المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين - حدائق الأزاهر

[ابن عاصم الغرناطي]

فهرس الكتاب

- ‌حدائق الأزاهر

- ‌لابن عاصم الغرناطي

- ‌حققه وقدم له أبو همام

- ‌عبد اللطيف عبد الحليم

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌ الحديقة الأولى:

- ‌ الباب الأول في مسكت الجواب ومفحم الخطاب

- ‌الباب الثاني

- ‌الباب الثالث

- ‌هنيئاً مريئاً، غير داء مخامر=لعزة من أعراضنا ما استحلت

- ‌الحديقة الثانية

- ‌الباب الأول في ترويح الأرواح بمستحسن المزاح

- ‌الباب الثاني في المضحكات الحسنة، الخفيفة على الألسنة

- ‌الباب الثالث في المضحكات الشعرية

- ‌الباب الرابع في المضحكات المطولات

- ‌الحديقة الثالثة

- ‌الباب الأول في النوادر المستغربة والنكت المستعذبة

- ‌الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين

- ‌فصل في المتنبئين

- ‌الباب الثالث في أخبار المغفلين وأهل البله وما يحكى عن المجنونين، ومن لا عقل لهم

- ‌الحديقة الرابعة في الوصايا والحكم وفيها باب الواحد

- ‌الباب الأول

- ‌الحديقة الخامسة في أمثال العامة وحكمها وفيها باب واحد مرتب على حروف المعجم وفيه

- ‌ال‌‌فصلالأول

- ‌فصل

- ‌أشهر من الريحان في دار العرس

- ‌حرف الألف

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حرف الباء

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌فصل

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزين

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف الكاف

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌‌‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌حرف النون

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

- ‌حرف لام الألف

- ‌حرف الياء

- ‌الحديقة السادسة في الحكايات الغريبة والأخبار العجيبة

- ‌الباب الأول في الحكايات المستطرفة والأخبار المستظرفة

- ‌الباب الثاني في الحكايات والأخبار ذوات الأشعار

- ‌الباب الثالث في حكايات الأولياء والصلحاء والزهاد، وما يرجع إلى ذلك

الفصل: ‌الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين

وكان يجلس إليه خصي لزرياب، قد حج وتنسك، ولزم الجامع، يتحدث في مجلسه، بأخبار زرياب، ويقول: كان أبو الحسن رحمه الله يقول كذا وكذا، فقال له الأعرج: من أبو الحسن هذا؟ قال: زرياب، قال: بلغني أنه كان أخرق الناس.

وسأله مرة أخرى، ما تقول في الكبش الأعرج، أيجوز للذبيحة؟ قال: نعم، والخصي مثل ذلك.

‌الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين

قدم إلى أعرابي كامخ، فأكل منه، فلم يستطبه، وخرج إلى المسجد، والإمام في الصلاة يقرأ:(حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير)، فقال الأعرابي: والكامخ، لا تنسه، أصلحك الله.

وكان موسى بن عبد الملك قد اغتال نجاح بن سلمة في شراب شربه عنده، فقال المتوكل لأبي العيناء بعد ذلك: ما تقول في نجاح بن سلمة؟ فقال: ما قال الله عز وجل (فوكزه موسى فقضى عليه) فاتصل ذلك بموسى، فعتب عليه وقال له: أردت قتلي، فاعتذر له، وافترقا عن صلح، فلقيه بعد ذلك موسى، فقال له: يا أبا عبد الله قد اصطلحنا، فما بالك لا تأتينا؟ فقال:(أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس) فقال موسى: ما أرانا إلا كما كنا.

وقال المتوكل لأبي العيناء: إبراهيم بن نوح النصراني وجد عليك، فقال:(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .

وقال له المتوكل يوماً: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك، فقال:(إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون) .

وقال له رجل: يا مخنث، فقال:(وضرب لنا مثلا ونسى خلقه) .

