المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة مؤلف العقيدة - حاشية الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ترجمة مؤلف العقيدة

بسم الله الرحمن الرحيم

‌ترجمة مؤلف العقيدة

هو الإمام الحبر الهمام، الأوحد، الشيخ العلامة: محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني، النابلس الحنبلي، صاحب التصانيف المشهورة.

قال في سلك الدرر: ولد بقرية سفارين من قورى نابلس سنة 1114هـ وتلا القرآن العظيم، ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم، فأخذ عن الشيخ عبد الغني، والشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي، وأبي الفرج عبد الرحمن بن المجلد، وأبي المجد السواري، وأحمد المنيني، والفقه عن عبد القادر التغلبي، وعواد الكوري، ومصطفى اللبدي، وغيرهم، وحصل له ملاحظة ربانية، حتى حصل في الزمن اليسير، ما لم يحصله غيره في الزمن الكثير، ورجع إلى بلده ثم توطن نابلس، واشتهر بالفضل والذكاء، ودرس وأفتى وأجاد.

وألف تآليف عديدة، فمنها: شرح ثلاثيات مسند

أحمد، وشرح نونية الصرصري، وتحبير الوفاء في سيرة

ص: 5

المصطفى، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، والبحور الزاخرة في علوم الآخرة، وكشف اللثام في شرح عمدة

الأحكام، والدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، وشرحها،

وذكر له مصنفات كثيرة، ثم قال، وبالجملة: فقد كان غرة

عصره، وشامة مصره، لم يظهر في بلاده بعده مثله، ذا رأي صائب، وفهم ثاقب، جسورًا على ردع الظالمين؛ توفي

رحمه الله سنة 1188هـ، وقد ترجم له جمع من الأعيان.

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلوهيته وربوبيته، ولا ند له ولا مثال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أكمل الله به الدين أصوله وفروعه، وبين الحرام والحلال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فإنه لما عزم من وفق لبث العلوم الدينية، على نشر هذه العقيدة الجليلة، المتضمنة لجل عقائد الفرقة المرضية، طلب مني أن أكتب عليها حاشية وجيزة عجالة، فأجبته إلى ذلك رجاء المثوبة من الله، والاندراج في سلك أهل السنة والجماعة، ونبهت على ما خالف المصنف فيه مذهب السلف، لتكون خير بضاعة.

وعرضتها على عالم الوقت المجتهد الثبت، الشيخ: محمد بن الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، وعلى غيره من العلماء الأفاضل، فجاءت بحمد الله غرة للطالبين - ومحجة واضحة للراغبين، مؤيدة بالبراهين، طبق عقيدة السلف، وأسأل الله السداد، وحسن الطوية، والزلفى لديه في الجنات العلية.

عبد الرحمن بن محمد بن قاسم

ص: 7

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله القديم الباقي (2)

...................................

(1) بدأ المصنف بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته وعملا بحديث:«كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أقطع» .

والباء متعلقة بمحذوف تقديره: أؤلف، والاسم مشتق من السمو، وهو الارتفاع، أو الوسم، وهو العلامة، والله علم على ربنا تبارك وتعالى، وهو أعرف المعارف، الجامع لمعاني الأسماء الحسنى، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحمة خاصة بالمؤمنين.

وقال بعض السلف: لا تكتب أمامي الشعر، وجوزه الجمهور، ما لم يكن محرما أو مكروها وأما ما تعلق بالعلوم، فمحل وفاق.

قال الحافظ: وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية اهـ.

والشعر المحتوي على علم، أو وعظ لا شك في دخوله في كتب العلم.

(2)

الحمد: ذكر محاسن المحمود، مع حبه وإجلاله وتعظيمه.

وقوله: "القديم" لم يجئ في أسماء الله تعالى، وما ليس له أصل في النص والإجماع لم يجز قبوله ولا رده، حتى يعرف معناه.

وفي لغة العرب: هو المتقدم على غيره، فلا يختص بما لا يسبقه عدم، فإن

أريد به الذات التي لا صفة لها، لأنه لو كان لها صفة كانت قد شاركتها في القدم، ونحو ذلك، فباطل، وإن أريد أنه سبحانه القديم الأزلي بجميع صفاته الذي لم يزل ولا يزال، لا ابتداء لوجوده ولا انتهاء له، وأنه لم يسبق وجوده عدم، فهذا حق.

قال الشيخ تقي الدين: وهو مذهب السلف. اهـ.

وقدمه تعالى ضروري، وجاء الشرع باسمه الأول، المشعر بأن ما بعده آيل إليه، وتابع له.

وقوله: " الباقي" أي: الدائم الأبدي، بلا زوال، ولا فناء، لا يضمحل ولا يتلاشى، ولا يعدم ولا يموت، باتفاق النبوات، قال تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] . وفي الحديث: «أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء» .

ص: 9

..................................

مسبب الأسباب والأرزاق (1)

(1) وفي نسخة: مقدر الآجال، والسبب ما يتوصل به إلى المطلوب، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا: نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب قدح في الشرع، والاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، والأرزاق جمع رزق، ما ينتفع به من حلال أو حرام.

ص: 10

حي عليم قادر موجود (1)

قامت به الأشياء والوجود (2)

(1) أي: حي دائم، لم يزل ولا يزال عليم بكل شيء، لا تخفى خافية عليه خافية، يعلم السر وأخفى، ويعلم ما كان، وما يكون لو كان كيف كان يكون، قادر على كل شيء، لا يعجز شيء موجود بنفسه قائم بنفسه، لم يزل ولا يزل، ويمتنع عدمه، ولا يتغير ولا تعرض له الآفات، ولا تأخذه سنة ولا نوم، وقد دلت ضرورة العقل والفطر على وجوده.

