الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - بَابُ إكْرام السَّلَف لأهْلِ البيْتِ مِنْ الصَّحَابة والمُقْتَفينَ طريقهُمْ في الإصَابةِ
299 -
عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أن أبا بكرٍ رضي الله عنه قال لعليٍّ رضي الله عنه:
"والذي نَفْسِي بيده، لَقَرَابَةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أحَبُّ إليَّ أنْ أصِلَ مِنْ قرابتي". أخرجه البخاريُّ في غزوة خيبر من المغازي وغيرها من "صحيحه"
(1)
.
وهذا قاله أبو بكر رضي الله عنه على سبيل الاعتذار عن منعه لفاطمة رضي الله عنها ما طَلَبَتْهُ منه من تَرِكَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(2)
.
300 -
وعن عمرَ بنِ الخطَّاب أنَّه قال للعبَّاس رضي الله عنهما:
(1)
متَّفقٌ عليه.
أخرجه البخاري في كتاب المغازي- باب غزوة خيبر (7/ 493، مع الفتح)، رقم (4241)، من طريق يحيى بن بُكير، عن الليث، عن عقيل به. وهو في المغازي أيضًا، باب حديث بني النضير، ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم (7/ 336، مع الفتح)، رقم (4036)، من طريق هشام، عن معمر، عن الزهري به.
وكذا في فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (7/ 77، مع الفتح)، رقم (3712)، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري به.
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(3/ 1380)، كتاب الجهاد والسير، باب قول النَّبي صلى الله عليه وسلم:"لا نُورث ما تركنا فهو صدقة"، رقم (1759)، من طريق الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب به، وكما ترى فهو متفق عليه، فقد أخرجه مسلم أيضًا، ولم يعزه المؤلف إلَّا للبخاري.
(2)
انظر: "فتح الباري"(7/ 79)، فهو فيه بنصِّه.
"واللهِ! لإسْلامُكَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ كان أَحَبَّ إليَّ من إِسْلَامِ الخطَّابِ -يعني والده- لو أسْلَمَ، لأنَّ إسْلَامَكَ كان أحَبَّ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من إسْلَامِ
(1)
الخطَّاب"
(2)
.
(1)
(من إسلام) سقطت من (م)، دون سائر النُّسخ.
(2)
إسنادُهُ رجالُهُ ثقاتٌ، لكنه منقطعٌ.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(4/ 22)، من طريق محمد بن حرب المكّي، عن سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي أنَّ العبَّاس جاء إلى عمر فقال له: إن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أقطعني البحرين، قال: من يعلم ذلك؟ قال: المغيرة بن شعبة، فجاء فشهد له. قال: فلم يمضِ له عمر ذلك، كأنه لم يقبل شهادته! فأغلظ العبَّاس لعمر، فقال عمر: يا عبد الله! خذ بيد أبيك.
وقال ابن سعد: قال سفيان عن غير عمرو: قال عمر: والله! يا أبا الفضل، لأنا بإسلامك كنت آسرّ مني بإسلام الخطَّاب لو أسلم لمرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قلتُ: محمد بن حرب المكّي، كنيته أبو عبد الله، وثَّقه العجلي، وأبو حاتم: انظر: "تاريخ الثقات"(ص 402). و"الجرح والتعديل"(7/ 237). وذكره البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 69)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، لكنه قال:"أحاديثه مشهورة". وعمرو بن دينار، هو أبو محمد الأثرم الجُمَحيّ، مولاهم، المكي (ثقة ثبت). "التقريب"(ص 734). وبقية رجاله ثقات، ولكن فيه علَّة انقطاعه: وهي أن مَنْ روى عنه سفيان لا يُعرف، فإنَّ ابن سعد قال: "وقال سفيان عن غير عمرو: قال عمر:
…
"، وذكره ولم أعثر عليه عند غيره. أمَّا الانقطاع، فإنَّ محمدًا الباقر لم يسمع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: "جامع التحصيل" (ص 327).
وأخرج ابن سعد في "الطبقات"(4/ 30)، ومن طريقه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(26/ 365)، من طريق المعلَّى بن أسد، عن وهيب، عن داود بن أبي هند، عن عامر أن العبَّاس تحفَّى عمر في بعض الأمر، فقال له: يا أمير المؤمنين! أرأيت لو جاءك عمّ موسى مُسْلِّمًا، ما كنت صانعًا؟
قال: كنت والله محسِنًا إليه. قال: فأنا عمُّ محمد النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "وما رأيك يا أبا الفضل؟ فوالله لأبوك أحبَ إلىَّ من أبي. قال: آلله، قال: آلله، قال: إني أعلم أنه أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي، فأنا أُوثر حبَّ رسول الله على حُبِّي".
المعلَّى بن أسد، ووُهيْب بن خالد (ثقتان ثبتان)، مضيا عند حديث رقم (231). وداود بن أبي هند، اسمه دينار بن عُذَافر، أبو محمد البصريّ، ويُقال: طهمان القُشيريّ مولاهم. قال أحمد: "ثقة ثقة". "تهذيب التهذيب"(3/ 182). أخرج له مسلم والأربعة. أمَّا عامر، فهو عامر الأحول، واسمه عامر بن عبد الواحد البصري. قال يحيى بن معين:"عامر الأحول بصري، وهو ابن عبد الواحد، وكلُّ عامرٍ يروي عنه البصريون ليس غيره". "تعجيل المنفعة"(ص 245)
…
وهو مختَلفٌ فيه: =
301 -
وعن الليث بن سعد، عن أبي الأسود محمد، عن عروة بن الزُّبير قال:"ذهب عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنهما مع أُناس من بني زُهرة إلى عائشة رضي الله عنها، وكانت أرَقَّ شيء عليهم، لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم". علَّقه البخاريُّ في مناقب قريش من "صحيحه"
(1)
، ووصله بعده سواء، لكن بدون القصد منه هنا، فقال:
حدَّثنا عبد الله بن يوسف، ثنا الليث، حدَّثني أبو الأسود، عن عروة بن الزُّبير قال:
"كان عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنهما أحبّ البشرِ إلى عائشَة رضي الله عنها بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر. وكان أبرَّ الناس بها، وكانت لا تُمْسك شيئًا مما جاءها من رزق الله إلَّا تصدَّقت! ". فقال ابنُ الزُّبير: "يَنْبَغي أن يؤخذ على يديها".
فقالت: "أيُوخَذُ على يديّ؟ عليَّ نذرٌ إنْ كلَّمتُه". فاستشفع لها برجال من قريشٍ وبأخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّة، فامتنعتْ. فقال له الزُّهْريون أخْوَالُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
= قال الإمام أحمد: "ليس هو بالقوي في الحديث". وقال مرة: "ليس بالقوي، وهو ضعيف". وقال الحُسينِي في "الإكمال"(ص 222): "مجهول". وقال في "التذكرة"(2/ 793) تبعًا لشيخه المِزِّي في "تهذيب الكمال"(14/ 65): "ليس بمشهور" وتعقَّبه ابن حجر في "تعجيل المنفعة"(ص 245) بقوله: "قلت: بل عامر بن عبد الواحد المشهور".
ووثَّقه جماعةٌ الحفَّاظ، قال ابن معين:"ليس به بأس". وقال أبو حاتم: "هو ثقة لا بأس به".
"الجرح والتعديل"(6/ 326). وقال ابن عدي: "لا أرى بروايته بأسًا". "مختصر الكامل" رقم (1258). قال الحافظ في "التقريب"(ص 477): "صدوق يُخطئ". وعلى كلٍّ فهو منقطع، فإنَّ عامرًا الأحول الظاهر أنه لم يسمع من عمر رضي الله عنه، فقد ذكر الحافظ في "التقريب" أنه يروي عن عائذ بن عمرو المزنيّ الصحابي ولم يُدركه، وكانت وفاة عائذ رضي الله عنه سنة (61 هـ)، في ولاية عيد الله بن زياد، فكيف له أن يدرك عمر بن الخطاب؟ !
بل نقل في "تعجيل المنفعة" عن ابن أبي حاتم أنه يروي عن أبى الصِّدِّيق النَّاجي بكر بن عمرو، وكانت وفاته سنة (108 هـ)، وعمرو بن شعيب وكانت وفاته سنة (118 هـ)، فبعيدٌ جدًّا سماعه من عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(1)
(6/ 533، مع الفتح)، رقم (3503)، معلقًا، كتاب المناقب، باب مناقب قريش. وانظر:"تغليق التعليق"(4/ 45).
- منهم عبد الرَّحمن بنُ الأسود بنِ عبد يَغُوْث، والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَة-:"إذا استأذنَّا فاقتحم الباب، فَفَعَل. فأرسل إليها بعشر رقاب فَأَعْتَقَتْهُم، ثم لم تزلْ تُعْتِقهُم حتى بلغتْ أربعين، وتالت: وددتُّ أنِّي جعلْتُ -حين حلَفْتُ- عملًا أعمله فأفرغ منه"
(1)
.
302 -
وقال رَزينُ بنُ عُبَيْدٍ
(2)
: كنت عند ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما فأتى زينُ العابدين عليُّ بنُ الحسين، فقال له ابنُ عبَّاس:"مَرْحَبًا بالحبيب ابن الحبيب"
(3)
.
