المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي التنبيه على بعض معجزاته - حاشية الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌فصلفي التنبيه على بعض معجزاته

‌فصل

في التنبيه على بعض معجزاته

وهي كثيرة جدًّا

ومعجزات خاتم الأنبياء (1)

كثيرة تجل عن إحصائي (2)

منها كلام الله معجز الورى (3)

...................................

(1) المعجزة: اسم فاعل، مأخوذة من العجز المقابل للقدرة؛ ومعجزة النبي: ما أعجز به الخصم عند التحدي.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يسميها النظار معجزات، وتسمى دلائل النبوة، وأعلام النبوة، ونحو ذلك، وإذا سميت بها آيات الأنبياء، كانت أدل على المقصود، من لفظ المعجزات، ولم يكن لفظ المعجزات موجودًا، في الكتاب ولا في السنة.

(2)

أي: عن عدي وحفظي، لكثرة أفرادها وتنوعها، من الأقوال والأفعال، التي ما سبقت لنبي من الأنبياء، ولم يبلغ أحد منهم ما بلغه صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوته، ولم يؤت أحد منهم آية أو فضيلة إلا وله صلى الله عليه وسلم مثلها وزيادة، وهو دليل على مزيد التشريف والتكريم، والاهتمام بشأنه.

وبالجملة: فدلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا تحصر، فإن القرآن -وهو معجزة من معجزاته- قد احتوى على الإعجاز على ما لا يحصى كثرة، حتى بلغها العلماء إلى ألوف كثيرة، بل كل آية أو آيات منه، بعددها وقدرها معجزة، ثم فيها نفسها معجزات.

(3)

أي: من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم كلام الله المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، أعجز الخلق جميعهم، إنسهم وجنهم، أولهم وآخرهم، فهو معجز بنفسه، ليس في وسع البشر الإتيان بسورة من مثله.

ص: 106

..................................

كذا انشقاق البدر من غير امترا (1)

(1) أي: وكذا من غرر دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم انشقاق " البدر" أي: القمر، وهو أحد الكواكب السيارة من غير امتراء، أي: من غير شك، ولا جدال، قال الله تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] . قال ابن عباس: «اجتمع المشركون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين؛ فقال: إن فعلت تؤمنوا، قالوا: نعم؛ فسأل الله أن يعطيه ما سألوه، فانشق فرقتين، فقال: اشهدوا، وذلك بمكة قبل الهجرة» .

وفي الصحيحين، من حديث أنس: أن أهل مكة سألوه أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حراء بينهما؛ وفيهما من حديث ابن مسعود:«انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا فثبت انشقاقه بنص القرآن والسنة، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم دون النبيين» .

وفي هاتين الآيتين الباهرتين، كفاية عما سواهما، وإلا فدلائل نبوته صلى الله عليه وسلم لا تحصى، ونفس صورته الشريفة الباهرة، وطلعته الظاهرة، وسمته ودله، يدل العقلاء على نبوته، قال نفطويه: يكاد زيتها يضيء، هو مثل ضربه الله له، يقول: يكاد منظره يدل على نبوته، وإن لم يتل قرآنًا، كما قال ابن رواحة:

لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تأتيك بالخبر

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: آياته صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالقدرة

والفعل والتأثير أنواع؛ منها: ما هو في العالم العلوي،

كانشقاق القمر، وحراسة السماء بالشهب، ومعراجه إلى السماء؛ ومنها ما هو في الجو، كاستسقائه، واستصحائه، وطاعة السحاب له في حصوله وذهابه؛ ومنها تصرفه في الحيوانات الإنس والجن والبهائم، ومنها تصرفه في الأشجار، والأحجار، والخشب.

ومنها تأييده بملائكة السماء، ومنها كفاية الله له أعداءه، وعصمته من الناس؛ ومنها إجابة دعائه، ومنها إعلامه بالمغيبات الماضية والمستقبلية؛ ومنها تأثيره في تكثير الماء والشراب، والطعام والثمار، وغير ذلك من دلائل نبوته، وأعلام رسالته، ومعجزاته الظاهرة، وآياته الباهرة. اهـ.

