكر أنَّ يومي الفطر والأضحى

ص: 52

خير من يوميهما؛ ليكون الإقبال على البديل أسرع وأبلغ.

10 -

إنَّه صلى الله عليه وسلم يوفِّي النفوس غرائزها، وما جبلت عليه من حبها لتراثها الأول، ومن حاجتها إلى إشباع رغبتها من وجود أيام أُنسٍ، وفرحٍ، وسرورٍ، تعبر فيه عن مشاعرها، وتميل فيه إلى راحتها، وإلى أفراحها وسرورها، فهو صلى الله عليه وسلم لم يبطل عيدي الجاهلية حتى أعدَّ البديل بما يغني عنه، ويكفي من أيام فرحٍ، وسرور، هما خير من الأولين؛ لئلا يبقا تشوف النفوس وشوقها إلى عيديهما الأولين، فليت علماء المسلمين إذا عالجوا أمرًا مما وقع فيه المسلمون أنَّهم لا يطالبون بتحريمه وإبطاله، إلَاّ وقد أعدوا بديلاً عنه، ومن ذلك البنوك الربوية، وبعض المعاملات التجارية، حتى إذا حرموا شيئا، وإذا ببديله الشرعي يحل محله، ويقوم مكانه، فتحصل به الكفاية عن الحاجة إلى الأول، والله الموفق.

11 -

قال القرطبي: أما الغناء فلا خلاف في تحريمه؛ لأنه من اللهو واللعب المحرم بالاتفاق، وأما غناء الجاريتين فلم يكن إلَاّ وصف الحرب والشجاعة، وما يجري في القتال؛ ولذلك رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فالغناء الذي يحرك الساكن، ويهيج الكامن، وفيه وصف محاسن الصبيان والنساء والخمر ونحوها من الأمور المحرمة، فلا يختلف في تحريمه، ولا اعتبار بما ابتدعه الجهلة من الصوفية في ذلك، فإنَّك إذا تحققتَ أقوالهم في ذلك، ورأيت أفعالهم، وقفت على آثار الزندقة منها، والله المستعان.

***

ص: 53

408 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: "مِنَ السُّنَّةِ أنْ يَخْرُجَ إلى العِيدِ مَاشِيًا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وحسَّنهُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسن لغيره.

قال الترمذي: حديث حسن، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، وللحديث شواهد، وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة، إلَاّ أنَّ مجموعها يدل على أنَّ للحديث أصلاً.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

استحباب الخروج إلى مصلى العيد يوم العيد ماشيًا، ففيه تكثير الحسنات، وحط السيئات، وفيه التواضع، وعدم أذية المشاة بمركوبه، والمشي رياضة بدنية، قال الأطباء: أنَّها أحسن الرياضات، والإنسان مطالب بما يفيد صحته.

2 -

قال الترمذي: يستحب ألا يركب إلَاّ من عذر. والعذر قيدٌ معلوم لجميع العبادات والتكاليف، فلا يجب على المكلف منها إلَاّ قدر استطاعته، قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم".

(1) الترمذي (530).

ص: 54

401 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنَّهُمْ أَصَابهمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صلَاةَ العِيدِ فِي المَسْجِدِ". روَاهُ أَبُو دَاوُدَ بإِسنَادٍ لَيِّنٍ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيفٌ.

رواه أبو داود بإسناد ليَّنٍ؛ لأنَّ في إسناده رجلاً مجهولاً، هو عيسى بن عبد الأعلى، قال فيه الذهبي: لا يكاد يعرف، وهو منكر الحديث، ورواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، أما الحاكم فقال: صحيح الإسناد، مع أنَّ فيه: يحيى بن عبيد الله، الذي قال عنه ابن معين: ليس بشيء، وقال أحمد: أحاديثه مناكير.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الأفضل في صلاة العيد أن تؤدى في الصحراء خارج البنيان، فكانت هذه هي عادة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، والحكمة في هذا -والله أعلم-: تمكين المسلمين من الاجتماع الكبير، الذي لا يتخلف عنه، حتى البنات الشابات، والنساء الحُيَّض، فمثل هذا الاحتفال والاجتماع لا يسعه إلَاّ الصحراء، مع ما في خروجهم من البروز لله تعالى، ضاحين له.

2 -

إذا كان هناك عذر من مطرٍ، أو خوفٍ -كحصار البلد- فتصلى في المساجد، ولو تعددت، إن لم يكفهم مسجدٌ واحدٌ.

وكونها تصلَّى في الصحراء إلَاّ من عذر، فتصلى في المسجد -هو مذهب جمهور العلماء.

(1) أبو داود (1160).

ص: 55

وذهب الشافعية إلى: أنَّ فعلها في المسجد أفضل إن اتَّسع؛ لأنَّ المسجد أشرف وأنظف من غيره، فإن كان المسجد ضيِّقًا، فالسنة أن تصلى في الصحراء، وما ذهب إليه الجمهور أصح، وعليه عمل المسلمين، ولله الحمد.

***

ص: 56