الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتابعين نقلوا معاني القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا حاجةَ إلى أخذ معانيه من أحدٍ، ومن قال هذا طالبَ بصحة النقل عن ابن عباسٍ، أو حملَ هذا على الصورة التي يتعذَّرُ فيها النقلُ عن الصحابة. وهذا قريب، ولهذا قال:"إذا خفي عليكم"، وإنما يخفى عليهم إذا لم يكن منقولًا عن الصحابة والتابعين.
الوجه التاسع: أن نقول لهم: إن كان قول الصحابي في التفسير حجةً فعن الصحابة من التفسير المُثبِت للصفات المُبطِل لتأويلات الجهمية ما لا يعلمه إلا الله، وإن لم يكن مقبولًا فلا حجةَ لكم في قولكم عن ابن عباس هذا، فعلى التقديرين حجتكم باطلة، والتفسير المنقول عنهم في إثبات الصفات منصوص في موارد النزاع.
فصل
وأما الوجه الرابع - وهو قوله: "عارضتْها الأدلةُ القطعية" - ف
جوابُه من وجوه:
أحدها: أن المثبتة لا تُسلِّم أن موجب النصوص عارضَها دليلٌ قطعيٌّ قطُّ، وكل ما يقال إنه قطعي تبيَّنَ أنه ليس بدليل أصلًا، فضلًا عن أن يقال: إنه قطعي، وكان الواجب عليه بيان هذا الدليل القطعي. بل المثبتةُ تقول: الأدلة العقلية القطعية تُبطِل مذاهبَ المعطِّلةِ النفاة، فهم يمنعون صحة الأدلة العقلية التي احتج بها النفاة، ويعارضون بأدلتهم العقلية التي هي أثبت وأقوى، بل يُثبِتون فسادَ حجةِ النفاة بالعقل الصريح وصحةَ قولهم بالعقل الصريح.
الوجه الثاني أن يقال: من المعلوم أن الدليل القطعي مبنيٌّ على مقدمتين، إحداهما أن موجب الصفات مستلزم للتجسيم والتشبيه،
والتجسيمُ والتشبيه منتفٍ، فيجب نفيُ موجبِها ويتعيَّن تأويلُها. وإذا كان هذا أُجِيبَ عنه بالاستفسار المتضمن لمنع إحدى المقدمتين، وهو أن يقال: إن كان التجسيم الذي تَعنيه قد دلَّتْ عليه النصوصُ فلا نُسلِّم انتفاءَه، وإن لم تكن دلَّتْ على منع المقدمة الأولى.
وحقيقة الجواب أن ما هو مدلولُها لم يَنفِه العقلُ، والذي نفاه العقلُ ليس مدلولها، وإنما وقعت الشبهةُ في الاشتراك والإجمالِ الواقع في لفظ التجسيم، واشتباهِ ما لا ينفيه العقلُ بما يَنفِيه، وذلك أن في لفظ التجسيم تنازعًا كثيرًا بين الناس قد بسطنا القول فيه في "قاعدة التعطيل والتجسيم"، ورُبَّما نذكرها إن شاء الله تعالى.
ولكن نذكر هنا التنبيهَ على النكتة، فإن المُثبِتَ لمدلول النصوص والصفات لله تعالى يقول للنافي: قولك "ظاهرها التجسيمُ" أتريدُ به أن الله جسمٌ من جنس الأجسام المخلوقة، بحيث يكون من جنس البشر لحمًا ودمًا وعصبًا وعظمًا، كما يُذكر هذا عن بعض المشبِّهة، أو من غير جنس البشر من السماوات أو الأرض أو الملائكة أو الجن أو غير ذلك من المخلوقات؟ إن أردتَ به أن هذا ظاهرها - وهذا منتفٍ - أصبتَ في قولِك:"هذا منتفٍ"، وهو المقدمة الثانية، وقولِك:"التجسيم منتفٍ، والله منزَّهٌ عن التجسيم"، وأخطأتَ في قولك:"إن هذا ظاهرها".
