المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ - جامع بيان العلم وفضله - جـ ١

[ابن عبد البر]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، كُلَّهَا مَعْلُولَةٌ ، لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ

- ‌تَفْرِيعُ أَبْوَابِ فَضْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ

- ‌بَابُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «يَنْقَطِعُ عَمَلُ ابْنِ آدَمَ بَعْدَهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ»

- ‌بَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ»

- ‌بَابُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ»

- ‌بَابُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ مَعَادِنُ»

- ‌بَابُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهَ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

- ‌بَابُ تَفْضِيلِ الْعِلْمِ عَلَى الْعِبَادَةِ

- ‌بَابُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ»

- ‌تَفْضِيلُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الشُّهَدَاءِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي ذَلِكَ وَمَا كَانَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ

- ‌بَابُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُسْتَمِعِ الْعِلْمِ وَحَافِظِهِ وَمُبَلِّغِهِ

- ‌بَابُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثًا»

- ‌بَابٌ جَامِعٌ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ كَرَاهِيَةِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ وَتَخْلِيدِهِ فِي الصُّحُفِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الرُّخْصَةِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ

- ‌بَابٌ: فِي مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ

- ‌بَابُ الْأَمْرِ بِإِصْلَاحِ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ فِي الْحَدِيثِ وَتَتَبُّعِ أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ

- ‌بَابُ فَضْلِ التَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الرِّحْلَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ هَا هُنَا

- ‌بَابُ الْحَضِّ عَلَى اسْتِدَامَةِ الطَّلَبِ وَالصَّبْرِ فَيهِ عَلَى اللَّأْوَاءِ وَالنَّصَبِ

- ‌بَابٌ جَامِعٌ فِي الْحَالِ الَّتِي يُسْأَلُ بِهَا الْعِلْمُ

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الرُّتْبَةِ فِي أَخْذِ الْعِلْمِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ مَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ مِنْ وَصِيَّةِ ابْنِهِ وَحَضِّهِ إِيَّاهُ عَلَى مُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْحِرْصِ عَلَى الْعِلْمِ

- ‌بَابُ آفَةِ الْعِلْمِ وَغَائِلَتِهِ وَإِضَاعَتِهِ وَكَرَاهِيَةِ وَضْعِهِ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلِهِ

- ‌بَابُ هَيْبَةِ الْمُتَعَلِّمِ لِلْعَالِمِ

- ‌بَابٌ فِي ابْتِدَاءِ الْعَالِمِ جُلَسَاءَهُ بِالْفَائِدَةِ وَقَوْلِهِ: سَلُونِي وَحِرْصِهِمْ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مَا عِنْدَهُمْ

- ‌بَابُ مَنَازِلِ الْعُلَمَاءِ

- ‌بَابُ طَرْحِ الْعَالِمِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ

- ‌بَابُ فَتْوَى الصَّغِيرِ بَيْنَ يَدَيِ الْكَبِيرِ بِإِذْنِهِ

- ‌بَابٌ جَامِعٌ فِي آدَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آدَابِ الْعِلْمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَبْضِ الْعِلْمِ وَذَهَابِ الْعُلَمَاءِ

- ‌بَابُ حَالِ الْعِلْمِ إِذْ كَانَ عِنْدَ الْفُسَّاقِ وَالْأَرْذَالِ

- ‌بَابُ: اسْتِعَاذَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَسُؤَالِهِ الْعِلْمَ النَّافِعَ

- ‌بَابُ ذَمِّ الْعَالِمِ عَلَى مُدَاخَلَةِ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ

- ‌بَابُ ذَمِّ الْفَاجِرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَذَمِّ طَلَبِ الْعِلْمِ لِلْمُبَاهَاةِ وَالدُّنْيَا

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي مُسَاءَلَةِ اللَّهِ عز وجل الْعُلَمَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا عَمِلُوا فِيمَا عَلِمُوا

- ‌بَابُ جَامِعِ الْقَوْلِ فِي الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ

- ‌فَصْلٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي كَسْبِ طَالِبِ الْعِلْمِ الْمَالَ وَمَا يَكْفِيهِ مِنْ ذَلِكَ

- ‌بَابُ الْخَبَرِ عَنِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَقُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْعِلْمِ وَحَقِيقَتِهِ وَمَا الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ مُطْلَقًا

