المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ إثبات اللفظ العام لأفراده لا يشترط فيه التلازم - جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية - الكتاب

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌ الآية قد تكون نصًّا، وقد تكون ظاهرة، وقد يكون فيها إجمال

- ‌ الصحابة أخذوا عن الرسول لفظَ القرآن ومعناه

- ‌ الرابع: أن ينقل له كلام هؤلاء الذين ذكروا أنهم سمعوا كلامَ العرب

- ‌من لم يَعلم من الكلام إلا لفظَه فهو مثلُ من لم يعلم من الرسولِ إلّا جسمَه

- ‌أحدها: متواترٌ لفظًا ومعنًى

- ‌ جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب

- ‌القسم الثالث: خبر الواحد العدل

- ‌الطريق الثالث: أن يتكلم في الحديث الذي انتفَتْ أسباب العلم بصدقِه

- ‌كثير من الأحاديث المعلوم صدقُها عند علماءِ الحديث هي عند غيرِهم غير معلومة الصدق

- ‌ كلُّ من لم يعبد الله فإنما يعبد هواه وما يهواه

- ‌ الواجب أن يكون العملُ لله وأن يكون على السنة، وهذا مقصود الشهادتين:

- ‌ التوحيد وإخلاص الدين لله هو مقصود القرآن

- ‌نصوص الكتاب والسنة لا تحتاجُ إلى غيرها أصلًا

- ‌الجواب من وجوهٍ:

- ‌ الرابع: أن نقله عن ابن عباسٍ أنه تأوَّل غيرَ ما آيةٍ لا أصل له

- ‌ السابع(2): أن نقله عن ابن عباس "إذا خفي عليكم شيءٌ من القرآن فابْتغُوه في الشعر" لا يدلُّ على مورد النزاع

- ‌جوابُه من وجوه:

- ‌الأمثال المضروبة في القرآن

- ‌ النكرة في سياق النفي تَعُمُّ

- ‌ إثبات اللفظ العام لأفرادِه لا يُشترط فيه التلازم

- ‌ الاستثناءَ من الإثبات والنفي، هل هو لإثبات النقيضِ أو لرفع الحكم

- ‌فصل في الكلام على حديث "خلق آدم على صورته

الفصل: ‌ إثبات اللفظ العام لأفراده لا يشترط فيه التلازم

المطلقةُ ثابتةً بثبوتِه.

فلهذا كانت النكرة في سياقِ العموم تَعُمُّ إما عمومًا قطعيًّا إذا تُيقِّن أن اللفظ لنفي الجنس، مثل أن يُقْرَن بمِن النافية للجنس مظهرةً أو مقدَّرةً، كقوله:{وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة/ 73]، وقوله:{لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد/ 19]. وإمّا عمومًا ظاهرًا إذا كان اللفظ ظاهرًا في نفي الجنس. ويجوز أن يُراد به نفيُ الواحدِ منه، كقولك: ما كلَّمتُ رجلًا ولا أكلتُ رغيفًا؛ إذ يجوز أن يقال: بل رجلين وبل رغيفين. وإن كان اللفظ لنفي الواحد من الجنس، كقولك: ما كلَّمتُ رجلًا بل رجلينِ، ولا أكلتُ رغيفًا بل رغيفينِ، انتفى العمومُ؛ لأن المنفيَّ واحدٌ من الجنس لا نفس الجنس.

وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن‌

‌ إثبات اللفظ العام لأفرادِه لا يُشترط فيه التلازم

، فلا يكون إثباتُ بعضِ الأفراد مشروطًا بإثباتِه لبعضها، بل قالوا: أدواتُ التثنية والجمع في المؤتلفات كحروف النسق في المختلفات، فإذا قال: جاء الرجالُ، فقال النافي: ما جاء الرجالُ، فقد نفَى ما أثبتَه، وهو إنما أثبتَ الحكمَ مجرَّدًا، والعمومُ جاء من الصيغة، فالنفيُ ينفي الحكمَ مجردًا، لا ينفي مجرَّد العموم. بخلاف ما لو قال القائل: جاء كلُّ القوم، أو ما جاء كلُّ واحدٍ منهم، ولو قال: أطعمتُهم كلَّهم، أو غسلتُ وجهي كلَّه، فقال: ما أطعمتَهم كُلَّهم، وما غسلتَ وجهك كلَّه، فهنا لما كان المقصود الأول إثبات نفسِ العموم، لا الحكم الذي عرضَ له العمومُ، كان مقصودُ النافي العموم، لا نفي الحكم الذي عرضَ له العمومُ، إذ النفي يطابق الإثبات.