ولقي خالد بن صفوان الفرزدق، وكان الفرزدق قبيحاً، فقال له خالد: يا أبا فراس، ما أنت بالذي (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) فقال له: ولا أنت بالذي قالت الفتاة لأبيها: (يا أبت استئجره إن خير من استئجرت القوى الأمين) .

وبعث المنصر سليمان بن راشد، إلى الموصل، وضم إليه ألف فارس من العجم، وقال له: قد ضممت لك ألف شيطان تذل بهم أهل الأرض، فلما أتى الموصل عاشوا في نواحيها، وقطعوا الطريق، وانتهبوا الأموال، وانتهى خبرهم إلى المنصور، فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان، فكتب إليه في الجواب (وما كفر سليمن ولكن الشيطين كفروا) فضحك المنصور، وعرف عذره، وأنذر له بجيش غيرهم.

وأتي بأعرابي إلى سلطان، وبيده كتاب فيه مكتوب:(هاؤم اقرءوا كتابيه) فقيل له: إنما قال هذا يوم القيامة، فقال: هذا، والله، أشد، فإن يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي فقط، وتركتم حسناتي.

ورأى أبو الضمضم القاضي رجلاً قريباً من مجلسه يسمع نوادره، فرماه بالدواة، وأمر بسجنه، فقال له الكتاب: كيف أكتب قصته في الديوان؟ قال له: اكتب (استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) .

وأتى أعرابي المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فقام يصلي، فما فرغ قال: اللهم ارحمني وارحم محمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولم حجرت واسعاً يا أعرابي؟ وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً يقول في الطواف: اللهم اغفر لأمي، فقلت له: مالك لا تذكر أباك؟ فقال: أبي رجل يحتال لنفسه.

وسمع أعرابي رجلاً يقرأ: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعملاً) فقال: أنا أعرفهم، فقيل: ومن هم؟ قال: الذين يبردون ويأكل غيرهم.

وكان ابن أبي علقمة غزير اللحية كثيرها، وكان ابن والان قليل اللحية، فاجتمعا يوماً، فقال ابن أبي علقمة لابن والان يعرض بقلة لحيته:(والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا)، فقال ابن والان:(قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) .

وجلس أعرابي مع معاوية على المائدة، فقدم ثريد كثير الدسم، ففجره الأعرابي بإصبعه إلى جهته، حتى سال الدهن إليه، فقال معاوية:(أخرقتها لتغرق أهلها) فقال الأعرابي: لا، ولكن (سقنه لبلد ميت) .

وقرئ بين يدي أعرابي: (كأنهن الياقوت والمرجان) فقال: هؤلاء خلاف نسائكم العجاف.

وكان رجل شهر بالشراب والمعاصي، فوعظه أحد الناس، وقال له: ما تكون حجتك يوم القيامة؟ قال: خضراء مزججة.

وخطب وكيع بن أبي سويد بخراسان، فقال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أشهر، فقيل له: في ستة أيام، فقال: أردت أن أقولها، فاستقللتها.

وقرأ: ألم غلبت الترك، فقيل له: الروم، فقال: كلهم أعداء، كفانا الله مئونتهم.

ص: 61

وصلى رجل فقال في سجوده: يا رب، عبدك العار بن العار، سجد لك، الأيمان تلزمني، ما يغفر لي غيرك.

وقيل للحسن بن هانئ: أي شيء تشتهي؟ قال: ما لا أجده في الدنيا ولا في الآخرة، قيل: وما هو؟ قال: ركوب الصبيان على الحلال.

وكان إمام يطول الصلاة على الناس بالقراءة، فقال له الجماعة: إما أن تقصر، وإما أن تترك الجامع، فصلى يوماً، فلما قرأ: الحم لله، قال: ما تقولون في عبس، قال له الآخر: كيست من فيها.

وقيل لأعرابي يدعي حفظ القرآن: ما أول الدخان؟ قال: الحطب الأخضر.

