الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قمة التعاطف المصري الوهابي
ويتمثل هذا التعاطف هذه المرة في موقف حفيد "محمد علي" وهو "عباس باشا ابن طوسون بن محمد علي" ثالث الولاة من أسرة محمد علي بمصر، ولد بجُدة، ونشأ بمصر، وتولى الحكم بعد وفاة عمه إبراهيم باشا في أواخر سنة 1264هـ، وكان شديد البغض للأوربيين حذرًا من دسائسهم، أنجد الترك العثمانيين بخمسة عشر ألف مقاتل في حربهم مع الروس، المعروفة، بحرب القرم ..
وفي أيامه نُفي السحرة والدجالون والمشعوذون إلى السودان، وقد قُتِل بقصره في بنها سنة (1270هـ،1854 م) -رحمه الله تعالى- (1).
(وكان "محمد علي" قد أرسل أول بعثة مصرية إلى فرنسا، وكانت تتكون من أربعين شابًّا من الأتراك والمصريين، زاد عددهم فيما بعد، ولما عاد أعضاء البعثة اعتمد عليهم "محمد علي"، وأحلهم محل الأجانب، ومضى أبناؤه من بعد على ذلك في الاهتمام بأمر مصر التي أصبحت ملكًا لهم، حتى وصل الأمر إلى حفيده "إسماعيل بن إبراهيم" الذي كان يقول:"إن بلادي ليست من أفريقيا، بل هي جزء من أوروبا".
ولم يشذ عن هذا الخط من أبناء "محمد علي" إلا خليفتهُ وابنُ ابنه الأكبر "طوسون" الذي ولي بعد وفاة "إبراهيم باشا": وهو "عباس باشا الأول" رحمه الله.
(1)" الأعلام" للزركلي (3/ 261).
ولقد كان هذا الرجل قد تربى تربية دينية شرقية، وعُرف عنه بغضه للفرنساويين، وبلغ به الأمر إلى أن عمل على إيقاف إيفاد البعثات إلى فرنسا، واتخذه الأوربيون عمومًا -ولا سيما في فرنسا- التي كانت تعرف بغضه لها- هدفًا لسهامهم.
لذلك يقول عنه بروكلمان: " إنه كان مسلمًا متعصبًا يزدري التربية الأوربية ازدراءً بعيدًا"، ويتهمه بأنه كان طاغية، والحق أنه كان متدينًا تقيًا.
ويدل على ذلك أمران:
أحدهما: قبل ولايته؛ فقد استطاع "عباس الأول" محافظ مصر آنذاك لجده "محمد علي" أن يخرج الوهابيين من أبناء ابن سعود (1) والذين سجنهم "محمد علي" في القلعة بحيلة دبرها، ولم يستطع الجنود أن يخبروا "محمد علي" إلا بعد ثلاثة
(1) كان تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود -مؤسس الدولة السعودية الثانية- قد فَرَّ من أمام إبراهيم باشا بعد معركة الدرعية وتمكن من استرداد الرياض 1236هـ فصار الإمام الخامس، وبه انتقلت الإمامة من سلالة عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى سلالة أخيه عبد الله بن محمد، وما زالت فيهم إلى اليوم، وقد قتله ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن بن مشاري بن سعود، وتولى مكانه، إلا أن ابنه فيصلًا اقتص لأبيه، واسترد الملك 1250هـ، ومن الجدير بالذكر أن فيصلًا هذا كان من ضمن من نُقل إلى مصر من آل سعود، وتربى فيها، ثم رجع بلى أبيه وتولى قيادة جيشه ومعاونته على تدبر شئون الإمارة، وذلك بعد أن تمكن من الفرار من مصر، أو ربما سُهِّل له الفرار في عهد عباس باشا الأول -انظر:"السعوديون والحل الإسلامي" ص (199، 200) - ومن ذريته ابناه عبد الله وسعود، ومن ذرية هذا الأخير ابنه عبد الرحمن بن فيصل والد عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل مؤسس الدولة السعودية الثالثة الممتدة إلى اليوم، انظر:"سلفية لا وهابية" ص (228 - 250).
أيام خوفًا منه، ولكنه على كل حال لم يفعل شيئًا لأنه كان يثق بعباس، ومنذ ذلك الحين صار عباس صديقًا حميمًا لفيصل بن سعود إلى نهاية حياتههما.
ولا ريب أن انتشار أئمة الدعوة في مصر كان له الفضل الأكبر في سريان حقائق الدعوة هناك، ولا سيما أن هؤلاء "الوهابيين" كانوا طلبة علم، فالتحقوا بالأزهر، ودرسوا فيه، ودرَّسوا
…
والأمر الآخر: أن "عباسًا الأول" كان الوحيد من أولاد "محمد علي" الذي كان يتردد إلى المساجد في شهر رمضان لاستماع الدروس والمواعظ الدينية، وفي أيام "عباس باشا" لم يكن أحد يستطيع أن يسير في الشوارع وقت الصلاة وإلا تعرض لسياط "الشاويشية" الأتراك، جنود عباس، وفيما عدا عباسًا كان أبناء "محمد علي" جميعًا يميلون إلى أبيهم "محمد علي الكبير" ويتبعون سياسته في الحكم مائلين إلى الغرب) (1) اهـ
…
(1) انظر: "منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة" لتامر متولي ص (37 - 40).