أما الأول فقد روي من وجوهٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قومًا من المشركين من أهل الكتاب سألوه عن ربه ومعبوده الذي يدعو إليه ممّا هو؟ من ذهبٍ أو فضةٍ أو كذا أو كذا، وسَمَّوا ما سَمَّوا من أجناس الأجسام، فأنزل الله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص/ 1]، وأنزلَ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ
الْمِحَالِ} [الرعد/ 13]، وأصابتْه صاعقةٌ فأذهبتْ بقِحْفِ رأسِه
(1)
. فأهلك الله تعالى من سأل عن مجانسته المخلوقات. وهو من جنس سؤال فرعون {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء/ 23]، فإنه لا يمكن أن يذكر أن الله تعالى أو شيئًا من المخلوقات يشتركان في الحقيقة الجنسية، كاشتراك الإنسان وسائر الحيوان في الحيوانية، أو كاشتراك الحيوان والنبات في النموّ والاغتذاء، ولا كاشتراك الأجسام النامية والجامدة فيما تتجانس فيه. ومن سأل عن ذلك فهو كمن سأل عن نسبِه وقال: مَن أبوه ومَن ابنُه؟
ولهذا أنزل الله تعالى سورة الإخلاص التي هي نسبتُه وصفتُه، فقال:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ، فنزَّهه وقدَّسه عن الأصول والفروع والنُّظَراء والأمثالِ. وليس في المخلوقات شيءٌ إلا ولا بدَّ أن يُنسَب إلى بعض هذه من الأعيان والمعاني، فالحيوان من الآدمي وغيرِه لا بدَّ أن يكون له إما والدٌ وإما مولودٌ وإما نظيرٌ هو كفؤه، وكذلك الجن والملائكة، ولهذا قال سبحانه:{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات/ 49]، قال بعض السلف: لعلكم تذكَّرون فتعلمون أن خالق الأزواج واحدٌ.
وقال تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ} [الفجر/ 3]، قال مجاهد: كل شيء خلقه فهو شفع، السماءُ شفعٌ والأرض شفع، والوتر الله تعالى. وهذا هو
(1)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (11259) والبزار كما في كشف الأستار (2221) وأبو يعلى (3341، 3342، 3468) والطبري في تفسيره (13/ 480) وغيرهم عن أنس بن مالك.
الذي ذكره البخاري في صحيحه
(1)
، فإنهم يعتمدون على تفسير مجاهد لأنه أصح التفسير، قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسْبُك به
(2)
. وهذا القول اختيار جدِّي أبي البركات رحمه الله في هذه الآية.
ولهذا قال سبحانه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)} [الأعلى/ 1 - 2]، والتسوية: التعديل، والتعديل لا يكون إلّا بين شيئين متناظرين متشابهينِ. فالمخلوقات لا بد فيها من التشابه والتماثل المقتضي التسوية والتعديل. والله تعالى لا عِدْلَ له، {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام/ 1]، ولا يستوي هو وغيرُه. ولكن كما قال الله:{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء/ 94 - 98]. ولا سَمِيَّ له، كما قال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم/ 65]. ولا نِدَّ له، كما قال تعالى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة/ 22]. ولا شريك له، لا في ربوبيته، بل هو خالق كل شيء وربُّه، ولا في ألوهيته، بل لا إله إلا هو وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ولا كفؤَ له، كما قال:{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} . ولا مثلَ له، كما قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى/ 11].
ومما يجب أن يُعلَم ويُضَمَّ إلى ما ذكرناه قبلُ: أن نفيَ المِثْلِ عنه والسَّمِيِّ والمساوي يقتضي نفي ذلك في كل شيء، فلا يماثلُه شيء من المخلوقات في شيء من الأشياء قطُّ، لا في شيء من معاني أسمائهِ
(1)
في تفسير سورة الفجر.