وقيل لأعرابي: أتحفظ: (لم يكن) ؟ قال: أنا لا أحفظ ما كان، فكيف أحفظ ما لم يكن؟ وقرأ رجل بين يدي قوم:(قل هو الله أحد) فخجل ولم يستطع تمامها، فقال آخر؛ من أراد أن يحضر بقية السورة، فليأت غداً إن شاء الله.

وقيل لأبي النخاس، صاحب الأير الكبير، يدخل فيه سبع قولات مصريات: هل جامعت قط بكراً؟ قال: ما أحصيهن كثيرة، قيل: ويكف كن يأتينك؟ قال: (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) .

وجعلت عصيدة بلا عسل بين يدي أعرابي. فقال: عملت هذه العصيدة من قبل أن يوحي ربك إلى النحل.

وقيل لأعرابي: في أي سورة هو:

الحمد لله لا شريك له

من لم يقلها، فنفسه ظلما؟

ففكر ساعة وقال: في حم الدخان.

وقال أعرابي لآخر: أيهما أفضل عيسى بن مريم أو معاوية؟ فقال: ويلك، تشبه بني النصارى بكاتب الوحي؟ وقال الأصمعي: خرج على قوم في بادية ريح شديدة، فيئسوا من الحياة، ثم سلموا، فأعتق كل واحد منهم مملوكاً أو مملوكة؛ شكراً لله على ذلك، وكان فيهم رجل من بني غفار، فقال: اللهم إنه لا مملوكة لي ولا مملوك، ولكن امرأته طالق ثلاثاً لوجهك.

وكان رجل يقرأ، فقرأ سورة تبارك حتى وصل إلى قوله تعالى:(قل أرئيتم إن أهلكني الله ومن معي) فأرتج عليه، فجعل يكررها، فقال له أعرابي من خلفه: أهلكك الله وحدك، فما ذنب من معك؟ وحكى الأصمعي قال: قرأ رجل: (إنا أرسلنا نوحاً) فأرتج عليه، فجعل يرددها، فقال له نبطي: إن لم يذهب نوح، فأرسل غيره.

وكان ببجاية قاض ماجن؛ فكلما أقبل إليه غلام يعجبه، أو يجلس في حلقته، يقوم على قدميه، ويقول: قولوا عند دعائي: آمين، اللهم ولنا أدبارهم، اللهم اكفلنا أكفالهم، اللهم كبهم على وجوههم، اللهم أعر عوراتهم، واللهم سلط رماحنا عليهم.

ومرض قاض، فدخل عليه أصحابه، فقالوا له: أبشر بالجنة، تقدم عليها، فتأكل من ثمرها، وتشرب من مائها، وتنكح من حورها، فقال بصوت ضعيف: ولكن عندكم أحب إلي.

وجاء رجل إلى قومه، فجعلوه إماماً لصلاتهم، وكان أكثر ما يطعمونه خبزاً وكامخاً، فلما طال عليه ذلك، افتتح الصلاة ذات ليلة، بفاتحة الكتاب، ثم قرأ: يا أيها الذين آمنوا، اتقوا الله، ولا تطعموا إمامكم كامخاً، بل لحماً، فإن لم يكن لحماً، فشحماً، فإن لم تجدوا شحماً فبيضاً، ومن لم يفعل ذلك فقد خسر خسراناً مبيناً، ثم قرأ في الركعة الثانية بعد فاتحة الكتاب: فإن لم تجدوا بيضاً فسمكاً، فإن لم يكن سمكاً فلبناً، ومن لم يفعل ذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً، فلما فرغ من الصلاة، قالوا له: في أي سورة هذا؟ قال لهم: في سورة المائدة.

ومات لامرأة ولد، فأعطت القارئ الذي يقرأ عليه أجرة لم ترضه، فقرأ (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه)، فقالت له: ما هذا الذي قرأت عليه؟ قال لها: قرأت عليه ما يناسب عطيتك، فزادته، فقرأ:(على سرر موضونة متكئين عليها متقبلين يطوف عليهم ولدن مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفكهة مما يتخيرون ولم طير مما يشتهون) .

