المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث في أخبار المغفلين وأهل البله وما يحكى عن المجنونين، ومن لا عقل لهم - حدائق الأزاهر

[ابن عاصم الغرناطي]

فهرس الكتاب

- ‌حدائق الأزاهر

- ‌لابن عاصم الغرناطي

- ‌حققه وقدم له أبو همام

- ‌عبد اللطيف عبد الحليم

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌ الحديقة الأولى:

- ‌ الباب الأول في مسكت الجواب ومفحم الخطاب

- ‌الباب الثاني

- ‌الباب الثالث

- ‌هنيئاً مريئاً، غير داء مخامر=لعزة من أعراضنا ما استحلت

- ‌الحديقة الثانية

- ‌الباب الأول في ترويح الأرواح بمستحسن المزاح

- ‌الباب الثاني في المضحكات الحسنة، الخفيفة على الألسنة

- ‌الباب الثالث في المضحكات الشعرية

- ‌الباب الرابع في المضحكات المطولات

- ‌الحديقة الثالثة

- ‌الباب الأول في النوادر المستغربة والنكت المستعذبة

- ‌الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين

- ‌فصل في المتنبئين

- ‌الباب الثالث في أخبار المغفلين وأهل البله وما يحكى عن المجنونين، ومن لا عقل لهم

- ‌الحديقة الرابعة في الوصايا والحكم وفيها باب الواحد

- ‌الباب الأول

- ‌الحديقة الخامسة في أمثال العامة وحكمها وفيها باب واحد مرتب على حروف المعجم وفيه

- ‌ال‌‌فصلالأول

- ‌فصل

- ‌أشهر من الريحان في دار العرس

- ‌حرف الألف

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حرف الباء

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌فصل

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزين

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف الكاف

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حرف النون

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌حرف لام الألف

- ‌حرف الياء

- ‌الحديقة السادسة في الحكايات الغريبة والأخبار العجيبة

- ‌الباب الأول في الحكايات المستطرفة والأخبار المستظرفة

- ‌الباب الثاني في الحكايات والأخبار ذوات الأشعار

- ‌الباب الثالث في حكايات الأولياء والصلحاء والزهاد، وما يرجع إلى ذلك

الفصل: ‌الباب الثالث في أخبار المغفلين وأهل البله وما يحكى عن المجنونين، ومن لا عقل لهم

وتنبأ رجل في أيام المأمون، فقال: يا ثمامة، ناظره، فقال: ما أكثر المتنبئين في دولتك يا أمير المؤمنين فهون عليك، ثم التفت إلى المتنبئ فقال: ما دليلك على نبوتك؟ قال: تحضر لي امرأتك يا ثمامة، فأنكحها بين يديك، فتلد غلاماً ينطق في المهد، ويخبرك أني نبي، قال ثمامة: أشهد أنك رسول الله، قال له المأمون: ما أسرع ما آمنت به، قال: وأنت يا أمير المؤمنين ما أهون عليك أن ينكح امرأتي على بساطك، فضحك المأمون وأطلقه.

وادعى رجل النبوة في أيام المهدي، فأتى به، فقال له: من أنت؟ قال: نبي، قال: ومتى تنبأت؟ قال: وما تصنع بالتاريخ؟ قال: في أي موضع جاءتك النبوة؟ قال: وقعنا في شغل، ليس هذا من مسائل الأنبياء، إن كان رأيك أن تصدقني في كل ما أقول لك فاعمل بقولي، وإن كنت عزمت على تكذيبي، فدعني، أذهب عنك، قال المهدي: هذا لا يجوز؛ إذ فيه فساد الدين، قال: وا عجباً لك تغضب لفساد دينك، ولا أغضب لفساد نبوتي، أما والله، ما قدرت علي إلا بمعن بن زائدة، والحسن بين قحطبة، وما أشبههما من قوادك، وكان عن يمين المهدي شريك القاضي، فقال له: ما تقول في هذا النبي؟ قال: شاورت هذا في أمري، ولم تشاورني في أمره، قال له القاضي: هات ما عندك، قال: أخاصمك بما جاء به من قبلي من الرسل، قال القاضي: قد رضيت، قال: أكافر أنا عندك أم مؤمن؟ قال: كافر، قال: فإن الله تعالى يقول: (ولا تطع الكفرين والمنفقين) فلا تطعني ولا تؤذني، ودعني أذهب إلى الضعفاء والمساكين؛ فإنهم أتباع الأنبياء، وادع الملوك والجبابرة؛ فإنهم حطب جهنم، فضحك المهدي وخلى سبيله.

وقال ثمامة بن أشرس: شهدت المأمون، وأتي برجل يدعي النبوة، وأنه إبراهيم الخليل، فقال المأمون: سمعتم أجرأ على الله من هذا؟ فقلت له: يا هذا، إن إبراهيم عليه السلام كانت له براهين، قال: وما براهينه؟ قلت: أضرمت له نار، فألقي فيها، فصارت عليه برداً وسلاماً، ونحن نضرم لك ناراً، ونطرحك فيها، فإن كانت عليك كما كانت على إبراهيم عليه السلام آمنا بك، قال: هات ما هو أقرب من هذا، قلت: فبراهين موسى عليه السلام، قال: وما كانت؟ قلت: عصاه التي ألقاها فصارت حية تسعى، وضرب بها البحر فانفلق، قال: هذا صعب، هات ما هو أقرب من هذا، قلت: فبراهين عيسى عليه السلام، قال: وما هي؟ قلت: كان يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، قال: ما معي من هذا كله شيء، وقد قلت لجبريل: إنكم توجهونني إلى شياطين، فأعطوني حجة أذهب بها إليهم، وأحتج عليهم، فغضب علي وقال: بدأت بالشر، اذهب الآن، فانظر ماذا يقول لك القوم، قلت: هاجت بي مرارة يا أمير المؤمنين، قال: قد صدقت فدعه.

وتنبأ رجل بخراسان فأتى به العامل، فقال: من أنت؟ قال: نبي، قال: وما صناعتك؟ قال: حائك، قال: فنبي حائك؟ قال له: فأردت أنت صيرفياً؟ (الله أعلم حيث تجعل رسالته) فضحك منه وأمر بإطلاقه.