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ

‌فَصْلٌ

ص: 559

937 -

وَذَكَرَ الْغِلَابِيُّ، عَنِ ابْنِ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: " يَا بُنَيَّ، لَا تَعَلَّمِ الْعِلْمَ لِثَلَاثِ خِصَالٍ: لَا تُرَائِي بِهِ وَلَا تُمَارِ بِهِ وَلَا تُبَاهِ بِهِ ، وَلَا تَدَعْهُ لِثَلَاثِ خِصَالٍ: رَغْبَةٌ فِي الْجَهْلِ وَزَهَادَةٌ فِي الْعِلْمُ وَاسْتِحْيَاءٌ مِنَ التَّعَلُّمِ"

⦗ص: 560⦘

938 -

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ نَحْوُهُ، عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ أَنَّهُ خَاطَبَ بِهِ ابْنَهُ ،

939 -

أُنْشِدْتُ لِبَعْضِ الْمُحْدَثِينَ:

[البحر السريع]

كُنْ مُوسِرًا إِنْ شِئْتَ أَوْ مُعْسِرًا

لَا بُدَّ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْهَمِّ

وَكُلَّمَا ازْدَدْتَ بِهَا ثَرْوَةً

زَادَ الَّذِي زَادَكَ فِي الْغَمِّ

إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ فِي دَهْرِهِمْ

لَا يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ لُلْفَهْمِ

إِلَّا مُبَاهَاةً لِأَصْحَابِهِمْ

وَعِدَّةً لِلْخَصْمِ وَالظُّلْمِ

940 -

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِذَا تَعَلَّمْتُمُوهُ فَاكْظِمُوا عَلَيْهِ وَلَا تَخْلِطُوهُ بِضَحِكٍ وَلَا بِلَعِبٍ فَتَمُجَّهُ الْقُلُوبُ؛ فَإِنَّ الْعَالِمَ إِذَا ضَحِكَ ضَحْكَةً مَجَّ مِنَ الْعِلْمِ مَجَّةً»

⦗ص: 561⦘

941 -

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْوَقَارِ وَالْحِلْمِ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ وَلِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ، وَلَا تَكُونُوا جَبَابِرَةَ الْعُلَمَاءِ فَيُذْهِبَ بَاطِلُكُمْ حَقَّكُمْ»

942 -

وَرُوِّينَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ هَذَا سَوَاءً إِلَّا أَنَّ فِيَ آخِرِ لَفْظِهِ:«وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ؛ فَلَا يُقَوَّمَ عِلْمُكُمْ بِجَهْلِكُمْ»

943 -

قَالَ أَبُو عُمَرَ: «قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،

944 -

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ»

ص: 559

فَصْلٌ فِي مَدْحِ التَّوَاضُعِ وَذَمِّ الْعُجْبِ وَطَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَمِنْ أَفْضَلِ آدَابِ الْعَالِمِ تَوَاضُعُهُ وَتَرْكُ الْإِعْجَابِ لِعِلْمِهِ وَنَبْذُ حُبِّ الرِّئَاسَةِ عَنْهُ.

945 -

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ التَّوَاضُعَ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ إِلَّا رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اللَّهُ»

ص: 562

946 -

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا النَّيْسَابُورِيُّ، نا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْفِرْيَابِيُّ، نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ

⦗ص: 563⦘

جَعْفَرٍ، ثنا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ»

947 -

وَقَالُوا: الْمُتَوَاضِعُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ أَكْثَرُ عِلْمًا كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ الْمُنْخَفِضَ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ مَاءً.

948 -

وَرُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:" إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحِكَمِهِ وَقِيلَ لَهُ: انْتَعِشْ، نَعَشَكَ اللَّهُ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَقِيرٌ وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرٌ "

⦗ص: 565⦘

949 -

وَكَانَ يُقَالُ: «إِذَا كَانَ عِلْمُ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ عَقْلِهِ كَانَ قَمِنًا أَنْ بَصَّرَهُ»

ص: 562

950 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا وَلَا يَبْغِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ»

ص: 565

951 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْوَرْدِ بْنِ ثُمَامَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ:«كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ قَدْ قَرَءُوا الْكُتُبَ وَعَلِمُوا عِلْمًا، وَإِنَّهُمْ طَلَبُوا بِقِرَاءَتِهِمْ وَعِلْمِهِمُ الشَّرَفَ وَالْمَالَ، وَإِنَّهُمُ ابْتَدَعُوا بِهَا بِدْعًا أَدْرَكُوا بِهَا الْمَالَ وَالشَّرَفَ فِي الدُّنْيَا فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»

952 -

رُوِّينَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ:«يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عز وجل»

⦗ص: 567⦘

953 -

وَقِيلَ لبزرجمهر: " مَا النِّعْمَةُ الَّتِي لَا يُحْسَدُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا؟ قَالَ: التَّوَاضُعُ وَقِيلَ لَهُ: مَا الْبَلَاءُ الَّذِي لَا يُرْحَمُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ؟ قَالَ: الْعُجْبُ"

