المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في مناظرة الخوارج - الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة - جـ ٢

[حياة بن محمد بن جبريل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثالث: الآثار عن عمر في الاعتصام بالكتاب والسنة وموقفه من أهل الأهواء والبدع وأهل الذمة

- ‌الفصل الأول: الآثار عن عمر في الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌المبحث الأول: الأثار عن عمر في وجوب لزوم الجماعة

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة عنه في اتباع الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الحرص على لزوم السنة والذب عنها

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر في الأمر بالتمسك بما عليه الفطرة

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر في التمسك بأخبار الآحاد في العقيدة

- ‌المبحث السابع: الآثار عن عمر في الاعتصام بسنة الخلفاء الراشدين

- ‌الفصل الثاني: الآثار عن عمر في التحذير من الأهواء والبدع

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر في بيان سمات أهل الأهواء والبدع

- ‌الفصل الرابع: الآثار عن عمر في النهي عن الخصومات في الدين وحثه على الجدال بالتي هي أحسن

- ‌الفصل الخامس: موقفه من الخوارج

- ‌المبحث الأول: موقفه من خروج الخوارج عليه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في مناظرة الخوارج

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في الحكم على الخوارج

- ‌الفصل السادس: موقفه من الشيعة

- ‌الفصل السابع: موقفه من القدرية

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في الرد على القدرية ومنهجه في ذلك

- ‌المبحث الثاني: رد عمر على القدرية في رسالته المشهورة

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الحكم على القدرية

- ‌الفصل الثامن: الآثار عن عمر في الرد على فرق مختلفة:

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في الرد على المرجئة

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في الرد على الجهمية

- ‌المبحث الثالث: موقف عمر بن عبد العزيز ممن يُزهّد في العلم الشرعي من الفرق الضالة

- ‌الفصل التاسع: موقفه من أهل الذمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في مناظرة الخوارج

‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في مناظرة الخوارج

.

ذكرنا فيما سبق موقف عمر من الخوارج الخارجين عليه عموما ويتبين من هذا المبحث موقفه من الذين كتبوا إليه وكتب إليهم طالبا المناظرة معهم، إذا كانوا مستعدين لذلك، وقد وجد من بعضهم آذانا صاغية حسب الروايات التي بلغتنا وفي هذا ما يرويه ابن عبد الحكم وغيره مما يأتي:

267/1- ابن عبد الحكم قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الخوارج: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى هذه العصابة، أما بعد: أوصيكم بتقوى الله فإنه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} 1.

أمابعد: فقد بلغني كتابكم والذي كتبتم فيه إلى يحيى بن يحيى، وسليمان بن داود، والذي أتى إليهما وإن الله تبارك وتعالى يقول:

1 الآيتان 2-3 من سورة الطلاق.

ص: 699

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْأِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 1.وقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 2. وقال: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} 3.

وإني أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأدعوكم أن تدعوا ما كانت تهراق عليه الدماء قبل يومكم هذا في غير قوة ولا تشنيع. وأذكركم بالله أن تشبهوا علينا كتاب الله وسنة نبيه ونحن ندعوكم إليهما. هذه نصيحة منا نصحنا لكم فإن تقبلوها فذلك بغيتنا، وإن تردوها على من جاء بها فقديما ما استغش الناصحون، ثم لم نر ذلك وضع شيئا من حق الله، وقد قال العبد الصالح لقومه: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ

1 الآية 7 من سورة الصف.

2 الآيتان 125 من سورة النحل.

3 الآية 35 من سورة محمد.

ص: 700

عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} 1، وقال الله عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3.

268/2-البلاذرى: قال كتب عمر كتابا إلى الخوارج فلما قرأوها قالوا: نوجه رجلين يكلمانه فان أجابنا فذاك وإن أبى كان الله من ورائه فأرسلوا مولى لبنى شيبان يقال له عاصم ورجلا من بنى يشكر من أنفسهم فلما دخلا عليه قالا: السلام عليكم وجلسا، فقال لهما عمر: أخبراني ما أخرجكما مخرجكما هذا؟ وأي شيء نقمتم علينا؟ فقال عاصم وكان حبشيا: ما نقمنا عليك في سيرتك لتحري العدل والإحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضى من المسلمين ومشورة أم ابتززتم إمرتهم؟ قال ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم على مشيئتهم وعهد إلي رجل عهدا لم أساله الله قط لا في سر ولا علانية فقمت به ولم ينكره علي أحد ولم يكرهه غيركم وأنتم ترون الرضا بكل من عدل وأنصف من كان من الناس فأنزلوني ذلك الرجل فإن خالفت الحق وزغت عنه فلا طاعة لي

1 الآية 3 من سورة هود.

2 الآية 108 من سورة يوسف.