‌الباب الثالث في أخبار المغفلين وأهل البله وما يحكى عن المجنونين، ومن لا عقل لهم

قال بعضهم: أردت النكاح، فقلت: لأستشيرن أول من يطلع علي، فأعمل برأيه، فأول من طلع علي هبنقة القيسي الأحمق، وهو راكب على قصبة، فقلت له: إني أستشيرك في النكاح، قال: البكر لك، والثيب عليك، وذات الولد لا تقربها، واحذر فرسي؛ لئلا يضربك، فلم أر أعقل منه في هذا الكلام.

ص: 67

وحكى بعض الناس قال، دخلت حمص، وفي فمي درهم لأشتري بعض ما أشتهي، فإذا برجل بباب المسجد، جالس على كرسي، وعلى رأسه عمامة، وقد تقلد سيفاً، وفي حجره مصحف يقرأ فيه، وإلى جانبه كلب رابض يمسكه بحبل، فسلمت عليه، وقلت له: أترى القوم صلوا؟ فقال لي: يا أحمق، وأنت أعمى أما تراني قاعداً؟ قلت: من أنت؟ قال: أنا خالد إمام المسجد، قلت: مع هذه الحيلة؟ قال: نعم، ورد رجل زنديق، يقرأ السبع الطوال، ويشتم أبا بكر الصناديقي، وعمر القواريري، وعثمان بن أبي سفيان، ومعاوية بن أبي غسان، الذي هو من حملة العرش وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنته في زمن الحجاج بن يوسف، فاستولدها الحسن والحسين، قلت: ما أعرفك بالتاريخ والأنساب، قال: وما خفي عليك أكثر، قلت: أتحفظ القرآن؟ قال: نعم، قلت: فاقرأ شيئاً منه، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، (وإذ قال لقمن لابنه وهو يعظه يبنى)(لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً)(وأكيد كيداً فمهل الكفرين أمهلهم رويداً) ، فرفعت يدي فصفعته صفعة سقطت بها عمامته، فصاح بالناس: احملوه إلى المحتسب، فأوصلوني إلى رجل حاسر حاف، قد لبس دراعة بلا سراويل، فقال: ما فعل هذا؟ قال: صفع إمام المسجد، قال: يا مسكين، هلكت نفسك، قلت: هذا حكم الله فصبراً عليه فقال: أيما أحب إليك سمل عينيك، أو قطع يديك، أو تدفع نصف درهم؟ فرفعت يدي، وصفعت المحتسب صفعة شديدة، ثم أخرجت الدرهم من فمي، وقلت: يا سيدي، خذ نصف درهم لك، ونصفه لإمامك، وانصرفت، وبأهل حمص يضرب المثل في الحمق.

وحدث الزبير عن عبد الملك الهاشمي قال: مررت ببعض المعلمين، ويعرف بكسرى، فرأيته يصلي بصبيان صلاة العصر، فلم أزل واقفاً أنظر إليه، فلما ركع أدخل رأسه بين رجليه؛ لينظر ما يصنع الصبيان خلفه، فرأى صبياً يلعب، فقال له، وهو راكع: يا ابن البقال، إني أرى ما تصنع.

وقال الجاحظ: مررت بمعلم، وقد كتب على لوح صبي:"قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً""وأكيد كيداً، فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" فقلت: ويحك أتدخل سورة في سورة؟ قال: نعم، عافاك الله، إن والده يدخل أجرتي شهراً في شهر، وأنا أيضاً أدخل سورة في سورة، فلا أنا آخذ شيئاً، ولا الصبي يتعلم شيئاً.

وقال أبو بكر القبطي: مررت بمعلم، وهو يملي على صبي بين يديه:"فريق في الجنة وفريق في الشعير" فقلت له: ما هذا؟ ما قال الله من هذا كله شيئاً، إنما قال:(فريق في الجنة وفريق في السعير) فقال: أنت تقرأ على حرف ابن عاصم بن العلاء الكسائي، وأنا أقرأ على حرف أبي حمزة بن عاصم المدني، فقلت: معرفتك بالقراء، أعجب من معرفتك بالقراءة.

وحكى الجاحظ قال: كان بالمدينة معلم يفرط في ضرب الصبيان، فلاموه في ذلك، فساء حاله معهم، فجلست عنده يوماً، فاستفتح صبي فقال: يا سيدي (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين)، فقال المعلم: بل عليك وعلى والدك. وقال له الآخر: يا سيدي: (فاخرج منها فإنك رجيم) ، ما بعده، قال: ذلك أبو السجان.

وقال الجاحظ: وخرجنا مرة إلى حرب، ومعنا معلم كان يقول: إني أتمنى أن أرى الحرب، فأخرجناه معنا، فأول سهم وقع في رأسه، فلما انصرفنا، دعونا له معالجاً، فنظر إليه فقال: إن خرج الزج، وفي رأسه شيء من دماغه مات، وإن لم يخرج من دماغه شيء، لم يكن عليه بأس، فسبق إليه المعلم، وقبل رأسه وقال له: بشرك الله بكل خير، انزعه؛ فما في رأسي من دماغ، قال الحجام: ولم؟ قال: لأني معلم، وما في رءوس المعلمين ذرة من دماغ، ولو كان في رأسي ذرة من دماغ ما كنت ها هنا.

وقال غيره: كان في دربنا معلم طويل اللحية، فكنت أجلس إليه كثيراً، فجئته يوماً، وبين يديه صبي، يقول له: ويلك، الدجلة من حفرها؟ قال: عيسى بن مريم، قال: فالجبل من خلقه؟ قال: موسى بن عمران، قال: فالبعر من دوره في است الجمل؟ قال: شيطان، قال: أحسنت، فآدم من أبوه؟ قال: نوح، قال: أحسنت، فقلت: يا سبحان الله، أليس آدم أبا البشر؟ قال: نعم قلت: فكيف يكون نوح أباه؟ قال: ويلك، أتعرفني بآدم؟ وأنا أبو عبد الله المعلم، يا صبيان، كرفسوه، فكرفسوني بالبزاق، حتى صرت أبلق، فحلفت ألا أقف على معلم أبداً.

ص: 68

وقال الجاحظ: أتت امرأة إلى معلم بولدها، وكان المعلم طويل اللحية، براق العينين، قبيح الوجه، فقالت: إن هذا الصبي عازم ألا يطيعني، فأحب أن تفزعه، فأخذ المعلم لحيته، وألقاها في فمه، ونفخ شدقيه، وبرق عينيه، وحرك رأسه، وصاح صيحة، فأخرجت المرأة ريحاً من الفزع، وقالت: إنما قلت لك: أفزع الصبي، لا إياي، قال لها: مري يا حمقاء؛ إن البلاء إذا نزل أهلك الصالح والطالح.

