المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أحكام الترادف - تيسير الوصول إلى منهاج الأصول - جـ ٢

[ابن إمام الكاملية]

الفصل: ‌ أحكام الترادف

مهمل.

وأحكامه: أي‌

‌ أحكام الترادف

في مسائل:

الأولى:

في سببه: أي في سبب الترادف.

المترادفان إما أن يقعا من واضعين، بأن يضع أحد القبيلتين أحد الاسمين لمسمى وتضع القبيلة الأخرى اسمًا لذلك المسمى ثم اشتهر الوضعان واشتبه أحدهما بالآخر، وهو معنى قوله ((والتبسا)).

وفيه فائدة وأي فائدة؛ لأن هذا هو السبب الأكثري، بناء على أن اللغات اصطلاحية، وما يقال: إن كلامه يقتضي أنه إذا علم الواضعين لم يكن اللفظ مترادفًا فيه ما فيه، وقد أوضحت جوابه

ص: 277

في الشرح.

أو من واضع واحد لتكثير الوسائل إلى الإخبار عما في النفس فإنه ربما نسي أحد اللفظين، أو عسر عليه النطق به دون الآخر، كما عسر عليه النطق بالبر فيعبر بالحنطة، فيتوسع في التعبير لكثرة الذرائع، أو تعذرت القافية أو الوزن فيبقى الآخر وسيلة للمقصود.

والتوسع في مجال البديع، وهو: اسم لمحاسن الكلام كالتجنيس والقلب والمطابقة والمشاكلة.

فالتجنيس: بأن يوافق أحدهما غيره في الحروف دون صاحبه نحو

ص: 278

رحبة رحبة، ولو قال: واسعة لعدم التجانس.

والمطابقة: وهو ذكر معنيين متقابلين، إذ قد يحصل بأحدهما دون الآخر، وإنما يتصور ذلك إذا كان أحدهما موضوعًا بالاشتراك لمعنى آخر يحصل باعتباره المطابقة دون صاحبه، كما قال: خسنا خير من خسكم، فقال: خسنا خير من خياركم، فوقع التقابل بين الخس والخيار بوجه، ووقع بينهما المشاكلة بوجه آخر، ولو قال: خير من قثائكم لم يحصل المطابقة، فلفظ الخس مشترك بين البقل والخسيس ولفظ الخيار بين الجياد والقثاء.

والمقابلة: وهي الجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وبين ضديهما، كقوله تعالى:{فأما من أعطى واتقى} الآية.

والمشاكلة: وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} ، {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} .

ص: 279

قال السكاكي: والسجع يكون في النثر، كالقافية في الشعر كقولك:((ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت)) فلو عبر بمضى ونحوه لما حصل هذا المعنى.

والقلب: كقوله: {وربك فكبر} .

الثانية: أنه (أي: الترادف)، خلاف الأصل، أي خلاف الراجح، حتى إذا تردد اللفظ بين كونه مترادفًا وغير مترادف، حمل

ص: 280

على غير المترادف؛ لأنه تعريف بالمعرف أي: الذي عرف بالأول، ومحوج إلى حفظ الكل؛ لأن عند عدم حفظ الكل يختل الفهم، لاحتمال أن يكون المعلوم لأحد المتخاطبين، غير اللفظ المعلوم للآخر، فعند التخاطب لا يعلم كل منهما مقصود الآخر، ففيه مفسدة، أو يكون أكثر مقدمات، فيكون الأصل عدمه.

الثالثة:

ص: 281

اللفظ يقوم بدل مرادفه من لغته، أي تجب صحة وقوع كل واحد من المترادفين، مكان الآخر إذا كانا من لغة واحدة، إذ التركيب يتعلق بالمعنى دون اللفظ، يعني أن المقصود من التركيب إنما هو المعني دون اللفظ.