3 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص79-80. وابن الجوزي سيرة عمر ص99 ببعض اختلاف في اللفظ.

ص: 701

عليكم قالا: بيننا وبينك أمر إن أعطيتناه فأنت منا ونحن منك، وإن منعتنا فلست منا ولسنا منك. قال عمر: وما هو؟ قال: رأيتك خالفت أعمال أهل بيتك وسلكت غير طريقهم وسميتها مظالم، فإن زعمت أنك على هدى وهم على ضلال فابرأ منهم والعنهم، فهو الذي يجمع بيننا وبينك أو يفرق قال: فتكلم عمر عند ذلك فقال: إني قد عرفت أو ظننت أنكم لم تخرجوا لطلب الدنيا، ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم سبيلها. وأنا سائلكم عن أمر فبالله لتصدقاني عنه فيما بلغه علمكما. قالا: نفعل. قال: أرأيتم أبابكر وعمر أليسا من أسلافكم وممن تتولون وتشهدون لهما بالنجاة؟ قالا: بلى. فقال: هل تعلمون أن العرب ارتدت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلهم أبو بكر فسفك الدماء، وسبي الذراري، وأخذ الأموال؟ قالا: قد كان ذلك. قال: فهل تعلمون أن عمر لما قام بعده رد تلك السبايا إلى عشائرهم؟ قالا: قد كان ذلك. قال: فهل برئ أبو بكر من عمر أو عمر من أبي بكر؟ قالا: لا. قال: فهل تبرأؤن من واحد منهما؟ قالا: لا. قال: أخبراني عن أهل النهروان أليسوا من أسلافكم وممن تتولون وتشهدون لهم بالنجاة؟ قالا: بلى. قال: فهل تعلمون أن أهل الكوفة حين خرجوا إليهم كفوا أيديهم فلم يخيفوا آمنا، ولم يسفكوا دما، ولم يأخذوا مالا؟ قالا: قد كان ذلك. قال: فهل تعلمون أن أهل البصرة حين خرجوا إليهم مع

ص: 702

عبد الله بن وهب الراسبي1 استعرضوا الناس فقتلوهم، وعرضوا لعبد الله ابن خباب2 صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوه وقتلوا جاريته، ثم صبحوا حيا من العرب يقال لهم بنوا قطيعة فاستعرضوهم فقتلوا الرجال والنساء، والولدان حتى جعلوا يلقون الأطفال في قدور الأقط وهي تفور بهم قالا: قد كان ذلك. قال: فهل برئ أهل الكوفة من أهل البصرة، أو أهل البصرة من أهل الكوفة؟ قالا: لا. قال: فهل تبرأون من طائفة منهما. قالا: لا. قال عمر: أخبراني أرأيتم الدين واحدا أم اثنين؟ قالا: بل واحد. قال: فهل يسعكم فيه شيء يعجز عني؟ قالا: لا. قال: فكيف وسعكم أن توليتم أبابكر وعمر وتولى كل واحد منهما صاحبه وقد اختلفت سيرتهما؟ أم كيف وسع أهل الكوفة أن تولوا أهل البصرة وأهل البصرة أهل الكوفة وقد اختلفوا في أعظم الأشياء: في الدماء والفروج، والأموال. ولا يسعني بزعمكما إلا لعن أهل بيتي والبراءة منهم، فإن كان لعن أهل الذنوب فريضة مفروضة لابد منها فأخبرني عنك أيها المتكلم متى عهدك بلعن أهل فرعون، ويقال: بلعن هامان؟ قال: ما أذكر متى لعنته. قال: ويحك فيسعك ترك لعن فرعون، ولا يسعني بزعمك إلا لعن أهل بيتي والبراءة منهم؟ ويحك إنكم قوم جهال. أردتم أمرا فأخطأتموه، فأنتم تقبلون من

1 تقدم ترجمته أثر رقم 261.

2 تقدم ترجمته أثر رقم 261.

ص: 703

الناس ما رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتردون عليهم ما قبل منهم ويأمن عندكم من خاف عنده، ويخاف عندكم من أمن عنده. قالا: ما نحن كذلك. قال: بلى، تقرون بذلك الآن. هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس وهم عبدة أوثان فدعاهم إلى أن يخلعوا الأوثان، وأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن فعل ذلك حقن دمه وأمن عنده، وكان أسوة المسلمين ومن أبى ذلك جاهده؟ قالا: بلى. قال: أفلستم أنتم اليوم تبرأون ممن يخلع الأوثان وممن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. وتلعنونه وتقتلونه وتستحلون دمه وتلقون من يأبى ذلك من سائر الأمم من اليهود والنصارى فتحرمون دمه ويأمن عندكم؟ فقال الحبشي: ما رأيت حجة أبين ولا أقرب مأخذا من حجتك، أما أنا فأشهد أنك على الحق وأنني برئ ممن خالفك. وقال للشيباني فأنت ما تقول؟ قال: ما أحسن ما قلت وأحسن ما وصفت ولكن أكره أن أفتات على المسلمين بأمر لا أدري ما حجتهم فيه حتى أرجع إليهم فلعل عندهم حجة لا أعرفها. قال: فأنت أعلم. قال: فأمر للحبشي بعطائه وأقام عنده خمس عشرة ليلة ثم مات ولحق الشيباني بقومه فقتل معهم1.