954 -

وَقَالَ: " التَّوَاضُعُ مَعَ السَّخَافَةِ وَالْبُخْلُ أَحْمَدُ مِنَ الْكِبْرِ مَعَ السَّخَاءِ وَالْأَدَبِ، فَأَعْظِمْ بِحَسَنَةٍ عَفَّتْ عَلَى سَيِّئَتَيْنِ، وَأَفْظِعْ بِعَيْبٍ أَفْسَدَ مِنْ صَاحِبِهِ حَسَنَتَيْنِ،

955 -

وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْمُرَادِيُّ فِي قَوْلِهِ:

[البحر الطويل]

وَأَحْسَنُ مَقْرُونَيْنِ فِي عَيْنِ نَاظِرٍ

جَلَالَةُ قَدْرٍ فِي ثِيَابِ تَوَاضَعِ

956 -

وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ يَمْدَحُ رَجُلًا:

[البحر الطويل]

فَتًى كَانَ عَذْبَ الرُّوحِ لَا مِنْ غَضَاضَةٍ

وَلَكِنَّ كِبْرًا أَنْ يَكُونَ بِهِ كِبْرُ

957 -

وَقَالَ الْبُحْتُرِيُّ:

[البحر الخفيف]

وَإِذَا مَا الشَّرِيفُ لَمْ يَتَوَاضَعْ

لِلْأَخِلَّاءِ فَهُوَ عَيْنُ الْوَضِيعِ

958 -

وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: «كُلَّمَا تَوَقَّرَ الْعَالِمُ وَارْتَفَعَ كَانَ الْعُجْبُ إِلَى صَاحِبِهِ أَسْرَعُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ بِتَوْفِيقِهِ وَنَزَعَ حُبِّ الرِّيَاسَةِ عَنْ نَفْسِهِ»

ص: 566

959 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، نا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَوْذَرٍ، عَنْ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ رَآهُ يَتَّبِعُ الْأَحَادِيثَ:

⦗ص: 568⦘

«اتَّقِ اللَّهَ وَارْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْمَجَالِسِ وَلَا تُؤْذِ أَحَدًا؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَلَأَ عِلْمُكَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَعَ الْعُجْبِ مَا زَادَكَ اللَّهُ بِهِ إِلَّا سِفَالًا وَنَقْصًا»

ص: 567

960 -

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، نا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ، " أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا فِيهِ ثَلَاثُ خِلَالٍ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ "

ص: 568

961 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ، نا يَغْنُمُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ وَثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ، فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَالثَّلَاثُ الْمُنْجِيَاتُ تَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَكَلِمَةُ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالسَّخَطِ، وَالِاقْتِصَادُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ»

ص: 568

962 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ، نا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ الْمُقْرِئُ، نا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:«كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ يُعْجَبَ بِعَمَلِهِ» قَالَ أَبُو عُمَرَ: «إِنَّمَا أَعْرِفُهُ بِعَمَلِهِ»

⦗ص: 570⦘

963 -

قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " عَلَامَةُ الْجَهْلِ ثَلَاثٌ: الْعُجْبُ وَكَثْرَةُ الْمَنْطِقِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَأَنْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ وَيَأْتِيَهُ"

964 -

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ: " سَأَلْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ رحمه الله عَنِ التَّوَاضُعِ، فَقَالَ: أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ مِمَّنْ سَمِعْتَهُ وَلَوْ كَانَ أَجْهَلَ النَّاسِ لَزِمَكَ أَنْ تَقْبَلَهُ مِنْهُ"

⦗ص: 571⦘

965 -

وَقَالُوا: " الْعُجْبُ يَهْدِمُ الْمَحَاسِنَ،

966 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «الْإِعْجَابُ آفَةُ الْأَلْبَابِ»

967 -

وَقَالَ غَيْرُهُ: «إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى ضِعْفِ عَقْلِهِ»

968 -

وَلَقَدْ أَحْسَنَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ حَيْثُ يَقُولُ:

[البحر البسيط]

الْمَالُ آفَتُهُ التَّبْذِيرُ وَالنَّهْبُ

وَالْعِلْمُ آفَتُهُ الْإِعْجَابُ وَالْغَضَبُ

969 -

وَقَالُوا: «مَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ ذَلَّ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِعَقْلِهِ زَلَّ، وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ذَلَّ وَمَنْ خَالَطَ الْأَنْذَالَ حُقِّرَ وَمَنْ جَالِسَ الْعُلَمَاءَ وُقِّرَ»