ص: 142

وكذلك الحقائق المركبة التي

(1)

ينتفي مجموعُها بانتفاء جزءٍ من أجزائها، إذا نفيتَها لم يلزمْ نفيُ جميع أجزائها، بل يكفي انتفاءُ جزءٍ من أجزائها، وإن بَقي بعض أجزائها.

ولهذا صحَّ عند السلف ومن اتبعهم أن يقال عن الفاسق الملّي: ليس بمؤمنٍ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يَسرِق السارقُ حين يَسرِق وهو مؤمن، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمن"

(2)

، ولا يكون ذلك نفيًا لجميع أجزاء إيمانِه، فإن الإيمان عندهم وإن كان مؤلَّفًا من أمورٍ واجبةٍ، فإذا انتفَى بعضُها انتفَى الإيمانُ الواجبُ الذي به يَستحقُّ الجنَّةَ وينجو من النار، ولم يَنتفِ جميعُ أجزاء الإيمان، بل قد يبقى معه بعض أجزائه التي

(3)

ينجو بها من النار بعد دخولها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه "يَخرجُ من النار من كان في قلبه مثقالُ ذرَّةٍ من إيمان"

(4)

.

فإن الإيمان عندهم يَنقُص ولا يزولُ بالكلية، كما أنه قد يزيد على أداء الواجبات بالطاعات، فلهذا قالوا: يزيد بالطاعة ويَنقُص بالمعصية. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضعٌ وستون أو وسبعون شعبةً، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان"

(5)

. ومن خالفهم من الخوارج والمعتزلة والمرجئة

(1)

في الأصل: "الذي".

(2)

أخرجه البخاري (2475) ومسلم (57) عن أبي هريرة.

(3)

في الأصل: "الذي".

(4)

أخرجه البخاري (7439) ومسلم (183) عن أبي سعيد الخدري.

(5)

أخرجه البخاري (9) ومسلم (35) عن أبي هريرة.

ص: 143

والجهمية فإنه عندهم لا يَنقُص إلّا أن يزول بالكلية، ظنًّا منهم أن المركب متى زال بعضُ أجزائه زال جميعُه. ولم يعلموا أن الصلاة والحج وغيرهما من المركبات التي يتناول اسمها لأركانها وواجباتها ومستحباتها، قد يزول بعض واجباتِها ولا يزول أصلُ الاسم، وهي عبادة واحدة، فكيف الإيمان الذي يدخل فيه كلُّ طاعةٍ؟ فإذا قلنا: ليس بمؤمنٍ دَلَّ على زوالِ بعض ما يجب من الإيمان، لا على زوالِ كلِّه كما يقوله هؤلاء.

وكذلك إذا قال الشارع: مَن فعلَ ذلك فليس منَّا، اقتضى خروجَه عن هذه الحقيقة، وهي الإيمان الواجب الذي

(1)

يستحق به الثوابَ دون العقاب، لا يقتضي خروجَه عن جميع أجزاءِ الإيمان كما يقوله الخوارج والمعتزلة، ولا يقتضي نفيَ التطوعاتِ حتى يقال: معناه ليس مثلَنا أو ليس من خيارنا، كما يقوله المرجئة والجهمية.

فإذا كان النفي مقابلًا للإثبات: إن أثبتَ المثبتُ نفسَ العموم رفعه النفيُ، كما في قوله: أكلتُ هذا كلَّه فقال النَّافي: ما أكلتَ هذا كُلَّه. وإن أثبتَ الحكم للمذكور بصيغة العموم كان النفيُ نفيًا لذلك الحكم المذكور بصيغة العموم، فإذا قال: جاء القوم، قال النافي: ما جاء القوم. ثم هنا ثلاث احتمالات:

إما أن يقال: النافي نفَى إثباتَ الحكم للمذكورين، ولم يتعرضْ لنفيه عن بعضهم لا بإثباتٍ ولا نفي، بل نفى عينَ ما أثبتَه المثبت، فيُعلَم أنه حكم أنه لم يجئ المذكورون جميعهم، ويكون مجيءُ بعضِهم

(1)

في الأصل: "التي".

ص: 144