303 -
وعن الشَّعْبيِّ قال: "صلَّى زيدُ بنُ ثابتٍ رضي الله عنه على جنازةٍ، ثم قُرَّبتْ له بَغْلَتُهُ لِيَركَبَهَا، فجاء ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما فأَخَذَ بركابه". فقال زيدٌ: "خَلِّ عنه يا ابنَ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فقال: "هكذا نَفْعَلُ بالعُلَماء"، فقبَّل زيدٌ يَدَ ابنِ عبَّاسٍ وقال:"هكذا أمِرْنَا أنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نبيِّنَا"
(4)
.
(1)
"صحيح البخاري"(6/ 533، مع الفتح)، رقم (3505)، كتاب المناقب، باب مناقب قريش.
(2)
في (م): زر بن عبيد! !
(3)
إسنادُهُ صحيحٌ.
أخرجه أحمد في "الفضائل"(2/ 777)، رقم (1377)، من طريق يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رَزين بن عُبيْد، قال: كنت عند ابن عباس
…
وذكره.
يحيى بن آدم، هو ابن سليمان الكوفي، أبو زكريا مولى بني أمية (ثقة حافظ فاضل). "التقريب"(ص 1047)، ورزين بن عُبيد هو العبْدي. روى عن ابن عبَّاس، وتفرَّد بالرِّواية عنه أبو إسحاق كما في "المنفردات والوحدان"، للإمام مسلم (ص 137). قال العجلي:"كوفي تابعي ثقة". "الثقات" له (ص 160). ووثقه ابن حبان (4/ 240). وذكره البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 324)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(3/ 507)، ولم يذكرا فيه شيئًا. وبقية رجاله ثقات، سبقوا مرارًا.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(5/ 213)، بإسنادٍ صحيح، قال: أخبرنا الفضل بن دُكين، قال حدَّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حُريث قال: كنت عند ابن عبَّاسٍ وأتاه عليّ بن الحسين فقال:
…
فذكره. العيزار بن حُرَيْث، هو العبْدي الكوفيّ. (ثقة). "التقريب"(ص 766). وبقية رجاله ثقات.
(4)
أورده القاضي عياض في "الشِّفا"(2/ 42)، كما عزاه له المصنِّف، وسيأتي الكلام عليه قريبًا.
304 -
وعن عبد الله بن حسن بن حسن
(1)
قال:
"أتيتُ عُمَرَ بنَ عبد العزيز رحمه الله
(2)
في حاجةٍ لي، فقال لي
(3)
: إذا كانت لك حاجة فأَرْسِلْ إليَّ، واكتُبْ بها، فإنِّي أستحيي من الله أن يراك على بابي"
(4)
.
305 -
وعن أبي بكر بن عيَّاش رحمه الله
(5)
قال:
"لو أتاني أبو بكر وعُمَرُ وعليٌّ رضي الله عنهم لبدأتُ بحاجة عليٍّ قبلهما، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلأنْ أَخِرَّ من السَّماءِ إلى الأرْضِ أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أُقدُمَه عليهما". أورد الثَّلاثَة القاضي عِيَاضٌ في "الشِّفا"
(6)
.
(1)
تقدَّمت ترجمته (ص 235).
(2)
تقدَّمت الإشارة إلى مصادر ترجمته.
(3)
(لي)، سقطت من (م).
(4)
أورده القاضي عياض في "الشِّفا"(2/ 42)، فصلٌ في توقيره وبر آله وذريته. . . كما عزاه له المؤلف. وسبق نحوه برقم (141)، عند أبي الفرج الأصبهاني بسندٍ ضعيفٍ.
(5)
هو أبو بكر بن عيَّاش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ، مشهور بكنيته، والأصحُّ أنها اسمه. وهو يروي عن أجلَّة الناس، وحديثه فيه كثرة. روى عنه من الكبار جماعةٌ. كالثوري، وابن المبارك، وابن مهدي، وابن المديني، والطيالسي، وأحمد، وابن معين، وابنيْ شيبة. مات سنة (193 هـ). "تاريخ بغداد"(14/ 374)، و"النبلاء"(8/ 495).
(6)
"الشِّفا بتعريف حقوق المصطفى"(2/ 43)، فصلٌ في توقيره وبر آله وذريته وأمهات المؤمنين أزواجه.
وقول ابن عيَّاش أخرجه الخطيب البغدادي في "التاريخ"(4/ 379)، في ترجمته قال: أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي، حدَّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدَّثنا علي بن الحسين بن حرب القاضي، حدَّثنا أبو السُّكيْن زكريا بن يحيى قال: سمعت أبا بكر بن عيَّاش يقول:
…
فذكره.
قلتُ: وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، إلَّا أبا العلاء القاضي الواسطي شيخ الخطيب، واسمه محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب بن مروان، فهو ضيف لا يُعتمد على حفظه كما قال الحافظ في "اللسان"(5/ 294). واتَّهمه الخطيب بوضع حديثين. "تاريخ بغداد"(3/ 310، 314)، وانظر:"الكشف الحثيث"(ص 242). وعمر بن أحمد الواعظ، هو الإمام المشهور المعروف بابن شاهين (ثقة مأمون). "تاريخ بغداد"(11/ 265). وعلي بن الحسين بن حرب (ثقة فقيه جليل مشهور). "التقريب"(ص 693). وأبو السُّكيْن (ثقة). "الكاشف"(1/ 406).
• ومما يَحْسُنُ التنبيه عليه ههنا. أن قول أبي بكر بن عيَّاش هذا -رغم ضعفه- لا يدل على=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
____
= تقديمه عليًّا على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم في الأفضلية، والإجماع منعقدٌ عند أهل السُّنَّة والجماعة على تقديم الشَّيخين في كلِّ شيء.
فقد سبق في أنْ ذكرنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما في "صحيح البخاري"(3655): "كنَّا نُخيِّر بين الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخيِّر أبا بكر، ثم عمر بن الخطَّاب، ثم عثمان بن عفان".
وعنه رضي الله عنه في البخاري أيضًا (3697): "كُّنَّا لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم لا نُفاضل بينهم".
ونحوه عند أبي داود (4628)، والترمذي (3707)، وأحمد في "المسند"(2/ 14)، وفي "الفضائل"(54، 55، 56، 57، 58، 59، 857)، وابنه عبد الله في "السنة"(1350، 1351، 1352، 1353، 1354، 1355، 1357، 1358، 1359، 1360، 1361). وأبي يعلى في "مسنده"(5601، 5784)، والطبراني في "الكبير"(13131، 13332، 13391، 13301)، وفي الأوسط" (1713). وابن أبي عاصم في "السنة" (1190، 1191، 1192، 1193، 1194، 1195، 1196)، وغيرهم.
وبوَّب الآجريُّ في "كتاب الشريعة"(4/ 1830): باب ذكر بيان تقدمة أبي بكر رضي الله عنه على جميع الصَّحابة رضي الله عنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته. انظر الأرقام: (1291، 1292، 1293، 1294، 1295، 1296، 1297، 1298، 1299، 1300، 1301، 1302، 1303).
وفي "صحيح البخاري"(3671)، عن محمد بن الحنفية قال:"قلت لأبي: أيّ النَّاس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر، قلت: ثم مَنْ؟ قال: ثم عمر، وخشيتُ أن يقول عثمان! قلت: ثم أنت! قال: ما أنا إلَّا رجلٌ من المسلمين".
وهذا الأمر يكاد أن يكون متواترًا عن عليٍّ رضي الله عنه، بل نصَّ شيخ الإسلام في "منهاج السنة"(1/ 11)، و (2/ 72)، على تواتره عنه من وجوه كثيرة. فقد روى عنه أبو جحيفة السُّوائي، وعمرو بن حُريث، وعبد خير الهمداني، وعبد الله بن سلمة، وعلقمة بن قيس، والنَّزَّال، وعلي بن ربيعة الوالبي، نحوه بأسانيد صحيحة وحسنة. انظرها عند:
أحمد في "المسند"(1/ 106، 115، 125، 127، 128)، وفي "فضائل الصحابة"(40، 41، 43، 44، 45، 50، 60، 130، 139، 146، 260، 300، 397، 398، 399، 402، 403، 405، 406، 407، 408، 409، 410، 411، 412، 413، 415، 417، 419، 420، 421، 422، 423، 425، 426، 428، 429، 430، 438، 439، 440، 446، 545، 546، 547، 548، 549، 554، 556، 574، 580، 617، 621، 635، 874، 875، 876، 877، 552)، وابنه عبد الله في "زوائد المسند"(1/ 128)، وكذا في "السُّنة" له (1362، 1363، 1370، 1371، 1372، 1374، 1375، 1376، 1378، 1379)، وأبي يعلى في "مسنده"(540)، والطبراني في "المعجم الكبير"(177، 178)، و"الأوسط"(996، 1980)، وعلي بن الجعد في "الجعديات"
وأشار إلى أوَّلها ابنُ عبدِ البرِّ في "جامع العلم" له
(1)
، فإنَّه قال:
"وروينا من وجوهٍ عن الشَّعبيِّ قال:
صلَّى زيدُ بنُ ثابتٍ رضي الله عنه على جنازةٍ، ثم قُرِّبَتْ له بَغْلَتُهُ لِيَرْكَبَها، فجاء ابنُ عبّاس رضي الله عنهما فأَخَذَ برِكابه. فقال له
= (2128)، وابن أبي عاصم في "السنة"(1201، 1212، 1203، 1204، 1205، 1206، 1207، 1208)، وغيرهم.