(2)
أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 85)، وذكره المؤلف في مجموع الفتاوى (13/ 332، 369، 15/ 201).
وصفاته، ولا في شيء من أفعاله ومخلوقاته، ولهذا قال تعالى:{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء/ 91 - 98]. فأخبر سبحانه أنه يُكبكَبُ في جهنم المعبودون من دون الله هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون، وأنهم يقولون لما دعوه من دون الله: لقد كنا في ضلالٍ مبين إذ نسويكم برب العالمين. ومعلومٌ أنهم لم يجعلوهم مساوينَ له في كل شيء، فإن أحدًا من الخلق لم يقل: إن العالم صدَرَ عن خالقينِ متكافئينِ في الصفات والأفعال، وإنما تسويتُهم إياهم بالله أنهم عبدوهم كما عبدوهُ، كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة/ 165]، فجعلوهم مثله في العبادة، وهذه تسوية.
وفي الصحيحين
(1)
عن عبد الله بن مسعود قلت: يا رسول الله، أيُّ الذنب أعظمُ؟ قال:"أن تجعلَ لله نِدًّا وهو خلقك"، قلت: ثمَّ أيٌّ؟ قال: "أن تزني بحليلةِ جارِك".
فعُلِم أن الله تعالى لا يجوز أن يُساوَى بغيرِه في شيء من الأشياء. ولهذا قال تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام/ 1] أي يجعلون له عِدْلًا، والعدل: المثل. وقد قدَّمنا أن المعادلة في كل شيء لم يفعلها أحدٌ، فعُلِمَ أن من جَعل له عِدْلًا في شيء من الأشياء فقد عدل بربه.
(1)
البخاري (4477) ومسلم (86).
وكذلك قوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} [البقرة/ 22]، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} [البقرة/ 165]. والندُّ: المُنادُّ المُناوِئ، ومن المعلوم أن أحدًا لم يجعل لله من يُكافئه في كل شيء، ولكن في بعض الأشياء دون بعضٍ، فعُلِمَ أن الله لا يكون له نِدٌّ في شيء من الأشياء.
ولهذا لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقول: ما شاءَ الله وشِئتَ، فقال:"أجعلتَني لله ندًّا؟ قُلْ: ما شاءَ الله وحدَه"
(1)
. وفى السنن
(2)
أن رجلًا رأى يهوديًّا يُعيِّرُ المسلمين يقول: نِعْمَ القومُ أنتم لولا أنكم تُندِّدون! تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال:"قولوا: ما شاء الله ثمَّ شاء محمد".
فمن جعل لشيء من صفاتِه من علمِه أو قدرتِه أو حياتِه أو سمعِه أو بصرِه أو رضاه أو غضبِه أو رحمتِه أو خَلْقِه بيديْه أو إتيانِه أو مجيئِه أو استوائه أو نزوله أو غير ذلك عِدْلًا أو مِثْلًا مما يُوجد في المخلوقين فقد سَوَّاه بربِّ العالمين في ذلك، وجعلَ له عِدْلًا في ذلك، كما أن المشركين إنما جعلوا له عِدْلًا ونِدًّا ومساويًا في بعض الأمور.
ولهذا قال الإمام أحمد في رواية حنبل: المشبِّه الذي يقول: بصرٌ كبصري ويدٌ كيدي وقدمٌ كقدمي، ومن قال ذلك فقد شبَّهَ الله بخلقِه، ومن قال هذا فهو ممثِّلٌ بربِّه عادلٌ به مُسوٍّ به، ولو جعل أحدهما أكبر من
(1)
أخرجه أحمد (1/ 214، 224، 283، 347) والبخاري في الأدب المفرد (783) وابن ماجه (2117) عن ابن عباس. وهو حديث صحيح.
(2)
أخرجه أحمد (5/ 393) وابن ماجه (2118) عن حذيفة بن اليمان. وهو حديث صحيح.