فمن ظهرت المعجزة على يده، وهي: مما لا يقدر عليه البشر، وقارن ظهورها دعوى النبوة، علم بالضرورة: أن الله ما أظهرها إلا تصديقًا لمن ظهرت على يده.

ص: 107

فصل

في ذكر فضيلة نبينا وأولي العزم وغيرهم من النبيين والمرسلين

- صلى الله عليهم وسلم أجمعين -

وأفضل العالم من غير امترا

نبينا المبعوث في أم القرى (1)

(1) أي: وأفضل العالم العلوي والسفلي، من ملك، وبشر، وجن. في الدنيا والآخرة، في سائر خلال الخير، وخصال الكمال؛ من غير امتراء أي: شك وريب؛ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث إلى جميع الثقلين الجن والإنس؛ في أم القرى: مكة المشرفة، قال تعالى:{وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: 92] . سميت أم القرى؛ لأنها أقدمها، أو لأنها قبلة يؤمها جميع الناس، أو

لأنها أعظم القرى شأنا.

وإنما كان أفضل الخلق، لأن الله أيده بأبهر الآيات والدلالات، وأشهر الكرامات، وأمته أزكى الأمم، وشريعته أتم الشرائع، وصفاته أكمل الصفات وأخلاقه أحسن الأخلاق، وأقسم الله بحياته بقوله:{لَعَمْرُكَ} [الحجر: 72] .

وقرن اسمه باسمه في التشهد والأذان، وقال عليه السلام:«أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع» . رواه مسلم، والترمذي:«أنا خطيبهم، وأنا مبشرهم، لواء الحمد بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر» .

فالرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، بلا خفاء ولا نزاع، صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين.

ص: 108

وبعده الأفضل أهل العزم (1)

فالرسل ثم الأنبياء بالجزم (2)

(1) أي: وبعد النبي صلى الله عليه وسلم، الأفضل من سائر الخلق: أولوا العزم من الرسل، إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، وخامسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7] ، وأفضلهم الخليل بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

(2)

أي: فيليهم في الأفضلية، سائر الرسل المكرمين بالرسالة، ثم الأفضل بعد الرسل الأنبياء، -عليهم أفضل الصلاة والسلام-، وهم متفاوتون في الفضيلة، قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] .

فيجب اعتقاده تفضيلًا فيما علم منهم تفصيلًا، وإجمالًا فيما علم منهم إجمالًا، بالجزم السديد، والقطع المفيد للحكم المذكور من غير شك، كما فضل بعضهم

على بعض بالشرائع، والكتب، والأمم.

ص: 109

فصل

فيما يجب للأنبياء عليهم السلام وما يجوز عليهم

وما يستحيل في حقهم

وأن كل واحد منهم سلم

من كل ما نقص ومن كفر عصم (1)

(1) أي: وأن كل واحد من الأنبياء الكرام، والرسل العظام، سلم وتنزه عن كل نقص، يؤدي إلى الإزراء والدناءة، والذي عليه أهل التحقيق: أن الرسل معصومون من الكبائر، وأما الصغائر فقد تقع منهم، والكتاب والسنة يدلان على ذلك، لكن لا يقرون عليها، بل يوفقون للتوبة منها.

قال شيخ الإسلام: واتفقوا على العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقًا، لأن وقوع الذنب إذا لم يقر عليه، لم يحصل منه تنفير ولا نقص، فإن التوبة النصوح يرفع بها صاحبها، أكثر مما كان أولًا. اهـ.

وأن كل واحد منهم، من كُفْرٍ عُصِمَ بعد النبوة، باتفاق السلف، والعصمة المنعة، وقال المصنف: عصم قبل النبوة، وبعدها. اهـ.