وقال الأصمعي: مررت بمعلم بالبصرة يضرب صبياً، ثم أقام الصبيان صفاً، وجعل يدور عليهم ويقول: اقرأوا، فلما وصل إلى الصبي المضروب قال للذي إلى جانبه: قل له: يقرأ؛ فإني لست أكلمه.

وقال طلحة بن عبيد الله: دخلت يوماً على كثير في نفر من قريش، وكنا كثيراً ما نهزأ به لحمقه، فقلنا له: كيف تجدك يا صخر؟ وكان مريضاً، فقال: بخير، هل سمعتم الناس يقولون شيئاً؟ قلت: نعم، سمعت الناس يتحدثون أنك الدجال، قال: أما والله، إني لأجد في عيني ضعفاً منذ أيام.

وقال الأصمعي: كان أبو حية النمري جباناً مع حمق وبله فيه، وكان له سيف سماه لعاب المنية، فدخل تحت سريره كلب، فظن أنه لص، وسمعه جار له وهو يقول: أيها المغتر المجترئ علينا، بئس ما اخترت لنفسك، خير قليل، وسيف صقيل، وهو لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك، قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني إن أدع قيساً ملأت الأرض عليك خيلاً ورجالاً، سبحان الله، ما أكرمها وأطيبها، وخرج الكلب، فقال أبو حية: الحمد لله الذي مسخك كلباً، وكفاني حرباً.

وقال الشعبي: ما شبهت تأويل الروافض إلا بتأويل رجل مصفوف من بني مخزوم من أهل مكة، وجدته قاعداً بفناء الكعبة، فقال لي: يا شعبي، ما عندك في تأويل هذا البيت؟

بيت زرارة محتب بغنائه

ومجاشع أبو الفوارس نهشل

فإن بني تميم يغلطون فيه، ويزعمون أنه إنما قيل في رجال منهم، فقلت له: وما عندك أنت؟ قال: البيت هو هذا البيت، وأشار إلى الكعبة، وزرارة الحجز زر حول البيت، ومجاشع زمزم، جشع بالماء، وأبو الفوارس هو أبو قبيس جبل مكة، قلت له: فنهشل؟ قال: هذا أشدها، ففكر طويلاً ثم قال: قد أصبته، هو مصباح البيت طويل أسود، وهو النهشل.

وقال رجل لغلامه: أي يوم صلينا الجمعة؟ ففكر ساعة، وقال: يوم الثلاثاء.

وكان الجصاص يسبح في كل يوم، فيقول: نعوذ بالله من نعمه، ونتوب إليه من إحسانه، ونسأله عوائق الأمور، سبحان الله، وحسبي الله والملائكة الكرام، اللهم أدخلنا من دعائه في بركة القصور على قبورهم، سبحان الله، قبل الله، سبحان الله.

وركب أحمقان في زورق واحد، فتحركت الريح، فقال أحدهما: غرقنا، والله، فقال الآخر: قل: إن شاء الله، قال: لا أستثني.

وقال الجاحظ: دخلت على مؤدب، ورأسه في حجر صبي، وفي أذنه خرقة معلقة، وكان المؤدب أصلع، والصبي يكتب في رأسه، ويمحوه بالخرقة، ثم يكتب مرة أخرى، فقلت له: ما هذا الذي يصنع الصبي في رأسك؟ قال لي: يا فلان، هذا الصبي يتيم، وليس له لوح، ولا ما يشتريه، فأنا أعطيه رأسي يكتب فيه؛ ابتغاء ثواب الله.

وكان في زمان ابن عباد أحمق، يخرج كل يوم إلى السوق، وينادي بأعلى صوته: أغنى الله الأغنياء ليشكروا، فلم يشكروا، وأفقر الفقراء ليصبروا، فما صبروا، حرم هؤلاء، وحرم هؤلاء.

وكان أحمق يمشي في الأسواق في زمان البرد، ويصيح: ما هذا صواب، ولا في المدينة احتساب، يؤخذ الحر كله ويجعل في الحمامات، وتترك الدنيا بالبرد.

وخطر أحمق بغرناطة الآن، ويعرف بفاضت، على جماعة، فقالوا له: فاضت، قال: إي والله، فاضت، إن زراداً وقميصاً ويحيي ماتوا وبقي البلد كله على أكتافي.

وسئل رجل كان ينظر في الفرائض، عن فريضة، فالتمسها في كتابه، فلم يجدها، فقال: هذا الرجل لم يمت، ولو كان مات لوجدت ذلك في كتابي.

وقيل لرجل: كيف برك بأمك؟ قال: ما ضربتها - والله - بسوط قط.

وقيل لأبي مروان عبد الملك: لأي شيء تزعم أن أبا علي الإسواري أفضل من سلام بن المنذر؟ قال: لأنه لما مات سلام بن المنذر مشى أبو علي في جنازته، ولما مات أبو علي لم يمش سلام في جنازته.

وأراد أبو سنان الحج، فبكى أولاده، فقال لهم: لا تبكوا؛ فإني أرجو أن أضحي عندكم.

ص: 69

وقال الجاحظ: شيعت عبد العزيز المخزومي قاضي مكة إلى منزله، وبباب المسجد مجنونة تصفق وتقول: أرق عيني صوت ريح القاضي، فقلت له: أظنه قاضي مكة.

وركب بعض المحدثين في سفينة، ومعه في السفينة نصراني فتغديا، ثم استخرج النصراني ركوة فيها شراب، فصب منه في كأس وشرب ثم صب فيها وعرضها على المحدث، فأخذها وشربها من غير كأس فقال له النصراني: إنما عرضت عليك كما يعرض الناس على الناس، إنما هي خمر، قال: ومن أين علمت أنها خمر؟ قال: غلامي اشتراها من يهودي حلف له أنها خمر، فشرب مرة أخرى مستعجلاً، وقال له: أنت أحمق، نحن - أصحاب الحديث - نضعف حديث سفيان بن عيينة وزيد بن هارون، فكيف نصدق نصرانياً عن غلامه عن يهودي؟ والله، ما شربتها إلا لضعف الأسانيد.

وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل بكيس فيه دراهم، مختوم بخيط، فقال له الرجل: اخذ الخيط معه، فقال له عمر: دع الكيس وانصرف.

