الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسمعه سبحانه كالبصر
…
بكل مسموع وكل مبصر (1)
فصل:
في مبحث القرآن
وأن ما قد جاء مع جبريل
…
من محكم القرآن والتنزيل
كلامه سبحانه قديم (2)
…
...................................
(1) أي: وسمعه متعلق بكل مسموع، وبصره متعلق بكل مبصر، ولا تخفى عليه خافية، قال تعالى:{سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] . {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [الملك: 19] يسمع بسمع، ويبصر ببصر حقيقة.
(2)
أي: وأن نجزم ونعتقد: أن الكلام الذي جاء من الله مع جبرائيل أمينه أوحاه إليه من محكم القرآن العظيم، ومحكم التنزيل الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبرائيل هو: كلام الله سبحانه، تكلم به حقيقة، كما صرح به في كتابه، وأجمع عليه السلف، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
وقوله: قديم، ليس من قول السلف، وإنما هو قول ابن كلاب ومن تبعه، أي: أنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته، وأجمع أهل السنة والجماعة على أن الله يتكلم كيف شاء، ومتى شاء.
قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله: لم يقل أحد من السلف إن القرآن قديم، وقال تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] .
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [النساء: 163] . {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ} [يونس: 13] . {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 1] . ولا يكون ذلك إلا بعد وجود المخبر عنه، وإلا كان كذبا، تعالى الله عن ذلك.
..................................
…
أعيى الورى بالنص يا عليم (1)
وليس في طوق الورى من أصله
…
أن يستطيعوا سورة من مثله (2)
******
(1) أي: أعجز الخلق من الجن والإنس بالنص القرآني، وقد تحدى سبحانه الخلق أن يأتوا بمثله، أو عشر سور، أو سورة، فعجزوا مع بلاغتهم، وشدة عدواتهم، يا عليم: صيغة مبالغة أي: العالم البالغ في العلم.
(2)
أي: ليس في وسع الخلق من أولهم إلى آخرهم أن يأتوا بأقصر سورة من مثل القرآن كما تحداهم الله تعالى، فاعترفوا بالعجز، وقد تحداهم بذلك في مكة والمدينة، وعدم قدرة البشر على مثله مع قيام الداعي، ومهارة البلاغة أكبر معجزة، وأبهر آية، وأظهر دلالة، ونفس نظمه وأسلوبه، ودليله ومعانيه، وفصاحته وبلاغته وغير ذلك عجيب خارق للعادة.
فصل
في ذكر الصفات التي يثبتها لله تعالى أئمة السلف وعلماء
الأثر دون غيرهم من علماء الخلف وأهل الكلام
وليس ربنا بجوهر ولا عرض
…
ولا جسم تعالى ذو العلى (1)
(1) وتقدس عما يتضمنه قوله من الباطل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: لفظ الجسم، والجوهر، والعرض في أسماء الله تعالى وصفاته بدعة لم ينطق بها كتاب، ولا سنة ولا قالها أحد من سلف الأئمة، وأئمتها، ولم يقل أحد منهم إن الله جسم، ولا ليس بجسم، ولا جوهر ولا ليس بجوهر، ولا عرض ولا ليس بعرض وذموا الكلام في ذلك، لا لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة، بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه. اهـ.
وتقدم: أن ما يراد به نفي الجوهر نفي حقيقة الله تعالى، وبنفي العرض نفي بعض صفاته ككلامه، وكذلك المراد من نفي الجسم نفي أنه كلم، ويكلم وأراد، ويريد، وفعل، ويفعل، ونحو ذلك مما هو صفة كمال سلبها نقص في حق المخلوق.
وكل كمال ثبت للمحدث، فالواجب القديم أولى به، وكل
نقص وعيب وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات، فإنه يجب نفيه عن الله بطريق الأولى؛ بل هو سبحانه المبرأ من كل عيب، ونقص، وآفة، له الكمال المطلق من جميع الوجوه، باتفاق النبوات.