وقد اتفق السلف على جواز بعثة رسول لم يعرف ما جاءت به الرسل قبله، من أمور النبوة والشرائع، والرسل قبل الوحي لا تعلم هذا فضلًا عن أن تقربه، فعلم: أن عدم العلم والإيمان، لا يقدح في نبوتهم، بل الله إذا نبأهم، علمهم ما لم يكونوا يعلمون، ومن نشأ بين مشركين جهلاء، لم يكن عليه نقص ولا غضاضة، وإذا كان على مثل دينهم، وإذا كان معروفًا عندهم بالصدق والأمانة، وفعل ما يعرفون وجوبه، واجتناب ما يعرفون قبحه.

ولم يذكر عن أحد من المشركين، أنه عد هذا قادحًا في نبوتهم، ولو ذكروه للرسل، لقالوا كنا كغيرنا، لم نعرف إلا ما أوحي به إلينا، وإنما اتفق المسلمون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله، فلا يستقر في ذلك خطأ، ولكن هل يصير منهم ما يستدركه الله، فينسخ ما يلقي الشيطان؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المأثور عن السلف يوافق القول بذلك.

ص: 110

كذا من إفك ومن خيانه

لوصفهم بالصدق والأمانة (1)

(1) أي: كذلك كل واحد من الأنبياء والمرسلين، قد عصم من إفك، أي من كذب، فإن الأنبياء معصومون من الكذب، ومعصومون من الخيانة، لوجوب وصفهم -عليهم الصلاة والسلام- بالصدق الذي هو ضد الكذب، وبالأمانة التي هي ضد الخيانة، والضدان لا يجتمعان، فالصدق واجب في حقهم عقلاًَ وشرعًا، قال تعالى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44-46] .

وأجمعت الأمة: على أن ما كان طريقه الإبلاغ، فالأنبياء معصومون فيه، من الإخبار عن شيء منه بخلاف ما أمرهم الله به، فيجب على الخلق الإقرار بما جاءوا به، جملة وتفصيلًا، وهو موجب تحقيق الشهادتين، فمن شهد أن محمدًا رسول الله، شهد أنه صادق فيما يخبر عن الله، فإن هذا حقيقة الشهادة بالرسالة، إذ الكاذب ليس برسول فيما يكذب به، ومعلوم بالضرورة: أنهم معصومون من الكتمان، كما أنهم معصومون من الكذب.

ص: 111

وجائز في حق كل الرسل

النوم والنكاح مثل الأكل (1)

(1) أي: وجائز عقلًا وشرعًا، في حق كل الأنبياء والرسل، - عليهم الصلاة والسلام - النوم؛ والنوم رحمة من الله لعباده، لتستريح أبدانهم عن تعبهم، وهو: غشية ثقيلة تقع على القلب، تمنع معرفة الأشياء، لكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان تنام عينه، ولا ينام قلبه؛ ومثل النوم: الجلوس، والمشي والبكاء، والضحك، وما هو من خواص البشرية المباحة، والنكاح، والتسري، ونحو ذلك، مثل الأكل والشرب قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] .

وقال عليه السلام لما أخبر عن أولئك النفر، والذين قال أحدهم: أنا أقوم ولا أنام؛ وقال الآخر: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أنا لا آكل اللحم، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء، قال صلى الله عليه وسلم:«ولكني أنام، وأفطر، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» .

ص: 112

فصل

في ذكر الصحابة الكرام رضي الله عنهم

وليس في الأمة بالتحقيق

في الفضل والمعروف كالصديق (1)

(1) أل للعهد الذهني؛ أي: ليس في هذه الأمة بالتحقيق الثابت، المنصوص في الفضل بجميع أنواع الفضائل، والشجاعة، والعلم، وكمال العقل، وبذل المعروف، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، كأبي بكر بن عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، الصديق رضي الله عنه؛ أول الناس إيمانًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتصديقًا له، صحبه من حين أسلم إلى أن توفي، وشهد معه المشاهد كلها، وكان خليفته الراشد، ومناقبه أشهر من أن تذكر.