1 البلاذرى:كتاب جمل من أنساب الأشراف 8 /211 - 215 وانظر: ابن عبد الحكم سيرة عمر ص112- 115 باختلاف ألفاظ، وانظر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر فقد رواه بسندين له وقال محقق الكتاب حاكما على السندين بأنهما لا بأس بهما باختصار ألفاظ مما هنا 2/965-967.

وقد أخرج الأثر أيضا المسعودي في مروج الذهب 2/175- 178، وابن الجوزي سيرة عمر ص98-99، وأبو حفص الملَاّء 2/500-503. وقد تقدم تخريج طرف منه برقم 261.

ص: 704

269/3- ابن عبد الحكم قال: ودخل رجلان من الخوارج على عمر ابن عبد العزيز فقالا: السلام عليك يا إنسان، قال: وعليكما السلام يا إنسانان. قالا:

وقد تقدم برقم (262) .

270/4- ابن الجوزي قال: حدثنا أرطأة بن المنذر قال: سمعت أبا عون يقول: دخل ناس من الحرورية على عمر بن عبد العزيز فذاكروه شيئا، فأشار إليه بعض جلسائه أن يرعبهم، ويتغير عليهم فلم يزل عمر بن عبد العزيز يرفق بهم حتى أخذ عليهم ورضوا منه أن يرزقهم ويكسوهم ما بقي. فخرجوا على ذلك فلما خرجوا ضرب عمر ركبة رجل يليه من أصحابه، فقال: يا فلان إذا قدرت على دواء تشفي به صاحبك دون الكي فلا تكوينه أبداً1.

1 ابن الجوزي سيرة عمر ص81 ولم أجد هذه المحاورة في مصدر آخر.

ص: 705

271/5- ابن الجوزي أيضا قال: وعن الوليد بن مسلم قال: قال الأوزاعي: لما استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إليه رجل من الشراة يقال له عمرو بأبيات:

قل للمولى على الإسلام مؤتنفا

وقد يرى أنه رث القوى واهي

إذ رابه معشر عدوه مأكلة

بنخوة الملك والإسراف والباه

إنا شرينا بدين الله أنفسنا

نبغي بذاك إليه أعظم الجاه

ينهىالولاةبحدالسيف عن سرف

كفى بذاك لهم عن زاجر ناهي

وإن قصدت سبيل الحق يا عمرا

آخاك في الله أمثالي وأشباهي

وإن لحقت بقوم كنت واعظهم

في جور سيرتهم فالحكم لله

قال: فأجابه عمر بن عبد العزيز:

ياأيها الرجل المهدي نصيحته

إن المحاسن والتوفيق بالله

إن كان أمر من السلطان تنكره

فماعرى الدين والإسلام بالواهي

هذا الكتاب كتاب الله نقرؤه

مصدق الوحي فينا آمر ناهي

فقد يزل الذي يبقى الهدى رهقا

عند الشريعة وهو العالم الواهي

الملك ياعمرو ملك الله خالقنا

والحكم ياعمرو مردود إلى الله

قال: فأتاه فبايعه ولم يخرج عليه1.

1 ابن الجوزي سيرة عمر ص282-283، ولم أجد هذا الأبْيات في مصدر آخر.

ص: 706

272/6- ابن جرير الطبري قال: وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى1، أن الذي خرج على عبد الحميد بن عبد الرحمن بالعراق في خلافة عمر بن عبد العزيز شوذب واسمه بِسطام من بني يشكر فكان مخرجه بجوخَى2 في ثمانين فارسا أكثرهم من ربيعة.

فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد ألا تحركهم إلا أن يسفكوا دما، أو يفسدوا في الأرض، فإن فعلوا فحل بينهم وبين ذلك، وانظر رجلا صليبا حازما فوجهه إليهم، ووجه معه جندا. وأوصه بما أمرتك به. فعقد عبد الحميد لمحمد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين من أهل الكوفة، وأمره بما أمره به عمر، وكتب عمر إلى بسطام يدعوه ويسأله عن مخْرجه، فقدم كتاب عمر عليه. وقد قدم عليه محمد بن جرير، فقام بإزائه لا يحركه، ولا يهيجه فكان في كتاب عمر إليه: إنه بلغني أنك خرجت غضبا لله ولنبيه، ولست بأولى بذلك مني. فهلم أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل فيه الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك، فلم يحرك بسطام شيئا وكتب إلى عمر: قد أنصفت، وقد بعثت إليك رجلين

1 معمر بن المثنى أبو عبيدة التيمي مولاهم. صدوق إخباري وقد رمي برأي الخوارج. تقريب ص541.