وجاء رجل إلى الحاكم بغلام، فقال له: اضربه ألف سوط، فإنه شتمني، قال له الحاكم: يموت، قال: فاضربه نصف سوط، قال له: كيف شتمك؟ قال: قال لي: يا مسوس، قال له: صدق، ما يلزمه شيء.

وكان الأستاذ أبو علي الشلوبيني، على جلالة قدره، ومعرفته بالنحو، فيه تغفل، فتروى عنه أشياء غريبة، طلع يوماً في زورق بوادي اشبيلية، مع طلبته، ومعه كراريس ينظر فيها، فسقطت له كراسة في الماء، فأخذ أخرى يخرجها بها.

وطلع يوماً آخر، في زورق في الوادي، فأعطاه بعض طلبته عنقود عنب، فألقاه في الماء، فلما كان بعد ساعة، وقد ساروا في الوادي نحو أربعة أميال، أدخل يده في الماء ينظره، فقالوا له: ما تنظر يا سيدي؟ قال: العنقود الذي أعطيني، كنت جعلته في الماء يبرد، فلم أجده.

وتقدم يوماً يصلي بقوم، فقرأ في الركعة الأولى: الحمد لله، و (قل أعوذ برب الناس) ثم قرأ في الركعة الثانية: الحمد لله، وسكت، فقال رجل من الجماعة: اقرأ أبجد، فضحك القوم.

وكان إذا جلس يقرئ الطلبة، ينضم إليهم قليلاً قليلاً، وهو لا يشعر، ثم إذا وصل إلى الذي يليه تذكر، ورجع إلى موضعه، فاتفق الطلبة يوماً على أن يتأخروا قليلاً قليلاً، كما انضم إليهم، ففعلوا، فجعل ينضم إليهم، وهم يتأخرون عنه، فلما كان آخر القراءة جاء ليسند على الحائط، كما كانت عادته، فسقط على ظهره، ووجد نفسه في وسط المسجد.

ونصبوا له يوماً القرق، حين أراد الخروج، وجعلوه له محولاً، فلبس الفردة، وجاء ليلبس الأخرى، فلم يمكنه، فنزعها، ودار فلبس الأخرى، وجاء يلبس الأخرى، فلم يمكنه فنزعها، ودار فلبس الأخرى، وجاء يلبس الأولى، فلم يمكنه، فنزعها، ولم يزل كذلك ينزع الواحدة، ويلبس الأخرى، فرآه صبي صغير يفعل ذلك، فأخذ الفردة الواحدة، وصوبها له مع الأخرى، فقال له: لله درك؟ ما أحذقك، ثم سأله عن والده، واجتمع معه، وقال له: دعه يقرأ؛ فما رأيت أحذق منه.

وجاء يوماً، وعليه ثوب امرأته، فنظر إليه الطلبة، وقالوا له: يا سيدي، ما هذا الثوب؟ فنظر إليه، وقال: قمت مستعجلاً، فلم أدر ما لبست.

وجاء يوماً، وغفارته محولة، صدرها من ورائه، وظهر أمامه.

وخرج يوماً، وعليه غفارة دون ثوب تحتها، فلقيه رجل، فرفع يده، ليصافحه، فظهرت عورته.

وركب يوماً بغلة، يمشي بها إلى جنان بعض أصحابه، فأخذته الهراقة، فنزل يبول، فلما ركب دارت به البغلة، فسار إلى أن وصل إلى البلد، فقال: ما أنا أريد إلا الجنان.

وركب يوماً فرساً، وسار مع الطلبة إلى موضع واحد منهم، فصادفوا في الطريق فارساً يجري، فجرى الفرس به، فقالوا: شد يدك في اللجام، فرمى اللجام من يده، وأخذ بعرف الفرس، فلم يقف، فرمى نفسه في الأرض، وأسرع الطلبة فرفعوه، وأخذوا الفرس، وقالوا له: يا سيدي، لو شددت يدك في اللجام لوقف، فقال: ما أجهلكم، هو لم يقف حين شددت يدي بالمتصل، فكيف بالمنفصل؟ وقال بعضهم: سألت السرجي عن أربعين رأساً من الغنم، نصفها ضأن، ونصفها معز، كم يجب فيها من الزكاة؟ فقال: شاة، نصفها ضأن ونصفها معز.

وكسر لوزة، فخرج منها لوزتان، فقال: سبحان الله الذي يصور في الأرحام كيف يشاء.

وقيل له: لا تأكل الثلج؛ فإنه يضر البصر، فقال: لست أزيد على مصه، وأرمي تفله.

وقال له غلامه: سرق الحمار، فقال: الحمد لله الذي لم أكن على ظهره.

ص: 70

ودخل يوماً السوق، ليشتري نعلاً لابنته، فقال له: كم سنها؟ فقال: لا أدري، ولكنها في حجم الشجرة.

وجاء رجل من البادية إلى الحاضرة، فقالت له زوجته: اشتر لنا حصيراً كاملاً، يفرش من الطارقة إلى آخر البيت، فلما وصل إلى الحاضرة، قال لصاحب الحصور: أعطني حصيراً جيداً كاملاً يفرش من الطارقة إلى آخر البيت، فقال له: كم يكون طوله من شبر؟ قال: لا أدري، هكذا قيل لي.

وقال بعضهم: صليت يوماً إلى جانب ابن الجصاص، فسمعته يدعو في إثر صلاته: اللهم اغفر لي ذنوبي، ما تعلمه منها وما لا تعلمه.

وقال: صليت يوماً إلى جانبه يوم جمعة، فلما قال الإمام: ولا الضالين، قال لي: لعمري، أراد بها آمين.

ودخل ابن الجصاص على المقتدر يوماً، والمقتدر قد حلق رأسه، ودهنه، فقال لي: يا أمير المؤمنين: دعني أقبل رأسك، قال: دعه الساعة؛ قإن عليه الدهن، قال: والله، أقبله، ولو كان عليه السحل.

وأخرج يده من الفراش في ليلة باردة، ثم أعادها إلى جسده في ثقل النوم، فأيقظته ببردها، فقبض على يده بيده الأخرى وصاح: اللص، وقد قبضت عليه، أدركوني، أدركوني؛ لئلا يكون عنده حديد، فأتوا بالسراج، فوجدوه وهو قابض على يده.

ودخل على ابن له قد مات، فبكى، وقال: كفاك الله يا بني محنة هاروت وماروت، فقيل له: وما هاروت وماروت؟ فقال: لعن الله النسيان، إنما أردت يأجوج ومأجوج، فسئل: وما يأجوج ومأجوج؟ قال: فطالوت وجالوت، قيل له: لعلك تريك منكراً ونكيراً؟ قال: والله ما أردت غيرهما، يريد ما أردت غيرهما.