الآخر. فلو جعل صفاته مثل صفاتِ خلقه في الجنس وجعلها أعظم في القدر، مثل أن يجعل بصره من جنس بصر العبد لكنه أعظم منه، كما يُحكى عمن قال من المشبِّهة: إنه على صورة الإنسان لحمٌ ودمٌ، ولكنه عظيم القدر كبير الجُثَّةِ، فهؤلاء قد سَوَّوا برب العالمين في حقيقته وعدَلوا به.
كما قدمنا أن المنفيَّ بالنصوص والذي ذمَّ الله به العالمين هو التسوية والعدلُ به ولو في بعض الأمور، وذكرنا أن الذين سألوا عن جنسه من المخلوقات بيَّن الله لهم أنه لا كفؤَ له، فبيَّن انتفاء المكافأة في شيء من الأشياء، لأن الاشتراك في الجنس والحقيقة تكافؤٌ
(1)
في ذلك، وهو نفَى الكفؤَ مطلقًا. فالماء القليل من جنس الماء الكثير كفؤٌ له في ذلك، وكذلك سائر الأجسام المتجانسة المتماثلة في الحقيقة، وإن تفاوتت في المقدار.
وانتفاء هذا كما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة [ووردتْ]
(2)
أخبارٌ بذلك، فقد بيَّن الله تعالى أن انتفاءَ ذلك معلومٌ بالعقل أيضًا في مثل قوله:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم/ 65] وغير ذلك، فإنا نعلم بعقلنا أنه لا سَمِيَّ له ولا عِدْلَ ولا كُفُؤَ ولا نِدَّ في شيء من الأشياء، وذلك أن المتماثلينِ في الحقيقةِ وإن تفاوتا في المقدار كالماءين والترابين والعظمين واللحمين [و]
(3)
غيرِ ذلك من الأجسام لا بدَّ أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما
(1)
في الأصل: "تكافى".
(2)
زيادة ليستقيم السياق.
(3)
في الأصل: "عن".
يمتنع عليه. وهذا حدُّ المِثلين عند أهل النظر، وهو أنه يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويمتنع عليه ما يمتنع على الآخر، ويجب له ما يجب له.
وقد يُعبِّرون عنه بعبارة أخرى: هو ما سَدَّ أحدُهما مَسَدَّ الآخرِ وقامَ مقامَه. والعبارتان تؤديان إلى حقيقةٍ واحدةٍ، فإن الماء يَسُدُّ مَسَدَّ الماء في الحقيقة، وكذلك التراب، وكذلك العظم واللحم ونحو ذلك، ويشتركان في الواجب والجائز والممتنع في الحقيقة. فلو كان في المخلوقات ما هو عِدْلٌ أو مِثْلٌ للبارئ في الحقيقة والصفات - وإن كان أصغَر منه في القدر- لجازَ على البارئ، ما يجوز عليه من العدم والفقر إلى الصانع والحدوثِ، وأنه بنفسِه ممكنٌ مفتقرٌ إلى من يُوجِدُه ويُوجِب له ما يجب للبارئ من القدم والقيام بنفسه والاستغناءِ عن خالقٍ والصمديةِ، ولجاز عليه ما يجوز على من خلق الخلقَ وأبدعَ العالم، وامتنعَ على العبد من العدم والموتِ والحاجةِ ما يمتنع عليه. فيلزمُ أن يُوصفَ كلٌّ منهما بالصفات التي لحقيقة الآخر. وهذا مع أنه محالٌ في حقِّ الرب أن يكون موصوفًا بالصفات التي لحقيقة العبد، ومحالٌ في حقّ العبد أن يكون موصوفًا بصفات حقيقة الرب، فإنه متناقض إذا فُرِض تماثلُهما وتساويْهما في الصفات مع كون أحدهما خالقَ الآخر، فيجب أن يكون كلٌّ منهما خالقًا مخلوقًا، فيجب أن يكون الخالقُ قد خلق [خالقَ] نفسه إذ كان مثله، وخَلْقُه لنفسه محالٌ، فكيف بخالق نفسه؟ ويجب أن يكون الخالقُ مخلوقًا لمخلوقِه، وهو ممتنع عليه أن يكون مخلوقًا لنفسه، فكيف لمخلوقِهِ؟
