الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في الكلام على الإيمان
واختلاف الناس فيه وتحقيق مذهب السلف في ذلك
إيماننا قول وقصد وعمل (1)
…
تزيده التقوى وينقص بالزلل (2)
(1) أي: إيماننا معشر السلف: قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان فإن من لم يقر بلسانه مع القدرة فليس بمؤمن، ومن أقر بلسانه ولم يعتقد بقلبه، فهو منافق، وليس بمؤمن ومن لم يعمل بالقلب والجوارح، فليس بمؤمن، فمذهب السلف: أن الإيمان قول بالسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، ويقولون الإيمان قول وعمل ونية وبعضهم يزيد: واتباع السنة.
(2)
أي: ومذهب السلف: أن الإيمان تزيده التقوى - أي: العمل الصالح - وينقص بارتكاب الزلل -أي: المعاصي- فيعبر السلف من الصحابة وغيرهم: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويتفاضل، قال تعالى:{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2] . {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] . وإذا أفرد الإيمان دخل فيه الإسلام، وإذا قرنا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة.
ونحن في إيماننا نستثني
…
من غير شك فاستمع واستبن (1)
نتابع الأخيار من أهل الأثر
…
ونقتفي الآثار لا أهل الأشر (2)
ولا تقل إيماننا مخلوق
…
ولا قديم هكذا مطلوق (3)
(1) أي: فنحن معشر السلف يقول أحدنا: أنا مؤمن إن شاء الله من غير شك منا في ذلك بل للتقصير في بعض خصال الإيمان، والشك التردد بين أمرين، لا مزية لأحدهما على الآخر، فاستمع، أي: أصغ لما أوردته، واطلب بيانه وإظهاره بأدلته النقلية والعقلية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كان السلف يستثنون في الإيمان، لأن الإيمان يتضمن فعل جميع الواجبات، فلا يشهدون لأنفسهم بذلك، كما لا يشهدون لهم بالبر والتقوى، فإن ذلك مما لا يعلمونه، وهو تزكية لأنفسهم.
(2)
أي: نتابع في اعتقادنا الأخيار من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أئمة أهل الأثر الذين هم على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مقتضى القرآن، ونتبع ونقتدي بالآثار المأثورة عن الكتاب المنزل، والنبي المرسل، والصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الدين من أهل التحقيق والعرفان، فهم أهل الدراية والرواية، لا نتابع أهل الأشر من كل متحذلق ومتعمق من فروخ الجهمية، والمرجئة، والكرامية والفلاسفة، والملاحدة وغيرهم.
(3)
أي: ولا تقل أيها الأثري: إيماننا مخلوق، لدخول الأعمال فيه، التي من جملتها الصلاة، ولا تقل قديم، قال أحمد: من قال: الإيمان مخلوق فقد كفر ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع، ومن قال: قديم فهو مبتدع، هكذا مطلق عن القيود.
فإنه يشمل للصلاة ونحوها
…
من سائر الطاعات (1)
ففعلنا نحو الركوع محدث
…
وكل قرآن قديم فابحثوا (2)
ووكل الله من الكرام اثنين
…
حافظين للأنام (3)
فيكتبان كل أفعال الورى
…
كما أتى في النص من غير امترا (4)
(1) أي: فإن الإيمان يشمل للصلاة المشروعة، ويشمل نحو الصلاة من بقية الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى الله، وسائر العبادات التي يأتي بها لغفران ذنبه.
(2)
أي: ففعلنا معشر الخلق نحو الركوع، والسجود، والقعود، وسائر أفعال الخلق، محدث، لأنه مسند إليهم، والله خالق أفعال العباد، وقوله: وكل قرآن قديم، أي: وكل ما كان من قرآن، فهو قديم، وتقدم: أنه قول ابن كلاب، ولم يقل به أحد من السلف، وان الله يتكلم متى شاء باتفاق النبوات، وقوله: فابحثوا، أتى به لتتمة البيت، والبحث هو التفتيش والتقصي عن دقائق المعاني.
(3)
أي: وكل الله سبحانه من الملائكة الكرام اثنين، مفعول وكل، حافظين للأنام من الأنام، وصفهم بالكرام، لما جاء في وصفهم بذلك في الكتاب والسنة، وهم ذوات قائمة بأنفسها، قادرة على التشكل بالقدرة الإلهية، لا يأكلون ولا يشربون، ولا ينكحون، ويسبحون الليل والنهار لا يفترون.