وجاءت طباخته يوماً، فقال لها: ليس هذا يوم طعام ولا شراب، فأخبر ولده بذلك، فأتاه فوجده مفكراً مطرقاً، فقال له: يا أبت، ما دهاك؟ قال: يا بني، فكرت في أمر، لو فكرت فيه قبل هذا ما هنأ لي عيش، قال: وما هو؟ قال: تمنيت على الله أن يخلقني امرأة، ويزوجني من أبي بكر في الجنة، فقال له ابنه: فهل تساميت بالأمنية إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قد كنت ترمي عندي بالرفض، وأنا أدافع عنك؟ والآن صح عندي، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنك أردت أن أكون ضرة لعائشة رضي الله عنها.

ودخل عليه أهله يوماً، فوجدوه كالميت، فقالوا له: ما لك؟ قال: فكرت في كثرة مالي، وكثرة مصادرة السلطان في هذا الوقت وتعديه، فغلقت عيني، حتى أرى كيف صبري، فانتشبت، ولم أقدر على التخلص، حتى كدت أن أموت، لولا ما دخلتم علي.

وكان المعتضد يقول - إذا رأى ابن الجصاص -: هذا الأحمق المرزوق.

وقال ابن الجصاص يوماً: إني أتمنى أن أخسر، فقيل له: اشتر التمر بالكوفة، وبعه بالبصرة، فاتفق أن نخل البصرة لم تحمل في تلك السنة، فربح ربحاً عظيماً.

وكان وهب الصيدلاني أكثر الناس غفلة، كتب إلى أبيه، وقد خرج يريد الحج؟ إن قدرت أن تضحي عندنا؛ للفرح بهذا العيد، فافعل.

وجاء إلى حجام، ليأخذ من شعره، فلما جلس بين يديه، ذكر أنه نسي منديل كمه، فقال وقال للحجام: لا تأخذ من شعري شيئاً، حتى أعود إليك.

وسقطت ابنته في البئر، فقال: لا تبرحي، حتى آتي بمن يخرجك.

وأتاه ساكن في دار له، فقال له: قد انفتح الكنيف، قال: قد رأيته منذ عامين، فعلمت أنه ينفتح، ولكني ما ظننت أنه ينفتح بهذه السرعة، وإلا كنت أتغداه قبل أن يتعشاني.

وتبخر في ثيابه فاحترقت، فحلف بالطلاق ألا يتبخر إلا عريان.

وجاء ليكسر لوزة، فخرجت من تحت الحجر، فقال: كل شيء يفر من الموت حتى البهائم.

ووقف مغفل على باب داره يبكي، فقال له بعض أصحابه: ما شأنك؟ قال: ولدي الكبير افتصد، فغرق المبزق في ذراعه، وجرى دمه.

وجاء رجل الواعظ، وكان مغفلاً، فوجده يبكي بكاء شديداً، وقال له: ادع الله؛ فقد ارتكبت أمراً عظيماً، قال: وما هو؟ قال: أريد كتمه عن الناس، فأدنني منك، فأدناه وأعطاه أذنه، فقال: إني نكحت بقرة، فأعلى الواعظ صوته وقال: أمنوا على دعائي؛ فإني أدعو الله لهذا الخاطئ أن يتوب عليه؛ فإنه نكح بقرة، فغظى الرجل وجهه وانصرف.

وكان أبو علقمة الصوفي، يجمع الصبيان ويدهن رؤوسهم، ويخرج لهم ريحاً، والصبيان يضحكون، فقيل له في ذلك، فقال: ليس لي شيء أعطيهم. وأحييت أن أفرحهم بهذا، حتى ينصرفوا مسرورين.

ص: 71

ومر بعض أهل البله بباب شوكي، فوطئ شوكة، فدخلت في رجله، فقال للشوكي: اجعلني في حل؛ فلست أقدر على إخراجها الساعة، فأردها لك، قال: قد جعلتك في حل.

وكان ابن عبد النور من أهل ألمرية، مع فطنته في العلم، كثير التغفل، يحكي أنه تفقد قدراً كان يطبخ فيه في بعض متنزهات الطلبة، فذاقه، فوجده ناقص الملح، فزاد فيه غرفة، وبقي فيه من المرق ما في المغرفة دون ملح، ثم عاد وذاق ما بالمغرفة، فلم يجد طعماً، فزاد إلى أن بلغ الملح بالقدر حيث لا يصلح للأكل البتة.

وأدخل يده في مفجر صهريج، فصادفت يده ضفدعة كبيرة، فقال له من حضر: هل وجدت فيه شيئاً؟ قال: نعم، حجر رطب ثم.

وأتى يوماً إلى بعض ولاة ألمرية، وكان له من عتاق الخيل، فطلبه له، وقد كان يعلم حاله في التغفل، فسأله: ما يصنع به؟ قال: أسقي به في السانية بعض اليوم، فصرفه، ووجه له دابة تليق بذلك.

واشترى يوماً فضلة ملف للباسه، فبلها فنقص من ذرعها على العادة، فسار إلى التاجر يطلبه بما نقص منها، فأخذ التاجر يبين له العادة، فلم يقبل منه، وحمله على الكذب.

ونظر بعض أهل البله إلى الهلال، فقال: ربي وربك الله، سبحان الله، خلقك من عود يابس.

ورقد رجل في بيته، فدخلت عليه الشمس من طاق هناك، فعطى وجهه بكمه، فجاءت الشمس على كمه، فغطى كمه بثوب، فطلعت الشمس على ذلك الثوب، فقال: هذا شيء لا يغطى.

وتسوق دلال ثوباً لرجل، فلم يسو له اختياره، فقال الرجل: أنا أولى برخيصي، فدفع للدلال ثمنه الذي بلغ، وأخذ ثوبه.

ودخل رجل على مريض يعوده، وكان شديد المرض، فقال له:(كل نفس ذائقة الموت) .

وتوقف إمام في لفظة من القرآن، فرد عليه شخص بصوت ضعيف، فقال له آخر: ارفع صوتك؛ فإنه أصم، وكانوا جميعاً في الصلاة.

وقال بعضهم: رأيت مؤذناً أذن، ثم عدا، فقلت: إلى أين؟ قال: أنظر إلى أذاني إلى أين بلغ.