أفضل الناس بعد الأنبياء، بإجماع أهل السنة والجماعة، قال تعالى:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل: 17- 18] . وحكى ابن الجوزي الإجماع، أنها نزلت في حقه؛ وأنفق ماله على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولما قيل له:«من أحب الناس إليك؟ قال: أبو بكر» . وقال: «لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا» . توفي رضي الله عنه، وله ثلاث وستون، وكانت خلافته سنتين وأشهرًا، ودفن بجنب النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 113

وبعده الفاروق من غير افترا (1)

وبعد عثمان فاترك المرا (2)

(1) أي: وبعد أبي بكر في الأفضلية، المحدث الملهم: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب الفاروق رضي الله عنه سمي فاروقًا: لأن الله فرق به بين الحق والباطل، أو لأنه أعلن بالإسلام، والناس يخفونه، أسلم في السادسة من البعثة، وله سبع وعشرون سنة، قال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر؛ وفي الصحيحين: أنه عليه السلام قال: «إن يكن في أمتي محدثون فعمر» . وقال: «لو لم أبعث فيكم لبعث عمر» . وفي فضله أحاديث كثيرة.

ولي الخلافة بعد الصديق، سنة ثلاث عشرة، وقام أتم قيام، وفي أيامه كانت فتوح الأمصار، وكان أفضل هذه الأمة بعد الصديق، بإجماع السلف من غير افتراء، أي: كذب؛ مات شهيدًا، طعنه أبو لؤلؤة في المسجد، سنة ثلاث وعشرين، ودفن في الحجة النبوية، بجنب أبى بكر، مع النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

أي: وبعد أمير المؤمنين عمر، في الأفضلية، عثمان بن عفان بن الحارث بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ولد في السادسة من الفيل؛ وأسلم قديمًا؛ وهاجر الهجرتين؛ وتزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمي ذا النورين؛ وجمع القرآن؛ وجهز جيش العسرة.

ولي الخلافة بعد عمر بإجماع الصحابة؛ فاترك المراء أي: الجدل؛ وفضائله أكثر من أن تحصر، استشهد في داره سنة خمس وثلاثين، وله بضع وثمانون.

ص: 114

وبعد فالفضل حقيقاًً فاسمع

نظامي هذا للبطين الأنزع

مجدل الأبطال ماضي العزم

مفرج الأوجال وافي الحزم (1)

وافي الندى مبدي الهدى مردي العدى

مجلي الصدى يا ويل من فيه اعتدى (2)

(1) أي: وبعد عثمان، فالفضل الشامخ باتفاق السلف، حقيقًا، أي: في حقيقة الأمر، لعلي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء؛ فاسمع نظامي هذا، الذي أدرجت في عقيدة السلف؛ للبطين، أي: العظيم البطن؛ الأنزع، المنحسر شعر رأسه مما فوق الجبين. وكان رضي الله عنه أنزع الشعر، له بطن؛ مجدل الأبطال، جدله صرعه، أي: ملقي الأبطال على الأرض، جمع بطل الشجاع، وكان قتل من الأبطال عدة، منهم الوليد، ومرحب وغيرهما، ماضي العزم: إشارة إلى شدة قوته؛ ومضى في الأمر نفذ، والعزم الجد والصبر؛ مفرج أي: كاشف؛ الأوجال الهموم، والغموم في المواقف الصعبة، وافي الحزم، إشارة على وفور عقله، والحزم ضبط الرجل أمره.

(2)

أي: كثير السخاء مظهر العلوم، والفهوم، مهلك أعدائه ومتلفهم، ومزيل الصدى، أي: العطش، والأولى "جالي" والمراد: كاشف الكرب؛ يا ويل، دعاء بالحزن والهلاك، لإنسان في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، اعتدى: بانتقاصه، وهضم حقوقه، أو غلا فيه، ومناقبه وفضائله شهيرة.

بايعه الناس بالمدينة، بعد قتل عثمان رضي الله عنهما؛ واتفق

السلف على فضله، وخلافته بعد عثمان، وأقروا بأن معاوية

رضى الله عنه، ليس كفؤًا لعلي في الخلافة.

