الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْضِ النُّسَّاخِ سَهْوًا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَجْهُهُ أَنَّ طِيبَ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ غَالِبًا طِيبُ رِيحِهَا، فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى التَّعَطُّرِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ بَلِ التَّعَسُّفِ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِي عُنْوَانِ الْبَابِ بِزِيَادَةٍ، وَحُسْنِ صُورَةِ الْأَصْحَابِ، وَعَرْضِهِمْ عَلَى ابْنِ الْخَطَّابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.
(بَابٌ كَيْفَ كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
-)
هَذَا كَمَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ كَتَبْتُ عَلَيْهِ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً فِي بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْإِعْرَابِ بِلَا أَغْرَابٍ بِالْتِمَاسِ بَعْضِ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَقَدْ ضُبِطَ الْبَابُ هَذَا مُنَوَّنًا، وَغَيْرُ مُنَوَّنٍ، وَيُحْتَمَلُ تَسْكِينُهُ عَلَى التَّعْدَادِ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ ; فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هَذَا، بِهَذَا مَعْرُوفٌ، وَمَا بَعْدَهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَطْعِ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ لِمَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ، وَكَيْفَ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ إِنْ كَانَتْ كَانَ نَاقِصَةً، وَعَلَى الْحَالِيَّةِ إِنْ كَانَتْ تَامَّةً، وَقُدِّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِوُجُوبِ تَصْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِضَافَةِ بِقَدْرٍ مُضَافٍ آخَرَ لِيَتِمَّ الْمَعْنَى الْمَأْخُوذُ مِنَ الْمَبْنِيِّ أَيْ هَذَا بَابُ جَوَابِ كَيْفَ كَانَ أَوْ بَيَانِ كَيْفَ كَانَ، وَسَبَبُ التَّقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ بَابٍ لَا يُضَافُ إِلَى الْجُمْلَةِ عَلَى الصَّوَابِ، وَلِذَا قِيلَ إِنَّ إِضَافَتَهُ إِلَى الْجُمْلَةِ كَلَا إِضَافَةٍ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قَالَ الْحَنَفِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ مُضَافًا إِلَى الْجُمْلَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ بِكَيْفِ، وَالْمَعْنَى بَابُ كَيْفِيَّةِ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا خَارِجًا عَمَّا نَحْنُ فِيهِ هَذَا وَرَوَى الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ
يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أُحِبُّ الْعَرَبَ لِثَلَاثٍ لِأَنِّي عَرَبِيٌّ، وَالْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ، وَكَلَامَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا لَكَ أَفْصَحُنَا، وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا قَالَ: كَانَتْ لُغَةُ إِسْمَاعِيلَ دَرَسَتْ أَيْ مَاتَتْ فَصَاحَتُهَا، فَجَاءَنِي بِهَا جِبْرِيلُ ; فَحَفِظْتُهَا، وَرَوَى الْعَسْكَرِيُّ لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ بَنُو أَبٍ وَاحِدٍ، وَنَشَأْنَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّكَ تُكَلِّمُ الْعَرَبَ بِلِسَانٍ مَا نَفْهَمُ أَكْثَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَدَّبَنِي ; فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي، وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ ; فَصَرَّحَ الْحُفَّاظُ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ.
(حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَيِ اللَّيْثُ مَوْلَاهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ يُهْمٌ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ ذَكَرَهُ مِيرَكُ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) تَابِعِيٍّ جَلِيلٍ (عَنْ عُرْوَةَ) أَيِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ) أَيْ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَصِلْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِحَيْثُ لَا يَتَبَيَّنُ بَعْضُ حُرُوفِهِ لِسَامِعِهِ (سَرْدَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَسَرْدِكُمْ، وَقَوْلُهُ (هَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى سَرْدِهِمُ الَّذِي يَسْرُدُونَهُ (وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ ظَاهِرٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بَيَّنَهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي (فَصْلٍ) بِالْجَرِّ تَأْكِيدٌ لِبَيِّنٍ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى، وَصِفَةٌ لِكَلَامٍ عَلَى الثَّانِيَةِ أَيْ: مَفْصُولٍ مُمْتَازٍ عَنْ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَتَبَيَّنُهُ مَنْ يُخَاطَبُ بِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَيْنَهُ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ، وَضَمِيرُهُ لِلْكَلَامِ، وَفَصْلٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى فَاصِلٌ أَوْ مِنْ قَبِيلِ رَجُلٍ عَدْلٍ مُبَالَغَةً أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَلَامٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيَّنَهُ عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ مِنَ التَّبْيِينِ، وَفِي بَعْضِهَا بَيْنَ فَصْلٍ بِإِضَافَةِ بَيْنَ إِلَى فَصْلٍ، وَالظَّرْفُ صِفَةُ كَلَامٍ أَيْ كَلَامٍ كَائِنٍ بَيْنَ فَصْلٍ كَانَ الْفَصْلُ مُحِيطًا بِهِ.