وكان فقيه يشرب الخمر مع شخص من أبناء الدنيا، فقال له يوماً: يا فقيه، ما يكون جوابك يوم الحشر، لله تعالى؟ قال: أقول: (بنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) .

وسمع ابن أبي مريم هارون الرشيد، يقرأ في صلاة الليل:(وما لي لا أعبد الذي فطرني) ويرددها، فقام من فراشه وقال: لا أدري، والله، فقطع هارون الصلاة، وضحك، وقال: لا تعد.

وسمع أبو العيناء مغنياً غير محسن، فقال: صدق الله: (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) .

وقال أبو نصر: نظرت إلى أبي نواس، وهو يصلي العصر، ثم رأيته بعد ذلك يصلي ركعتين، فقلت له: ما هذا؟ قال: اسكت، يصعد إلى السماء خبر طريف.

ص: 62

ومر بشار برجل في عنقه غل، فقال الرجل، الحمد لله، فقال بشار: استزده يزدك.

وكان رجل يقول الشعر، فيستبرده قومه، فكان يحمل ذلك منهم على الحسد، فقال لهم: بيني وبينكم بشار، فأتى، فأنشده، فلما فرغ قال له بشار: أظنك من أهل بيت النبوة، فقال: وكيف ذلك؟ قال: إن الله عز وجل يقول: (وما علمنه الشعر وما ينبغي له) فضحك القوم وانصرفوا.

وسمع مزيد جاراً له يضرب غلامه، وهو يستغيث، فخرج إليه، وقال له: ما لك تضرب هذا الغلام؟ فقال له: ذنبه عظيم، قال: وما ذنبه؟ قال: سرق حبلاً، حج به أبي، واعتمرت به أمي، فقال: والله لو سرق الكعبة حتى يبقى الناس بلا حج، وما وجب عليه هذا؟ وقال منصور بن عمار يوماً في مجلسه: اللهم اغفر لأعظمنا ذنباً، وأقسانا قلباً، وأقربنا بالخطيئة عهداً، وأشدنا إصراراً على الذنب، فقال مزيد: امرأته طالق إن كان أراد بهذا كله إلا إبليس، فإن هذه الخصال كلها فيه.

ودخل مزيد على خالصة المغنية، فرأى مكتوباً في بعض جانب البيت: آدم وحواء، فقال: ما هذا؟ قلت: سمعت أن الشيطان، لا يدخل بيتاً، مكتوب فيه: آدم وحواء، قال: يا خالصة، دخل عليهما، وهما في جوار رب العالمين، فكيف لا يدخل بيت مغنية.

وشكا رجل إلى مزيد سقوط أسنانه، فقال: الذنب منك، لا لك؛ لأنك تقرأ القرآن، والله تعالى يقول:(إنا سنلقى عليك قولا ثقيلاً) .

وخرج سالم بن عبد الله متنزهاً بأهله وحرمه، فبلغ أشعب الخبر، فوافى الموضع، فصادف الباب مغلقاً، فتعلق بالحائط، فقال له سالم: ويلك يا أشعب، تكتشف على عيالي وبناتي؟ قال:(قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد) ، فأخرج له من الطعام، فأكل وحمل.

وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً شيخاً، متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: يا رب، أنا سفلة من خلقك، وضيع محروم، فمن أنا يا رب حتى تعاقبني؟ فبعزك إلا رحمت ضعفي، وخشيت وذلي، وفقري وناقتي وحرماني وشؤمي وشماتتي، وتفضلت علي، وغفرت لي.

وتغدى الفاخري مع بعض أشراف المدينة، وكان بخيلاً، فلما أحضرت الغداء، قال: يا غلام، هات الدجاجة، فجاء بقدر فيها دجاجة، فلما أكلا منها يسيراً، قال: يا غلام، ارفع، فلما كان في العشاء فعل مثل ذلك، فقال الفاخري: ما أظن هذه الدجاجة إلا من آل فرعون، قال: وكيف ذلك؟ قال: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) .

ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك، وبين يديه جام فيه فالوذج، فقال: ادن يا أعرابي فكل؛ فإن هذا مما يزيد في الدماغ، قال: لو كان الأمر كما تقول، كان رأس الأمير مثل رأس البغل.