وهذا هو السؤال الذي يُقال: إن بعض ملوك الهند أورده على بعض
متكلمة المسلمين في إمارة هارون، فقال: هل يستطيعُ ربُّك أن يخلُق مثل نفسِه؟ إن قلتَ: نعم فقد جعلتَ له مثلًا، وإن قلتَ: لا فقد عجَّزتَه، فقال له: هذه المسألة ممتنعة مستحيلة في نفسها، وإذا كانت في نفسها ممتنعةً لم يكن جوابها إلا كذلك، لأنك إذا قلتَ: خلقَ مثلَ نفسه فقد فرضتَ مِثلين أحدهما خالقُ الآخر، ولو كان مثله لم يكن مخلوقًا له ولا كان الآخر خالقًا له، فإن التماثلَ يمنعُ هذا الاختلاف ويُوجب التساوي في القدم والحدوث. فبُهِتَ الذي كفر.
وهذا جوابٌ سديد، فإن السائل إذا فرضَ اجتماع ما يمنع اجتماعهما فقال: ماذا يكون على هذا التقدير؟
قيل له: لا يكون على هذا التقدير الممتنع المحالِ إلّا ما هو ممتنعٌ محالٌ، واجتماعُ متماثلين أحدهما خالقُ الآخرِ محالٌ في نفسه. كما يقال: لو فُرِضَ أن صانعَ
(1)
العالمِ موجودٌ معدومٌ أكان يصنعه أم لا؟ ولو فُرِض أنه خلق العالم ولم يُرِدْ أن يخلُقَه، أو خلقَه ولم يكن قادرًا على خلقه، أو خلقه ولم يعلمْ كيف يخلقُه، أو لو فُرِض أن الذي خلق العالم كان عدمًا أو مواتًا، أو غير ذلك من التقديرات الممتنعة في نفسها.
ومثل هذه الأغلوطات من المسائل يَسلكها أهل اللَّدّ في الجدل في أمر الدنيا والدين في الأصول والفروع، من جنس الأغلوطات الذي ابتدعهُ العَمِيْدي السمرقندي
(2)
في مثل نُكتِه التي يُسمِّيها البرهان ويَدَّعي أنها قطعية وغير ذلك بفرض أمور ممتنعة، ويستنتج نتائجها على ذلك
(1)
في الأصل: "مانع" تحريف.
(2)
انظر التعريف به وبطريقته في الجدل في مقدمتنا على "تنبيه الرجل العاقل"(للمؤلف) 1/ 19 - 23.
التقدير الذي يمتنع وجودُه، فإن هذه المقدَّرات التي لم تُوجَدْ: منها ما هو ممتنعٌ في نفسه، فيكون لازمُه ممتنعًا، ومنها ما قد علمنا أنه لا يكون، وإن كان في نفسه غير ممتنعٍ، فيكون لازمه ما لا يكون، ويسمَّى هذا ممتنعًا لغيره، لمشيئة الله ولعلمِه وإخباره بأن ذلك لا يكون. مثل قولهم: لو لم يُقتَل المقتول هل كان يعيش؟ فهذا التقدير معلوم العدم ممتنعٌ لغيره، فإن الله شاء ذلك وعَلمَه وكتبَه، فلم يكن يمكن لمشيئة الله وعلمِه أن يقع إلا ذلك. فإذا قُدِّر عدم المشيئة لقتله وعدمُ تعلق العلم كان هذا تقدير عدم الوجود، فيلزم عدمُ الموجود وهو قتلُه، فإذا لم يُقتل أمكن أن يعيش وأن يموتَ بسببٍ آخر، فلو لم يُقتل لزمَ أحدُ الأمرين، لكن قتلَه لا بدَّ من وجودِه.
