الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد كان لهذه الدعوة الجديدة كل المزايا التي تؤهلها للسيادة والانتشار، وتجعل كل من يسمع بها مؤهلًا لاعتناقها لاقترابها من فطرته واتفاقها مع صحيح الدين الذي لا يناقض الفكر والعقل، ولكن كانت هناك دعاية ضخمة مغرضة تختلق القصص عن هؤلاء الدعاة الجدد، وتنشر أفكارًا لمعاداتهم في بلاد لا توجد فيها طريقة مثلى لنقل الأخبار إلا عن طريق المسافرين والقوافل، حيث تتضخم القصص عند تكرارها وإعادتها مع التعديل فيها مرة بعد مرة.
ولعل الوثيقة التي قرأناها آنفًا والتي سلموها للحجاج المغاربة يبينون فيها وجهة نظرهم، هي الإِعلام الوحيد الذي استطاعوا تقديمه للعالم آنذاك.
ناهيك عن أعدائهم وما يملكون من أدوات للحرب الإعلامية تتمثل في الصحف التي تطبع في مصر والشام والعراق وأحيانًا في الحجاز وفي الآستانة وأيضًا باللغات الأوروبية المختلفة في العواصم المختلفة، وكلها موجهة ضد السعوديين وضد أفكارهم الجديدة التي يستهدفون منها نهضة العالم الإسلامي من جديد.
لم يكن لدى السعودين إعلام مكافئ:
كان من عوامل ضعفهم، أنهم لا يملكون ناصية الكلام يتحدثون به إلى العالم ليشرحوا وجهة نظرهم وما يريدون، في وقت كان أعداؤهم فيه يملكون كل وسائل الكلام آنذاك، فليست لديهم الأداة لنقل أفكارهم إلى العالم الذي يتربص بهم، ويستعدى عليهم جماهير المسلمين في كل بقاع الأرض آنذاك.
وقد أحدث هذا سحبًا سوداء كثيفة من الدعاية المغرضة ضدهم، أساسها أحاديث مختلقة وقصص لا أصل لها وقسوة خيالية في التعامل مع أعدائهم، وأنهم
ضد الإسلام والمسلمين، ويريدون هدم المسجد النبوي، ويسبون النبي والعياذ بالله. وكان الأثر الإيجابي لهذه الدعاية السوداء التي انتشرف عبر العالم، أنه إذا قُدِّر لواحد أو أكثر أن يلتقي بهؤلاء الدعاة الجدد ويستمع إليهم، ويرصد سلوكهم، فهؤلاء يكونون خير من يتكلم عنهم، وينشر فضائلهم، ويجذب إليهم عددًا أكبر من الأصدقاء والمؤازرين.
فالكلام الأجوف يتبدد مع الزمن برغم ضرره البالغ في وقته، وتظل الحقائق هي الأساس الجيد للبنيان.
وقد رأينا هذا في حالة الجبرتي شيخ المؤرخين المصريين في ذلك العصر، كيف كان يستمع إلى البيانات الرسمية، ويدونها في يومياته أو تاريخه كما يسمعها ولكن على حذر، ثم يتحول بعد ذلك، عندما تكشفت له الحقائق، وظهرت له الأمور في وضوح، إلى أن يكون من الذين يدافعون عنهم ويقفون في صفهم، ويتحدى في مؤازرته لهم الملوك الجبابرة، ثم يبقى رأيه فيهم تاريخًا يُقرأ على مَرِّ الأيام والقرون.
والذي يبدو أن كتابات الجبرتي تركت في نفوس الناس أثرًا طيبًا عن السعوديين ودعوتهم، وجعلت بعض علماء الأزهر على رأيهم، وصارت لهم في مصر مجموعات على فكرهم وتؤازرهم وتدافع عنهم وتبلغ أخبار أعدائهم إليهم فيأخذون حذرهم قدر استطاعتهم.
***