الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبينما قوم جلوس عند رجل من أهل المدينة يأكلون عنده حيتاناً، إذا استأذن عليهم أشعب الطفيلي، فقال أحدهم: إن من شأن أشعب البسط إلى آخر الطعام، فاجعلوا كبار الحوت في صحفة ناحية، ويأكل معنا الصغار ففعلوا، وأذن له فدخل، فقالوا له: كيف رأيك في الحيتان يا أبا أشعب؟ قال: والله إن لي عليها حنقاً شديداً، لأن أبي مات في البحر وأكلته الحيتان، قال له القوم: دونك فخذ بثأر أبيك، فجلس ومد يده إلى حوت منها صغير، ثم وضعه عند أذنه، وقد نظر إلي الصحفة التي فيها الحيتان الكبار، وقال: أتدرون ما تقول هذه الحوتة؟ قالوا: لا ندري، قال: تقول: إنها لم تحضر موت أبي ولا أدركته؛ لأنها أصغر سناً من ذلك، ولكن عليك بتلك الكبار التي في زاوية البيت، فهي أكلت أباك.
وخطر طفيلي على قوم يأكلون، وقد أغلقوا الباب دونه، فطلع عليهم من الجدار، وقال: منعتمونا من الأرض، جئناكم من السماء.
ودخل طفيلي من المدينة على الفضل بن يحيى، وبيده تفاحة، فألقاها إليه، وقال: حياك الله يا مدني، فلزمها وأكلها، فقال له الفضل: ويحك أتأكل التحيات؟ قال: إي والله والزاكيات الطيبات.
وقيل لبسرة الأحول: كم تأكل كل يوم؟ قال: من مالي أو من مال غيري؟ قيل: من مالك، قال: مكوك، قيل: ومن مال غيرك؟ قال: أخبز وأطرح.
وقال أبو القيظان: كان هلال بن أشقر التميمي أكولاً، فيزعمون أنه أكل جملاً، وأكلت امرأته فصيلاً، فلما أراد أن ينام لم يصل إليها، فقالت له: كيف تصل إلي، وبيني وبينك جملان؟ وحكى أبو الخطاب قال: كان عندنا رجل أحدب، فسقط في بئر، فسقطت حدبته، فصار بأدرة، فدخل الناس عليه يهنئونه، فقال: الذي جاء شر من الذي ذهب.
وقال أبو حاتم: رمى رجل أعور بنشابة، فأصابت عينه الصحيحة، فقال: أمسينا، وأمسى الملك لله.
وقال الزبير بن بكار: جاءت امرأة إلى أبي تستعديه على زوجها، وتزعم أنه يصيب جاريتها، فأمر به فأحضر، فسأله عما ادعت، فقال: أصلح الله الأمير، هي سوداء وخادمها سوداء، وفي بصري ضعف، ويضرب الليل برواقة، فآخذ ما دنا مني.
وخطب رجل خطبة نكاح، وأعرابي حاضر، فقال: الحمد لله، أحمده، وأستعينه وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، فقال له الأعرابي: لا تقم الصلاة؛ فإني على غير وضوء.
وقال العوام بن حوشب: قال لي عيسى بن موسى: من أرضعتك؟ قلت: ما أرضعتني سوى أمي، قال: قد علمت أن ذلك الوجه القبيح لا يصبر عليه سوى أمه.
وكان رجل مخنث، قد تنسك، وتشبه بالحسن البصري، فشهد جنازة ووقف على القبر، وإلى جانبه رجل ظريف، فضحك، فقال له المخنث: ما أعددت لهذه الحفرة أبا فلان؟ قال: أمك ندفنها فيها الساعة.
ودخل أعرابي الحمام فخرج منه ريح، فقال له نبطي: جبحان الله، فقال له الأعرابي: يا ابن اللخناء، ريحي أفصح من تسبيحك.
وفي كتاب ابن الهندي أن ناسكاً كانت له جرة بسمن، فعلقها في سرير، ففكر يوماً، وهو مضطجع على السرير وبيده العكاز، فقال: أبيع الجرة بخمسة دراهم، فأشتري خمسة أعناز، فأولدهن في كل سنة مرتين حتى تبلغ ثمانين، فأبيعها، وأشتري بكل عشرة بقرة، ثم ينمى المال بيدي، فأشتري العبيد والإماء، ويولد لي ولد فأؤدبه، فإن عصاني ضربته لهذه العصا، وأشار بالعصا فأصاب الجرة فتكسرت، وانصب السمن على رأسه.
