الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسكوتًا عن نفيه وإثباته.
وإما أن يقال: بل نفى العمومَ، وأفاد بطريق المفهوم ثبوتَ البعض، فهذا إنما يكون إذا كان النافي أثبتَ العمومَ كما تقدم.
وإما أن يقال: نفَى الحكم من كل عينٍ أثبتَه له، وناقضَ الإثبات العام بالسلب العام.
فهذا الاحتمال والأول هما القولان المذكوران في المسألة، وأما أن يقال: هو لسلب العموم فقط فهذا لا يكون إلّا في موادَّ معينة ومع القرينة، بل يقال: سَلَب الحكم سلبًا عامًّا، أو سلبَ الحكم العام الذي أثبته المثبت، لا أنه سلبَ عمومَه فقط. لكن يقال: ليس في نفس الأمر إلّا السلب العامُّ أو سلبُ العموم، إذ سلبُ الحكم العام إما أن يكون مع العموم في السلب أو لا معه، فإن كان مع العموم في السلب فهو القسم الأول، وإن كان بلا عمومٍ في السلب فقد سلب عموم السلب.
وهذه المسألة تُشبِه
الاستثناءَ من الإثبات والنفي، هل هو لإثبات النقيضِ أو لرفع الحكم
؟ والأقوى في عامة الكلام إذا لم يكن فيه قرينة تَقتضي أن المراد رفع العموم وهو سلب العموم، فإن المراد عمومُ السلب والنفي، وذلك لأن إعراض المتكلم عن ذلك لا يكاد يقع، فلا بدَّ أن يقصد المتكلم أحدَ الأمرين، وسلبُ العموم فقط لا بدَّ له من قرينة في النفي، كما أنه لا بدَّ له من قرينةٍ في الإثبات، فيبقى النوع الآخر، وهو أنه لنفي ما أثبته اللفظ الأول، والأول أثبت الكلَّ، والثاني نفَى الكلَّ، وهذا أيضًا يوجب التعادلَ بين الإثبات والنفي، فإنه إذا كان الإثباتُ يُثبت الحكمَ لكلِّ واحدٍ فالنفيُ ينفيه عن كلِّ واحدٍ، وإلّا لم يكن النفي قد نفى ما أثبته الإثباتُ، وهذا واضح، فإن الإثبات أثبتَ حكمًا حاصلًا
للجميع، فلا بدَّ من رفع هذا الحكم، ولا يرتفع إلا برفعِه عن الجميع، كما قيل في نفي الجنس. فإن الحكم الذي أثبته الإثبات هو جنسٌ، فإذا قلتَ: قام القومُ، أثبتَّ جنسَ القيام للقوم، فإنهم لما قالوا: النكرةُ في سياق النفي تعمُّ، دخلَ في ذلك نكراتُ الأسماء والأفعال. فإذا قال: لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ، عمَّ كلَّ نوع من أنواع القتل، كما عمَّ كل مسلم وكلَّ كافر، والفعل نكرة مطلقًا، سواء كان فاعله ومفعوله نكرةً أو معرفة. فإذا قيل: جاء القوم أو أسلموا، فقيل: ما جاءوا ولا أسلموا، كان المنفي هو الفعل الذي هو نكرة، والنكرة في النفي تعمُّ.
وهذه حجه جيدة بينة، والمفهوم في الاستعمال في الكتاب والسنة وكلام العرب يوافق ذلك الموالاة في جميعهم
(1)
، ولذلك لما حرَّم الله الدمَ والخمر والربا وغير ذلك كان تحريمًا لأفرادِه، وكذلك الرجل إذا قال لابنه: لا تُكلِّمْ هؤلاء، أو لا تُخاصِمْهم، أو لا تأكلْ هذا الطعام، أو لا تأخذْ هذه الدراهم = فَهمَ جميعُ الناس من ذلك العمومَ. وكذلك الحالف
(2)
إذا قال: واللهِ لا آكلُ هذا الرغيف أو هذا الطعام، أو لا أضرِبُ هؤلاء أو لا أعتدي عليهم، فَهِمَ جميعُ الناس من ذلك العمومَ.