وقد يُقدَّر الممتنع لذاتِه، كما يقال: لو لم يكن خالقٌ لم يكن مخلوقٌ
(1)
، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حيث يقولون وهم يرتجزون:
لاهُمَّ لولا أنتَ ما اهتدينا
…
ولا تصدَّقْنا ولا صلَّينا
(2)
وربما قالوا:
والله لولا أنتَ ما اهتدينا
…
ولا تصدَّقْنا ولا صلَّينا
وكذلك قوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور/ 21]، و {لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال/ 68]، ونظائره متعددة.
فقد يُقدَّر عدمُ الموجود ليُعلَم كيف الأمورُ مع عدمِه، ويُقدَّر وجودُ
(1)
في الأصل: "خالقًا" و"مخلوقًا" بالنصب، والوجه ما أثبته، وكان هنا تامة.
(2)
أخرجه البخاري (4104، 4106) ومسلم (1803) عن البراء بن عازب.
المعدوم ليُعلم كيفَ الأمرُ مع وجودِه، كقوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء/ 22]. ومن الأول قوله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور/ 35]، يقول تعالى: أيُتصوَّر أن يكونوا مخلوقين من غير خالقٍ خلقهم؟ أم هم الخالقون؟ أيُتصوَّر أن يكون الشيء خلقَ نفسَه؟ فإذا قُدِّر عدمُ الخالق لزِمَ أن يكونوا خُلِقوا من غير خالقٍ أو يكونوا هم خلقوا أنفسَهم، وكل ذلك ممتنع، فتعيَّن أن يكون لهم خالقٌ خلقهم. ولهذا قال جبير بن مطعم: لما سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية في الصلاة أحسَسْتُ بفؤادي قد انْصدَع
(1)
. وكان جبير قد قدِمَ في فداء الأسرى عام بدرٍ، وكان ذلك أول ما دخلَ الإسلامُ في قلبه.
فهذه التقديرات التي تكون في العلم والكلام هي طرقٌ وأدلة وبراهين قد تُبيَّن بها حقيقةُ الأمور، حتى في الأمور العملية دون الخبرية، فإن الإنسان قد يكون في حالٍ موجودة محمودةٍ، لا يعرف ما يكون إذا عُدِمتْ من الضرر، فيتركها، فيحصل له من الضرر ما لم يكن يظنه. وربّما يطلب وجودَ أمرٍ لا يُقدِّرُ إذ وُجِدَ ما يكون معه من الضرر، فإذا وُجِدَ كان من الضرر ما لا يعلمه. وصاحب النظر والقياس والتدبير يُقدِّر وجودَ ذلك المعدوم وعدم هذا الموجود ليبين له بذلك الحال كيف يكون، فيعلم ما يأتي وما يَذَر.
فهذه التقديرات إذا كانت لطلب معرفة الحق الذي ينبغي معرفتُه، والعمل الذي ينبغي فعلُه كانت حسنةً، وإن كانت لردِّ الحقِّ الذي يجب قبولُه والعملِ الذي نُهِي عنه كانت من السيئات المذمومة. مثل تقدير فيلسوف قريش ورئيسها الوليد بن المغيرة لما سمع القرآن، وأراد أن
(1)
أخرجه البخاري (4854).
يجمع قومه المشركين على قولٍ يُلقونه إلى الناس يَصُدُّونهم عن اتباع الرسول، فعرضوا على آلاتهم
(1)
، هذا يقول: ساحر، وهذا يقول: كاهن، وهذا يقول: مجنون، وهو يَرُدُّ ذلك، ويُبيِّن أن مثل هذا القول لا يَنفُق على الناس ولا يقبلونه لظهور بطلانه، ثمَّ {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} [المدثر/ 18 - 25].