سبحانه قد استوى كما ورد (1)
…
من غير كيف قد تعالى أن يحد (2)
(1) أي: قد استوى سبحانه على عرشه من فوق سماواته استواء حقيقة، يليق بجلاله وعظمته، لا يشوبه حصر، ولا حاجة إلى عرش، ولا حملة، كما ورد في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية والنصوص السلفية، مما يتعذر استقصاؤه، ودلالة اللفظ عليه كدلالة لفظ العلم والإرادة على معانيها.
(2)
أي: استوى سبحانه على عرشه بلا كيف، إذ كنه الباري تعالى غير معلوم للبشر، وقد ثبت عن أم سلمة، ومالك:" الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة " وتبعهما السلف فإن استواءه سبحانه، الذي هو علوه وارتفاعه على عرشه، معلوم بطريق القطع، الثابت بالتواتر، وكيفية ذلك لا سبيل لنا إلى العلم به، وليس كاستواء المخلوقين، فكما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين، فكذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين.
وقوله: قد تعالى أن يحد، أراد: نفي إحاطة علم الخلق به أن يحدوه، أو يصفوه بغير ما أخبر به عن نفسه، ليتبين أن العقول لا تحيط بصفاته، كما قال تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] .
قال أحمد: وهو على العرش بلا حد، كما قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ} [يونس: 3] أي: استوى كيف شاء، ليس
كمثله شيء، ولا ينافي ما نص عليه هو وغيره من الأئمة، كابن المبارك، قالوا: على العرش بحد. قال أحمد: هكذا هو عندنا، يعني: أنه عال على عرشه، بائن من خلقه.
وقد يريد المبتدعة بنفي الحد معنى باطلا.
قال ابن القيم: يقولون: ننزه الله عن الحدود، والجهات، إنه ليس فوق السماوات، ولا على العرش ولا يشارك إليه، ونحو ذلك. انتهى.
فنفي الحد بهذا المعنى نفي لوجود الرب - تعالى وتقدس ـ.
فلا يحيط علمنا بذاته (1)
…
كذاك لا ينفك عن صفاته (2)
فكل ما قد جاء في الدليل
…
فثابت من غير ما تمثيل (3)
(1) أي: لا يحيط علم الخلق من الملائكة والإنس والجن بذات الله المقدسة فلا يعلم كيف هو إلا هو، قال تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] .
(2)
أي: كما أن علمنا لا يحيط بذاته المقدسة، لا ينفك أي: لا يخلص ولا يزول عن صفاته وأفعاله، بل لم يزل ولا يزال متصفا بصفات الكمال، متنزها عن جميع صفات النقص والعيب، لم يحدث فيه صفة، ولا تزول عنه صفة.
(3)
أي: فكل وصف جاء في كتاب الله، وصح عن نبيه صلى الله عليه وسلم، فهو ثابت له تعالى، وموصوف به، من غير تمثيل بشيء من خلقه، ومن غير تكييف، نمره كما جاء، ولا نحرفه عن مواضعه، ونصدق به، ونقر على ما دل عليه من معناه، ونفهمه على ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته.
من رحمة ونحوها كوجهه (1)
…
ويده وكل ما من نهجه (2)
(1) أي: فكل وصف جاء في كتاب الله، وصح عن نبيه صلى الله عليه وسلم نثبته من غير تمثيل من ذلك: وصفه بالرحمة قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] . {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32] فنصفه بها على ما يليق بجلال الله، وليست كرحمة المخلوق.
وقوله: ونحوها، كالمحبة، والرضا، والغضب، ونحو ذلك، قال تعالى:{يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4]{يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] . {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المجادلة: 22] .
وقال {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93] فهو سبحانه المستحق أن يكون له كمال المحبة دون ما سواه، وهو سبحانه يحب ما أمر به، ويحب عباده المؤمنين، ويغضب، ويرضى، فنصفه سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، على ما يليق بجلاله، هذا مذهب أهل السنة والجماعة. وقوله: كوجهه، أي: من الصفات الثابتة له صفة الوجه، بلا كيف، قال تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] . {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] وفي الحديث: «أعوذ بنور وجهك. وغير ذلك.