ونظر أعرابي إلى جنازة، والناس يقولون: كان سبب موته التخمة، فقال الأعرابي: وما التخمة؟ قيل له: أكل كثيراً فمات، فقال الأعرابي: اللهم اجعل موتي من التخمة.

وضل لأعرابي جمل، فبينما هو يطلبه، إذ رأى في باب الأمير بختياً، فتعلق به وادعاه، فقيل له: جملك عربي، وهذا بختي، فقال: كان عربياً فبتخت عند الأمير، فرفع خبره إلى الأمير، فضحك، وأمر له به.

ودخل أعرابي على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطني البحرين، قال: لست لها بأهل، قال: فاستعملني على البصرة، قال: صاحب أخذته لها، لا أريد عزله، قال: فهب لي ألف درهم وقطيفة، قال: مد أمرت لك بذلك، فلما رجع الأعرابي إلى أهله قيل له: رضيت بعد سؤالك البحرين بألف درهم وقطيفة؟ قال: اسكتوا، فوالله لولا ذلك ما أعطيت شيئاً.

وحج أعرابي، فسبق الناس، فطاف بالبيت وصلى ركعتين، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اغفر لي، قبل أن يدهمك الناس.

ووقفت امرأة على قوم يصلون جماعة، فقرأ الإمام بعض آيات السجود، فسجد وسجدوا، فقالت: صعق الناس، ورب الكعبة.

وصلى رجل بقوم من الأعراب في شهر رمضان، فقام في الصلاة، وخلفه نسوة خلف صف الرجال، فقرأ:"وأنكحوا الأيامى منكم" وأرتج عليه فكررها مراراً، فلما انصرفوا، قالت امرأة منهن لأخواتها: والله، ما زال يأمرهم بنا حتى خشيت أن يثبوا علينا.

وكان أعرابي من بني ضبة، إذا توضأ بدأ بوجهه فيغسله، ثم يغسل فرجه بعد ذلك، فقيل له في ذلك، فقال: والله، لا أبدأ بالخبيث قبل وجهي.

ص: 63

وقيل لأعرابي: أتحسن القرآن؟ قال: نعم، قيل: فاقرأ شيئاً، فقرأ:(تبت يدا أبي لهب وتب) فلما بلغ: (وامرأته حمالة الحطب) سكت، فقيل: لم تتم، قال: لا يليق بمثلي ذكر نساء الأشراف.

وقيل لأعرابي: أتحسن سورة القرآن؟ قال: والله لا أحسن قراءة بنته، فكيف أمه.

وقال الأصمعي: قلت لأعرابي: أتحفظ من القرآن شيئاً؟ قال: نعم، خمس سور، قلت: اقرأها علي، فقرأ ثلاثاً ثم سكت، فقلت: اقرأ السورتين الباقيتين، قال: إني علمتهما ابن عم لي، فوهبتهما له، والله، لا أعود فيما وهبت له.

وقال الأصمعي: صلى أعرابي بالبادية، فقرأ:"الحمد لله" بفصاحة وبيان، ثم قال:

ويوسف إذ أدلاه أولاد غيلة

فأصبح في قعر الركية ثاويا

ثم ركع، فلما فرغ قلت: يا أعرابي، ليس هذا في القرآن، قال: بلى، والله، قد سمعت كلاماً هذا معناه.

وصلى أعرابي خلف إمام صلاة الغداة، فقرأ في صلاته سورة البقرة، وكان الأعرابي مستعجلاً، فلما فرغ حتى انقطع الأعرابي عن شغله، فلما كان في الغد، بكر الأعرابي ليصلي وينصرف في حاجته، فقرأ الإمام سورة الفيل، فقطع الأعرابي صلاته، وولى هارباً، وهو يقول: ما أنت إلا رسول إبليس، قرأت البقرة، فلم تفرغ منها إلى نصف النهار، وتريد أن تقرأ الفيل، فما أظن تفرغ منه إلا مع الليل.