ووجهُ قولِه: إنه سحر أي إنه يسحر قلوب المتبعين له، حتى يُفرِّق بين المرء ووالده، والمرءِ وولدِه، والمرءِ وأخيه. فيجعل هذا القدر المشترك الذي يفعل الساحرُ مثله هو وجه كونه سحرًا.
وأما وجهُ كونِه قول البشر فهو يُشبِه من بعض الوجوه ما يقول البشر، فهو نظير قولِ الفلاسفة الذين قالوا: إنه فيضٌ يَفِيضُ عليهم من العقل الفعَّال، كما يفيض سائر كلام المتكلمين على قلوبهم. وشاركهم في بعض قولهم من يقول: القرآن مخلوق، أو يقول: إن حروف القرآن مخلوقة.
فهذا التفكير والتقدير الذي يطلب به معارضة القدر الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله، كما يفعله فضلاءُ المتفلسفة والمتكلمة من جميع الطوائف في دفع ما جاء به الكتاب والسنة، هو التفكير والتقدير الذي ذمَّه الله تعالى، وقال في مثله:{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر/ 4]، وقال:{وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد/ 13]، {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي
(1)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:"فعرضوه على آرائهم".
صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} [غافر/ 56] إلى أمثال ذلك.
وأما التفكير والتقدير والقياس والتنظير الذي يحبه الله ورسوله فهو الأمثال المضروبة التي ضربها الله في كتابه، فقال:{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ} [الروم/ 58]. فإن ضرب المثل هو تقديرُه وجمعه، فإن لفظ الضرب يُشعِر بذلك، ومنه ضرب الدرهم، والضرب في الأرض، والضريبة: الطبيعة، وكذلك الضرب بالعصا، كل ذلك من أصل واحد في اللفظ.
والمقصود هنا أنه قد عُلِمَ من المعدوم الممتنع في نفس الأمر أن يكون لله مِثْلٌ، لكن إذا قُدِّر ذلك في النفس تبيَّن بتقديره ما يلزمه من الأمور الممتنعة التي يُعلم بها أنه ممتنع. وقد تبيَّن أنه إذا قُدِّر مِثْلانِ أحدهما خالقٌ والآخر مخلوق، كان هذا ممتنعًا متناقضًا من وجوهٍ كثيرة لا تنحصر، فإن المثل الذي يجوز عليه ويجب عليه ويمتنع عليه ما يجب ويجوز ويمتنع على الآخر، فحينئذٍ يجوز أن يكون هذا خالقًا لخالق نفسه، ويكون هذا مخلوقًا لمخلوقِ نفسه فيكون مخلوقًا لنفسه، والشيء لا يكون خالقًا لنفسه ولا يكون مخلوقًا لنفسه.
ويكون هذا مستغنيًا بنفسه واجبًا بنفسِه فلا يكون مخلوقًا، ويكون أيضًا مفتقرًا إلى صانِعه ممكنًا بنفسه فيكون مخلوقًا، فيكون كلٌّ منهما خالقًا مخلوقًا، وهذا محال كما تقدم.
ويكون هذا قديمًا فلا يحتاج إلى مُحدِث، ويكون هذا مُحدَثًا فيحتاج في وجودِه إلى قديم، فيكون كلٌّ منهما قديمًا بنفسه لا يحتاجُ ومُحدَثًا محتاجًا، وهذا محال.
ويكون هذا واجبًا بنفسه له العلمُ بكلِّ شيء والقدرةُ على كلِّ شيء،
وهذا جائزٌ عليه الجهلُ بكل شيء والعجزُ عن كلِّ شيء، فيكون كلٌّ منهما واجبًا له بنفسه وجائزًا عليه العلم بكل شيء والقدرةُ على كلِّ شيء، وهذا ممتنع.
ويكون هذا واجبًا له أن يكون سميعًا لكل مسموع وبصيرًا بكل مرئيٍّ، وهذا جائزٌ عليه أن لا يسمع ولا يُبصر شيئًا، فيجتمع هذان الوصفان، وهو محال.