وسببُه - والله أعلم - ما ذكرناه من نفي النكرة التي لا تنتفي إلّا بانتفاء جميع أفرادِها، فأما إذا عُلِمَ سببُ النهي وعمومه فذاك يكون عمومًا من جهة فهم العلة، وهو عمومٌ معنوي، وهذا يقتضى في قوله:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر/ 20] رفعَ المساواة من هؤلاء وكلِّ واحدٍ من هؤلاء، هذا في نفي العام المطلق، وأما النفي المبيَّن فيه
(1)
كذا في الأصل.
(2)
في الأصل: "لذلك الحالفون".
العموم مثل أن يقال: ما جاء منهم أحد، أو ما جاءني من أحدٍ من هؤلاء، أو ما جاء لا هذا ولا هذا = فهذا لا ريب [فيه]، كما أن الذي قصد به نفي العموم فقط لا ريبَ فيه، ومثلُ: هذا يُساوي هذا في كلِّ شيء، فيقال: ما يُساويه في شيء.
إذا تبيَّن هذا قلنا: من المعلوم أن أحدًا لم يُثبِت لله مثلًا مطلقًا ولا كفوًا مطلقًا ولا سميًّا مطلقًا، فلم يقل أحدٌ من بني آدم: إن للبارئ سبحانه من يساويه في جميع صفاته وأفعالِه. فهذا أصلٌ.
والأصل الثاني أنا قد قدمنا أنّ الندَّ والمساويَ والعِدْل إذا أُطلق في جانب الله فإنما يُراد به من جعل لله نِدًّا في بعض الأشياء، أو جعل له عِدْلًا في بعض الأشياء، كقوله:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام/ 1]، وقوله:{إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء/ 97 - 98]، وقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة/ 165]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أجعلتَني لله نِدًّا؟ "
(1)
. وهذا كالذين جعلوا لله شركاء، إنما أشركوهم معه في بعض الأمور. وأما أن يُجعل له شريك يَشرَكُه في جميع خلقِه وأمرِه فهذا لم يقله أحد، ولهذا قال:{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُمْ مِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} [الروم/ 28] أي كخيفة بعضِكم بعضًا، فأخبرَ أنكم لا تجعلون مماليككم شركاءكم، فكيف تجعلون مملوكي شريكي؟ وكانوا في تلبيتهم يقولون: لبيك لا شريك لك إلّا شريكًا هو لك، تَملِكُه
(1)
سبق تخريجه.
وما ملك
(1)
.
ولهذا نفَى سبحانه قليل الشرك فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} [سبأ/ 22]، فنفى نفيًا عامًّا لمسمَّى شركٍ، نكرة في سياق النفي، ليبيِّن أن الشريك المنفيَّ عنه من جُعِلَ شريكًا له في أدنى شيء من ملكِه. فنفيُ الشريك كنفي الندِّ والعِدْلِ.
فإذا كان الشريك والندّ والعِدل ونحو ذلك في حق الله إنما هو اسمٌ لما أثبتَه الكفّار، وهم لم يُثبِتوا ذلك إلّا في بعض الأمور لا في جميعها، وثبت إطلاقُ هذه الأسماء في الكتاب والسنة وغير ذلك لمن أثبتَ لغيرِه معه معادلةً في شيء أو مساواةً في شيء أو مشاركةً في شيء، عُلِمَ أن مسمَّى العِدل والندّ والشريك في حق الله مطلق، ولا يُوجب المساواة في كلِّ شيء، بل يتناول ما ادعيتْ له المساواةُ في أيِّ شيء كان.