• وجاء عن علي بن أبي طالب أنه كان ينهى عن تقديمه على الشيخين رضي الله عنهم أجمعين: أخرج ذلك الإمام أحمد في "الفضائل"(1/ 83)، رقم (49)، وابن أبي عاصم في "السُّنة"(2/ 575)، رقم (1219)، من طريق محمد بن طلحة، عن أبي عُبيدة بن الحكم، عن الحكم بن جحل، عنه، ولفظه:"لا يُفضِّلني أحدٌ على أبي بكر وعمر إلَّا جلدته حدَّ المفتري". وأبو عُبيدة، واسمه أميّة بن الحكم. قال الذهبي في "الميزان" (1/ 442):"لا يُعرف". وقال في "الميزان"(7/ 396): "قال يحيى بن معين: مجهول".
وأخرج نحوه في "الفضائل" أيضًا (1/ 336)، رقم (484)، من طريق أبي معشر، عن إبراهيم النَخعي، عن علقمة بن قيس، عنه. وأبو معشر، هو نجيح بن عبد الرحمن المدني، مولى بني هاشم، مشهور بكنيته (ضعيف) كما في "التقريب"(ص 998). روى له الأربعة. ويمكن أن يقوِّي أحدهما الآخر.
وانظر للاستزادة في هذه القضية: "شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة" للالكائي (8/ 1469 وما بعدها)، و "السُّنَّة" للخلَّال (2/ 371 وما بعدها)، و"منهاج السنة" لابن تيمية (1/ 11)، و (2/ 73)، و"فتح البارى"(7/ 16، 17).
ويظهر والله أعلم أن هذا الكلام لم يثبت عن أبي بكر بن عيَّاش، فقد سبق الإشارة إلى ضعفه
…
يُضاف إلى ذلك ما رواه الخطيب البغدادي في "التاريخ"(14/ 378)، عن الحسن بن عيسى قال:"كان ابن المبارك يُعظِّم الفضيْل وأبا بكر بن عيَّاش، ولو كانا على غير تفضيل أبي بكر وعمر لم يُعظِّمهما".
ولذا علَّق العلَّامة ملا علي قاري رحمه الله تعالى على قوله: "ولأنْ أخِرَّ من السَّماء إلى الأرْض أحبُّ إليَّ من أن أُقدِّمَه عليهما"، بقوله:"أي في الأفضلية، فدَفَعَ توهُّم التفضيل في القضية، ثم فيه إنه يجب على التاج أن يُقدِّم من قدَّمه المتبوع. ولذا أذِنَ عمر رضي الله عنه بالدخول لبلال وسلمان قبل العبَّاس وأبي سفيان رضي الله تعالى عنهم حين اجتمعوا على باب عمر! فقال أبو سفيان للعبَّاس: أتريد أن يُقدِّمَ علينا الموالي؟ ! فقال العبَّاس: الذَّنب منَّا حيث تأخَّرْنا فيما كان يجب التَّقدُّم علينا. وهذا الذي قال ابن عيَّاش رأيٌ له، وإلَّا فالجمهور على أن الأفضل يستحقّ التقديم في كلِّ شيء، فتأمَّل". اهـ. كلام القاري. انظر: "شرح الشِّفاء"(2/ 87، 88).
(1)
(1/ 514)، رقم (832).
زيد
(1)
: "خلِّ عنه يا ابنَ عمِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم". فقال ابنُ عبَّاسٍ: "هكذا نَفْعَلُ بالعُلَمَاءِ والكبَراءِ"
(2)
.
(1)
(زيد)، سقطت من (م).
(2)
إسنادُهُ صحيحٌ، رجالُهُ ثقاتٌ.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(2/ 360)، والطبراني في "الكبير"(5/ 107)، رقم (4746)، من طريق أبي نُعيم الفضل بن دُكين، عن رَزين بيَّاع الرُّمَّان، عن الشَّعبيِّ به، دون ذكر صلاة زيد بن ثابت على الجنازة، ولا تقيل يد ابن عبَّاس. والفسويّ في "المعرفة والتاريخ"(1/ 484)، ومن طريقه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 197)، و (854)، وابن عساكر في "التاريخ"(19/ 326)، من طريق عبيد الله بن موسى وأبي نُعيم به، والطبري فيما عزاه له الحافظ في "الفتح"(11/ 57).
قلتُ: رَزين بيَّاع الرُّمان، هو رَزين بن حبيب الجهنيّ الكوفيّ الرُّمَّاني، وثَّقه أحمد، ويحيى بن معين، كما قال الحُسيني في "التذكرة"(1/ 488). أخرج حديثه الترمذي، وأحمد. وبقة رجاله أئمة ثقات مشهورون.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 354): "
…
ورجاله رجال الصحيح، غير رَزين الرُّماني وهو ثقة". وساقه الحافظ في "الإصابة" (2/ 491)، من طريق الفسوي، وقال: "بإسناد صحيح".
وأخرجه الخطيب في "الجامع"(1/ 283)، رقم (310)، وابن عساكر في "التاريخ"(19/ 326)، من طربق قبَيصة بن عُقبة، عن سفيان، عن رَزين به، ولم يذكر الجنازة.
قُبيصة بن عُقبة، هو أبو عامر الكوفي السُّوائي. قال فيه ابن معين: ثقة في كلِّ شيء إلّا في حديث سفيان، فإنه سمع منه وهو صغير! "التهذيب" (8/ 303). قال في "التقريب" (ص 797):"صدوق ربما خالف".
قلتُ: أخرج له الجماعة، وله في "صحيح البخاري" ثمانية أحاديث عن سفيان الثوري، فلا يُلتفت إلى كلام ابن معين. وانظر:"التعديل والتجريح" لأبي الوليد الباجي (3/ 1067). وبقية رجاله مضى ذكرهم. وسفيان هو الثوري.
وأخرجه ابن سعد أيضًا (2/ 360)، والحاكم (3/ 478)، رقم (5785)، وابن عساكر في "التاريخ"(19/ 325) من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، عن محمد بن عمرو [ووقع في "الطبقات" (محمد ابن عمر) وهو غلط، وسيأتي في التخريج مزيد بيان"]، عن أبي سلمة، عن ابن عبَّاس، لكنه قال:"هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا". قال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وإسنادُهُ صحيحٌ أيضًا.
محمد بن عبد الله الأنصاري، هو أبو عبد الله البصري القاضي، من أحفاد أنس بن مالك رضي الله عنه، أخرج حديثه الجماعة. قال في "التقريب" (ص 865):"ثقة". ومحمد بن عمرو، وليس (ابن عمر)، هو ابن علقمة بن وقاص الليثي، وثَّقه النسائي، وابن المديني، ويحيى القطان، وأبو حاتم. تقدِّم برقم (162). وأبو سلمة، هو ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي (ثقة مكثر). تقدّم برقم (162). =
قال ابنُ عبد البرِّ
(1)
: "وزاد بعضهم في هذا الحديث: أن زيدَ بنَ ثابتٍ كافَأَ ابنَ عبَّاسٍ على أخْذِهِ بِرِكَابِهِ أنْ قَبَّلَ يَدَهُ وقال: (هكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بأَهْلِ بَيْتِ نبِيِّنا صلى الله عليه وسلم) ".
قال: "وهذه الزِّيادة مِنْ أهل العلم من يُنكِرُهَا
(2)
.
= وابن عساكر في "التاريخ"(19/ 326)، من طريق مِنْجَاب، عن علي بن مُسْهر؛ عن رَزين به.
مِنْجَاب، هو ابن الحارث التميمي (ثقة). "التقريب"(ص 970). وعلي بن مُسْهر، هو القرشي الكوفي، قاضي الكوفة (ثقة له غرائب بعد ما أضرَّ). "التقريب"(ص 705).
(1)
"جامع بيان العلم وفضله"(1/ 514).
(2)
الظاهر والله تعالى أعلم أن هذه الزِّيادة في القصَّة (تقبيل زيدٍ يد ابن عبَّاسٍ) غير ثابتةٍ ولا محفوظة، فهي منكرة، فإني لم أجدها في جميع المصادر التي خرَّجتُ منها القصَّة.
وقد أخرجها ابن المقرئ في "جزئه تقبيل اليد" رقم (30)، ومن طربقه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(19/ 326)، من طريق أحمد بن علي بن زيد، عن الحسن بن داود الأحمر، عن حماد بن سلمة، عن عمَّارِ بن أبي عمَّار، أن زيد بن ثابت ركب يومًا فأخذ ابن عبَّاس بركابه
…
وفيه قول زيد: "أرنِي يَدَكَ، فأَخرَجَ يَدَهُ فقبَّلها".
قلتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه مجاهيل، والزِّيادة منكرة.