ويكون هذا يمتنعُ عليه الآفات المذكورة، [وهذا يجوز عليه الآفات المذكورة]، فيكون كلٌّ منهما يجوز عليه الآفاتُ ويمتنع، وهو ممتنعٌ.
ويكون هذا معدومًا بنفسه لا يُوجَد إلّا بخالقِه، [وهذا] واجب الوجود بنفسِه لا تقبلُ ذاتُه العدم، وهذا محال.
فقد تبيَّن أنه يلزم اجتماع النقيضين من وجوهٍ كثيرةٍ على تقديرِ إثباتِ المثل. وهذا بابٌ واسع تبين فيه بهذه التقديراتِ المحالاتُ اللازمةُ من فرضِ تماثلِ الخالق والمخلوق، ليُعلَم أن هذا ممتنعٌ في نفسه متناقض لا يُتصوَّر، وإن كان يلزم من التمثيل أيضًا ما هو ممتنعٌ، من وصفِ الخالق سبحانه وتعالى بصفات المخلوق الناقصة، ووصفِ المخلوق بصفات الخالق التي هي من خصائصه، فإن ذلك يُبيِّن استحالة تماثلِ الخالق والمخلوق من غير تعيين، وهذا بيان الاستحالة في الخالق الحق المعيّن الموجود وفي المخلوق الموجود المعلوم، وكل هذه طرق صحيحة.
ولهذا قال سبحانه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم/ 65]، وهذا من الأمثال المضروبة، كما سمَّى الله بذلك قول القائلين:{مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس/ 78] لما قال سبحانه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ
قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}، فإن هذه الجمل الاستفهامية هي استفهامُ إنكارٍ، إنكار نفيٍ وسلبٍ ونهي ومنْعٍ، فهي متضمنةٌ لشيئين: أحدهما نفي أن يُعلم له سمِيٌّ، وهو أنك لا تعلم له سميًّا. والثاني: الإنكار على من يقول: إن ذلك يُعلم، إذْ لو أراد سبحانه النفيَ البحتَ لقال: ما تعلَمُ له سميًّا. فهذا يكون فيه نفيُ علمِه لا إنكارُ وجودِه، فلما قال:"هل تعلم" كان إنكارًا لوجود ذلك ونفيًا لأن يكون، ولهذا قال:"هل تعلم"، ولم يقل:"هل علمتَ"، ليبيِّن الإنكار والنفي لوجود العلم مطلقًا، فإن الفعل المضارع مطلق بَنَوه لما هو كائنٌ لم ينقطع، هذا لفظ سيبويه
(1)
. كما بَنَوا الماضي لما مضى، وبنَوا الأمرَ لما لم يكن بعدُ.
ونظيرُه أن تقول: هل يأتي نبيٌّ بعد محمد؟ هل تقوم الساعة الآن؟ هل يتخذ الله ولدًا؟ هل يَعلم أحدٌ أو يقول عاقل: إن الواحد مثل الاثنين؟ ونحو ذلك مما تبيَّن فيه امتناعُ ذلك وإنكارُ وجودِه، وتبيَّن أن وجودَه ممتنع، وأنه مما يجب إنكارُه ويُنكَر على من ادَّعاه.
ثم دَلّ ذلك على نفي متعلقه أيضًا، فإن الحق لا يُنكَر العلمُ به، وإنما يُنكَر العلمُ بما لا حقيقة له، لقوله:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [يونس/ 18]، فدلَّ هذا المثل
(2)
على أنه لا سميَّ له، وعلى أن لا يعلم أحد له سميًّا، وعلى أنه لا يمكن أن يكون له سميٌّ، وعلى أنه لا يمكن أن يُعلَم له سميٌّ، دلَّ على نفيه ونفي إمكانِه، ونفيِ العلم به وبإمكانه، في هذا اللفظ الوجيز المختصر.
(1)
الكتاب 1/ 12.
(2)
في الأصل: "على هذا المثل".