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ يُقَالُ: فُلَانٌ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ سَرْدًا إِذَا تَابَعَ الْحَدِيثَ اسْتِعْجَالًا، وَسَرْدُ الصَّوْمِ تَوَالِيهِ، وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَتَابِعًا بِحَيْثُ يَأْتِي بَعْضُهُ تِلْوَ بَعْضٍ ;
فَيَلْتَبِسُ عَلَى الْمُسْتَمِعِ بَلْ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ وَاضِحٍ مَفْهُومٍ غَايَةَ الْوُضُوحِ، وَنِهَايَةُ الْبَيَانِ (يَحْفَظُهُ) أَيْ كَلَامَهُ (مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ) أَيْ كُلُّ مَنْ جَلَسَ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ بِظُهُورِهِ عَلَى مَنْ يَكُونُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا: كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ
لَأَحْصَاهُ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (سَلْمُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (بْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى) بِتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ (عَنْ ثُمَامَةَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعِيدُ الْكَلِمَةَ) أَيِ الصَّادِقَةَ بِالْجُمْلَةِ أَوِ الْجُمَلِ، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا مَالَا يَتَبَيَّنُ مَبْنَاهَا أَوْ مَعْنَاهَا إِلَّا بِالْإِعَادَةِ (ثَلَاثًا) مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ يَتَكَلَّمُ بِهَا ثَلَاثًا لِأَنَّ الْإِعَادَةَ بِحَقِيقَتِهَا لَوْ كَانَتْ ثَلَاثًا لَكَانَ تَكَلُّمُهُ أَرْبَعًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (لِتُعْقَلَ عَنْهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لِتُفْهَمَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ، وَتُؤْخَذَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَالشَّفَقَةِ، وَالْمَرْحَمَةِ عَلَى الْخَلْقِ، وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ مَرَاتِبَ الْفَهْمِ ثَلَاثٌ هِيَ: أَعْلَى، وَأَوْسَطُ، وَأَدْنَى، وَإِنَّ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَلَوْ زِيدَ عَلَيْهِ بَكَرَّاتٍ.
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَبُو وَكِيعٍ حَدَّثَنَا جُمَيْعٌ) بِالتَّصْغِيرِ (ابْنُ عُمَرَ) وَفِي نُسْخَةٍ ابْنُ عَمْرٍو بِالْوَاوِ، وَفِي هَامِشِ أَصْلِ السَّيِّدِ صَوَابُهُ عُمَيْرٌ بِالتَّصْغِيرِ انْتَهَى. وَهُوَ كَذَا فِي أَصْلِ الشَّرْحِ ثُمَّ قَالَ شَارِحُهُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عُمَرُ بَدَلُ عُمَيْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعِجْلِيُّ) بِكَسْرٍ، فَسُكُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَاللَّامِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ، وَسُكُونُ ثَانِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا السَّنَدُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ (زَوْجِ خَدِيجَةَ) أَيْ: أَوَّلًا وَهُوَ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَبِي هَالَةَ (يُكَنَّى) أَيْ: ذَلِكَ الرَّجُلُ (أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ) أَيِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ (قَالَ: سَأَلْتُ خَالِيَ) أَيْ أَخَا أُمِّي مِنَ الْأُمِّ (هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ، وَصَّافًا) أَيْ كَثِيرَ الْوَصْفِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَبَقَتِ الرِّوَايَةُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ، وَقَوْلُهُ:(قُلْتُ) بَيَانٌ لِسَأَلْتُ (صِفْ لِي مَنْطِقَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ كَيْفِيَّةَ نُطْقِهِ، وَهَيْئَةَ سُكُوتِهِ الْمُقَابِلِ لَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ) أَيْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ السُّكُوتَ لِكَوْنِهِ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ
(دَائِمَ الْفِكْرِة) وَلَا شَكَّ أَنَّ تَوَاصُلَ أَحْزَانِهِ إِنَّمَا كَانَ لِمَزِيدِ تَفَكُّرِهِ، وَاسْتِغْرَاقِهِ فِي شُهُودِ جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكِبْرِيَائِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي دَوَامَ الصَّمْتِ، وَعَدَمَ الرَّاحَةِ إِذْ مِنْ لَازِمِ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ انْتِفَاؤُهَا فَقَوْلُهُ (لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ) مِنْ لَوَازِمِ مَا قَبْلَهُ صَرَّحَ بِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، وَتَنْبِيهًا لِمَا قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِيحُ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْخَيْرَاتِ قَالَ مِيرَكُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَيْ لَا يَسْتَرِيحُ بِلَذَّاتِ الدُّنْيَا كَأَهْلِهَا قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَرِحْنَا يَا بِلَالُ.