محمد بن على، وأبو يشْجُب، وعلي بن محمد بن شبيب، وأحمد بن علي بن زيد، والحسن بن داود الأحمر، لم أجد لهم ترجمة. وحمَّاد بن سلمة، إمام مشهور (ثقة عابد)، لكن تغيَّر حفظه بأخرة، تقدَّم عند حديث (132). وعمَّار بن أبي عمَّار مولى بنىِ هاشم، وثَّقه أحمد، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن حبان وقال (5/ 267):"كان يُخطئ". وانظر: "تهذيب التهذيب"(7/ 341). ولذا قال الحافظ في "التقريب"(ص 719): "صدوق ربما أخطأ".
وأورد له البخاريُ حديثًا في "الأوسط"، كما قال الحافظ [المطبوع باسم: التاريخ الصغير] (1/ 55)، عن ابن عبّاس في سنِّ النَّبي صلى الله عليه وسلم وقال:". . . ولا يُتابع عليه، وكان شعبة يتكلَّم في عمَّار".
• ويدلُّ على نكارنها وأنها غير محفوظة، أنها معلولة بما يلي:
أولًا: عمَّار بن أبي عمَّار، وهو وإن كان موثَّقًا إلَّا أنه يُخطئ، ولم يُتابع على روايته، ومما يؤكِّد خطأه في هذه الزيادة أمور:
(أ) أن الثقات الأثبات الذين رووا القصَّة عن ابن عبَّاس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وهما (عامر الشِّعبيّ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن)، خالفاه جميعًا فلم يذكرا تقبيل يدِ ابنِ عبَّاس، وهما أوثق من عمَّار بن أبي عمَّار بلا شك.
(ب) أن الذي روى القصَّة عن الشَّعبيِّ أيضًا، وهو رَزين الرُّماني، لم يذكر هذه الزيادة.
(ج) وكذلك رواها عن رزين جماعةٌ من الحفاظ وهم (الفضل بن دُكين، وعبيد الله بن موسى، =
"والجنازة كانت جنازة أُمِّ زيد بن ثابت، صلَّى عليها زيدٌ وكبَّر أربعًا؛ وأخذ ابنُ عبّاس بِرِكَابِهِ يومئذ"، انتهى
(1)
.
306 -
ونحو ثانيها، ما ثَبَتَ من حديثِ يعلى بنِ حكيمٍ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما أنَّه قال:
"إنْ كان لَيَبْلُغُني الحديثُ عن الرَّجلِ -يعني من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فآتيه وهو قائلٌ؛ فَأَتَوسَّدُ ردائي على بابه، فتسْفِي الرِّيحُ على وجْهي التُّرَابَ، فيَخْرجُ فيراني
= وسفيان الثوري، وعلي ابن مُسْهِر)، ولم يذكر أحدٌ هذه الزيادة.
ثانيًا: أنَّ الذي روى هذه الزيادة عن عمَّار هو حمَّاد بن سلمة، وهو وإنْ كان ثقة إلَّا أنه تغيَّر حفظه بأخرة. وقد رواه عنه الحسن بن داود الأحمر، وهو لا يُعرف، لم أقف له على ترجمة.
ثالثًا: يُضاف إلى ما سبق أن رواية عمَّار بن أبي عمَّار عند ابن المقرئ مسلسلة بالمجاهيل الذين لا يُعرفون! ومن هذه حاله يأتي بالمناكير! ويخالف الثقات الأثبات. والله تعالى أعلم بالصواب.
• تنبيه: عزا الشيخ ابن بدران رحمه الله تعالى في "تهذيب تاريخ دمشق"(5/ 451، 452)، هذا الحديث إلى ابن عساكر من طريق أبي سلمة عن ابن عبّاس وأنَّ فيها تقبيل زيد بن ثابت يد ابن عبَّاس، وهو وَهْمُ منه رحمه الله، فلم أجد هذه الرِّواية من هذا الطريق بهذه الزيادة في "تاريخ ابن عساكر" المطبوع، وإنما هي من طريق ابن المقريء عن عمَّار بن أبي عمَّار عن ابن عباس.
أقول: ومن أنكر رُوي في تقبيلِ اليدِ الإمامُ مالكُ بن أنس رحمه الله تعالى كما حكاه عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في "مختصر الفتاوى المصرية"(ص 564)، وابن حجر في "الفتح"(11/ 56).
قال الأبهريْ من المالكية: "وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبُّر والتعظُّم، وأما إذا كانت على وجه القُرْبة إلى الله لدينه، أو علمه، أو لشرفه، فإنَّ ذلك جائز". "فتح الباري"(11/ 57).
ومن ذهب إلى ذلك أيضًا: أبو عمر ابن عبد البرِّ كما نقله ابن مفلح عنه، أنه قال:"كان يُقال: تقبيل اليد إحدى السَّجدتين". انظر: "الآداب الشرعية"(2/ 178).
• ومما يجدر التَّنْبيه عليه في هذا الصَّدد: أن القول بنكارة هذه الزيادة لا يعني إنكار جميع ما ورد في الباب، فقد جاء من طرق صحيحةٍ وحسنةٍ تقبيلُ بعضِ الصَّحابة يد النَّبي صلى الله عليه وسلم، كما فعل ذلك مَنْ قدم من غزوة مؤتة. ونحوه جاء عن بعض الصَّحابة الكرام مع بعضهم بعضًا، كتقبيل أبي عُبيدة يد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. ولذا رخَّص فيه أكثر الفقهاء كأحمد وغيره لمن فعل ذلك على وجه التديُّن، لا على وجه التعظيم للدُّنيا. انظر:"مختصر الفتاوى المصرية". (ص 563)، و"فتح الباري"(11/ 57)، ومقدمة تحقيق "جزء ابن المقرئ" للشيخ الحدَّاد (ص 28) وما بعدها).
(1)
انظر: "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 514).
فيقولُ: يا ابن عمِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم! ما جاء بك؟ أَلَا أَرسَلتَ إليَّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أَحَقُّ انْ آتيك. . ."، وذكر القصَّة
(1)
.
307 -
وقالت فاطمة ابنة عليِّ بنِ أبي طالبٍ
(2)
:
(1)
إسنادُهُ صحيحٌ.
أخرج القصة بطولها ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 367)، والدارمي في "سننه"(1/ 150)، رقم (570)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 188)، و (3/ 619)، رقم (363، 6294)، والحسن الحلواني في "كتاب المعرفة" له، كما عزاه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 365، رقم (507)، وأبو بكر الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1/ 234)، رقم (219)، باب آداب الاستئذان على المحدِّث، كلُّهم من طرقٍ عن يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم به، ولفظه عن ابن عباس قال:
"لمَّا قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلُمَّ فلْنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبّا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك (وفي بعض الطرق: يحتاجون)، وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟ ! قال: فترك ذلك، وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحديث، فإن كان ليبلغني. . ." الحديث.
وفي آخره، قال ابن عبَّاس:"فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني. قال: هذا الفتى كان أعقل مني". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
وأخرجها عبد الله بن أحمد في "زوائد الفضائل"(2/ 976)، رقم (1925)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10/ 244)، رقم (1059)، من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن يعلى به، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 277):". . . ورجاله رجال الصحيح". والفسوي في "المعرفة"(1/ 542)، من طريق أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون به.
وهذا إسنادٌ رجاله كلُّهم ثقات.
يزيد بن هارون، هو ابن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي (ثقةٌ متقن عابد)، أخرج حديثه الجماعة. "التقريب"(ص 1084). وجرير بن حازم، هو ابن زيد الأزدي (ثقة، لما اختلط حجبه ولده). روى له الجماعة. "الكاشف"(1/ 291). ويعلى بن حكيم الثقفي مولاهم المكي (ثقة)، أخرج له البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن سوى الترمذي. "التقريب"(ص 1090). ووهب بن جرير- في إسناد عبد الله والطبراني- (ثقة). تقدَّم عند رقم (253). وأحمد بن منيع -في إسناد الفسوي- (ثقة حافظ)، أخرج له الجماعة. "التقريب"(ص 100).
(2)
هي فاطمة بنت علي بن أبي طالب، القرشية الهاشمية، وهي فاطمة الصغرى. روت عن أبيها =
"دخلتُ على عمرَ بنِ عبد العزيز وهو أمير المدينة، فأَخرجَ مَنْ عنده وقال:
يا ابنة عليٍّ! والله ما على ظهر الأرضِ أَهْلُ
(1)
بَيْتٍ أَحَبُّ إليَّ منكم، ولأنتِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي"
(2)
.
308 -
وحكى صاحب "المجالسة"
(3)
أن أبا عثمان النَّهْديَّ
(4)
رحمه الله وكان من ساكني
(5)
الكوفة، لمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ بنُ عليٍّ رضي الله عنهما تحوَّل إلى
= وقيل لم تسمع منه، وعن أخيها محمد ابن الحنفية، وأسماء بنتت عُميس. وعنها الحارث بن كعب، والحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم. ماتت سنة (117 هـ)، وقد جاوزت الثمانين. "تهذيب الكمال"(35/ 261)، و"التقريب"(ص 1367)، و"أعلام النساء"(4/ 81).
(1)
(أهل) سقطت من (ز)، دون سائر النُّسخ.
(2)
لم أقف له على إسنادٍ لأحكمَ عليه. والخبر ذكره السَّمْهودي في "جواهر العقدين"(ص 389)، وابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة"(2/ 523)، ولم يعزواه لأحد، ، كما هو صنيع المؤلف.