والموجود: إما موجود واجب بنفسه، وإما ممكن مفتقر إلى غيره، وإما قديم وإما محدث، وإما قائم بنفسه، وإما قائم بغيره، والقائم بغيره من الصفات والأعراض يكون بحيث يكون غيره، والقائم بنفسه يجب أن يكون مباينًا لغيره، فيكون حيث لا موجود غيره، أو حيث لا قائم بنفسه غيره، وهو المعني بكون الله على العرش، وفوق العالم، لا يحل في شيء من مخلوقاته، ولا يحل في ذاته شيء من مخلوقاته، بل هو بائن من خلقه والخلق بائنون عنه باتفاق الكتب والرسل.

(2)

أي: وجدت استمرت بأمره وتسخيره الأشياء كلها، وقام بذلك الوجود، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25] فهو الذي أنشأه وخلقه وسواه وما من ذرة ولا غيرها في العالم العلوي والسفلي إلا مخلوق مصنوع لله، أوجده بعد أن لم يكن.

ص: 11

دلت على وجوده الحوادث (1)

سبحانه فهو الحكيم الوارث (2)

ثم الصلاة والسلام سرمدا

على النبي المصطفى كنز الهدى (3)

(1) أي: دلت الحوادث دلالة عقلية قطعية على وجود الباري تبارك وتعالى، فإن إيجاد الحوادث أوضح دليل على وجود المحدث لها، والحوادث جمع حادث ضد القديم: ويعلم وجوده تعالى بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بالطرق الدالة على ذلك وهي كثيرة.

(2)

أي: أنزهه التنزيه اللائق بجلاله وعظمته، فهو الحكيم المتقن لخلق الأشياء، الوارث الدائم الباقي بعد كل شيء، قال تعالى:{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} [الحجر: 23] .

(3)

الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، وقد أخبر الله أنه أثنى عليه في الملأ الأعلى، وأمرنا بذلك ليجتمع له صلى الله عليه وسلم ثناء أهل السماء والأرض.

والسلام: من السلامة، دعاء له بالسلامة، والبركة، ورفع الدرجة، أي صلى الله على النبي المصطفى، صلاة وسلاما دائمين مستمرين لا ينقطعان، والنبي: إنسان أوحي إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بتبليغه، فرسول.

والمصطفى: المختار من الصفوة، وهي الخالصة من كل شيء.

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار» .

والكنز: المعدن، فهو صلى الله عليه وسلم معدن الرشاد والدلالة، ومهبط الوحي، أنزله الله على قلبه، ليكون من المنذرين، ويهدي إلى صراط مستقيم.

ص: 12

وآله وصحبه الأبرار (1)

معادن التقوى مع الأسرار (2)

وبعد فاعلم أن كل علم

كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي (3)

(1) آله: أهل بيته، وأتباعه على دينه، وفي الأصل: يرجع إلى الكل، ويقال: أتباعه في مقام الدعوة.

وصحبه: جمع صاحب، والمراد هنا: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم من اجتمع به مؤمنا ومات على ذلك.

والأبرار: الأتقياء الأخيار جمع بر، ويقال: جمع بار والبر والبار هو: المتقي الصادق، والكثير التقوى، والبر والصدق.

(2)

معادن: جمع معدن وهي: المواضع التي يستخرج منها جواهر الأرض، والمعدن مركز كل شيء، أي: هم مستقر التقوى، والأسرار البديعة، والأحوال الرفيعة.

والتقوى: اسم شامل لفعل الخيرات، وترك المنكرات، باطنا وظاهرًا.

(3)

أي: وبعدما تقدم، فاعلم أن سائر العلوم كالفرع لعلم التوحيد، فاسمع نظمي لأمهات مسائله، ومهمات دلائله، سماع فهم وإذعان.

والتوحيد: مصدر وحده يوحده توحيداً، جعله واحدا، أي فردًا وحده.

وأقسامه ثلاثة:

الأول: توحيد الإلهية، وهو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، ويتعلق بأعمال العبد الظاهرة والباطنة.

والثاني: توحيد الربوبية: وهو العلم والإقرار بأن الله رب كل شيء وخالقه ومليكه، والمدبر لأمور خلقه.

والثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال، ونعوت

الجلال، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير زيادة ولا نقصان.

ص: 13

لأنه العلم الذي لا ينبغي

لعاقل لفهمه لم يبتغ (1)

(1) أي: لأن علم التوحيد هو العلم العظيم القدر الذي ينبغي ويجمل بل يجب لكل شخص عاقل من ذكر وأنثى أن يدأب في تحصيله، وإدراك معرفته، والاتصاف به، ليكون في دينه على بصيرة.

وصرح المصنف - عفا الله عنه - في شرحه بأن مراده بعلم التوحيد هنا: التمييز بين الجواهر والأجسام والأعراض، والواجب، والممكن، والممتنع، وغيرها، وليس هذا من التوحيد في شيء، ولا مذهبا لأهل السنة والجماعة.

ومعرفة الخالق - جل وعلا -، ضرورية فطرية والمهاجرون والأنصار وسائر السلف يعرفون الله عز وجل بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلام الرسالة، ودلائلها، لا من باب النظر في الوجود، والأجسام، والأعراض، والحركة، والسكون، وكان، ويكون، ولو كان واجبًا عليهم لما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم، وإنما التوحيد الذي أرسلت به الرسل، وأنزلت به الكتب، وتجب معرفته، هو: إفراد الله بالعبادة، ونفي عبادة ما سواه الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ومن شهد أن لا إله إلا الله خالصا من قبله، فلا بد أن يثبت الصفات والأفعال لله تعالى.

ص: 14