(2)
أي: ومن الصفات الثابتة له تعالى بنص الكتاب والسنة صفة اليدين، قال تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] . {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]{وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] .
وفي الحديث: «يمين الله ملأى، لم يغض ما في يمينه، وبيمينه الأخرى القبض، يأخذهن بيده اليمنى، ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى وكلتا يدي ربي يمين، ويقبض أصابعه ويبسطها، ويجعلها في كفه» . وغير ذلك مما ثبت مما لا يحصى، فيداه صفتان من صفات ذاته بإجماع السلف.
وكل شيء ورد من صفات الله من نهج اليد والوجه ونحوهما كالقدم والرجل والساق نثبته كما جاء عن الله، قال تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] . وفي الحديث: «حتى يضع رب العزة فيها رجله» . وفي رواية: «فيها قدمه» . ونقر ما أتى عن الله على مراد الله، ونؤمن بذلك ونصدق به، ونعتقد أن له معاني حقيقة، على ما يليق بجلال الله وعظمته.
وعينه وصفة النزول
…
وخلقه فاحذر من النزول (1)
(1) أي: ومن الصفات الثابتة له تعالى من غير تمثيل صفة العينين، قال تعالى:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] . {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] فدلت الآيات: أن لله تعالى عينين، والقاعدة: أن المثنى إذا أضيف إلى نون العظمة أتى به بصيغة الجمع، وفي الصحيحين:«فإن الله ليس بأعور» .
ومذهب السلف إثبات العينين لله تعالى حقيقة على ما يليق بذاته وعظمته لا كأعين المخلوقين.
ومن الصفات الثابتة لله تعالى بالسنة المتواترة صفة النزول
ففي الصحيحين وغيرهما من غير وجه: «ينزل ربنا إلى
السماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له»
…
إلخ؛ والقول فيه كالقول في الاستواء على ما يليق بجلال الله، لا كنزول المخلوقين، وكذلك الإتيان، والمجيء وسائر الصفات الثابتة من غير تكييف ولا تمثيل.
وليس في العقل الصحيح ما يخالف النقل الصريح الصحيح، بل العقل الصحيح يوافقه النقل الصحيح الصريح، وإن كان في النصوص من التفصيل ما يعجز العقل عن إدراكه.
وقد قال شيخ الإسلام: اعترف أساطين أهل الكلام بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية. ومن الصفات الثابتة له تعالى: صفة الخلق بالكتاب والسنة، والعقل، والحس، والفطرة، وباتفاق الرسل وأتباعهم، بل وسائر أهل الملل: بأن الله خالق كل شيء، ويخلق ما يشاء فاحذر من النزول من ذروة الإيمان وسنام الدين إلى حضيض الابتداع، فإن السلامة في اتباع السلف.
فسائر الصفات والأفعال
…
قديمة لله ذي الجلال (1)
(1) أي: فسائر الصفات الذاتية من الحياة، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والعلم، والكلام، وغيرها، والوجه، واليدين، والقدم، ونحوها، وسائر صفات الأفعال، من الاستواء، والنزول، والإتيان والمجيء، والتكوين، ونحوها الثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة: نؤمن بها، ونصدق بها، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير زيادة ولا نقصان، فلا ننفي ما وصف به نفسه، ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نلحد في أسماء الله وآياته، ولا نكيف، ولا نمثل صفاته بصفات خلقه، لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، فهو أعلم بنفسه، وبغيره.
وقوله: قديمة لله ذي الجلال والإكرام، أجمع السلف على أن الله قديم بجميع صفاته لم يزل ولا يزال، لكن مرادهم: أن صفات الأقوال والأفعال قديمة النوع، حادثة الآحاد، وكلام المصنف فيه إجمال.