(3)
"المجالسة وجواهر العلم"(5/ 168 - تحقيق مشهور)، رقم (1994)، من طريق ابن أبي الدُّنيا، عن محمد بن سلَّام، عن عبد القاهر بن السَّري، عن أبيه، عن جدِّه قال: كان أبو عثمان النَّهْدي. . . وذكره. وعبد القاهر بن السّري، هو السّلميّ، أبو رفاعة، ويُقال: أبو بشر البصريّ. أخرج له أبو داود، وابن ماجه. قال في "التقريب" (ص 618):"مقبول".
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(7/ 97) قال: أخبرنا أبو غسَّان مالك بن إسماعيل النَّهديّ قال: كان أبو عثمان النّهديّ من ساكني الكوفة، ولم يكن له بها دار لبني نَهْدٍ، فلمَّا قُتل الحسين بن عليٍّ عليه السلام تحوَّل فنزل البصرة وقال:"لا أسكن بلدًا قُتل فيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو غسَّان النّهْديَّ (ثقة متقن، صحيح الكتاب، عابد)، تقدَّم برقم (67). وأورده المِزِّي في ترجمته من "تهذيب الكمال" (17/ 427)، وابن حجر في "التهذيب"، وغيرهما.
(4)
في (م): المهديّ، وهو تصحيف.
• وأبو عثمان النَّهْديَّ، تابعي جليل مخضرم، اسمه عبد الرحمن بن مَلّ، - بفتح الميم، ويجوز ضمّها وكسرها، بعدها لام ثقيلة- بن عمرو بن عدي، أدرك الجاهلية، وأسلم على عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وصدَّق إليه، ولم يلقه، ثم هاجر إلى المدينة بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. روى عن جماعة من كبار الصحابة. مات بالبصرة سنة (95 هـ) وقيل بعدها، وعاش (130 سنة)، وقيل أكثر. أخرج حديثه الجماعة. "تهذيب الكمال"(17/ 424) و"الإصابة في تمييز الصحابة"(5/ 84).
(5)
في (م): سكان.
البصرة وقال
(1)
: "لا أسْكُنُ بلدًا قُتِلَ فيه ابنُ بنتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(2)
".
309 -
وعند القاضي عياضٍ
(3)
أن مالكًا رحمه الله لمَّا تعرَّض له جعفر بن سليمان
(4)
والي المدينة ونال مه ما نال، وحُمِل مغشيًا عليه! دخل عليه الناس فأفَاق، فقال:"أُشْهدكم أني قد جَعَلْتُ ضاربي في حِلٍّ"، فسُئل بعد ذلك فقال:
"خِفْتُ أنْ أموتَ فأَلْقى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأَسْتحيي منه أن يَدْخُلَ بعضُ آله النَّارَ بسببي".
وقيل: إنَّ المنصورَ أقاده من جعفر، فقال له مالكٌ:"أعوذ بالله! واللهِ ما ارتفعَ منها سَوْطٌ عن جسمي إلَّا وقد جَعَلْتُهُ في حِلٍّ، لِقَرَابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم"
(5)
.
310 -
(6)
وروينا عن أحمدَ بنِ حنبل أنَّه كان يُلامُ في تقريبه لعبد الرَّحمن بنِ صالح
(7)
لشيعيَّتِهِ فيقول: "سبحان الله! رجلٌ أَحَبَّ قومًا من أهْلِ بَيْتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛
(1)
في (م): فقال.
(2)
كذا بالأصل، و (ز)، بينما في (م)، و (ك)، و (ل)، و (هـ): ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
في "الشِّفا"(2/ 42 - 43).
(4)
هو جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو القاسم العباسي، ابن عمِّ المنصور، كان من نبلاء الملوك جُودًا وبذْلًا، وشجاعة وعلمًا، وجلالة وسؤدُدّا. ولي المدينة، ثم مكة معها، ثم عُزل، فولِي البصرةَ للرشيد. قال المؤلف في "التحفة": وجعفر هذا هو الذي تجرَّأ على الإمام مالك، حين أفتى بأنَّ طلاق المكره ليس بشئ. مات سنة (174 أو 175 هـ). "سير أعلام النبلاء"(8/ 239)، و"التحفة اللطيفة"(1/ 239).
(5)
انظر في سبب ضرب الإمام مالك، والتحقيق فيمن ضربه، ومتى كان ذلك الضرب، وكم سوطا ضُرب:"الديباج المذهب" لابن فرحون (ص 76 - 78).
(6)
من هنا إلى قوله: (فإنَّ لمثله ذخر القياما) سقط من (ز).
(7)
هو عبد الرحمن بن صالح الأزديّ العَتكيّ الرَّافضيّ الكوفيّ، مخلفٌ فيه، والأكثر على توثيقه وصدقه. فقد وثقه أحمد، ويحيى بن معين، وابن حبَّان، وموسى بن هارون. "تهذيب الكمال"(17/ 177)، و"تهذيب التهذيب" (6/ 179). وقال أبو داود لمَّا سُئل عنه:"لم أرَ أن أكتب عنه، وضع كتاب مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر مرَّةً أخرى فقال: "كان رجل سوء! ". "سؤالات الآجُرِّيّ" (2/ 302). قال أبو أحمد ابن عدي: "شيعي محترق، حرقتُ (وفي "المختصر" (ص 500): خرقتُ) عامَّة ما سمعتُ منه، يروي أحاديث سوء في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال في آخر ترجمته: =
وهو ثقة"
(1)
.
311 -
وفي "الجامع"
(2)
للخطيب، من طريقِ عبدِ الله بنِ أحمد ابنِ حنبل قال:
"رأيتُ أبي إذا جاءه الشَّيخُ والحَدَثُ من قريشٍ أو غيرهم من الأشرافِ، لا يَخْرُجُ من بابِ المسجدِ حتى يُخْرِجَهُم فيتقدَّمونَهُ
(3)
، ثمَّ يَخْرُج بعدهم"
(4)
.
= "معروف مشهور في الكوفيين، لم يُذكر بالضعف في الحديث، ولا اتُّهم فيه، إلَّا أنه كان محترقًا فيما كان فيه التَّشَيُّع". "الكامل"(4/ 1627). وقال عنه في ترجمة موسى بن عثمان الحضرمي: "هو صدوق في رواياته، إلَّا أنه غالٍ في جملة الكوفيين". "مختصر الكامل"(ص 717).
وقال أبو حاتم الرَّازي: "صدوق". "الجرح والتعديل"(5/ 246).
قلتُ: واعتمده الحافظ في "التقريب"(ص 582)، وزاد:"يتشيَّع"؛ فلا لوم على الإمام أحمد في تقريبه إليه، طالما كان صدوقًا في حديثه.
(1)
إسنادُهُ صحيحٌ إلى الإمامِ أحمد.
أخرجه أبو بكر الخطيب في "التاريخ"(10/ 261) قال: أخبرنا العَتِيقي، حدَّثني يوسف بن عمر القوَّاس، حدَّثنا محمد بن موسى الخلَّال، أخبرنا يعقوب بن يوسف المطوّعي قال:"كان عبد الرَّحمن بن صالح رافضيًّا، وكان يغشى أحمد بن حنبل فيُقرِّبه ويُدْنيه! فقيل له: يا أبا عبد الله! عبد الرَّحمن رافضيٌّ! فقال: سبحان الله! . . ."، فذكره.
العَتِيقيّ شيخ الخطيب، هو أحمد بن محمد البغداديّ، تَرْجَمَهُ في "التاريخ" (5/ 143) وقال:"كتبت عنه، وكان صدوقًا". ووثَّقه أبو القاسم الأزهري، والسمعانيّ، وابن ماكولا، والذهبي. "السِّيَر"(17/ 602).
ويوسف بن عمر القوَّاس، قال فيه الخطيب:"ثقة مأمون". "تاريخ بغداد"(14/ 328). ومحمد بن موسى الخلَّال، أبو العبَّاس، قال فيه يوسف القوَّاس: كان من الثقات. "تاريخ بغداد"(4/ 9). ويعقوب المطوّعي، قال فيه الدَّارقطني:"ثقة، فاضل، مأمون". "تاريخ بغداد"(14/ 291)؛ فالإسناد صحيحٌ.
(2)
"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1/ 546)، رقم (801).
(3)
كذا بالأصل، و (ز). والعبارة في (م)، و (ك)، أو (ل)، و (هـ): حتى يخرجهم فيكون هم يتقدَّمونه. . . إلخ، وهو لفظ الخطيب في "الجامع".
(4)
إسنادُهُ حسنٌ.
أخرجه في باب تعظيم المحدِّث الأشراف ذوي الأنساب، قال: أنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، أنا إسماعيل بن علي الخُطبيّ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: . . . وذكره. علي المقرئ، هو=
312 -
ومن طريق العبَّاس بن يوسف مولى بني هاشم، عن أبي يزيد أحمد ابن رَوْح القرشيِّ قال:
"كنَّا عند أحمدَ بنِ المُعَذَّل
(1)
، إذ دخل محمَّدُ بنُ سليمان الهاشميُّ
(2)
، فقام إليه ابنُ المعذَّل، فقال له الهاشميُّ:"على مكانك يا أبا الفضْل".