وَخَبَرُ: قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ.
هَذَا وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً (طَوِيلَ السَّكْتِ) خَبَرٌ آخَرُ لِكَانَ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا، وَصَحَّ حَدِيثُ.
مَنْ صَمَتَ نَجَا.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ; فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ وَرُوِيَ عَنِ الصِّدِّيقِ لَيْتَنِي كَنْتُ أَخْرَسًا إِلَّا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَّةٍ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ ; فَيَتَحَرَّزُ عَنِ الْكَلَامِ بِلَا فَائِدَةٍ حِسِّيَّةٍ أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ.
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِي، وَفِي شَأْنِهِ نَزَلَ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ) مِنَ الِافْتِتَاحِ أَيْ: وَيَبْدَؤُهُ (وَيَخْتِمُهُ) بِكَسْرِ التَّاءِ مِنَ الْخَتْمِ، وَفِي رِوَايَةٍ، وَيَخْتَتِمُهُ مِنَ الِاخْتِتَامِ أَيْ: وَيُتِمُّهُ (بِاسْمِ اللَّهِ) مُرْتَبِطٌ بِالْفِعْلَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ كَلَامَهُ عليه السلام كَانَ مَحْفُوظًا بِذِكْرِ اللَّهِ، وَمُسْتَعَانًا بِاللَّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ الطَّرَفَيْنِ اسْتِيعَابُ الزَّمَانِ بِذِكْرِ الْوَقْتَيْنِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ وَفِي قَوْلِهِ عز وجل وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا إِذًا مَا أَظُنُّ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ كَلِمَةٌ، وَلَا حَرْفٌ إِلَّا مَقْرُونًا بِذِكْرِ اللَّهِ الْمَنِيفِ لِأَنَّ بَعْضَ أَتْبَاعِهِ يَقُولُ:
وَلَوْ خَطَرَتْ لِي فِي سِوَاكَ إِرَادَةٌ
…
عَلَى خَاطِرِي سَهْوًا حَكَمْتُ بِرِدَّتِي
وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا لَكِنْ لَيْسَ الذِّكْرُ مُنْحَصِرًا فِي التَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ كُلُّ مُطِيعٍ لِلَّهِ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ ; فَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَأَبْعَدَ شَارِحٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ افْتِتَاحِ الْكَلَامِ، وَاخْتِتَامِهِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فِي جَزْمِهِ ; بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاسْمِ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِ الْبَسْمَلَةُ غَالِبًا لِنَدْبِهَا فِي كُلِّ ذِي بَالٍ غَيْرِ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ فِيهِ الِابْتِدَاءُ
بِغَيْرِهِ كَالْأَذَانِ،
وَالصَّلَاةِ وَفِي الْآخِرَةِ الْحَمْدَلَةُ أَوْ غَيْرُهَا كَالِاسْتِغْفَارِ قَالَ: وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْمِ اللَّهِ الْبَسْمَلَةُ حَتَّى فِي الْآخِرَةِ ; فَقَالَ: لَمْ يُشْتَهَرِ اخْتِتَامُ الْأَمْرِ بِاسْمِ اللَّهِ، وَهُوَ غَلَطٌ عَجِيبٌ قُلْتُ، وَكَذَا مَا اشْتُهِرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا كَانَ يَبْتَدِئُ الْكَلَامَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ، وَدَعْوَى الْغَالِبِيَّةِ مَمْنُوعَةٌ، وَإِنَّمَا الشَّارِعُ رَغَّبَ الْغَافِلِينَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِي أَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَكُونُ إِذَا ابْتَدَأَ بِأَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يَنْسَوْنَ ذِكْرَ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِّ لِيَشْتَمِلَ بَرَكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الْحَالِ، وَالْمَآلِ.