وقال: رأيت مؤذناً آخر قد أذن، ثم ذهب، فقلت إلى أين؟ قال: أسمع أذاني من بعيد.

وكان مؤذن يؤذن، وفي يده رقعة، فسقطت من يده، فاحتملتها الريح، فجعل يجري وراءها ويقول: أمسكوا أذاني، أمسكوا أذاني.

واختصم رجلان في جارية مملوكة، فوضعوها على يد مؤذن ليلة، فلما أصبح قال المؤذن: ذهبت الأمانة في الناس، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: أودعوا هذه الجارية عندي على أنها بكر، وقد اختبرتها البارحة، فوجدتها ثيباً.

وكان مؤذن قد اتخذ قرعة يابسة، وثقب فيها ثقبتين، وكان يملؤها بالماء، فإذا وصل الماء إلى الثقب الأول أذن الظهر، وإذا وصل إلى الثقب الثاني أذن العصر، فظن به أحد المؤذنين، فوسع الثقب الأول، فأسرع جري الماء، وتفقدها المؤذن على عادته، فوجد الماء قد وصل إلى الثقب الأول من غير وقت أذان، فأذن فصاح به الناس، فقال: مهلاً عليكم، فإني أعرف بقرعتي.

وكان لقوم إمام أحمق، فقال لهم يوماً، وقد انفتل من صلاته: ويلكم تسابقونني في الصلاة، قالوا: ومن أين لك معرفة هذا؟ قال: ما أركع ركعة ولا أسجد سجدة إلا التفت إليكم؛ أرى ما تفعلون.

وأحدث إمام في الصلاة، فتأخر وقدم رجلاً، وذهب يجدد الوضوء، فظن الرجل الذي قدم في نفسه، أنه لا يجوز له أن يصلي، فوقف ينتظر الإمام، فلما طال قيامه، تنحنح له قوم، فالتفت إليهم وقال: ما لكم، إنما قدمني لأحفظ مكانه.

وتقدم بعض الحمقى، فصلى بقوم المغرب في شهر رمضان، فابتدأ سورة البقرة، فانصرف القوم وتركوه، فلما رآهم قد انصرفوا جعل يقول: سبحان الله، سبحان الله، (إنا أعطينك الكوثر) .

وكان عبد الله اليشكري عاملاً لموسى بن عيسى على المدائن، فصعد المنبر، فلما قال: الحمد لله، ارتج عليه فسكت، فقال بهلول: الذي ابتلانا بك، فجلس وضحك على كل من حضر.

ص: 72

وصعد أبو العنبس منبراً من منابر الطائف، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فأرتج عليه، فقال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: لا، قال: فما ينفعكم أن أقول لكم ما لا تدرون؟ ونزل، فلما كان في الجمعة الثانية صعد المنبر، فقال: أما بعد، ثم أرتج عليه، فقال: أتدرون ما أقول لكم؟ قالوا: نعم، قال: فما حاجتكم إلى أن أقول لكم ما قد علمتم؟ ثم نزل، فلما كان في الجمعة الثالثة، صعد المنبر، فقال: أما بعد، ثم أرتج عليه، فقال: أتدرون ما أقول لكم؟ فقالوا: بعضنا يدري، وبعضنا لا يدري، فقال: فليخبر الذي يدري للذي لا يدري، ثم نزل.

وخطب عبد الله بن عار البصري يوم عيد الأضحى، فأرتج عليه، فقال: والله، لا أجمع عليكم عياً ولؤماً، من أخذ شاة من السوق، فهي له، وعلي ثمنها.

وكان بسجستان رجل يعرف بأبي العباس، يتقلد أعمال السلطان، فجاءه أبوه في أمر إنسان، فاشتد عليه وأضجره، فقال لأبيه: إذا جاءك أحد أن تكلمني فقل له: ليس ذلك ابني، فقال: هذا الذي أقول لهم منذ ثلاثين سنة، فلا يقبلون مني، فخجل الابن، وندم على ما قال.

وكان هبنقة يحسن إلى السمان من إبله، ويسيء إلى المهازيل، فقيل له في ذلك، فقال: أكرم من أكرم الله، وأهين من أهان الله.

وضل له بعير، فجعل بعيرين لمن جاء به، قال: أتجعل بعيرين في بعير؟ فقال: إنكم لا تعلمون فرحة من وجد ضالة.

وافترس الذئب له شاة، فقال له رجل: أخلصها من الذئب، وآخذها؟ فقال له: إذا فعلت، فأنت والذئب سواء، وترك الذئب مضى بها.

وقال نافع: كان الفاخري من أحمق الناس، فقيل له: ما رأيت من حمقه؟ فسكت، فلما أكثروا عليه قال: قال لي مرة: البحر من حفره، وأين ترابه، وهل يقدر أمير المؤمنين أن يحفر مثله في ثلاثة أيام؟ واشترى باقل شاة بأحد عشر درهماً، فلقيه رجل فقال له: بكم اشتريتها ففتح يديه، ونشر أصابعه، وأخرج لسانه، فمضت الشاة طريقها.

وضاع باز لمعاوية بن مروان، فقال: أغلقوا أبواب المدينة؛ لئلا يخرج.

وجاء إليه رجل أحمق منه، فقيل له [هكذا] : تعير لنا ثوباً، نكفن إنساناً وترده إليك، فقال: أخشى أن ينجسه، فلا نلبسه.

وجاء إليه قوم، فقالوا له: مات جارك فلان، وما ترك شيئاً، فعسى أن تأمر له بكفن، فقال: ما عندي اليوم شيء، ولكن تعودون إلينا في غير هذا الوقت.

وقال قاص: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف عليه السلام كذا، وقالوا له: ومتى أكله الذئب؟ قال: فهو اسم الذئب الذي لم يأكله.

وكان بالبصرة ثلاث إخوة من بني عتاب، كان أحدهم يحج عن حمزة، ويقول: استشهد ولم يحج، وكان آخر يضحي عن أبي بكر وعمر، ويقول: أخطأ السنة في ترك الأضحية، وكان الثالث يفطر أيام التشريق عن عائشة ويقول: غلطت في صومها أيام التشريق.

وخطب عدي بن وتاد الإيادي، فقال: أقول لكم كما قال العبد الصالح: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فقيل له: فرعون قال هذا، قال: يا قوم، من قاله فقد أحسن.

ووقع بين شخص وابنه كلام، فقال الابن للأب: والله، لولا أنك أكبر سناً مني، لرأيت ما كنت أصنع بك.