فأنشأ ابنُ المعذَّل يقول:
أَقُومُ إِليْهِ إذا بَدَا لي
…
وأُكْرِمُهُ وَأَمْنَحُهُ السَّلامَا
فلا تَعْجَب لإسْرَاعِي إِليْهِ
…
فَإِنَّ لِمِثْلِهِ ذُخْرَ الْقِيَامَا
(3)
= المعروف بـ (ابن الحمَّامي)(صدوق). قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقا، ديِّنا، فاضلًا، حسن الاعتقاد. "تاريخ بغداد"(11/ 328). وإسماعيل الخطبيّ، قال فيه الدَّارقطني: ثقة. وقال الخطيب: كان شيخًا ثقةً نبيلًا. "تاريخ بغداد"(6/ 302 - 303). وعبد الله ابن الإمام أحمد (إمام ثقة شهور). انظر: "تهذيب الكمال"(14/ 284).
(1)
هكذا بالأصل، و (م)، و (ك)، و (هـ):(المُعَذَّل) بالمعجمة، وهو الصواب. ووقع في (ل):(المعدّل) بالمهملة، ووقع في "الجامع" المطبوع:(المعدِّل! ).
• و (المُعَذِّل) - بضم الميم وفتح العين وتشديد الذال المعجمة وفتحها؛ هكذا ضبطه ابن ماكولا في "الإكمال"(7/ 211)، وابن نقطة في "تكملة الإكمال"(5/ 378)، وابن حجر في "تبصير المنتبه"(4/ 1299). وهو أحمد بن المُعَذَّل بن غيلان العبديّ البصريّ، شيخ المالكية. تفقَّه بعبد الملك بن الماجشون، ومحمد بن مسلمة. وعنه إسماعيل القاضي، ويعقوب بن شيبة. كان من بحور الفقه، صاحب تصانيف وفصاحة وبيان. قال ابن حبان:"وكان أبو خليفة من إعجابه بمذهب مالك؛ إذا رأى من يتفقَّه من أهل بغداد يقول: (أحمدُنا أفقه من أحمدِكم! ). يريد أن أحمد بن المعذَّل أفقه من أحمد بن حنبل، وهيهات! أفقه الرجلين مَنْ كان أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شكَّ في أن أحمد بن حنبل أعلم بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مائتي أحمد بن المعذَّل! فابن حنبل أفقه الرجلين وأعلمهما". اهـ. قال الذهبي: لم أقف له على وفاة. "الثقات"(8/ 16)، و"النبلاء"(11/ 519).
(2)
هو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عبّاس القرشي الهاشمي، أمير البصرة. وُلِد سنة (122 هـ). ولَّاه المنصور والمهدي والرَّشيد. أورده ابن حبان في "الثقات"(7/ 375). مات سنة (173 هـ). "تاريخ بغداد"(5/ 188).
(3)
إسنادُ الخبرِ حسنٌ، لولا جهالة أحمد بن روْح.
أخرجه الخطيبُ في "الجامع"(1/ 547 - 548) في الباب المتقدِّم، من طريق القاضي أبو محمد الحسن بن الحسين بن رامين الإستراباذي، عن أحمد بن جعفر القطيعي، عن العباس بن يوسف به.=
313 -
وفي "المجالسة"
(1)
من طريق المدائنيِّ قال:
بينما محمد بن علي بن الحسين في فناء الكعبة أتاه أعرابيٌّ فقال له: "هل رأيتَ الله حيثُ عَبَدْتَهُ"! ". فأطرق، وأطرق مَنْ كان حوله! ثم رفع رأسه إليه فقال: "مَا كنتُ أَعْبُدُ شيئًا لم أره".
فقال
(2)
: "وكيف رأيتَهُ؟ ! ".
قال: "لم تَرَه الأبصارُ بمشاهدة العيان؛ ولكن رَأَتْهُ القلوبُ بحقائقِ الإيمان. لا يُدْرَك بالحَوَاس، ولا يُقاس بالنَّاس. معروفٌ بالآيات، منعوتٌ بالعَلَامَات. لا يَجُورُ في قضيَّته، بَانَ من الأشياء، وبَانَتْ الأَشياءُ منه. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(3)
، ذلك الله الذي لا إله إلَّا هو". فقال الأَعرابيُّ: " {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
(4)
".
= القاضي الإستراباذي تَرْجَمَهُ الخطيب في "تاريخه"(7/ 311) وقال: "كتبتُ عنه، وكان صدوقًا فاضلًا صالحًا". وأبو بكر القطيعيّ (صدوق في نفسه، مقبول، تغيَّر قليلًا) كما قال الذهبي في "الميزان"(1/ 221) والعبَّاس بن يوسف، هو الشِّكلِيّ، ذكره الخطيب في "التاريخ"(12/ 152) ولم يذكر فيه شيئًا، سوى أنه قال:"كان صالحًا متنسِّكًا". ومثله السَّمعاني في "الأنساب"(3/ 449).
وأحمد بن روْح القرشي لم أجد له ترجمة بهذا الاسم، ولعلَّه أحمد بن روح المصري البزاز، وإنْ كان هو فقد مضى كلام الذَّهبيِّ عنه عند حديث (144):"بغدادي يُجهل! "، وإلَّا فالله تعالى أعلم.
(1)
(5/ 395 - تحقيق مشهور) - رقم (2257) من طريق محمد بن موسى بن حمَّاد، عن محمد بن الحارث، عن المدائني قال:
…
وذكره.
وإسنادُهُ ضعيفٌ. فيه محمد بن موسى بن حمَّاد البربري. قال الدارقطنيُّ: "ليس بالقوي". "اللسان"(5/ 394). وقال الحافظ الذَّهبيُّ في "سير أعلام النبلاء"(14/ 91) عقب ذكره كلامَ الدَّارقطنيِّ السابق: "قلت: غيره أتقن منه".
(2)
في (م): قال.
(3)
الشورى (آية: 11).
(4)
الأنعام (آية: 124) هكذا وردت الآية في سائر النُّسخ، وأشار محقِّق "المجالسة" أنه كذلك في الأصل؛ وهي قراءة متواترة. قال ابن الجزري في "النشر في القراءات العشر" (2/ 262):(واختلفوا في {رِسَالاتِهِ}، فقرأ ابن كثير وحفص: {رِسَالَتَهُ} بحذف الألف بعد اللام، ونصب التاء على التوحيد. وقرأ الباقون بالألف وكسر التَّاء على الجمع". وانظر: "التيسير في القراءات السبع" لأبي عمرو الدَّاني (ص 88).
314 -
وكذا فيها
(1)
من طريق المدائنيِّ -أيضًا- قال:
قارف الزُّهريُّ
(2)
ذَنْبًا فَاسْتَوْحشَ من ذلك؛ فَهَامَ
(3)
على وجهه! فقال له زينُ العابدين علي بن الحسين: "يا زُهْرِيُّ! قُنُوطُكَ مِنْ رحمةِ الله التي وَسِعَتْ كلَّ شيء أعْظَمُ عليك مِنْ ذَنْبك".
فقال الزُّهرِيُّ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
(4)
؛ فرجع إلى أهله وماله"
(5)
.
315 -
وقال الواقديُّ: حدَّثني ابنُ أبي سَبْرة، عن سالمٍ مولى أبي جعفر قال:
(1)
"المجالسة وجواهر العلم"(6/ 159 - تحقيق مشهور) - رقم (2499) من طريق محمد بن موسى، عن محمد بن الحارث، عن المدائني به. وأخرجه من طريقه ابنُ عساكر في "تاريخ دمشق"(41/ 398) في ترجمة زين العابدين. وأورده ابن كثير في "البداية والنهاية"(9/ 113) من طريق المدائنيِّ.
(2)
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، أحد الأئمة الأعلام. انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل"(8/ 71)، و"المعرفة والتاريخ"(1/ 620) ، و "تهذيب الأسماء واللغات"(1/ 90)، و"تذكرة الحفَّاظ"(1/ 108)، و"النبلاء"(5/ 326)، و"شذرات الذهب"(1/ 162).
(3)
الهائِمُ: هو الإنسان المتحيِّر في الأمر، يُقال: هام في الأمر يَهِيم، إذا تحيَّر. "النهاية"(5/ 289) - مادة (هَيَمَ).
(4)
الأنعام (آية: 124).
(5)
إسنادُهُ ضعيفٌ، وهو منقطعٌ.
انظر الأثر السابق. والمدائني صدوق في أخباره عند الذَّهبيِّ كما في "السِّير"(10/ 400). وقال ابن عدي: "ليس بالقوي في الحديث". انظر: "مختصر الكامل"(ص 566). وعلى كلٍّ فبينه وبين الزُّهريِّ راوٍ لم يُسَمِّه هنا، وقد جاء مصرَّحًا به في رواية ابن سعد التي:
أخرجها في "الطبقات الكبرى"(5/ 214)، ومن طريقه ابن عساكر في "التاريخ"(14/ 398) من طريق علي بن محمد، عن يزيد بن عياض، عن ابن شهاب به. وفيه أن عليَّ بن الحسين قال له:"يا ابن شهاب! قنوطك أشدّ من ذنبك، فاتَّق الله واستغفره، وابعث إلى أهله بالدِّية، وارجع إلى أهلك"؛ فكان الزهريّ يقول: "علي بن الحسين أعظم الناس عليَّ منَّة". وهو بهذا الإسناد واهٍ.