وقال: ليس منها شيء محدث، وإلا كان محلا للحوادث، وليس هذا من كلام السلف بل من كلام أهل البدع المخالفين للسلف، وإنما السلف يقولون: لم يزل الله متكلما إذا شاء، فاعلا إذا شاء، ولم تزل الإرادة والكلمات تقوم بذاته، وإلا كان ناقصا عاجزا، تعالى الله عن ذلك.
قال شيخ الإسلام: المبتدعة يريدون بقولهم: ليس منها شيء محدث أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يأتي يوم القيامة، ولا يجيء، ولا يغضب بعد أن كان راضيا، ولا يرضى بعد أن كان غضبانا، ولا يقوم به فعل ألبته ولا أمر تجدد بعد أن لم يكن، ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريدًا له، فلا يقول له كن حقيقة، ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويا، ولا ينادي عباده يوم القيامة، ونحو ذلك، فإن هذه كلها حوادث عندهم، وهو منزه عن تلك الحوادث، تعالى الله وتقدس عن قولهم علوا كبيرا.
لكن بلا كيف ولا تمثيل
…
رغمًا لأهل الزيغ والتعطيل (1)
(1) أي: وإثبات الصفات لله بلا كيف كما أنه لا يعلم كيف هو إلا
هو، فذلك صفاته لا يعلم كيف هي إلا هو، ولا تمثيل أي
بشيء من خلقه، رغما لأهل الميل والانحراف عن نهج أهل الحق ورغما لأهل التعطيل من الجمهية وغيرهم فأهل السنة وسط في باب صفات الله بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة.
نمرها كما أتت في الذكر
…
من غير تأويل وغير فكر (1)
(1) أي: نمر آيات الصفات وأخبارها ونجريها على ظاهرها ونقرها على ما دلت عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال، ونفهم منها ما دلت عليه، ونعتقده حقيقة لا مجازا، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
وقوله: من غير تأويل، تقدم أنه لو عدل عنه إلى تحريف لكان أولى، لأن من المعاني التي تسمى تأويلًا ما هو صحيح منقول عن بعض السلف، ومراد بعض المتأخرين بنفي التأويل: أن آيات الصفات وأحاديثها لا يعلمها إلا الله وأن الأنبياء والصحابة والعلماء لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه، ولازم قولهم: أنا أمرنا بتلاوتها من غير تدبر ولا فهم لمعانيها.
وقوله: من غير فكر، كما جاء في الأثر: تفكروا في
المخلوق، ولا تفكروا في الخالق، فإن الخالق سبحانه لا شبيه له،
ولا نظير له، فالتفكر الذي مبناه على القياس ممتنع في حقه
تعالى، وإنما هو معلوم بالفطرة، فيذكره العبد، وبالذكر وبما أخبر به عن نفسه يحصل للعبد من العلم به أمور عظيمة، لا تنال بمجرد
التفكير والتقدير، وإنما تعلم الذات المقدسة والصفات المعظمة
من حيث الجملة، على الوجه الذي يليق بجلال الله وعظمته، ومن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله ودينه.
ويستحيل الجهل والعجز كما
…
قد استحال الموت حقًّا والعمى (1)
فكل نقص قد تعالى الله
…
عنه فيا بشرى لمن والاه (2)
(1) أي: لا يتصور في العقل الجهل هو ضد العلم، والعجز الذي هو ضد القدرة في حق الله تعالى، كما أنه لا يتصور في حقه الموت الذي هو ضد الحياة، والعمى الذي هو ضد البصر، وكذا الصمم، والبكم، والفناء، والعدم، والفقر، ومماثلة المخلوقين، وغير ذلك مما هو ضد أوصافه المقدسة، الثابتة بالشرع.
(2)
أي: فكل نقص من هذه الأوصاف المذكورة ونحوها قد تنزه الله عنه فله الكمال المطلق من جميع الوجوه باتفاق الكتب والرسل، ونوه بالبشرى لمن والاه الله، أو والى هو الله، أي: اتخذه وليا معتمدا عليه، ومفوضا جميع أموره إليه لعظم ذلك، قال تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 62-64] والولي ضد العدو، فاقتبس الناظم من الآية البشارة لأهل الولاية.