الباب الثالث في المضحكات الشعرية
ودخل يحيى بن أكثم على المأمون، وعنده عبادة يتجارى معه في مسائل الفقه والفرائض، فقال: يا أمير المؤمنين، لي عند القاضي حاجة، قال: وما هي؟ قال: يعلمني فرائض الصلب؛ فإني ما رأيت أعلم بها منه، فضحك المأمون وقال: انظر في حاجة عبادة، فقال: يا أمير المؤمنين، قد كبر عن التعليم، وقد قال الشاعر:
فإن من أدبته في الصبا
…
كالعود يسقى الماء في غرسه
ولكن يبعث إلي بولده أعلمه فرائض الصلب خاصة، قال له المأمون: كيف رأيت الجواب يا عبادة.
وكان الربيع والياً باليمامة، فأتى بكلب قد عقر كلباً، فقاد له منه، فقال الشاعر:
شهدت بأن الله حق لقاؤه
…
وأن الربيع العامري ربيع
أقبلت، والوطء خفي، كما
…
ينساب من مكمنه الأرقم
فرمى الشيخ بنفسه في الفرات بثيابه، وجعل يخبط بيديه طرباً، ويقول: أنا الأرقم، فأخرجوه وقالوا: ما فعلت بنفسك؟ قال: إني أعلم من تأويله ما لا تعلمون.
وقال أحمد بن جعفر: حضر قاضي مكة مأدبة لرجل من الأشراف، فلما قضى الطعام، اندفعت جارية تغني:
إلى خالد، حتى أنخنا بخالد
…
فنعم، الفتى يرجى، ونعم المؤمل
قال: فلم يدر القاضي ما يصنع من الطرب، حتى أخذ نعليه، فعلقهما في أذنيه، ثم جثا على ركبتيه، وقال: اهدوني؛ فإني بدنة.
وكتب علي بن الجهم إلى قينة، كان يتعشق بها، ويكلف بها:
خفي الله فيمن قد تبلت فؤاده
…
وتيمته دهراً، كأن به سحراً
دعي الهجر لا أسمع به منك، إنما
…
سألتك أمراً، ليس يعرى لكم ظهراً
فكتبت إليه: صدقت، جعلت فداك، ليس يعرى لنا ظهراً، ولكنه يملأ منه بطناً.
وحدث العتبي عن أبيه قال: أنشدني أبو وائل:
ما أوجع البين من حبيب
…
فكيف إن كان من غريب
يكاد من شوقه فؤادي
…
إذا تذكرته يموت
فقال لي أبي: هذا وباء وهذا تاء، قال: لا تنقط أنت شيئاً، قال: فإن البيت الأول مخفوض والثاني مرفوع، قال: أنا أقول: لا تنقط، وهو يشكل.
وجاء أعرابي من شعراء المجانين إلى نصر بن سيار بشعر، فتغزل فيه بمائة بيت، ومدحه ببيتين، فقال له: والله ما تركت قافية لطيفة. ولا معنى إلا شغلت به نسيبك دون مدحك، قال: سأقول غير هذا، فعاد إليه بشعر يقول فيه:
هل تعرف الدار لأم العمر
…
رع ذا، وحبر مدحة في نصر
فقال له نصر: لا ذاك، ولا ذا.
وكان بعض الأمراء يستظرف طفيلياً، ويحضره طعامه وشرابه، وكان الطفيلي أكولاً شروباً، فلما رأى الأمير كثرة أكله وشربه اطرحه وجفاه، فكتب إليه الطفيلي:
أقاد لنا كلباً بكلب، ولم يدع
…
دماء كلاب المسلمين تضيع
وأهدى بعضهم إلى أمير يوم نيروز عصافير أحياء في طبق، وجعل معها رقعة فيها مكتوب:
عصافير بعثت بها ملاح
…
ليضحك، لا لٍيأكلها الأمير
وما أهدى إلى ملك سوائي
…
عصافير على طبق تطير
فلما وضع الطبق بين يديه، ورفع عنه الغطاء طارت العصافير، فرفع الرقعة وقرأ الشعر فضحك، وأمر له بجائزة سنية.