وَأَمَّا هُوَ بِنَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا كَانَ غَمْضَةَ جَفْنٍ وَلَا طَرْفَةَ عَيْنٍ غَافِلًا عَنِ الْمَوْلَى ; فَكَلَامُهُ كُلُّهُ ذِكْرٌ، وَسُكُوتُهُ جَمِيعُهُ فِكْرٌ، وَحَالُهُ دَائِرٌ بَيْنَ صَبْرٍ، وَشُكْرٍ فِي كُلِّ حُلْوٍ وَمُرٍّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِأَشْدَاقِهِ جَمْعُ شِدْقٍ، وَهُوَ: طَرَفُ الْفَمِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ: مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَيَانَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِرَحْبِ الشِّدْقَيْنِ بِخِلَافِ ضِدِّهِ ; فَإِنَّهُ لَا يَنْفَهِمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ كَمَا يُشَاهَدُ فِي كَلَامِ بَعْضِ أَرْبَابِ الرُّعُونَةِ بِخِلَافِ ضِدِّهِ ; فَإِنَّهُ لَا يَنْفَهِمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ كَمَا يُشَاهَدُ بَعْضُ أَرْبَابِ الرُّعُونَةِ، وَأَصْحَابُ الْكِبْرِ، وَالْخَدِيعَةِ حَيْثُ يَكْتَفُونَ بِأَدْنَى تَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ، وَأَمَّا التَّشَدُّقُ الْمَذْمُومُ الْمَنْهِيُّ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ أَنْ يَفْتَتِحَ فَاهُ، وَيَتَّسِعَ فِي الْكَلَامِ، وَيَتَكَلَّفَ فِي الْعِبَارَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْمَرَامِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَهُ كَانَ وَسَطًا عَدْلًا خَارِجًا عَنْ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، مِنْ فَتْحِ كُلِّ الْفَمِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى طَرَفِهِ الْقَلِيلِ الْقَاصِرِ عَنْ تَأْدِيَةِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْأَحْكَامِ ; فَيَكُونُ بَيَانًا لِفَصَاحَةِ كَلَامِهِ عليه السلام، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِرَحْبِ شِدْقَيْهِ، فَكَلَامُ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْكَلَامَ (وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ) الْجَوَامِعُ جَمْعُ جَامِعَةٍ، وَالْكَلِمُ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَكَسْرِ اللَّامِ اسْمُ جِنْسٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَقِيلَ جَمْعٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى الثَّلَاثِ، فَصَاعِدًا، وَالْكَلِمُ الطَّيِّبُ يُؤَوَّلُ بِبَعْضِ الْكَلِمِ كَذَا حَرَّرَهُ مَوْلَانَا نُورُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيُّ - قُدِّسَ سِرُّهُ السَّامِي - لَكِنْ فِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الصُّعُودَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِبَعْضِ الطَّيِّبِ دُونَ بَعْضٍ.
ثُمَّ الْإِضَافَةُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِأَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ مُتَضَمِّنَةٍ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ فَقِيلَ هِيَ الْقُرْآنُ وَقَرَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَقَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِي وَصْفِ مَنْطِقِهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي هِيَ الْقُرْآنُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَعَمُّ ; فَإِنَّ الْمَدْحَ فِيهَا أَتَمُّ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْقُرْآنِ أَيْ: بِمَضْمُونِ مَا فِيهِ مِنْ مَبَانِيهِ، وَمَعَانِيهِ، فَلَا يَخْرُجُ كَلَامُهُ عَنْ طِبْقِ كَلَامِ رَبِّهِ فِي كُلِّ أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، وَجَمِيعِ شَأْنِهِ، فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ - «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» أَيْ: كَانَ خُلُقُهُ أَنْ يَمْتَثِلَ قَوْلًا، وَفِعْلًا حُمِدَ فِيهِ، وَيَجْتَنِبَ عَنْ خُلُقٍ، وَحَالٍ ذُمَّ فِيهِ لِلتَّنْبِيهِ.
وَأَغْرَبَ شَارِحٌ، وَقَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَشْدَاقِهِ بَدَلَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَوَجْهُ غَرَابَتِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ أَرْبَابِ الرِّوَايَةِ، وَأَصْحَابِ الدِّرَايَةِ، وَقَدْ جَمَعَ جَمْعٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم الْمُفْرَدِ الْمُوجَزِ الْبَدِيعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ حُسْنِ الصَّنِيعِ، فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي جَمْعِ أَرْبَعِينَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَذْكُرُهَا فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ لِيَكُونَ مِنَ الشَّمَائِلِ مُشْتَمِلًا أَيْضًا عَلَى
الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ، وَهُوَ الْمُوَفِّقُ، وَالْمُعِينُ مُلْتَزِمًا بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ حَدِيثٍ يَتَضَمَّنُ بَدِيعَ حُكْمٍ، وَصَنِيعَ حُكْمٍ، اقْتِصَارًا وَتَحْقِيقًا لِمَا رَوَى أَبُو يَعْلَى فِي مَسْنَدِهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاخْتُصِرَ لِيَ الْكَلَامُ اخْتِصَارًا.
فَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم:
(1)
الْأَيْمَنُ، فَالْأَيْمَنُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ (2) الْإِيمَانُ يَمَانٍ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (3) اخْبَرْ تَقْلَهْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ (4) أَرْحَامَكُمْ أَرْحَامَكُمْ. ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ (5) اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا. ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ (6) أَعْلِنُوا النِّكَاحَ. أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (7) أَكْرِمُوا الْخُبْزَ. الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ (8) الْزَمْ بَيْتَكَ. الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما (9) تَهَادَوْا تَحَابُّوا. أَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (10) الْحَرْبُ خَدْعَةٌ. الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ (11) الْحُمَّى شَهَادَةٌ. الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ (12) الدِّينُ النَّصِيحَةُ. الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ ثَوْبَانَ (13) سَدِّدُوا وَقَارِبُوا. الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (14) شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ. عَنْ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (15) الصَّبْرُ رِضًا. ابْنُ عَسَاكِرَ (16) الصَّوْمُ جُنَّةٌ. النَّسَائِيُّ عَنْ مُعَاذٍ (17) الطِّيَرَةُ شِرْكٌ. أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (18) الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ. الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (19) الْعِدَةُ دَيْنٌ. الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ (20) الْعَيْنُ حَقٌّ الشَّيْخَانِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (21) الْغَنَمُ بَرَكَةٌ. أَبُو يَعْلَى عَنِ الْبَرَاءِ (22) الْفَخْذُ عَوْرَةٌ. (23) قَفْلَةٌ كَغَزْوَةٍ. أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو (24) قَيِّدْ وَتَوَكَّلْ. الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ (25) الْكُبْرَ الْكُبْرَ. الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَلِيمَةَ (26) مَوَالِينَا مِنَّا. الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (27) الْمُؤْمِنُ مُكَفِّرٌ.
الْحَاكِمُ عَنْ سَعْدٍ (28) الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ. الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (29) الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ. الْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (30) الْمُنْتَعِلُ رَاكِبٌ. ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَنَسٍ (31) نَصْبِرُ، وَلَا نُعَاقِبُ. الْأَرْبَعَةُ عَنْ أُبَيٍّ (32) النَّارُ جُبَارٌ. أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (33) النَّبِيُّ لَا يُورَثُ. أَبُو يَعْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ (34) النَّدَمُ تَوْبَةٌ. أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (35) الْوِتْرُ بِلَيْلٍ. أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (36) لَا تَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ. ابْنُ مَاجَهْ عَنْ حِبَّانَ (37) لَا تَغْضَبْ. الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (38) لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ. أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (39) لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ (40) يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ. التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (كَلَامُهُ فَصْلٌ) أَيْ: فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَقِّ، وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَجُلٍ عَدْلٍ لِلْمُبَالِغَةِ أَوِ الْمَصْدَرِ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: ذُو فَضْلٍ أَوْ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ: مَفْصُولٌ مِنَ الْبَاطِلِ، وَمَصُونٌ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا هُوَ بَاطِلٌ أَصْلًا بَلْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْحَقُّ، وَالصَّوَابُ أَوْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا ذِكْرُ الْحَقِّ الْمُطْلَقِ أَوْ مَفْصُولٌ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ بَعْضُ كَلَامِهِ مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ آخَرَ بِحَيْثُ يُشَوِّشُ عَلَى الْمُسْتَمِعِ أَوْ يُشْعِرُ بِالْعَجَلَةِ الْمَذْمُومَةِ أَوْ فَصْلٌ أَيْ: وَسَطٌ عَدْلٌ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ، وَالتَّفْرِيطِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ (لَا فُضُولَ، وَلَا تَقْصِيرَ) كَالْبَيَانِ لَهُ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالْمَعْنَى لَا زِيَادَةَ، وَلَا نُقْصَانَ فِي كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ بِفَتْحِ الِاسْمَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
لَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَالْخَبَرَ مَحْذُوفٌ أَيْ: لَا فُضُولَ فِي كَلَامِهِ وَلَا تَقْصِيرَ فِي تَحْصِيلِ مَرَامِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا فَلَا عَاطِفَةٌ فَالْمَعْنَى أَنَّ كَلَامَهُ فَصْلٌ لَيْسَ بِفُضُولٍ، وَلَا تَقْصِيرٍ، وَلَا الثَّانِيَةُ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ، وَإِلَى هُنَا انْتَهَى مَا يُعْلَمُ بِهِ كَيْفِيَّةُ كَلَامِهِ الْوَافِي بِالْمَرَامِ وَصِفَةُ مَنْطِقِهِ عليه الصلاة والسلام وَكَانَ الرَّاوِي ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ اسْتِطْرَادًا مُتَطَوِّعًا فِيهِ، وَاعْتِضَادًا لَمَّا خَطَرَ فِي خَاطِرِهِ أَنَّ لِلسَّائِلِ فِي مَعْرِفَةِ جَمِيعِ أَخْلَاقِهِ مُرَادًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَجْرِي الْكَلَامُ عَلَى الْكَلَامِ، وَلَوِ اعْتَنَى بِبَاقِي الْحَدِيثِ لَحُمِلَعَلَى مَعَانٍ تُنَاسِبُ الْكَلَامَ فِي الْمَرَامِ، فَقَوْلُهُ (لَيْسَ بِالْجَافِي) أَيِ: الْعَدِيمِ الْبِرِّ قَوْلًا وَفِعْلًا مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَفَاءِ خِلَافَ الْبِرِّ وَالْوَفَاءِ، بَلْ بِرُّهُ حَصَلَ لِلْأَجَانِبِ، فَضْلًا عَنِ الْأَقَارِبِ، وَوَصَلَ عَلَى الْأَعْدَاءِ ; فَكَيْفَ إِلَى الْأَحِبَّاءِ ; لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ مُهْدَاةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَحْمَةٌ مُرْسَلَةٌ لِلْعَالَمِينَ أَوْ لَيْسَ بِالْفَظِّ الْغَلِيظِ الْخِلْقَةِ وَالطَّبْعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الْآيَةَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ «مَنْ بَدَا جَفَا» أَيْ: سَكَنَ الْبَادِيَةَ غَلُظَ طَبْعُهُ لِقِلَّةِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَالْجُفَاءُ: غِلَظُ الطَّبْعِ. ذَكَرُهُ فِي النِّهَايَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَجْفُوَا بِأَصْحَابِهِ بَلْ يُحْسِنُ إِلَى كُلٍّ فِي بَابِهِ (وَلَا الْمَهِينِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِمَعْنَى الْحَقِيرِ أَيْ مَا كَانَ حَقِيرًا ذَمِيمًا بَلْ كَانَ كَبِيرًا عَظِيمًا تَغْشَاهُ مِنْ أَنْوَارِ الْوَقَارِ وَالْمَهَابَةِ، وَالْجَلَالَةِ مَا تَرْتَعِدُ مِنْهُ فَرَائِصُ الْكُفَّارِ، وَالْفُجَّارِ، وَتَخْضَعُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ جُفَاةُ الْأَعْرَابِ، وَتَذِلُّ لِعَظَمَتِهِ عُظَمَاءُ الْمُلُوكِ عَلَى كَرَاسِيِّهِمْ ; فَضْلًا عَنِ الْحِجَابِ بِالْأَبْوَابِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِضَمِّهَا عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ فَفِي النِّهَايَةِ يُرْوَى بِفَتْحِ الْمِيمِ زَائِدَةٍ، وَالْفَتْحُ مِنَ الْمَهَانَةِ، وَهُوَ الْحَقَارَةُ فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصْلِيَّةً انْتَهَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ أَجْوَفٌ، وَعَلَى الثَّانِي صَحِيحٌ ; فَتَأَمَّلْ ثُمَّ لَا يَخْفَى
أَنَّ الْمَعْنَى الْأَخِيرَ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ ; فَيَكُونُ كَمَا وَرَدَ فِي وَصْفِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاضِعًا مِنْ غَيْرِ مَذَلَّةٍ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ جَافٍّ لِلْأَحِبَّاءِ، وَلَا ذَلِيلٍ لَدَى الْأَعْدَاءِ بَلْ مُتَوَاضِعٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَمُتَكَبِّرٌ عَلَى الْمُتَجَبِّرِينَ ; فَيُطَابِقُ قَوْلَهُ تَعَالَى أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ وَيُوَافِقُ قَوْلَهُ عز وجل أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (يُعَظِّمُ) بِتَشْدِيدِ الظَّاءِ (النِّعْمَةَ) أَيْ: يَقُومُ بِتَعْظِيمِهَا قَوْلًا بِحَمْدِهِ، وَفِعْلًا بِالْقِيَامِ بِشُكْرِهِ فِي صَرْفِهَا لِمَرْضَاةِ رَبِّهِ (وَإِنْ دَقَّتْ) أَيْ: وَإِنْ صَغُرَتْ، وَقَلَّتِ النِّعْمَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ نِعْمَةً ظَاهِرِيَّةً أَوْ بَاطِنِيَّةً دُنْيَوِيَّةً أَوْ أُخْرَوِيَّةً.
فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْخَلِيلِ جَلِيلٌ.
وَمَا يَشْكُرُ الْكَثِيرَ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ (لَا يَذُمُّ مِنْهَا) أَيْ: مِنَ النِّعْمَةِ (شَيْئًا) .