فإذا صح المعنى مع أحد اللفظين وجب بالضرورة، أن يصح مع اللفظ الآخر، فلا مانع من ذلك؛ لأنه لو امتنع، لكان لمانع ضرورة، واللازم منتف؛ لأنه إما من جهة المعنى أو التركيب، وكلاهما منتف، أما من جهة المعنى فلأنه واحد فيهما، وأما من جهة التركيب؛ فلأنه لا حجر في التركيب إذا صح وأفاد المقصود، وذلك معلوم من اللغة قطعًا.

ص: 282

(ولا يضر تخلف الصحة في بعض المواضع كما في نحو قولك: مررت بصاحب زيد، ولا يصح: مررت بذي زيد، وإن كانت مرادفة لصاحب زيد فإنه ربما كان لمانع بخصوص، فإن عدم المانع ليس جزءًا من المقتضى والتخلف لمانع عن المقتضى جائز والمانع هنا أن صيغة ذي لا تضاف إلا إلى اسم جنس ظاهر).

ويمتنع من لغتين.

والفرق: أن اختلاف اللغتين يستلزم ضم مهمل إلى مستعمل، فإن لفظة إحدى اللغتين بالنسبة إلى الأخرى مهملة.

وقال في المحصول: الحق أنه لا يجب مطلقًا.

وصحح ابن الحاجب: وجوبه مطلقًا.

وقوله: إذ التركيب، متعلق بالمعنى، إشارة إلى أن الخلاف إنما

ص: 283

هو في حال التركيب، وأما حال الإفراد كما في تعديد الأشياء من غير عامل ملفوظ ولا مقدر فيجوز اتفاقًا كذا قيل.

وصرح بذلك في المنتهى، لكن المصنف لم يحك خلافًا، وإنما جزم بالحكم، وذكر علته.

ص: 284

الرابعة: التوكيد: تقوية مدلول ما ذكر بلفظ ثان.

فقوله: بلفظ متعلق بقوله: تقوية، أي تقوية المذكور بلفظ ثان.

والمراد بقوله ثان: أعم من أن يكون مقدمًا أو مؤخرًا، لا ما وقع في الترتيب مؤخرًا، فإن المؤخر كما أنه ثان للأول، فكذا المقدم ثان للمؤخر، فلا يرد القسم.

ص: 285

وإن اللام من المؤكدات، ولا يرد التابع لما تقدم.

فإما أن يؤكد اللفظ بنفسه كقوله - صلى الله عليه وسلم:

((والله لأغزون قريشًا)) ثلاثًا، رواه أبو داود في رواية موافقة للمصنف، وفيه، ثم قال:((إن شاء الله تعالى)).

ثم قال أبو داود: قد أسنده غير واحد عن شريك، وأسنده

ص: 286

ابن حبان في صحيحه مرفوعًا باللفظ الموافق للمصنف أيضًا.

ورواه ابن القطان في علله كذلك، وقال: هذا حديث حسن غريب. ويسمى تأكيدًا لفظيًا.

أو بغيره، أي: بغير اللفظ الأول، وهو قسمان:

فالأول للمفرد كالنفس والعين للواحد مذكرًا كان أو مؤنثًا، وللمثنى كلا وكلتا مذكران ومؤنثان، وبالجمع لفظ كل وأجمعين وأخواته: أكتعين أبصعين أبتعين، فهذه أقسام للمفرد لأنه جعل مقابل الجملة.

ص: 287

إذ جعله القسم الثاني، حيث قال: أو الجملة كإن وأخواتها، والقسم: فالتأكيد هنا بالجملة نحو قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} .

وجوازه، أي الترادف ضروري؛ لأن العقل لا يحيل تعدد الوسائل إلى تعيين المقصود، وفيه إشارة إلى الرد على من منع جواز الترادف.

وقوعه في اللغات، معلوم، لأن من استقرأ كلام العرب علم أنه واقع، نحو جلوس وقعود للهيئة المخصوصة، وسبع وأسد للحيوان المفترس، ويهتر ويحتر للقصير، وصهلب وشوذب للطويل، فلا يصح نفي وقوعه في اللغات.

ص: 288