970 -

وَقَالُوا: لَا تَرَى الْمُعْجَبَ إِلَّا طَالِبًا لِلرِّئَاسَةِ،

971 -

وَقَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَحَبَّ الرِّئَاسَةَ إِلَّا حَسَدَ وَبَغَى وَتَتَبَّعَ عُيُوبَ النَّاسِ وَكَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ أَحَدٌ بِخَيْرٍ»

972 -

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: «وَاللَّهِ مَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ إِلَّا بِحُبِّ الرِّئَاسَةِ»

973 -

وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

أَأُخَيُّ مَنْ عَشِقَ الرِّئَاسَةَ خِفْتُ أَنْ

يَطْغَى وَيُحْدِثَ بِدْعَةً وَضَلَالَا

974 -

وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

[البحر البسيط]

حُبُّ الرِّئَاسَةِ أَطْغَى مَنْ عَلَى الْأَرْضِ

حَتَّى بَغَى بَعْضُهُمْ فِيهَا عَلَى بَعْضِ

.

⦗ص: 572⦘

975 -

وَلِي فِي هَذَا الْمَعْنَى:

[البحر البسيط]

حُبُّ الرِّئَاسَةِ دَاءٌ يَحْلِقُ الدُّنْيَا

وَيَجْعَلُ الْحُبَّ حَرْبًا لِلْمُحِبِّينَا

يَفْرِي الْحَلَاقِيمَ وَالْأَرْحَامَ يَقْطَعُهَا

فَلَا مُرُوءَةَ تُبْقِي وَلَا دِينَا

مَنْ دَانَ بِالْجَهْلِ أَوْ قَبِلَ الرُّسُوخَ

فَمَا تُلْفِيهِ إِلَّا عَدُوًّا لِلْمُحِقِّينَا

يَشْنَا الْعُلُومَ وَيَقْلِي أَهْلَهَا حَسَدًا

ضَاهَى بِذَلِكَ أَعْدَاءَ النَّبِيِّينَا

ص: 569

976 -

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ خَلَفٍ يَقُولُ: «وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَإِزَالَةُ الْجِبَالِ الرُّوَاسِيِّ أَيْسَرُ مِنْ إِزَالَةِ الرِّيَاسَةِ»

977 -

وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ الْبَصْرِيُّ الْمُتَكَلِّمُ:

[البحر الكامل]

إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ

وَمَا تَقُولُ فَأَنْتَ عَالِمُ

أَوْ كُنْتَ تَجْهَلُ ذَا وَذَاكَ

فَكُنْ لِأَهْلِ الْعِلْمِ لَازِمَ

أَهْلُ الرِّيَاسَةِ مَنْ

يُنَازِعُهُمْ رِيَاسَتَهُمْ فَظَالِمُ

لَا تَطْلُبَنَّ رِيَاسَةً

بِالْجَهْلِ أَنْتَ لَهَا مُخَاصِمُ

لَوْلَا مَقَامُهُمْ رَأَيْتَ

الدِّينَ مُضْطَرِبَ الدَّعَائِمِ

وَهَذَا مَعْنَاهُ فِيمَنْ رَأَسَ بِحَقٍّ وَعِلْمٍ صَحِيحٍ أَنْ لَا يُحْسَدَ وَلَا يُبْغَى عَلَيْهِ

978 -

وَلِلْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ:

[البحر الكامل]

لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ عَذَرْتَنِي

أَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا تَقُولُ عَذَلْتُكَا

لَكِنْ جَهِلْتَ مَقَالَتِي فَعَذَلْتَنِي

وَعَلِمْتُ أَنَّكَ جَاهِلٌ فَعَذَرْتُكَا

979 -

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: «مَنْ أَحَبَّ الرِّيَاسَةَ فَلْيُعِدّ رَأْسَهُ لِلنِّطَاحِ»

⦗ص: 573⦘

980 -

وَقَالَ بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ:

[البحر البسيط]

تَغَايَرَ النَّاسُ فِيمَا لَيْسَ يَنْفَعُهُمْ

وَفَرَّقَ النَّاسَ آرَاءٌ وَأَهْوَاءُ

981 -

وَقَالَ آخَرُ:

[البحر البسيط]