وتلا أبو بكر القاضي في وعظه يوماً قوله تعالى: (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) ثم قال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه.

وكان قوم من أهل العلم يتناظرون في أمر علي ومعاوية، فقال له أحد القوم: وتعرف أنت من علي؟ قال: نعم، أليس هو أبا فاطمة؟ قال: ومن كانت فاطمة؟ قال: امرأة النبي صلى الله عليه وسلم بنت عائشة، أخت معاوية، قال: فما كانت قصته؟ قال: قتل في غزوة صفين مع النبي صلى الله عليه وسلم.

ووقف على شيخ من أهل العلم، فقال: أصلحك الله، سمعت الساعة في السوق شيئاً منكراً، قال: وما هو؟ قال: يشتمون الأنبياء، قال الشيخ: ومن هو من الأنبياء الذي شتم؟ قال له: معاوية، قال له: يا ابن أخي، ليس معاوية نبياً، قال: فقيه نصف نبي، أيشتم؟ وقال أبو علي اللواز يوماً لقوم من أصحابه، دخلوا عليه في داره: والله، لو كان عندي دجاج مشويات، لذبحتها لكم.

وتعرض الأسد لأهل رفقة، فخرج إليهم رجل منهم، فلما رآه سقط الرجل في الأرض، فوثب عليه الأسد، فشدوا عليه بأجمعهم، فتنحى عنه الأسد، فقالوا له: كيف أنت؟ فقال: لا بأس علي، غير أن الأسد خرا في سراويلي.

ص: 73

ومر رجل بحمار على المقابر، فنفر الحمار عند قبر منها، فقال: ينبغي أن يكون صاحب هذا القبر بيطاراً.

ورأى أبو عوانة قوماً قد صلبوا، فجعل يقول: هذا ما وعد الله، وصدق المرسلون، بارك الله لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

وقال أبو العباس: اجتزت يوماً في بعض طرق بغداد، فإذا أنا بامرأة قد عرضت لي، فقالت: بالله، ما اسمك؟ فقلت: أحمد، قالت: وأنا أحب الغرباء فهل لك أن أزوجك جارية حسنة؟ قلت: نعم، قالت: وتلد ولداً وتدعه ينصرف إلى المكتب، فيطلع يوماً للسطح، ويقع منه، وينشق رأسه ويموت، ثم صاحت وصرخت وبكت ولطمت وجهها، فخفت منها أن تكون مجنونة، فمضيت وتركتها، فرأيت شيخاً ينظر إلي على باب الدار، فقال لي: ما لك؟ فحدثته فقال: لا تأخذ عليها، ما الموت إلا مصيبة، ومن يرزق مثل صبرك؟ قال: فرأيت الشيخ أحمق منها.

وكان لبعضهم بغلة، فغضب عليها، وقطع عنها العلف، ثم ركبها فلم تستطع المشي، فقال لخادمه: ما بالها لا تمشي؟ قال: لأنك قطعت عنها العلف، قال: أعطها علفها، ولا تعلمها أني قلت لك شيئاً.

وجرى ذكر رجل، فقال آخر: هو رجل سوء، فقيل له: ومن أين تعلم هذا؟ قال: أفسد علي بعض أهلي، قيل: ومن هن؟ قال: أمي.

وكتب المنصور إلى عبد الله الحارثي، وهو والي البصرة: اقسم المال بين القواعد من النساء، وهن اللائي قعدن عن النكاح، وبين أهل الأعذار، فقال له رجل فقير: اكتبني في العميان، قال: اكتبوه؛ فإن الله تعالى يقول: (فإنها لا تعمى الأبصر ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، قال: واكتب ابني في الأيتام، قال: نعم، من كنت أباه فهو يتيم، اكتب ابنه في الأيتام.

وقال ابن الماجشون: كان لي صديق فقدته زماناً، ثم رأيته، فسألته: أين غاب؟ قال: كنت بالكوفة، فقلت: وكيف صبرت فيها وهم يشتمون أبا بكر وعمر؟ قال: يا أخي، صبرت لهم على ما هو أشد من هذا؟ قلت: وما هو؟ قال: فإنهم يفضلون الكتابي على معبد في الغناء.

وماتت جارية لبعضهم، فلما حملت جنازتها، جعل يقول: خدمت مولاك حق الخدمة في حياتك، وأنا اليوم أكافئك، اشهدوا أني قد حررتها لوجه الله تعالى.

ودخل رجل على مريض، فقال:(إنا لله وإنا إليه راجعون) إذا رأيتم العليل على هذه الصفة، فاغسلوا أيديكم منه، فقال له العليل: قم عني؛ فقد قتلتني.

قال رجل لآخر: قد أحكمت النحو كله إلا ثلاث لقطات أشكلت علي، قال له: وما هي؟ قال: أبا فلان وأبو فلان، وأبي فلان، ما الفرق بينهما؟ قال له صاحبه: أما أبو فلان فللملوك الأمراء والقضاة والحكام، وأما أبا فلان فللتجار وأرباب الأموال والوسط من الناس، وأما أبي فلان فللسفلة والأسقاط والأوباش من الناس.

وقال عبد الله بن طاهر: قلت مرة لرجل: كم اليوم من الشهر؟ قال: ليس أنا، والله، من هذه البلدة.

وختن محمد بن الخليل ولده، فقال للحجام: ارفق به، فإن هذه أول مرة ختناه.

ودخل بعضهم على رجل قد ذهب بصره، والناس يعزونه، فقال له: لا تغتم يا أخي؛ فلو رأيت ثواب ذلك لتمنيت أن يقطع الله يديك ورجليك، فقال له الرجل: فعل الله ذلك بك، وأجزل لك الثواب.

وقال بعضهم: مررت بمؤدب، والصبيان يضربونه، فتقدمت لأخلصه منهم، فقال: دعهم؛ فإنس أتسابق معهم. فإذا سبقهم ضربتهم، وإن سبقوني ضربوني، وهم اليوم قد سبقوني.

وقال صبي لأبيه: ما الذي يزرع حتى ينبت به الخرفان؟ قال: القرون، فجمع القرون وزرع، وما زال يسقيها شهراً، فلم ينبت، فنبشها لينظرها، فلسعته عقرب، فقال: أنتم لم تنبتوا بعد، وصرتم تنطحوني.

وقال الشيباني: مررت ببهلول المجنون، وهو يأكل خبيصاً، فقلت له: أطعمني منه، فقال: والله، ما هو لي، قلت: فلمن هو؟ قال: لعائكة بنت الخليفة، بعثته لي؛ لآكله وحدي.

