الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخيرًا فإن هذا الجزء الذي طرحه الجبرتي للتداول يتضمن مقابلة الجبرتي للأمراء السعوديين عندما جاءوا إلى مصر. وقد أقر الجبرتي على نفسه بأنه اجتمع بهم مرتين، اجتمع بزعيميهما عبد العزيز وعبد الله .. وربما رافقهما في زيارتها للأزهر، وإن لم يذكر ذلك صراحة، كما فعل بالنسبة للاجتماعين، وإن كان قد وصف زيارتهما للجامع الأزهر كمن رأى .. فقال:"لما دخلوا الجامع سألوا عن أهل مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وعن الكتب الفقهية المصنفة في مذهبه، فقيل انقرضوا من أرض مصر بالكلية، واشتريا نسخًا من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الستة المجمع على صحتها وغير ذلك".
ويقول الجبرتي إنه اجتمع بهما مرتين:
"فوجدت منهما أنسًا وطلاقة لسان وتضلعًا ومعرفة بالأخبار والنوادر، ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق وحسن الأدب في الخطاب والتفقه في الدين، واستحضار الفروع الفقهية، واختلاف المذاهب فيها، ما يفوق الوصف، واسم أحدهما عبد الله، والآخر عبد العزيز، وهو الأكبر حِسًّا ومعنى".
صدقت وبررت يا شيخنا:
صدقتَ، وأنف الباشا وقادته من الترك والألبان في الرَّغام ..
صدقت، وإن كلفتك هذه الاجتماعات، التي رصدها جواسيس الباشا الذي كان يملك بلا شك، أدق جهاز مخابرات في الشرق، وكذلك ما كتبته، ولابد أنه ترجم للغة الباشا في أحد التقارير .. كلفتك حياتك إلا أنهما صانت شرف الكلمة، شرف علم التاريخ، وشرف المثقف المصري.
وصل عبد الله بن سعود أسيرًا، وسلم ما كان بحوزة أبيه من مجوهرات الحجرة النبوية، ورحَّلوا عبد الله إلى الآستانة حيث أعدمه الأتراك رغم شفاعة محمد علي، ويتحدى الجبرتي السلطان، فيسجل أن ضحاياه من السعوديين "ذهبوا مع الشهداء"(1).
صدقتَ ....
وهل من شهادةٍ أكرم من شهادة من مات عن دينه وقومه ووطنه وأهله في الحاضر والمستقبل؟!
"وجاء بواقي الوهابية بحريمهم وأولادهم وهم نحو الأربعمائة نسمة وأسكنوا بالقشلة التي بالأزبكية، وابن عبد الله بن سعود بدار عند جامع مسكة هو وخواصه من غير حرج عليهم، وطفقوا يذهبون ويجيئون ويترددون على المشايخ وغيرهم، ويمشون في الأسواق، ويشترون البضائع والاحتياجات".
كانت الحركة الوهابية معارضة لتيار التاريخ، أي لاتجاه الأحداث نحو سقوط العالم الإسلامي في قبضة الغرب، ومن ثم كانت هزيمتها نتيجة منطقية، وانتصارها هو الأعجوبة. كذلك كان صوت الجبرتي، نشازًا في اللحن الجنائزي للحريات الذي كانت تكتب نوتته في القلعة على يد طبلخانة الباشا وجلاوزته .. وكان لا بد أن يخنق الصوت:"قتلوا ابنه ثم مات هو".
(1) حيث قال الجبرتي في "تاريخه": "وفيه -جمادي الأولى 1234 هـ- وصلت الأخبار أيضاً من عبد الله بن سعود أنه لما وصل إلى إسلامبول طافوا به البلدة، وقتلوه عند باب همايون، وقتلوا أتباعه أيضًا في نواح متفرقة، فذهبوا مع الشهداء" اهـ (3/ 600).
لا أحد يدري أمات حزنًا على ابنه، وانهيار الحُلْم الوهابي؟! أم - كما هو شائع بجرعة من السموم التي كان أطباء الباشا من الفرنجة يعدونها لترسانته؟! (1).
وبقيت الصفحة المشرفة ..
صفحة حركة عربية - إسلامية مجاهدة لتحرير الوطن العربي وتوحيده تحت راية الإسلام.
وصفحة مؤرخ أنصف هذه الحركة وبرأ ساحة المصريين من دمها الطاهر الذي سفحه باشا تركي بجند الدولة العثمانية] اهـ
…
(1) انظر ص (78).