ولا يجوز: أن يكون معاوية خليفة، مع إمكان استخلاف علي، لسابقته وعلمه، ودينه وشجاعته، وسائر فضائله، ولما قتل عثمان لم يبق لها معين إلا علي.

وإنما وقع ما وقع بسب قتل عثمان، فرأى علي: أن لهؤلاء شوكة، وهم خارجون عن طاعته، فقام ليردوا إلى الواجب، وهم رأوا: أن عثمان قتل مظلومًا، وقتلته في عسكر علي، وهم غالبون لهم شوكة؛ وعلي يحلف -وهو البار الراشد، بلا يمين- أنه لم يقتله، ولا رضي بقتله، ولم يمالئ على قتله، وهذا معلوم بلا ريب.

ثم إن طلحة والزبير رضي الله عنهما خرجا إلى مكة وسارا بعائشة رضي الله عنها إلى البصرة فخرج علي رضي الله عنه إلى العراق، ولم يقصدوا القتال ابتداء، وإنما صارت وقعة الجمل بغير اختيار؛ وكانوا قد اتفقوا على المصالحة، وإقامة الحدود على قتلة عثمان رضي الله عنه.

فتواطأت القتلة، على إقامة الفتنة، فحملوا على طلحة والزبير

وأصحابهما، فحملوا هم دفعًا عنهم؛ وأشعروا عليًا إنما حمل عليه، فحمل علي دفعًا عن نفسه؛ وكان كل منهم قصده: دفع الصيال، لا ابتداء القتال.

وكذلك خرج معاوية رضي الله عنه، ومن معه من أهل الشام،

فالتقوا بصفين، وقتل عمار وكان مع علي، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم «تقتلك الفئة الباغية. وإن كانوا لم يقصدوا القتال ابتداء، وإنما أثاره أهل الفتنة؛ وعلي ومعاوية رضي الله عنهما، أطلب لكف الدماء، من أكثر المقتتلين، لكن غلبا فيما وقع؛ والفتنة إذا ثارت، عجز الحكماء عن إطفاء نارها» .

واتفق السلف: أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم؛ ومعاوية رضي الله عنه مجتهد مخطئ، وسابقته وفضائله مشهورة.

ص: 115

فحبه كحبهم حتمًا وجب

ومن تعدى أو قلى فقد كذب (1)

وبعد فالأفضل باقي العشرة (2)

...................................

(1) أي: فحب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، كحب الخلفاء الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، حتمًا وجب على جميع الأمة باتفاق الأئمة، ومن تعدى في حبه، أو لم يقل بفضل الخلفاء، على ترتيب الخلافة، أو قلاهم، أي:: أبغضهم، أو واحدًا منهم، فقد كذب في كل واحدة من الخصلتين، من تعديه في الحب، أو بغضه لهم أو لأحدهم، رضي الله عنهم أجمعين -.

(2)

أي: وبعد الخلفاء الراشدين، فالأفضل من سائر الصحابة، باقي العشرة المشهود لهم بالجنة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راض؛ وروى الترمذي، وأبو داود، وغيرهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أبكر بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة.

وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة» .

وأحد الستة: طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، أسلم قديمًا، وشهد المشاهد كلها غير بدر، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ووقاه بيده، وشلت إصبعه، وجرح يومئذ أربعًا وعشرين جراحة، وسماه النبي صلى الله عليه سلم:"طلحة الخير"، وقتل في وقعة الجمل، وله أربع وستون.

الثاني: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها، أول من سل السيف في سبيل الله، وثبت يوم أحد، وقتل في وقعة الجمل، وله أربع وستون.

الثالث: سعد بن أبى وقاص، مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة أسلم قديمًا، أول من رمى بسهم في سبيل الله وشهد المشاهد كلها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد:«ارم ارم فداك أبي وأمي. مات بقصره في العقيق، ودفن بالبقيع سنة إحدى وخمسين، وله بضع وسبعون» .

الرابع: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، أسلم قديمًا، وشهد المشاهد كلها غير بدر، فإنه كان مع طلحة يطلبان خبر عير قريش، وضرب لهما بسهميهما، مات بالعقيق، ودفن بالمدينة سنة إحدى وخمسين، وله بضع وسبعون.