وَالظَّرْفُ بَيَانٌ لَهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَيْ: وَمِنْ جُمْلَةِ تَعْظِيمِهَا أَنَّهُ كَانَ لَا يَذُمُّ مِنْهُ شَيْئًا بَلْ كَانَ يَمْدَحُهَا، وَيَشْكُرُهَا لِمَا عِنْدَهُ مِنْ كَمَالِ شُهُودِ عَظَمَةِ الْمُنْعِمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَظَمَةِ النِّعْمَةِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ نَفْيِ الْمَذَمَّةِ، وَمَدْحِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ أَفْرَادِ النِّعْمَةِ (غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَتَخْفِيفِ وَاوِهِ أَيْ: مَأْكُولًا، وَمَشْرُوبًا (وَلَا يَمْدَحُهُ) أَمَّا نَفْيُ مَدْحِهِ ; فَلِكَوْنِ الْمَدْحِ يُشْعِرُ بِالْحِرْصِ، وَالشُّهْرَةِ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَجْرٍ فِي قَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِلْمَدْحِ عَلَى حَدِّ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ فِي مَحَلٍّ لِلْحَلِّ فَتَأَمَّلْ.
وَأَغْرَبُ مِنْهُ كَلَامًا الْحَنَفِيُّ حَيْثُ قَالَ: هَذَا دَفْعُ وَهْمٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ أَنَّهُ يَمْدَحُهَا، وَدَفَعَهُ أَنَّهُ لَا يَمْدَحُهَا، وَلَا يَذُمُّهَا هَذَا.
قَالَ مِيرَكُ: الذَّوَّاقُ فَعَّالٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ مِنَ الذَّوْقِ، وَيَقَعُ عَلَى الِاسْمِ، وَالْمَصْدَرِ، وَفِي الْفَائِقِ الذَّوَّاقُ اسْمُ مَا يُذَاقُ أَيْ: لَا يَصِفُ الطَّعَامَ بِطَبِيعَةٍ، وَلَا بِبَشَاعَةٍ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ كَانَ يَمْدَحُ جَمِيعَ نِعَمِ اللَّهِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِمَذَمَّتِهَا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِمَدْحِ الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَيْلِ إِلَيْهِ، وَلَا يَذُمُّهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ (وَلَا تُغْضِبُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: لَا تُوقِعُهُ فِي الْغَضَبِ (الدُّنْيَا) أَيْ: جَاهُهَا، وَمَالُهَا لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِحَالِهَا، وَمَا لَهَا، وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (وَلَا مَا كَانَ لَهَا) أَيْ: وَلَا يُغْضِبُهُ أَيْضًا مَا كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ مَا بِالدُّنْيَا لِدَنَاءَتِهَا، وَسُرْعَةِ فَنَائِهَا، وَكَثْرَةِ عَنَائِهَا، وَخِسَّةِ شُرَكَائِهَا، وَزِيَادَةُ لَا لِمَزِيدِ تَأْكِيدِ النَّفْيِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ، وَكَأَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ نُسْخَةِ ابْنِ حَجَرٍ فَقَالَ: وَكَيْفَ تُغْضِبُهُ، وَهُوَ مَا كَانَ خُلِقَ لَهَا أَيْ: لِلتَّمَتُّعِ بِلَذَّاتِهَا بَلْ لِهِدَايَةِ الضَّالِّينَ انْتَهَى. وَهُوَ صَحِيحٌ بِحَسَبِ الدِّرَايَةِ لَكِنْ يُخَالِفُهُ الرِّوَايَةُ (فَإِذَا تُعُدِّيَ الْحَقُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: إِذَا تَجَاوَزَ أَحَدٌ عَنِ الْحَقِّ (لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ) أَيْ: لَمْ يَدْفَعْ غَضَبَهُ، وَلَمْ يُقَاوِمْهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَانِعَةِ فِي الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ (حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ أَيْ: حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلْحَقِّ بِالْحَقِّ (لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ) أَيْ: وَلَوْ تُعُدِّيَ فِي حَقِّهَا بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ مِنْ أَجْلَافِ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ (وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا) بَلْ يُقَابِلُهُ بِالْحِلْمِ، وَالْكَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (إِذَا أَشَارَ) أَيْ: إِلَى إِنْسَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَشَارَ) أَيْ: إِلَيْهِ (بِكَفِّهِ كُلِّهَا) أَيْ: جَمِيعِهَا، وَلَا يَقْتَصِرُ