ودخل أعرابي الكوفة، فقصد تماراً، فقال له:
رأيتك في النوم أعطيتني
…
قواصر من تمرك البارحة
فقلت لصبياننا: أبشروا
…
برؤيا رأيت لكم صالحه
فأم العيال وصبيانها
…
قلوبهم نحوها طامحه
فقل لي: "نعم"؛ إنها حلوة
…
ودع عنك: "لا"؛ إنها مالحه
فدفع إليه قوصرة، وقال له: لا تعد ترى مثل هذه الرؤيا مرة أخرى.
وقال بعضهم: رأيت أعرابياً، يصلي في فصل الشتاء، قاعداً بغير وضوء، وهو يقول:
إليك اعتذاري من صلاتي قاعداً
…
على غير ظهر، مومئاً نحو قبلتي
فما لي ببرد الماء يا رب طاقة
…
ورجلاي لا تقوى على ثني ركبتي
ولكنني أحصيه يا رب جاهداً
…
وأقضيكه إن عشت في فصل صيفتي
فإن أنا لم أصنع، فأنت مسلط
…
بما شئت من لطمي ومن نتف لحيتي
وقال الأصمعي: رأيت بالبادية أعرابياً، قد حفر حفرة وقعد فيها، وذلك في زمان الشتاء، فقلت له: ما صيرك هنا؟ قال: شدة البرد، قلت: فهل قلت في ذلك شيئاً؟ فقال:
أيا رب ما للبرد أصبح كالحا
…
وأنت بحالي عالم، لا تعلم
فإن يك يوماً في جهنم مدخلي
…
ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
وقيل لابن أبي عتيق: إن المخنثين خصوا، وإن الدلال خصي، فقال: إنا لله، أما والله، لئن فعل ذلك به، لقد كان يحسن:
لمن ربع بذات الجيش، أمسى دارساً خلقا
ثم استقبل القبلة، فلما كبر سلم، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: اللهم إن كان ليحسن خفيفه، أما ثقيله، فلا، الله أكبر.
وصحب شيخ من المدينة شباناً في سفينة، ومعهم جارية تغني، فقالوا له: إن معنا جارية تغني، ونحن نجلك، فإن أنت أذنت لنا فعلنا، قال: فأنا أعتزل، وافعلوا ما شئتم، فتنحى، وغنت الجارية:
حتى إذا الصبح بدا ضوؤه
…
وغابت الجوزاء والمرزم
قد قل أكلي، وقل شربي
…
وصرت من بابة الأمير
فليدع لي، وهو في أمان
…
أن أشرب الراح بالكبير
ودخل على أبي الشمقمق بعض إخوانه المتلطفين به، فلما رأوا سوء حاله، قالوا له: أبشر، أبا الشمقمق؛ فإنا روينا في بعض الحديث: أن العارين في الدنيا هم الكاسون يوم القيامة، فقال: إن صح هذا الحديث. والله، لا كنت أنا في ذلك اليوم إلا بزازاً، فأنشأ يقول:
أتراني أرى من الدهر يوماً
…
لي فيه مطية غير رجلي
كلما كنت في جمع فقالوا:
…
قربوا للرحيل، قربت نعلي
حيثما كنت، لا أخلف رحلا
…
من رآني، فقد رآني ورحلي
وحكى محمد بن الحاج البزار، راوية بشار، قال: قال بشار يوماً، وهو يعبث، وكان مات له حمار قبل ذلك: رأيت حماري البارحة، فقلت: ويلك، قد مت، قال: إنك ركبتني يوم كذا، فمررنا على باب الصيدلاني، فرأيت أتاناً، فعشقتها، فمت، وأنشدني:
هام قلبي بأتان
…
عند باب الصيدلاني
يتمتني، يوم رحنا
…
بثناياها الحسان
وبغنج في دلال
…
سل جسمي وبراني
ولها خد أسيل
…
مثل خد الشنفراني
فبها مت، ولو عش
…
ت، إذن طال هواني
فقال رجل من القوم: أبا معاذ، ما الشنفران؟ قال: هذا من غريب لغات الحمير، فإذا لقيتم حماراً فاسألوه.