آفته يزيد بن عياض، وهو ابن جُعْدُبَة اللَّيثيّ؛ كذَّبه الإمام مالك، والنسائي، وابن حزم. انظر:"الكشف الحثيث" رقم (844)، و "التهذيب"(11/ 307)، و"تجريد أسماء الرُّواة" رقم (729). وعلي بن محمد، هو أبو الحسن المدائنيّ الأخباريّ الشَّهير، وهو صدوق كما قال الذَّهبيُّ.
كان هشامُ بنُ إسماعيل
(1)
يُؤْذي زينَ العابدين على بنَ الحسين وأهْلَ بيته، يخطب بذلك، وينال من عليٍّ! فلمَّا وَلِيَ الوليدُ بنُ عبد الملك
(2)
عَزَلَهُ، وأَمَرَ به أن يُوقفَ للنَّاس! فكان
(3)
يقول: "لا والله، ما كان أحدٌ من النَّاس أهمَّ إليَّ من زين العابدين، كنت أقولُ رجلٌ صالحٌ يُسْمَع قوله، فَوُقِفَ للنَّاس". فجمع زينُ العابدين وَلَدَهُ وحَامَّتَه
(4)
، ونهاهم عن التَّعَرُّض له. قال: وغدا مارًّا، فما عَرَضَ له. فناداهم
(5)
هشام بنُ إسماعيل: " {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
(6)
"
(7)
.
(1)
هو هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي، كان والي المدينة في خلافة عبد الملك بن مروان -وهو خال هشام بن عبد الملك- ثم عزله الوليد بن عبد الملك، وولَّى عمر بن عبد العزيز. وهو الذي ضرب سعيد بن المسيب بالسِّياط! فمقته الناس. "تعجيل المنفعة"(ص 481).
(2)
هو الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأُمويّ، كنيته أبو العبَّاس. ولي الخلافة بعهد من أبيه سنة (86 هـ). كان الوليد جبَّارًا ظالمًا، لكنه كان يُقيم الجهاد في أيَّامه، وفُتحت في خلافته فتوحات عظيمة. مات في جمادى الآخرة سنة (96 هـ)، وعمره إحدى وخمسون سنة. "الجوهر الثمين"(1/ 86)، و "تاريخ الخلفاء"(ص 197).
(3)
في (ز): (وكان)، بالواو.
(4)
حامَّة الإنسان: خاصَّته ومَنْ يقرب منه، وهو الحميم أيضًا. "النهاية"(1/ 446).
(5)
كذا بالأصل، و (م)، و (ل) بالجمع، ووقع في (ز)، و (ك)، و (هـ)، بالإفراد:(فناداه)، وهو الموافق لما في "طبقات ابن سعد".
(6)
الأنعام (آية: 124).
(7)
إسنادُهُ تالفٌ.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(5/ 220) من طريق الواقدي به. فيه متروك، ومتَّهم بالكذب، ومجهول.
أمَّا محمَّد بن عمر الواقديّ، تقدَّم أنه متروك الحديث. "التقريب"(ص 882).
وابن أبي سبرة، هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة المدني القاضي الفقيه، فهو آفته. قال الإمام أحمد: كان يضع الحديث ويكذب! وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال النسائي: متروك. وقال ابن المديني: كان ضعيفًا. وقال مرَّة: كان منكر الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث.
وقال الحاكم: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال الحافظ: رموْه بالوضع. انظر: "التاريخ الكبير"(8/ 9)، و "المجروحين"(3/ 147)، و"التهذيب"(12/ 25)، و"التقريب"(ص 1116). وأمَّا سالم مولى أبي جعفر؛ فإنه مجهول لا يعرف. "ميزان الاعتدال"(36/ 169). =
316 -
(1)
أخبرني الشَّيخان أبو محمد بن الجمال إبراهيم اللَّخميُّ بقراءتي عليه غير مرَّة بمكَّة -شرَّفها الله
(2)
-، والجمال بن النَّجم النَّحويُّ سماعًا.
قال الأول: أنا أبي، قال: أنا أبو العبَّاس [أحمد بن يعقوب الحلبيُّ سماعًا، وأبو النون العسقلانيُّ إذْنًا. قال أوَّلهما]
(3)
: أنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر، قال هو والعسقلانيُّ: أنا أبو الحسن ابن المغيَّر. قال العسقلانيُّ إذْنًا، عن أبي الفضل محمد بن ناصر السَّلاميِّ الحافظ. وقال شيخنا الثاني: أنبأ أبو الفداء بن أبي العبَّاس البعليُّ مشافهة، وسارة ابنة التقيِّ ابن عبد الكافي سماعًا، قالت: أنا والدي، قال هو والبَعْلِيُّ: أنا أبو العبَّاس أحمد بن أبي بكر بن حامد الأرْمويُّ. قال: البَعْلِيُّ إذْنًا، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن مكِّيِّ الطَّرابلسيُّ، أنا جدِّي لأُمِّي الحافظ أبو طاهرِ السِّلَفِيُّ، قال هو و
(4)
ابنُ ناصرٍ: أنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبَّار الصَّيرفيُّ، أنا أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الورَّاق، أنا أبو أحمد عبد السَّلام بن الحسين بن محمد البصريُّ اللّغويُّ قال: قرأتُ على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب المتَّونيِّ
(5)
بالبصرة، وأبي الحسين محمد بن محمد بن جعفر بن لَنكَك اللّغويِّ؛ مفترقَيْن، قالا: ثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار، ثنا
= • وأخرجه: ابن سعد أيضًا (5/ 220) من طريق الواقدي، عن سالم مولى أبي جعفر، عن عبد الله ابن الحسين قال: لمَّا عُزِل هشام بن إسماعيل نهانا أن ننال منه ما نكره [هكذا في المطبوع (ما نكره)، ولعل الصواب (ما يكره)، لموافقة السياق]، فإذا أَبي قد جمعنا فقال:"إنَّ هذا الرجل قد عُزل، وقد أُمِرَ أن يُوقف للنَّاس! فلا يتعرَّضنَّ له أحد منكم! ". فقلت: يا أبت ولم؟ ! والله إنَّ أثره عدنا لسيِّءٌ، وما كنا نطلب إلَّا مثل هذا اليوم! قال: "يا بُنيّ! نكِلُهُ إلى الله، . فوالله ما عرض له أحد من آل حسينٍ بحرفٍ حتى تصرَّم أمره.
(1)
تكرَّر هنا في (ز) خبر الزهري مع زين العابدبن من طريق المدائني، وهو سهو من الناسخ.
(2)
في (ك)، و (هـ)، و (ل) زيادة:(تعالى).
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (م).
(4)
(الواو) سقطت من الأصل، وأثبتناها من بقيَّة النُّسخ، والسِّياق يقتضيه.
(5)
تحرَّفت (المتَّوني) في (م) إلى (المتوفَّى! )، وفي (ك) إلى (المتوتي! )، في (ل) إلى (التوني! ).
عبيد الله بن محمد -يعني ابن عائشة-، حدَّثني أبي وغيره، قالوا:
"حجَّ هشامُ بنُ عبد الملك
(1)
في زمن عبد الملك
(2)
، أو الوليد، فطاف بالبيت، فجاهدَ
(3)
أن يصلَ إلى الحَجَر فَيَسْتَلِمَه فلم يقدرْ عليه! فَنُصِبَ له منبرٌ، وجلس عليه ينظر إلى النَّاس، ومعه أهلُ الشَّام؛ إذْ أَقْبَلَ زينُ العابدين عليُّ بن الحسين بنُ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، وأَطْيَبهِمْ أَرَجًا
(4)
، فطافَ بالبيت، فكلَّما بلغ إلى الحَجَر تنحَّى له النَّاسُ حتى يَسْتَلِمَه!
فقال رجلٌ من أهل الشَّام: "مَنْ هذا الذي قد هابه الناسُ هذه الهيْبة؟ ! ".
فقال هشام: "لا أعرفه"؛ مخافةَ أن يرغبَ فيه أهلُ الشَّام؛ وكان الفرزْدق
(5)
حاضرًا، فقال الفرزدق:"لكنِّي أعرفه". قال الشَّاميُّ: "مَنْ هو يا أبا فراس؟ ".
قال
(6)
:
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ
…
والبَيْتُ يَعْرِفُه والحِلُّ والحَرَمُ
(1)
هو أبو الوليد، هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي، أحد خلفاء بني أُمَيَّة. وُلِدَ سنة نيف وسبعين، واستُخلف بعهد من أخيه يزيد. كان حازمًا عاقلًا، ذا رأي ودهاء وحزم، كارهًا لإراقة الدماء في غير حقٍّ. دامت خلافته عشرين سنة. مات في ربيع الآخرة سنة (125 هـ). "الجوهر الثمين"(1/ 98)، و "تاريخ الخلفاء"(ص 218).
(2)
تقدت ترجمته قريبًا.
(3)
في (ز)، و (ك):(فجهد).
(4)
هكذا ضُبطت في (ز)، و (ك). والأرَجُ: توهَّج ريح الطّيب، يُقال: أرجَ الطِّيبُ -بالكسر- يأرجُ أَرَجًا، فهو أرجٌ: إذا فاح، انظر:"لسان العرب"(2/ 207).