وقيل لأعرابي: من أين معاشكم؟ قال: لو نعيش إلا مما نعلم، لم نعش.

وسأل رجل من بني تميم عن رجل، فقيل له: دعاه ربه فأجاب، قل: ولم أجاب: أو ما علم أن الموت أحد المهالك؟ ودخل أعرابي إلى الحاضرة يوم جمعة، فمر بالجامع والناس قعود، والإمام يخطب، فقال لبعضهم: ما يقول هذا؟ وكان المستول ماجناً، فقال: هو يدعو إلى الطعام، ويقول: ما يرضي الأعراب أن يأكلوا حتى يحملوا معهم، فتخطى الأعرابي رقاب الناس، حتى دنا من الإمام، فقال: يا هذا، إنما يفعل هذا سفهاؤنا.

وقيل لأعرابي: هل لك في النكاح يا أعرابي؟ قال: لو قدرت أن أطلق نفسي لطلقتها.

ونزل عطار يهودي ببعض أحياء العرب، فمات، فأتوا إلى شيخ لهم، لا يقطع أهل الحي في أمر دونه، فأعلموه خبر اليهودي، فجاءه وغسله وكفنه وتقدم وأقام الصلاة خلفه وقال: اللهم إن هذا اليهودي جار لنا، وله ذمام، فأمهلنا نقضي ذمامه في لحده، وشأنه لقه.

واشترى أعرابي غلاماً، ثم قال للبائع: أفيه عيب؟ قال: لا، إلا أنه يبول في الفراش، قال: ما هذا عيب، إن وجد الفراش فليسلح.

وقدم أعرابي على آخر، فقدم إليه قرصاً يابساً، وملحاً جريشاً، فأكله الضيف، فقال له: أشبعت؟ قال: لا، قال: لأنك لم تذكر اسم الله عليه، قال: وكيف أذكر اسم الله الطيب، على قرصك اليابس الخبيث؟ ومر أعرابي وبيده رغيف بغلام بيده سيف، فقال له: يا غلام، بعني ذلك السيف بهذا الرغيف، قال: ويلك، مجنون أنت؟ كيف أبيعك سيفاً برغيف؟ قال الأعرابي: لعن الله شرهما في البطن.

ولقي أعرابي أعرابياً، فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من خلقي، قال: وأين تريد؟ قال: أمامي، قال: كيف العشب؟ قال: رطب ويابس، قال: كيف الماشية؟ قال: ضأن ومعز، وقال: ممن أنت؟ قال: من أم وأب.

وولي أعرابي موضعاً، فلم يحدث في ذلك الموضع حادثة يرتفق بها، فلما طال عليه ذلك، جمع اليهود، وقال لهم: ما الذي فعلتم بالمسيح؟ قالوا: قتلناه وصلبناه، قال: والله، لا تبرحوا حتى تؤدوا ديته، فلما برحوا حتى أدوا ما طلب منهم.

وكان أعرابي والياً على اليمامة، فإذا اختصم إليه خصمان في شيء، يشكل الحكم فيه، يحبسهما حتى يصطلحا، ويقول جزاء ذي اللبس الحبس.

واستعمل أعرابي على بعض كور خراسان، فلما كان يوم الجمعة صعد المنبر، وقال: الحمد لله، فارتج عليه، فقال: أيها الناس، إياكم والدنيا؛ فإنكم لن تجدوها إلا كما قال الله تعالى:

وما الدنيا بباقية لحي

ولا حي على الدنيا بباقي

فقال له كاتبه: أصلح الله الأمير، هذا شعر، وليس من كلام الله، قال: فالدنيا باقية على أحد؟ قال: لا، قال: أفيبقى عليها أحد؟ قال: لا، قال: فيكفيك إذن.

وشهد أعرابي على رجل بشيء لم يره منه، فقال: ويحك، تشهد بشيء لم تره مني؟ قال: نعم، كما أشهد أنك ابن أبيك، ولم أر أباك حين عملك في أمك.

ص: 64