وسبب ذلك أن هذه المسمَّيات ليس لها حقائق خارجية، فإن الله تعالى ليس له في نفس الأمر من يَصلُح أن يكون عِدلًا أو شريكًا أو كفوًا أو نِدًّا، ولكن لما صار في بني آدمَ من يَعدِل به بعضَ خلقِه في بعض الأشياء نفَى ذلك، فالنفيُ هو لما في نفوسِ بني آدم، ويلزمُ مِن نفي ذلك نفيُ الندّ العام، لكن ذلك لم يحج إلى نفيه ابتداءً، لأن أحدًا لم يُثبِته، وليس له مسمًّى خارجي. والأسماء إنما توضع للصور الذهنية أو للحقائق الخارجية، فإذا كان المماثلُ لله من كلّ وجهٍ ليس له وجود خارجي، ولا أثبتَه أحدٌ في ذهنِه واعتقادِه، لم يحتج أن يجعل له لفظٌ
(1)
انظر: الأزمنة لقطرب 39، والأصنام لابن الكلبي 7، والمحبر 211.
يخصُّه، ولكن هو ينتفي عن الله بطريق اندراجِه في العموم، أو بطريق دلالة الفحوى والتنبيه.
فتدبَّرْ هذا فإنه موضع شريف، فلهذا قلنا: إن نفي السمِيّ والمثل والندّ والكفو والشريك عن الله يقتضي نفيَ ذلك في كل الأمور، فليس له سميٌّ في شيء من الأشياء.
وأما قولنا: "بين الوجودين قدر مشترك"، وهذا يقتضي أن يكون وجوده مشاركًا لوجود غيرِه، فهذا لفظي اصطلاحي، ليس هو الشرك المذكور في القرآن، فإن القرآن نفَى أن يكون في الموجودات من يكون شريكًا لله فيما يستحقه من خلقِه وأمرهِ وعبادته وحدَه لا شريك له، ولم يَنفِ أن يخلقَ هو سبحانه مخلوقاتٍ ويجعل لها صفاتٍ، وأنها تُسمَّى بأسماء توافِقُ أسماءه، فيَعقِل الذهنُ أن بين المسمَّيينِ قدرًا مشتركًا، وذلك القدر المشترك ليس له مشاركةٌ في شيء موجودٍ أصلًا، في خلقٍ ولا أمرٍ ولا عبادةٍ، وإنما هو في اعتبارٍ ذهني، كما يشارك اسمُه اسمَ بعضِ عباده في بعض حروفه، فالاشتراك بينه وبين عبادِه في بعض حروف الأسماء التي تُعقَل بالجَنان، وليس هذا بشركٍ في حقيقة موجودة أصلًا. ثم هذا من نعمه وفضله، فإنه الذي خلقَ الإنسان علَّمه البيان، وهو الذي بالقلم علَّم الإنسانَ ما لم يعلم.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له: ما شاء الله وشئتَ: "أجعلتَني لله ندًّا؟ " وقال: "قل: ما شاء الله ثم شاء محمد". وأثبتَ المشيئة في مرتبة العبودية
(1)
(1)
في الأصل: "العبودة".
لا في مرتبة المنادَّة لتلك
(1)
المخلوقات، لما أعطاها من فضله الوجودَ العيني، كما قال:{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق/ 2]، علَّم أيضًا من فضله العلمَ بها والتعبيرَ عنها، كما علَّم العلمَ به والتعبيرَ عنه بأسمائه. فكما أن وجودنا وحقائقنا من فضله، كذلك عِلْمنا بأنفسِنا وتعبيرُنا عن علومنا تابعٌ للعلم به والتعبير عن علمنا به، وأسماؤنا من أسمائه، كما روى الربيع بن أنس عن المسيح عليه السلام قال: يتكلمون بأسمائه ويتقلبون في نَعمائه ويكفرون بآلائه.