(4)
أي: فيكتب الملكان الحافظان جميع أفعال الخلق، كما في قوله تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10-12] . وقال: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] من غير امتراء، أي من غير شك، بل نؤمن بها ونصدق بهما، يكتبان أفعال العبد، وأقواله، بإجماع المسلمين.
الباب الرابع
في ذكر بعض السمعيات من ذكر البرزخ
والقبور وأشراط الساعة والحشر والنشر (1)
وكل ما صح من الأخبار
…
أو جاء في التنزيل والآثار (2)
من فتنة البرزخ والقبور
…
وما أتى في ذا من الأمور (3)
(1) المراد بالسمعيات: ما كان طريق العلم به السمع الوارد في الكتاب والسنة والآثار مما ليس للعقل فيه مجال، ويقابله: ما يثبت بالعقل، ويسمى العقليات والنظريات.
(2)
أي: وكل حكم من الأحكام، أو خبر صح من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم قدمه لمزيد الاهتمام به، ولئلا يظن ظان: أن ما لم يثبت في التنزيل ليس عليه مزيد تعويل، أو جاء في القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، أو صح في الآثار السلفية عن الصحابة، مما ليس لعقل فيه مرام، فإنه يشعر أنهم تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
الفتنة: الامتحان والاختبار، والبرزخ: الحاجز بين الشيئين، وسمي البرزخ برزخا، لكونه حاجزا بين الدنيا والآخرة، من وقت الموت إلى القيامة، ومن مات دخله، وفتنة القبور، من عطف الخاص على العام، لأن أحوال البرزخ تشتمل على ذلك، والذي أتى عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في فتنة البرزخ، والقبور، وغيرها من الأمور المهولة، حق لا يرد، بل يجب الإيمان به واعتقاده.
من ذلك: سؤال الملكين منكر ونكير فيجب الإيمان به شرعا، لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنهما يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟
ومن نبيك؟ فيقول المؤمن: الله ربى، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، ويقول المرتاب: هاه، هاه، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا
فقلته.
ومن ذلك عذاب القبر، وقد ورد التعوذ بالله منه، وهو على الروح والبدن جميعا، وقد ينفرد أحدهما، وهكذا نعيمه باتفاق أهل السنة.
وأن أرواح الورى لم تعدم
…
مع كونها مخلوقة فاستفهم (1)
(1) أي: ومما ينبغي أن يعلم أن أرواح بني آدم لم تعدم بموت الأبدان التي كانت فيها، ولا تموت، ولا تفنى، لأنها خلقت للبقاء، مع كون الأرواح مخلوقة لله، مبتدعة محدثة، مربوبة بالاضطرار من دين الرسل، وباتفاق الأئمة، فاستفهم، أي: اطلب علم ذلك من مظانه.
والروح: قد اختلف في حقيقتها.
قال ابن القيم: والصحيح أنها جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي خفيف، حي متحرك، وينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي هذا الجسم اللطيف متشابكا بهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار، ومن الحس، والحركة والإرادة، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدن، قال: وهذا القول هو الصواب، وعليه دل الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة، وأدلة العقل والفطرة. اهـ.
والأرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت، فمنها: أرواح في عليين. ومنها: أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة.
ومنهم: من يكون مقره باب الجنة. ومنهم: من يكون محبوسا على باب الجنة. ومنهم: من يكون محبوسا في قبره، ومنهم: من يكون محبوسا في الأرض.
ومنهم: من يكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه، وتلقم الحجارة.
ومنهم: من يعرض على جهنم غدوة وعشية، كما جاءت بذلك الآثار، والروح أسرع شيء حركة وانتقالا، وصعودا وهبوطا، ولها لذة ونعيم وعذاب عظيم.
فكل ما عن سيد الخلق ورد
…
من أمر هذا الباب حق لا يرد (1)
(1) أي: فكل الذي ورد عن سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه بالأسانيد المقبولة، ودونه أهل العلم من أي أمر من أمور هذا الباب وغيره حق يجب اعتقاده والإيمان به لا يرد من ذلك شيء ثبت عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، فمن تصدى لرد شيء من ذلك، فقد خاب وخسر.
فإن الرسل جعلهم الله واسطة بينه وبين عباده في تعريفهم ما ينفعهم، وما يضرهم، وإذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها، مات قلبه موتا لا ترجى الحياة معه أبدا، وشقي شقاوة لا سعادة معها أبداً، فلا فلاح إلا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان بما جاء به.