وحدث الوليد بن بكار قال: كان ابن إدريس عيباً، وكان هو وجماعة يخرجون إلى العقيق يتنزهون، فكان أصحابه يبعثون إلي بيته على لسانه، فيأخذون ما يريدون، فعلم بذلك، فقال لهم: اجهدوا جهدكم؛ فقد قلت لأهلي: إذا جاءكم رأسي في طبق، فلا تبعثوا إلي بشيء، فمضى الرسول إلى أهله وعرفهم بهذا الكلام أمارة، وطلب لهم ما أراد، فأعطوه، فلما حضر ذلك بين يديه قال لهم: قد أعيتني الحيلة فيكم؛ فالله حسيبكم.

ص: 74

وقال الجاحظ: مررت بمعلم، وهو قد حبس ديكاً، وهو يضربه، ويقول له ألف شين، ألف شين، فقلت له: ما هذا؟ فقال لي: أعزك الله، انظر إلى تلك المزبلة، وأشار إلى مزبلة أمام مكتبه، فقال: أنا أنصب فيها فخاخاً؛ لصيد العصافير، فيأتي هذا الديك، فيلتقط الحب الذي أجعله لها، فقلت له: اش، فلا يفهمني، فقلت: لعله لا يعلم، وأردت أن أعلمه؛ حتى يفهمني.

ومات ولد لبعضهم، فقيل له: يغسله فلان، فقال: بيني وبينه عداوة متقدمة، وأخاف أن يرد غيظه على ابني فيهلكه.

واستعمل معاوية رجلاً من كلب على بعض الأعمال، فحضر عنده يوماً أهل علمه، وجرى ذكر المجوس، فقال الكلبي: لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم وأخواتهم والله، لو أعطيت ألف دينار ما نكحت أمي، فبلغ الخبر معاوية، فقال: قبحه الله، ما أظنه إلا لو زاده لفعل.

وكان بالبصرة مجنون يأوي إلى دكان خياط، وبيده قصبة، قد جعل في رأسها كرة، ولف عليها خرقة، لئلا يؤذي الناس بها، فكان إذا أحرجه الصبيان التفت إلى الخياط، فقال له: إنه قد حمي الوطيس، وطاب اللقاء، فما ترى؟ فيقول شأنك بهم، فيشد عليهم بالقصبة وهو يقول:

أشد على الكتيبة، لا أبالي

أحتفي كان فيها أم سواه

فإذا أدرك منهم صبياً، رمى الصبي بنفسه على الأرض، وأبدى له عورته، فيتركه وينصرف عنه، ويقول: عورة المؤمن حمى، ولولا ذلك لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين، ثم يقف ويناديهم:

أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه

خشاش، كرأس الحية المتوقد

ثم يرجع إلى دكان الخياط، فيلقي القصبة من يده، ويقول:

فألقت عصاها، واستقر بها النوى

كما قر عيناً بالإياب المسافر

ودخل أبو عتاب المصاب مع قوم يعودون مريضاً، فبدأ يعزي قومه، فقالوا: إنه لم يمت، فخرج وهو يقول: يموت إن شاء الله، يموت إن شاء الله.

وأغمي على رجل من الأزد، فصاح النساء، وبعث إلى أخيه، فوجده حياً، فقال لهم: اغسلوه؛ فإنكم لن تفرغوا من غسله، حتى يقضي به.

ووعد رجل رجلاً من الحمقى بنعل حضرمية، فطال عليه الانتظار، فأخذ قارورة وبال فيها، ثم أتى إلى الطبيب فقال: انظر في هذا الماء، إن كان يهدي إلى بعض إخواني نعلاً حضرمية.

وكان عيناوة الأحمق جيد القفا، فربما مر به من يزيد العبث به، فيصفعه فجعل سحلاً في قفاه، وقعد على الطريق، فكان إذا ضرب أحد قفاه، قال له: شم يدك يا فتى، فلم يكن أحد يصفعه.

وقال الأصمعي: سوبق بين الخرنفش وهبنقة، أيهما أحمق؟ فجاء الخرنفش بحجارة خفاف من جص، وجاء هبنقة بحجارة ثقال وترس، فبدأ الخرنفش، فقبض على حجر، ثم رفع رأسه، وقال: الترس، ثم رمى بالحجر، فأصاب الترس، فانهزم هبنقة، فقال أصحابه: مالك انهزمت؟ فقال: إنه قال: الترس فأصاب الترس، فلو أنه قال: العين، أما كان يصيب عيني.

وتبع داود بن المعتمر امرأة ظنها من الفواسد، فقال لها: لولا ما رأيت عليك من سيماء الخير ما اتبعتك، فضحكت المرأة وقالت: إنما كان يعتصم مثلي من مثلك بسيماء الخير، وأما إذا صار سيماء الخير هو المعزي، فالمستعان الله.

وقال أبو دحية القاص: ليس في ولا فيكم خير، فتبلغوا بي، حتى تجدوا خيراً مني.

وقال ثمامة بن أشرس: سمعت قاصاً ببغداد، وهو يقول: اللهم ارزقني الشهادة، أنا وجميع المسلمين.

ووقع الذباب على وجهه، فقال: ما لكم؟ كثر الله بكم القبور.

قال: ورأيت قاصاً يحدث بقتل حمزة، فقال: ولما بقرت هند عن كبد حمزة فاستخرجتها عضت عليها ولاكتها، ولم تزدردها، فقال النبي عليه السلام: لو ازدرتها ما مستها النار، ثم رفع القاص يديه إلى السماء وقال: اللهم أطعمنا كبد حمزة.

وتزوج مالك بن زيد فتاة من تميم، فلما دخل على امرأته، رأت منه الجفاء والجهل، فجلس ناحية منقبضاً، فقالت له: ضع شملتك، قال: بدني أولى بها، قالت: فاخلع نعليك، قال: رجلاي أحق بهما، فلما رأت ذلك، قامت وجلست إليه، فلما شم رائحة الطيب ارتاح لها.

وأرسل ابن العجل فرساً له في حلبة، فجاء سابقاً، فقال لأبيه عجل كيف ترى أن أسميه؟ قال: افقأ إحدى عينيه، وسمه الأعور، وفيه يقول الشاعر:

رمتني بنو عجل بداء أبيهم

وأي عباد الله أنوك من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده

فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل

ص: 75