فقد تبين أن الله تعالى ليس له مثل ولا كفؤ ولا سميٌّ بوجهٍ من الوجوه، وتبين أن من أثبتَ لله ما يُماثِله في بعض الأمور، مثل من يقول من المجسِّمة: هو فضة أو كالفضة أو لحم أو دم، ومثل من طلب من المعطِّلة أن يكون له جنسٌ من المخلوقات، فهؤلاء مُبطِلون كلُّهم، وليس في ظاهر آياتِ الله ما يُوافِقُ قولَ أحدٍ من هؤلاء. ومن ادَّعى أن في الكتاب والسنة ما يدلُّ ظاهرُه على التجسيم والتشبيه فقد افترى على كتاب الله، وإن وصفَ الله بذلك فقد افترى على الله. فالمشبِّه المثبت لذلك مفترٍ على الله أو على كتابه، والمعطِّل المتأول لكتاب الله ظانًّا أن ظاهره كذلك مفترٍ على كتاب الله. بل يجب أن يبيَّن أن هذا ليس هو ظاهره، بل فيه نصوصٌ كثيرة دلَّت بالمعقول أيضًا كما دلَّت بالسمع على تنزيه الله عن مماثله المخلوقات بوجه من الوجوه.
فإن قيل: قد تقدم تضعيفكم لاستدلالِ طائفة بمثل قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى/ 11] على ما يدَّعونه من نفي. فهذا الجواب بعد الاستفسار هو بمنعِ المقدمة الأولى إذا فُسِّر الجسم بما ذكرناه من
(1)
في الأصل: "لذلك".
المعنى المنفيّ بالنص والعقل، وادُّعي أنه ظاهر الكتاب والسنة، فإن هذا لم يدلَّ [عليه] ظاهر الكتاب والسنة.
وهو إن قال: ظاهر النصوص أن صانع العالم متميزٌ عن المخلوقات بائنٌ عنها، وأن ذاته وحقيقته فوقَ حقيقة المخلوقات وذواتها، بحيث يرفع الناس أبصارَهم وأيديَهم إليه، تَعرُج الملائكة والروحُ إليه، وعُرِج بالرسولِ إليه، وتَصعَد أرواحُ العباد، وأن الناس يمكن أن يروه يومَ القيامة بأبصارهم فوقَ رؤوسهم ويشيرون إليه بأبصارهم وأيديهم، وأنه فوقَ الأمكنة كلِّها، وأنه خلقَ آدم بيديه اللتين هما اليدان، وأنه استوى فوقَ العرش فارتفع عليه وعلا عليه، وذاته فوقَ ذاتِ العرش، ونحو ذلك، وأن له ذاتًا حقيقةً ليس عدمًا ولا شَبَحًا ولا خيالًا، بل حقيقتُه أعظمُ الحقائق، وإن كان لا يعلم ما هو إلّا هو، ولا يَبلُغ قدرتَه غيُره، ونحو ذلك.
فإن قال: هذه المعاني وما أشبهها هي ظاهر النصوص.
قلنا: هذا مسلَّمٌ، لكن بمنع المقدمة الثانية، وهو قولك: هذا منتفٍ، وإذا سمَّاه من سمَّاه تشبيهًا وتجسيمًا، لكن مجرد تسميتهم له بهذا الاسم لم يكن موجبًا لتركِ ما دل عليه
(1)
الكتاب والسنة، أو لتركِ ما عُلِمَ بالفطرة والعقلِ وإجماع السلفِ وأتباعِهم من الخلفِ أهل العلم والإيمانِ، فإن هذا الاسم إن لم يكن مطابقًا للمسمَّى كان كذبًا، كتسمية قريشٍ للنبي صلى الله عليه وسلم مذمَّمًا، وتسميتهم له شاعرًا وساحرًا ومجنونًا، ونحو ذلك مما يجدون بينه وبين المسمَّى به من اشتراكٍ في أمرٍ من عوارضِ
(1)
في الأصل: "على".