عَلَى الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بِبَعْضِهَا لِأَنَّهُ مِنْ
أَفْعَالِ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَأَخْلَاقِ الْمُتَجَبِّرِينَ (وَإِذَا تَعَجَّبَ) أَيْ: فِي أَمْرٍ (قَلَبَهَا) أَيْ: قَلَبَ الْكَفَّ مِنَ الْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا حَالَ التَّعَجُّبِ بِأَنْ يَكُونَ ظَهْرُ الْيَدِ فَوْقًا ; فَيَقْلِبُهَا بِأَنْ يَجْعَلَ بَطْنَهَا أَعْلَى إِشَارَةً إِلَى تَقَلُّبِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ أَوِ اكْتِفَاءً بِالْفِعْلِ عَنِ الْقَوْلِ فِي إِظْهَارِ التَّعَجُّبِ (وَإِذَا تَحَدَّثَ) أَيْ: تَكَلَّمَ (اتَّصَلَ) أَيْ: حَدِيثُهُ (بِهَا) أَيْ: بِكَفِّهِ بِمَعْنَى أَنَّ حَدِيثَهُ يُقَارِنُ تَحْرِيكَهَا ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ التَّحْرِيكَ الْمُقَارِنَ لِلْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ (وَضَرَبَ بِرَاحَتِهِ) أَيْ: بِكَفِّهِ (الْيُمْنَى بَطْنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى) وَكَانَ هَذَا عَادَتَهُمْ، وَقِيلَ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَتَنَازَعَ اتَّصَلَ، وَضَرَبَ فِي بَطْنِ إِبْهَامِهِ وَأُعْمِلَ الثَّانِي، وَقُدِّرَ لِلْأَوَّلِ أَيْ: أَوْصَلَ الْكَفَّ إِلَى بَطْنِ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى، وَقِيلَ أَقْوَالٌ أُخَرُ مُتَعَارِضَةٌ، وَمُتَنَاقِصَةٌ لَيْسَ تَحْتَهَا فَائِدَةٌ أَعْرَضْنَا عَنْ ذِكْرِهَا (وَإِذَا غَضِبَ) أَيْ: مِنْ أَحَدٍ، وَفِي نُسْخَةٍ أُغْضِبَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ (أَعْرَضَ) أَيْ: عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْغَضَبُ، وَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى الْحِلْمِ، وَالْكَرْمِ، وَعَفَى عَنْهُ (وَأَشَاحَ) أَيْ: جَدَّ فِي الْإِعْرَاضِ، وَبَالَغَ فِيهِ عَلَى مَا فِي الْفَائِقِ، وَقِيلَ أَيْ: بِوَجْهٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (وَإِذَا فَرِحَ) أَيْ: فَرَحَا كَثِيرًا (غَضَّ طَرْفَهُ) بِسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ: أَطْرَقَ وَلَمْ يَفْتَحْ عَيْنَهُ تَوَاضُعًا، وَتَمْكِينًا، وَفِي رِوَايَةٍ، وَكَانَ إِذَا رَضِيَ، وَسُرَّ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: صَارَ مَسْرُورًا، وَفَرِحًا ; فَكَأَنَّ وَجْهَهُ وَجْهُ الْمِرْآةِ (وَكَأَنَّ الْجُدُرَ تُلَاحِكُ وَجْهَهُ) قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: فِي كِتَابِ الْفَائِقِ الْمُلَاحَكَةُ، وَالْمُلَاحَمَةُ أُخْتَانِ يُقَالُ لُوحِكَ فِقَارُ النَّاقَةِ ; فَهُوَ مُلَاحَكٌ أَيْ: لُوحِمَ بَيْنَهُ، وَأُدْخِلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَكَذَا الْبِنَاءُ وَنَحْوُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ جُدُرَ الْبَيْتِ تُرَى فِي وَجْهِهِ كَمَا تُرَى فِي الْمِرْآةِ لِوَضَاءَتِهِ انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ رِضَاهُ، وَغَضَبُهُ بِوَجْهِهِ كَانَ إِذَا رَضِيَ فَكَأَنَّمَا تُلَاحِكُ الْجُدَرُ وَجْهَهُ، وَإِذَا غَضِبَ خَسَفَ لَوْنُهُ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَاصِمٍ يَعْنِي شَيْخَهُ أَبَا الْحَكَمِ اللَّيْثِيِّ يَقُولُ هِيَ الْمِرْآةُ تُوضَعُ فِي الشَّمْسِ ; فَيُرَى ضَوْءُهَا عَلَى الْجُدُرِ يَعْنِي تُلَاحِكُ الْجُدَرَ (جُلُّ ضَحِكِهِ) بِضَمِّ الْجِيمِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: مُعْظَمُهُ (التَّبَسُّمُ) فَلَا يُنَافِي مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ.
لَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ ; فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.
وَزِيدَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (يَفْثُرُّ) بِسُكُونِ الْفَاءِ، وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ: يَضْحَكُ ضَحِكًا حَسَنًا بِحَيْثُ يَنْكَشِفُ ضَحِكُهُ، وَيَصْدُرُ حَتَّى بَدَتْ أَسْنَانُهُ (عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ) أَيِ: السَّحَابِ، وَهُوَ الْبَرَدُ بِفَتْحَتَيْنِ شَبَّهَ بِهِ أَسْنَانَهُ الْبِيضَ، وَقِيلَ