وقال سفيان بن عيينة: دخلت الكوفة في يوم فيه مطر، فإذا كناس يفتح كنيفاً، ووقف على رأسه وهو يقول:
بلد طيب، ويوم مطير
…
هذه روضة، وهذا غدير
ثم قال لصاحبه: انزل فيه، فأبى عليه، فنزل فيه وهو يقول:
لن يطيقوا أن ينزلوا، ونزلنا
…
وأخو الحرب من يطيق النزولا
ليس كل الرجال يغشى لظى
…
الحرب، ولا كلهم يلاقي الخيولا
وقال الأصمعي: بينما أنا بالبصرة، إذا بكناس يكنس كنيفاً، وإذا هو يقول:
فإياك والسكنى بدار مذلة
…
تعد مسيئاً بعد أن كنت محسنا
فنفسك أكرمها، وإن ضاق مسكن
…
عليك بها، فاطلب لنفسك مسكنا
قال: فوقفت عليه، وقلت له: والله ما بقي من الهوان شيء، إلا وقد امتهنتها به، فما الذي قلت من كرامتها؟ فقال: والله لكنس ألف كنيف، أحسن من القيام على باب مثلك.
وسأل أعرابي رجلاً يكنى أبا عمرو، فقال للسائل: يرزقك الله، فعاد إليه يوماً، فقال مثل ما قال أمس، وتنحنح، ففلتت منه ضرطة، فقال الأعرابي:
إن أبا عمرو لمكنوس الوسط
…
إذا سألناه تمطى وضرط
إعطاؤه: يرزقك الله فقط ودخل طفيلي في صنيع رجل من أهل القبط، فقال له: من أرسل إليك؟ فجعل يقول:
أزوركم، لا أكافيكم بجفوتكم
…
إن المحب إذا ما لم يزر زارا
فقال القبطي: زرزارا؟ ليس أدري ما هو، اخرج من بيتي.
ودخل أبو الفضل بديع الزمان على الصاحب بن عباد، ففرح به، وأجلسه معه، فأخرج البديع ريحاً منكرة، ثم أراد أن ينفي عن نفسه التهمة، فقال: يا مولاي، هذا صرير التخت، فقال له الصاحب: هذا صغير التحت فخرج البديع خجلاً، وانقطع عن الوصول إليه، فكتب إليه الصاحب:
قل للصفيري: لا تذهب على خجل
…
من ضرطة أشبهت ناياً على عود
فإنها الريح، لا تستطيع تدفعها
…
إذ لست أنت سليمان بن داود
وخرج المهدي يتصيد، ومعه علي بن سليمان، فسنح لهما قطيع من ظباء، فأرسلت الكلاب، وأجريت الخيل، فرمى المهدي بسهم، فصرع ظبياً، ورمى علي بن سليمان سهماً، فصرع كلباً، فقال أبو دلامة:
قد رمى المهدي ظبياً
…
شق بالسهم فؤاده
وعلي بن سليمان،
…
رمى كلباً، فصاده
فهنيئاً لهما، كل
…
امرئٍ يأكل زاده
فضحك المهدي حتى كاد يسقك.
ومن ملح أبي دلامة، أنه دخل يوماً على المهدي، ومعه وجوه بني هاشم، فقال له المهدي: إني أعطيت الله عهداً لئن لم تهج كل من في هذا المجلس لأقطعن لسانك، فنظر إلى القوم، فكلما نظر إلى واحد غمزه بأن عليه رضاه، قال: فعلمت أني قد وقعت، وأنها عزمة من عزماته لابد منها، فلم أر أدعى للسلامة من هجاء نفسي، فقلت:
ألا أبلغ لديك أبا دلامة
…
فليس من الكرام، ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قرداً
…
وخنزيراً إذا نزع العمامة
جمعت ذمامة وجمعت لؤماً
…
كذاك اللؤم تتبعه الذمامة
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا
…
فلا تفرح، فقد دنت القيامة
فضحكوا، وأعطاه كل واحد منهم جائزة.