حُبُّ الرِّيَاسَةِ دَاءٌ لَا دَوَاءَ لَهُ

وَقَلَّ مَا تَجِدُ الرَّاضِينَ بِالْقَسْمِ

ص: 572

982 -

حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى قَالَا: نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نُعْمَانَ، نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَرْوَانَ، نا أَحْمَدُ بْنُ حَاتِمٍ، نا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: «كُنْتُ أَتَمَنَّى الرِّيَاسَةَ، وَأَنَا شَابٌّ وَأَرَى الرَّجُلَ عِنْدَ السَّارِيَةِ يُفْتِي فَأَغْبِطُهُ فَلَمَّا بَلَغْتُهَا عَرَفْتُهَا»

983 -

وَقَالَ الْمَأْمُونُ: «مَنْ طَلَبَ الرِّيَاسَةَ بِالْعِلْمِ صَغِيرًا فَاتَهُ عِلْمٌ كَثِيرٌ»

984 -

وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ:

[البحر الكامل]

الْكَلْبُ أَكْرَمُ عِشْرَةً

وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي الْخَسَاسَةِ

⦗ص: 574⦘

مِمَّنْ تَعَرَّضَ لِلرِّيَاسَةِ

قَبْلَ إِبَّانِ الرِّيَاسَةِ

985 -

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه" أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ فَاتَّبَعَهُ النَّاسُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَيُّ قَلْبٍ يَصْلُحُ عَلَى هَذَا؟ ثُمَّ قَالَ: خَفْقُ النِّعَالِ مَفْسَدَةٌ لِقُلُوبٍ نَوْكَى الرِّجَالِ"

986 -

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «هِيَ مَفْسَدَةٌ لِلْمَتْبُوعِ مَذَلَّةٌ لِلتَّابِعِ»

ص: 573

987 -

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ: نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ

⦗ص: 575⦘

مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: «مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِلْعَمَلِ كَسَرَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّمَهُ لِغَيْرِ الْعَمَلِ زَادَهُ فَخْرًا»

ص: 574

فَصْلٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ: " وَمِنْ أَدَبِ الْعَالِمِ تَرْكُ الدَّعْوَى لِمَا لَا يُحْسِنُهُ ، وَتَرْكُ الْفَخْرِ بِمَا يُحْسِنُهُ ، إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ كَمَا اضْطُرَّ يُوسُفُ عليه السلام حِينَ قَالَ:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَعْرِفُ حَقَّهُ فَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فِيهِ وَيُعْطِيهِ بِقِسْطِهِ، وَرَأَى هُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْعَدَ لَا يَقْعُدُهُ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ وَقْتِهِ إِلَّا قَصَّرَ عَمَّا يَجِبُ لِلَّهِ عز وجل مِنَ الْقِيَامِ بِهِ مِنْ حُقُوقِهِ فَلَمْ يَسَعْهُ إِلَّا السَّعْيُ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ بِمَا أَمْكَنَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ لِلْعَالِمِ حِينَئِذٍ الثَّنَاءُ عَلَى نَفْسِهِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مَوْضِعِهِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ تَحَدَّثَ بِنِعْمَةِ رَبِّهِ عِنْدَهُ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ لَهَا،

988 -

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي حَدِيثِ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَنَازَعَ فِيهَا الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ: «وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ فِيهَا بَارًّا تَابِعًا لِلْحَقِّ صَادِقًا» ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ تَزْكِيَةً لِنَفْسِهِ رضي الله عنه، وَأَفْضَحُ مَا يَكُونُ لِلْمَرْءِ دَعْوَاهُ بِمَا لَا يَقُومُ بِهِ" وَقَدْ عَابَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَقَالُوا فِيهِ نَظْمًا وَنَثْرًا فَمِنْ ذَلِكَ

989 -

قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ النَّاشِيِّ:

[البحر الخفيف]

مَنْ تَحَلَّى بِغَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ

عَابَ مَا فِي يَدَيْهِ مَا يَدَّعِيهِ

ص: 576

وَإِذَا حَاوَلَ الدَّعَاوَى لِمَا فِيهِ

أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا لَيْسَ فِيهِ

وَيَحْسِبُ الَّذِي ادَّعَا مَا عَدَاهُ

أَنَّهُ عَالِمٌ بِمَا يَعْتَرِيهِ

وَمَحَلُّ الْفَتَى سَيَظْهَرُ فِي النَّاسِ

وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا يُخْفِيهِ

990 -

وَأَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ النَّاشِيِّ قَوْلُ الْآخَرِ فِي هَذَا الْمَعْنَى:

[البحر الخفيف]

مَنْ تَحَلَّى بِغَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ

فَضَحَتْهُ شَوَاهِدُ الِامْتِحَانِ

وَجَرَى فِي الْعُلُومِ جَرْيَ سُكَيْتٍ

خَلَّفَتْهُ الْجِيَادُ يَوْمَ الرِّهَانِ

ص: 577