الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلى هذا هو ما يهدف له منهج البحث التاريخي عندهم.
س6: قال لي:
ماذا تعني بنقد المتن؟ أليس المقصود استواء المعنى أو الأسلوب حسب المعيار البشري، وهو معيار ناقص
.
قلت له:
لكن تَحْكيم العقل إلى درجة إلغاء حُكْم العقل، لا يَحْكُمُ به العقلُ وليس ذلك من الدِّقة العلمية، وإنما هو من مجانبة الدِّقة العلمية في نظري.
وأما مِنْ حيث الواقع التاريخي في منهجهم فإليك بعضَ أقوال العلماء في مَدَى استخدام النقد العقلي لدى المحدثين.
يقول الدكتور/ محمد مصطفى الأعظمي:1 "يبدو للوهلة الأولى أن جهود المحدثين كانت منصبة حول
1 "منهج النقد
…
": 81.
الأسانيد، وقلّما تكلموا على المتون، أو بمعنى آخر: قلما استعملوا عقولهم في نقد المتون، والأمر على عكس ذلك إذْ ما من عملية نقد لنص إلا وقد استُعمل فيها العقل، لكن ما كان اعتمادهم على العقل فقط في قبول الحديث أو رده إلا في النادر ولا يمكن أن يكون المنهج العلمي في نقد الأحاديث إلا هكذا. إذْ مِن المستحيل استعمال العقل -من الناحية العقلية نفسها- في تقويم كل حديث".
ولله در الشافعي حيث قال"1": "ولا يُسْتدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبِرِ وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث. وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحدِّث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه""2".
وكيف يحكم المحدثون بالعلة أو الشذوذ في
"1" الرسالة: ص 399،
"2" وانظر قول ابن أبي حاتم الآتي، وكذا قول الخطيب البغدادي.
المتن، أو يعرفون وجودها فيه إلا بعد النظر في المتن ودراسته؟.
يقول د. محمد مصطفى الأعظمي"1": "فالمحدثون ينظرون في نقدهم للحديث إلى ناحيتين أساسيتين هما:
1-
البحث في الرواة.
2-
والبحث في المتن من الناحية العقلية إن اقتضى الأمر ذلك، أما بحثهم عن الرواة فيرتكز في زاويتين هامتين، هما:
أ – شخصية حامل الحديث ومستواه الخُلقي وهو ما يُسمى في اصطلاح المحدثين بالعدالة.
ب- وما رَوَى من العِلم ومدى دقته في نقله، وهو ما يسمى في اصطلاح المحدثين بالضبط والإتقان، لأننا نرى النقاد يصرحون أحياناً بصحة الحديث أو بالأحرى بصحة المتن، وفي الوقت ذاته
"1" منهج النقد عند المحدثين: ص20- 21.
يُخْبِرون بعدم معرفتهم عدالة الراوي، إذ لا يكفي لصحة الحديث أن يكون المتن صحيحاً بغض النظر عن سلوك الراوي، سواء كان صادقاً أم كاذباً، بل لابد أن يكون عدلاً أيضاً".
سئل يحيى بن معين عن حاجب، فقال:"لا أعرفه، وهو صحيح الحديث""1" فإن اختلت العدالة لم تُقبل الرواية. ولو كان ما جاء به من الأحاديث صحيحاً وثابتاً، إذْ ما كانوا يقبلون حديثاً –ولو صحيحاً- إلا من يدٍ نظيفة ورجلٍ عدل، وإذا ثبتت العدالةُ وصحةُ الإسناد ووجدوا مشكلة في قبول الحديث ردوه أيضاً، وقالوا:"صحة الإسناد لا تستلزم صحة المتن".
ويقول د. الأعظمي: "ومن الشروط الأساسية للحديث الصحيح أن لا يكون شاذاً، والشاذ هو: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه أو أكثر عدداً، ولا تعرف المخالفة من الموافقة إلا بمقارنة المتون ومعانيها، ويدل هذا على أن المحدث لا يستطيع أن
"1" عزاه د. الأعظمي إلى: أحمد نور سيف، يحيى بن معين وكتابه التاريخ: 1/120.
يحكم على حديث بالصحة قبل أن يطمئن إلى عدم شذوذ متنه، الأمر الذي يَفْرِض عليه النظرَ في المتن أيضاً""1".
وقال ابن أبي حاتم: "تُعْرف جودة الدينار بالقياس إلى غيره فإن خالفه في الحمرة والصفاء عُلِم أنه مغشوش، ويُعْلم جنس الجوهر بالقياس إلى غيره فإن خالفه في الماء والصلابة علم أنه زجاج، ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون من كلام النبوة، ويعلم سقمه وإنكاره بتفرد مَنْ لم تصح عدالته بروايته. والله أعلم""2".
قال الخطيب البغدادي: "وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدّ بأمور:
أحدها: أن يخالف موجبات العقول، فيُعْلم بطلانه، لأن الشرع إنما يَرِدُ بمجوزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا.
"1" منهج النقد عند المحدثين: ص 83.
"2" ابن أبي حاتم في: تقْدمة الجرح والتعديل: ص351.
والثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيُعْلم أنه لا أصل "له" أو منسوخ.
والثالث: أن يخالف الإجماع فيُسْتَدل على أنه منسوخ، أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه
…
والرابع: أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمُهُ فيدل ذلك على أنه لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم.
والخامس: أن ينفرد بما جَرَت العادة بأن ينقله أهل التواتر، فلا يقبل، لأنه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية.
وأما إذا ورد مخالفاً لقياس أو انفرد الواحد برواية ما تعم به البلوى لم يُرَدّ
…
""1".
"ولقد سئل ابن القيم: هل يمكن معرفة الحديث
"1" الخطيب البغدادي في: الفقيه والمتفقه، ط. دار الإفتاء بالسعودية 1/132- 133.
الموضوع بضابط من غير أن يُنْظر في سنده؟، فأجاب رحمه الله قائلاً:"إنما يَعْلم ذلك مَنْ تضلّع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهَدْيه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه ويدعو إليه، ويحبّه ويكرهه ويشرعه للأمة، بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم وهَدْيه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه ويدعو إليه، ويحبّه ويكرهه ويشرعه للأمة، بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحد من أصحابه""1".
ثم ذكر ابن القيم أموراً كلّيّة يُعْرف بها كون الحديث موضوعاً، منها:
1-
اشتماله على المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله في الحديث المكذوب: "من قال لا إله إلا الله، خَلَق الله من تلك الكلمة طائراً له سبعون ألف لسان
…
".
"1" الإمام ابن القيم في: المنار المنيف
…
: ص 44، وقد أخذته عن طريق إشارة د. الأعظمي إليه في: منهج النقد عند المحدثين.
1-
تكذيب الحِسّ له كقولهم: "الباذنجان لما أُكل له".
2-
سماجة الحديث وكونه مما يُسْخر منه كحديث: "لو كان الأرز رجلاً لكان حليماً، ما أكله جائع إلا أشبعه".
3-
مناقضته لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بَيّنَةً كأحاديث في مدح مَن اسمه محمد وأحمد.
4-
أن يَدَّعِيَ على النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل أمراً ظاهراً بمحضر من الصحابة كلهم وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم ينقلوه، كما يزعم أكذب الطوائف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع:"هذا وَصِيّي وأخي والخليفة بعدي".
5-
أن يكون الحديث باطلاً في نفسه كقولهم: "إذا غضب الله تعالى أنزل الوحي بالفارسية".
6-
أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء فضلاً عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم