الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسئل أعرابي عن مسألة في الفرائض، ففكر ساعة، ثم قال: انظروا هل مات مع هذا الميت أحد من قرابته؟ فقالوا: ولم؟ فقال: لأن هذه الفريضة لا تصح إلا بموت آخر.
وقال أبو العيناء لأعرابي: إن الله محاسبك، فقال الأعرابي: سررتني؛ إن الكريم إذا حاسب تفضل.
وقال الأصمعي: حضر أعرابي عند الحجاج، فقدم إليه فالوذج، فلما أكل الأعرابي منه لقمة، قال الحجاج: من أكل هذا ضربت عنقه، فامتنع الناس، فجعل الأعرابي ينظر إلى الحجاج مرة وإلى الطعام مرة، ثم قال: أوصيك بالصبية خيراً، وأتى على الأكل، فضحك الحجاج حتى استلقى على ظهره، وأمر له بجائزة.
وقال الأصمعي: دخل علي أعرابي من فزارة بعد المغرب، وأنا أتعشى، فقلت: العشاء، قال: إني صائم، فقلت: قد دخل الليل، قال: قد علمت، ولكني وجدت صوم الليل أهون من صوم النهار، وهما جميعاً واحد، ولن يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وقال الأصمعي: سألت أعرابياً عن شهر رمضان، كيف صاموه؟ قال: تجرد منا ثلاثون رجلاً، فصام كل واحد يومه.
وذكر قوم قيام الليل وما فيه من الأجر، وعندهم أعرابي، فقالوا له: يا أعرابي، أتقوم الليل؟ قال: إي والله، أقوم أبول وأرجع.
وشهد أعرابي عند معاوية، فقال له معاوية: كذبت، فقال الأعرابي: الكاذب، والله، المتزمل في ثيابك، فضحك معاوية، وقال: هذا جزائي.
وقيل لأعرابي: أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم، أم القرآن، ومدحة الرب، وهجاء أبي لهب.
وضل لأعرابي جمل، فجعل ينشده، ويقول: من وجده فهو له، فقيل له: لم تطلبه وقد وهبته لواجده؟ فقال: وأين لذة الوجدان؟ وضل لأعرابي جمل، فحلف بالله أنه إن وجده باعه بدرهم، فوجده، فلزمه بيعه، فشد في عنق الجمل سنوراً، وقال: السنور بمائة درهم، والجمل بدرهم، ولا أبيعهما إلا معاً.
وجمع أعرابي أولاده، وقال: يا بني، أوصيكم بالناس شراً، كلموهم شزراً، وأطعموهم نزراً، ولا تقبلوا لهم عذراً، ولا تقيلوا لهم عثرة، ولا ترحموا لهم عبرة، وقصروا الأعنة، واشحذوا الأسنة، وإياكم والوهن؛ فيطمع الناس فيكم.
وقرأ أعرابي في الصلاة: إنا بعثنا نوحاً إلى قومه، فقال له رجل من خلفه:(إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه) فقال: والله ما يفرق بينهما إلا جاهل.
وسقط أعرابي عن بعير، فانكسرت أضلاعه، فأتى المجبر، فقال له: خذ زبيباً، وانزع عجمه وأقماعه، ودقه واعجنه بعسل، وضمد به الموضع، فقال الأعرابي: من داخل أضمد، أو من خارج؟ قال: اجعله حيث تعلم أنه ينفعك.
وقيل لأعرابي، وقد رئي مغتماً، ما شأنك؟ قال: سوء الحال، وكثرة العيال، قيل: لا تغتم؛ فإنهم عيال الله، قال: قد صدقتم، ولكن كنت أحب أن يكون الوكيل عليهم غيري.
وشوي لأبي جعفر الهاشمي دجاج، ففقد فخذاً من دجاجة، فأمر، فنودي في داره: من هذا الذي تعاطي فعقر، والله، لا، أخبز في هذا التنور شهراً أو يرد، فقال ابنه الأكبر:(أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) .
ورأى أعرابي رجلاً سميناً، فقال له: إني أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك.
وحضر أعرابي على مائدة المغيرة، فجعل يأكل ويتعرق، فقال المغيرة: يا غلام، ناوله سكيناً، فقال الأعرابي: كل امرئ سكينه في رأسه.
وغز أعرابي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوتك هذه؟ قال: حط عنا نصف الصلاة، وأرجو في غزوة أخرى أن يضع عنا النصف الآخر.
وقيل لأعرابي: ألا تغزو الأعداء؟ قال: كيف يكونون لي أعداء، وأنا لا أعرفهم ولا يعرفونني.
وقيل لآخر: ألا تجاهد في سبيل الله؟ فقال: والله، إني لأبغض الموت على فراش، فكيف آتيه ركضاً؟
فصل في المتنبئين
قال أبو الطيب اليزيدي: أخذ رجل ادعى النبوة في أيام المهدي، فأدخل عليه، فقال له: أنت نبي؟ قال: نعم، قال: وإلى من بعثت؟ قال: أو تركتموني أذهب إلى أحد؟ ساعة بعثت ثقفتموني في السجن، فضحك المهدي وخلى سبيله.