الرسالة. جعلوه شاعرًا للمطابقة التي بين رؤوس الآي، ومجنونًا لخروجه عن عقلهم وعادتهم، وساحرًا لقوةِ تأثير كلامه في نفوس المستمعين، فكذلك هؤلاء إذا سمَّوا هذا تشبيهًا وتجسيمًا، لما فيه من إثبات حقيقة الربِّ وحقائقِ أسمائه وصفاتِه التي يُوافِق لفظُها لفظَ ما يُوصَف به العبادُ = لم يَضُرَّ ذلك، إذا كان الله في نفسه ليس هو من جنس المخلوقاتِ ولا مماثلًا لها في شيء من الأشياء، وان كان هذا الاسم مطابقًا لمسماه فإنه يكون مذمومًا إذا عُلِمَ ذَمُّه بالشرع أو بطلانُ المسمَّى بالعقل.
وليس في كتاب الله ولا سنة رسولِه ولا قولِ أحد من سلفِ الأمة ذمُّ التجسيم، حتى يكون الاسم مذمومًا في الشرع، وثبت معناه في حقّ الخصم، ولا أيضًا في الكتاب والسنةِ ولا لفظِ أحدٍ من الأئمة ذمُّ التشبيه بهذا التفسير، بل الذين ذَمُّوا المشبِّهة من سلفِ الأمة كانوا مثبتةً للصفات، وكانوا لنُفاتِها أشدَّ ذمًّا. والتشبيه المذموم عندهم هو المعنى الأول الذي أبطله المثبتة، ومنعوا دلالةَ النصوص عليه في أصله. [ثم] إن لفظ التشبيه فيه إجمال، فهو مذموم لما ذمَّه السلف من ذلك، وليس هو مذمومًا بالمعنى الذي ينفيه نُفاةُ الصفاتِ. وكذلك لفظ التجسيم في كلام المتأخرين، لكن معه زيادة أنه ليس [له] ذكرٌ في كلام السلف لا بنفي ولا بإثبات، بخلاف ذلك اللفظ، فإنه ذُكِر بالأمرين في كلامهم.
فإن أخذَ المنازعُ المعترضُ يَنفي هذا المعنى بما يذكره من الحجج العقلية تُكُلِّم معه في ذلك، وبُيِّن له أن ما ينفيه النُّفاة من هذه المعاني التي أثبتتْها النصوصُ النبوية وفُطِرَت عليها العقولُ الإيمانية، لا تَنتفي بما يذكرونه من الشُّبَه القياسية بألفاظٍ مجملةٍ تَظهر حقائقُها عند الاستفسار.
كما يُقال لمثل هؤلاء النُّظَّار
(1)
:
سَوفَ تَرَى إذا انْجلَى الغُبارُ
…
أفَرَسٌ تحتَكَ أم حِمارُ
وسنعود إن شاء الله إلى تكميل هذا المقام، فإن المعترض لما أجملَ ما ذكر من الحجج العقلية التي بها يَدفَع موجبَ الكتاب والسنة، نَهَجْنَا الطريقَ إلى وجهِ بيانِ فسادِها بالممانعة بعدَ الاستفسار، وبمعارضتها بما هو أقوى في العقل منها عند النُّظّار، لنظر سلامة القرآن والحديث عن تحريف الغالين وانتحالِ المبطلين وتأويل الجاهلين، وبُيِّن أنه ليس ظاهره الكفر ولا الضلال كما يلزم حزبَ المعترض الجهّال، ولا أن الرسول أهملَ أصولَ الدين وبيانَ معرفةِ ربّ العالمين كما يقوله طوائف من المعطِّلين، ولا أنّ الربَّ مُشبه بالعدم والموات كما يصفه به النُّفاة، ولا أن السلف الذين هم خيار القرون كانوا أمِّيين كما يُلزِمُ به طوائف من المتكلمين، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله. ونحن نتكلم على التفصيل في مواضعِه إن شاء الله تعالى، آمين.
(1)
الرجز بلا نسبة في التمثيل والمحاضرة 345.