الخامس: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها، وثبت يوم أحد، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، وعرج، ومات سنة اثنتين وثلاثين، وله اثنتان وسبعون.

السادس: أمين الأمة، أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد المشاهد كلها، وثبت يوم أحد، ونزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلق المغفر، فوقعت ثناياه، مات في طاعون عمواس بالأردن، سنة ثماني عشرة.

ص: 117

..................................

فأهل بدر ثم أهل الشجره (1)

(1) أي: وبعد العشرة، الذين يلونهم في الأفضلية: أهل غزوة بدر العظمى، وهي البطشة الكبرى، ويوم الفرقان، لأن الله فرق فيها بين الحق والباطل، وأعز فيها أهل الإسلام، وقمع عبدة الأصنام، و"بدر" قرية مشهورة، على نحو أربع مراحل من المدينة، وكانت وقعة بدر نهار الجمعة، لسبع عشرة خلت من رمضان، ومن السنة الثانية من الهجرة.

وكان عدة المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، والمشركون ألف وزيادة، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلًا، وقتل من الكفار سبعون، وأسر سبعون، وفي الصحيح:«إن الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم» . وأخرج أحمد بسند صحيح، من حديث جابر:«لن يدخل النار رجل شهد بدرًا أو الحديبية» .

وقوله: ثم أهل الشجرة؛ أي: ثم بعد أهل بدر في الأفضلية، أهل بيعة الرضوان تحت "الشجرة" سمرة بالحديبية، سميت ببئر هناك، على مرحلة من مكة، وأمر عمر رضي الله عنه بقطع تلك الشجرة، وإخفاء مكانها، خشية الافتتان بها، لما بلغه أن أناسًا يذهبون إليها، فيصلون تحتها، ويتبركون بها، وقال: كان رحمة من الله، يعني إخفاؤها.

وسبب البيعة: أن قريشًا لما منعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد الحرام، بعث عثمان لهم ليخبرهم، أنهم إنما جاءوا للعمرة، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، ثم بلغه أنهم قتلوه فدعا الناس إلى البيعة؛ وقال: «لا نبرح حتى نناجز القوم.

فبايعوه وكانوا ألفًا وأربعمائة، ثم تبين كذب الخبر؛ وقدم عليه عثمان، ووقع الصلح على أن يرجع، ويعتمر من العام المقبل، وذلك سنة ست، فرجع ثم اعتمر عمرة القضية.

ص: 119

وقيل أهل أحد المقدمه

والأول أولى للنصوص المحكمه (1)

(1) أي: وقيل: أهل غزوة جبل أحد المقدمة في الزمن، وفي الأفضلية على أهل البيعة؛ والأول: وهو تقديم أهل البيعة في الأفضلية، على أهل غزوة أحد، أولى وأحق، لورود النصوص المحكمة، من الكتاب والسنة؛ وكانت غزوة أحد سنة ثلاث؛ سمي أحدًا لتوحده عن الجبال؛ بينه وبين المدينة أقل من فرسخ، في شماليها إلى الشرق، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة:«أحد جبل يحبنا ونحبه» .

وسبب الغزوة: لما قتل الله من قتل الكفار يوم بدر،

سارت قريش ومن تابعها، حتى وصلوا إلى أحد؛ وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتتل الفريقان، وهزم المشركون، ثم وقع في المسلمين هزيمة، بسبب مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم أن لا يبرحوا، وقد عفا الله عنهم بنص القرآن. واستشهد من المسلمين سبعون، منهم حمزة، وفيهم أنزل الله:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] . وفي صحيح مسلم: أنه عليه السلام إذا زارهم يقول: «السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون.

وأما أهل الشجرة، فقد وردت النصوص المحكمة في فضلهم، قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] . وبذلك حصل الفتح، والخير الكثير، والمراد بالفتح: صلح الحديبية، والذين بايعوه هم الذين فتحوا خيبر، ثم حصل فتح مكة في السنة الثامنة.

ص: 120