وادعى آخر النبوة بالبصرة، فأتى به سليمان بن علي مقيداً، فقال له: أنت نبي مرسل؟ قال: أما الساعة، فإنني نبي مقيد، قال: ويلك، من بعثك؟ قال: ما هذه مخاطبة الأنبياء يا ضعيف العقل، والله، لولا أني مقيد لأمرت جبريل يدمدمها عليكم، وقال: والمقيد لا تجاب دعوته؟ قال: نعم، الأنبياء خاصة إذا قيدوا لا يرتفع دعاؤهم، فضحك سليمان، وقال: إني أطلقك الآن، فأمر جبريل، فإن أطاعك آمنا بك وصدقناك، قال: صدق الله حيث يقول: (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) فضحك سليمان، وسأل عبد الله بن حازم عنه فشهد له أنه ممرور، فخلى سبيله.
وقال خلف بن خليفة: إني لجالس في مجلس عبد الله بن حازم ببغداد، وإذا بجماعة قد أحاطوا برجل ادعى النبوة، فقال له عبد الله بن حازم: أنت نبي؟ قال: نعم، قال: فإلى من بعثت؟ قال: إلى الشيطان الرجيم، فضحك عبد الله، وقال: دعوه يذهب إلى الشيطان الرجيم.
وقال ثمامة بن أشرس صاحب المأمون: كنت في السجن فأدخل علينا رجل ذو هيئة جميلة ومنظر حسن، فقلت له: من أنت - جعلت فداك -؟ قال: أنا نبي مرسل، قلت: فهل عندك دليل؟ فإنك تعلم أن النبوة لا تقبل إلا بالأدلة، قال: نعم، معي أكبر الأدلة، ادفعوا إلي امرأة؛ فإني أحبلها لكم، فتأتي بولد ذكر، يشهد لي بالرسالة.
وقال محمد بن غياث: رأيت في أيام الرشيد جماعة، قد أحاطوا برجل له هيئة حسنة، فقلت: ما قصة هذا؟ قالوا: ادعى النبوة، قلت: كذبتم عليه، مثل هذا لا يدعي الباطل، فرفع رأسه إلي وقال: وما علمك أنهم قالوا على الباطل؟ قلت: فأنت نبي؟ قال: نعم، قلت: وما دليلك على ذلك قال: دليلي أنك ولد زنى، قلت: نبي يقذف المحصنات؟ قال: لهذا بعثت قلت: أنا كافر بما بعثت به، قال:(ومن كفر فعليه كفره) فإذا بحصاة قد وقعت على رأسه، فرفع رأسه إلى السماء، وقال: ما أردتم بي خيراً؛ إذا طرحتموني في أيدي هؤلاء الجهال.
وقال محمد بن غياث أيضاً: ادعى النبوة في أيام المأمون رجل، فقال المأمون ليحيى بن أكثم: امض بنا مستترين حتى ننظر إلى هذا الرجل، وإلى دعواه، فركبا في الليل متنكرين، ومعهما خادم، حتى ضربا عليه الباب، وكان مستتراً بمذهبه، فقال: من أنتما؟ قالا: رجلان يريدان أن يسلما على يديك، ففتح لهما ودخلا، فجلس المأمون عن يمينه ويحيى عن يساره، فقال له المأمون: إلى من بعثت؟ قال: إلى الناس كافة، قال: فيوحى إليك، أم ترى في المنام أم تناجي؟ قال: بل أناجي وأكلم، قال: ومن يكلمك؟ قال: جبريل، قال: ومتى يكون عندك؟ قال: أول الليل قبل مجيئكم بيسير، قال: فما قال لك؟ قال: إنه سيدخل عليك رجلان، فيجلس أحدهما عن يمينك، والآخر عن يسارك والذي يجلس عن يسارك ألوط خلق الله، قال المأمون: أشهد أنك رسول الله، وضحك من قوله، وخرجا من عنده.
وحدث بعض الكوفيين قال: بينما أنا جالس في منزلي، إذ جاءني صديق لي، فقال: إنه ظهر بالكوفة رجل يدعي النبوة، فقم بنا إليه نكلمه ونعرف ما عنده، فقمت معه إلى أن دخلنا عليه، فإذا شيخ خراساني، أخبث من رأيت على وجه الأرض، فقال صاحبي، وكان أعور: دعني حتى أسائله، قلت: افعل، قال له: - جعلت فداك - من أنت؟ قال: نبي، قال: وما دليلك؟ قال: أنت أعور من عينك اليمنى، فاقلع عينك اليسرى، حتى تصير أعمى، وادعني فنرد عليك بصرك، فقلت لصاحبي: أنصفك الرجل، فاقلع عينك، قال: إقلع أنت عينيك جميعاً، وخرجنا من عنده.
وأتي المأمون برجل يدعي النبوة، فقال له: ألك علامة؟ قال: نعم، علامتي أن أعلم ما في نفسك، قال: قربت علي، فما في نفسي؟ قال: في نفسك أني كذاب، قال: صدقت، وأمر به إلى السجن، فأقام فيه أياماً ثم أخرجه، فقال: أوحي إليك شيء؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: الملائكة لا تدخل السجن، فأمر بإطلاقه.
وتنبأ رجل، وتسمى نوحاً صاحب الفلك، وذكر أنه سيكون طوفان على يديه يهلك الناس إلا من ابتعه، ومعه صاحب له قد آمن به وصدقه، فأتى به الوالي، فلم يتب، فأمر به فصلب، وأتى بصاحبه فتاب، فناداه من الخشبة: يا فلان، أسلمتني في مثل هذه الحال؟ قال له: يا نوح، قد علمت أنه لا يصحبك من السفينة إلا الصاري.