(5)
هو الشاعر المشهور، واسمه همَّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية التَّميمي، كنيته أبو فِراس. لُقِّب بالفرزْدق لغلظه وقصره، شُبِّه بالفَتِيتة التي تشربها النساء، وهي الفرزدقة. كان شاعر عصره، ونظمه في الذروة كما قال الذهبي. وفيه تشيُّع ظاهر لأهل البيت. مات سنة (110 هـ). "الشعر والشعراء"(ص 315 - 324)، و"النبلاء"(4/ 590).
(6)
في (م): فقال. وانظر القصيدة في "ديوان الفرزدق"(ص 511 - 514) - شرح وضبط: علي فاعور.
هَذَ ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللهِ كُلِّهِمُ
…
هَذَا التَّقِيُّ النَّقيُّ الطَّاهِر العَلَمُ
إذَا رَأَتْة قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا:
…
إلى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يُنْمَى إلى ذُرْوَةِ العِزِّ الَّتِي قَصُرَتْ
…
عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الإسْلَامِ والعَجَمُ
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانُ رَاحَتِهِ
…
رُكْنُ الحَطِيم إذا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ
يُغْضِي
(1)
حَيَاءً، ويُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ
…
وَلَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِيْنَ يَبْتَسِمُ
(2)
مَنْ جَدُّهُ دَانَ فَضْلُ الأَنْبِيَاءِ لَهُ
…
وَفَضْلُ أُمَّتِهِ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ
يَنْشَقُّ نُورُ الهُدَى عَنْ نُورِ غُرَّتهِ
…
كَالشَّمْسِ يَنْجَابُ
(3)
عَنْ إِشْرَاقِهَا الظُّلَمُ
(4)
مُشْتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ نَبْعَتُهُ
…
طَابَتْ عَاصِرُهُ والخِيَمُ
(5)
والشِّيَمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ انْ كُنْتَ جَاهِلَهُ
…
بِجَدِّه أَنْبِيَاءُ اللهِ قَدْ ختِمُوا
اللهُ شَرَّفَهُ قِدْمًا وَفَضَّلَهُ
…
جَرَى بِذَاكَ لَهُ فِي لَوْحه القَلَمُ
فَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَنْ هَذَا؟ بضَائِرَهِ
…
العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنكرْتَ وَالْعَجَمُ
كِلْتَا يدَيهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا
…
يُسْتَوكَفَانِ
(6)
، وَلَا يَعْرُوهُمَا الْعَدَمُ
سَهْلُ الْخَلِيْقَةِ، لَا تُخْشى بَوَادِرُهُ
…
يَزِينُهُ اثْنَانِ: حُسْنُ الْخَلْقِ والكَرَمِ
حَمَّالُ أَثْقَالِ أَقْوَامٍ إذَا فُدِحُوا
(7)
…
حُلْوُ الشَّمَائِلِ، تَحْلُوا عِنْدَهُ نِعَمُ
لَا يُخْلِفُ الْوَعْد مَيْمُونٌ بِقُبَّتِهِ
…
رَحْبُ الفِنَاءِ أَرِيبٌ
(8)
حِينَ يَعْتَزِمُ
(1)
أي يخفض الطَّرف، أي أنه يغضّ طرفه جاء. "شرح ديوان الفرزدق"(ص 512).
(2)
كذا في سائر النُّسخ، وانفردت (ل) بزيادة بيت في هذا الموضع، وهو موجود في "الديوان" ولكن ليس في هذا الموضع من الترتيب، والبيت هو:
ما قال لا قَطُّ إلَّا في تَشَهُّدِهِ
…
لوْلَا التَّشَهُّدُ كانت لَاءَهُ نَعَمُ
(3)
أي ينكشف. "شرح ديوان الفرزدق"(ص 513). وفي "الديوان": (تنجاب).
(4)
كذا بالأصل، و (م)، ووقع في بقية النُّسخ:(عن إشراقها القَتَمُ).
• والقَتَمُ: هر الغُبار، ومنه القَتْمَاء: أي الغَبْرَاء، مأخوذ من القَتَام. انظر:"النهاية"(4/ 15).
(5)
في "الديوان": (مغارسه) بدل (عناصره). والخِيَمُ: هي السَّجِيَّة والطَّبيعة. "شرح الديوان"(513).
(6)
استوكف: استقطر الماء واستدعى جريانه. "شرح ديوان الفرزدق"(ص 512).
(7)
في "الديوان" المطبوع: (افتُدحوا). والمراد أنهم أُثْقِلوا بالمصائب.
(8)
الأَرِيب: هو العاقل. "النهاية"(1/ 36) - مادة (أَرَبَ).
عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإِحْسَانِ فَانْقَشَعَتْ
…
عَنْهُ الغَيَابَةُ
(1)
والإمْلَاقُ والعَدَمُ
مِنْ مَعْشرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وبُغْضُهُمُ
…
كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنْجًى ومُعْتَصَمُ
إنْ عُدَّ أَهْلُ التُّقَى كانُوا أَئِمَّتَهُمْ
…
أَوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الأرْضِ قِيلَ هُمُ
لَا يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَايَتِهِم
(2)
…
وَلَا يُدَانِيهُمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا
هُمُ الغَيُوثُ، إذَا مَا أَزْمَةٌ أَزَمَتْ
…
والأُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى، وَالْبَأسُ مُحْتَدَمُ
(3)
لَا يُنْقِصُ العُسْرُ بَسْطًا مِنْ أَكُفّهُمُ
…
سِيَّانِ ذَاكَ
(4)
إن أَثرَوْا وَإِنْ عَدِمُوا
يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ وَالبَلْوَى بِحُبِّهمُ
…
وَيُسْتَرَبُّ بِهِ الإِحْسَانُ وَالنِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللهِ ذِكْرُهُمُ
…
فِي كُلِّ بِرٍّ
(5)
ومَختُومٌ بِهِ الكَلِمُ
يَأْبَى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ
…
خيمٌ كَرِيمٌ وَأَيْدٍ بالنَّدَى هُضُمُ
أيُّ الخلَائِقِ لَيْسَتْ فِي رِقَابِهُمُ
…
لِأوَّلِيَّةِ هَذَا، أَوْ لَهُ نِعَمُ
مَنْ يَعْرِفِ اللهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذَا
…
وَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الأمَمُ
قال: فغضب هشامٌ، وأمر بحبس الفرزْدَق بعُسْفَان
(6)
-بين مكَّة والمدينة-، وبلغ ذلك زين العابدين؛ فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال:
"اعذر أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لَوَصَلْنَاكَ به".
(1)
في "الديوان" المطبوع: (عنها الغياهب)، وهي الظلمات، واحدها غيهب. "شرح الديوان"(ص 512).
(2)
في "الديوان": (بعد جودهم).
(3)
الغَيُوث: هم الذين يُغيثون الناس. والأزمة: الشدة. وأزمت: اشتدَّت. والشَّرى -بالفتح والقصر-: داء يأخذ في الرجل، أحمر كهيئة الدرهم. وقال بعضهم: الشَّرى مأسدة بعينها. وقيل: شرى الفرات ناحيته به غياض وآجام تكون فيها الأسود. "شرح ديوان الفرزدق"(ص 513).
(4)
وقع في (ز)، و (هـ)، و (ل): ذلك.
(5)
في (م)، و (ك)، و (ل):(بدء! )، وهو تصحيف.
(6)
عُسْفَان: بضمِّ أوله، وسكون ثانيه، ثم فاء، وآخره نون؛ فُعْلان. وهي قرية صغيرة على طريق المدينة. سُمِّيت عُسْفان لتعسُّف السَّيل فيها. وهي لبني المصطلق من خزاعة، وهي كثيرة الآبار والحِياض، على مرحلتين من مكة. وهي تبعد عن مكة ما يُقارب (85 كيلومتر). "معجم البلدان"(4/ 121)، و"معجم ما استعجم"(3/ 942).
فردَّها الفرزْدَق وقال: "يا ابنَ بنتِ رسولِ اللَّهِ! ما قلتُ الذي قلتُ إلَّا غضبًا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وما كنتُ لأَرْزَأ
(1)
عليه شيئًا".
فقال: شكر الله لك ذلك، غير أنَّا أهْلَ بَيْتٍ إذا أَنْفَذْنَا أَمْرًا لم نَعُدْ فيه".
فَقَبِلَهَا، وتجعَلَ يَهْجو هشامًا وهو في الحبس. وكان ممَّا هجاه به:
يَحْبِسُني بَيْنَ المَدِينةِ وَالَّتِي إِلَيْهَا
…
قُلُوبُ النَّاسِ يَهْوِي مُنِيبُهَا
يُقَلِّبُ رَأْسًا لَمْ يَكُنْ رَأْس سَيِّدٍ
…
وَعَيْنًا لَهُ حَوْلَاء بَادٍ عُيُوبُهَا
فبعث فأخرجه
(2)
.
* * *
(1)
أي لم آخذ منه شيئًا، يُقال: رزأته أرْزؤه، وأصله من النَّقص. "النهاية"(2/ 218) - مادة (رَزَأ).
(2)
(فبعث فأخرجه) لم ترد في (ز)، و (ل). وانظر:"حلية الأولياء"(3/ 139).