2 جوخي -بضم والكسر وقد يفتح- اسم نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد بالجانب الشرقي منه. انظر معجم البلدان 2/179.

ص: 707

يدارسانك ويناظرانك. قال أبو عبيدة: الرجلين اللذين بعثهما شوذب إلى عمر مخدوج مولى بني شيبان، والآخر من صليبة بني يشكر -قال: فيقال: أرسل نفرا فيهم هذان، فأرسل إليهم عمر: أن اختاروا رجلين، فاختاروهما، فدخلا عليه فناظراه، فقالا له: أخبرنا عن يزيد لم تقره خليفة بعدك؟ قال: صيره غيري، قالا: أفرأيت لو وليت مالا لغيرك، ثم وكلته إلى غير مأمون عليه، أتراك كنت أدَّيت الأمانة إلى من ائتمن قال: أنظراني ثلاثا، فخرجا من عنده، وخاف بنو مروان أن يخرج ما عندهم وفي أيديهم من الأموال، وأن يخلع يزيد، فدسوا إليه من سقاه سما، فلم يلبث بعد خروجهما من عنده إلا ثلاثا حتى مات1.

273/7- روى البلاذري فقال: كتب عمر إلى الخوارج فقال: إلى العصاة الذين خرجوا بزعمهم التماس الحق أما بعد: فإن الله تعالى لم يلبس على العباد أمورهم، ولم يتركهم سدى، ولم يجعلهم في عمياء، فبعث إليهم النذر، وأرسل إليهم الكتب، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا وأنزل عليه كتابا حفيظا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، قد علم ما تأتون وما تتقون فأوصيكم بتقوى الله وشكر نعمه والاعتصام بحبله والتوكل عليه فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا

1 ابن جرير الطبري: تاريخ الطبري 5/555-556. وفي الأثر زيادات يشك في صحتها لكون أبي عبيدة يرى رأي الخوارج. والله أعلم.

ص: 708

ويرزقه. وقد بلغني كتابكم وما دعوتموني إليه ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام وقد خاب من دعى إلى الحق فلم يجب وذكرتم نعم الله على عباده وما أمرهم به من الطاعة فلله الحجة البالغة وسألتموني أن أحكم بالعدل وأقوم بالقسط وفي الحق مقنع وفوز نجاة لمن عمل به ولكل نبأ مستقر فلكم الذي سألتم وبالله التوفيق، وسألتموني رد من كان في صدر هذه الأمة من الأئمة إلا ما كان من حكم أبي بكر وعمر وعلي قبل الحكمين ومن كان بعدهم من الأئمة كانوا أقرب عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والله يشهد على أحكامهم ويعلمها، وسألتموني الإذن لكم في قدوم طائفة منكم علي فمن أحب ذلك فليقدم علي آمنا لا أحجبه ولا أبسط إليه يدا وأني أدعوكم إلى الله تعالى ورسوله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإنابة إلى أمر الله تعالى فأذكركم أن لا تخالفوا أمر الله تعالى وكتابه وسنة نبيه فقد بين لكم الهدي وأراكم البينات، فاقبلوا أمر الله وإياكم والبدع، والغلو في الدين، والسؤال عما كفيتموه. فقد سبق فيه من الله تعالى ما قد سمعتموه من قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} 1، فهذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة فإن تقبلوا يقبل الله تعالى منكم وإن تعرضوا فإن الله أمامكم ومن ورائكم فمن

1 الآية 101 من سورة المائدة.

ص: 709

ذا يعجز الله وشر الدواب عند الله الصم، البكم، وقلتم لا حكم إلا لله، فالحكم لله العظيم، {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 2.

التعليق:

يتضح من الآثار السابقة مناظرات عمر بن عبد العزيز مع الخوارج، وقد سلك معهم في هذه المناظرات السابقة المسلك الصحيح الذي تبعه سلفنا الصالح كابن عباس، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيرهما من أئمة السلف حين ناظروا الخوارج3، وبينوا لهم شبههم التي تعلقوا بها، ويبدو من الآثار السابقة أن عمر بن عبد العزيز قد طمع في رجوع هؤلاء الخوارج وقد دحض شبههم التي يظنونها أدلة ولاشك " أن الخوارج إنما أتاهم الخطأ والغلط من سوء فهمهم للقرآن ومقصودهم اتباع القرآن ظاهرا وباطنا، ولكنهم كما قال عمر رحمه الله قوم جهال يردون من الناس ما قبله الرسول منهم، ويأمن عندهم الخائف الكافر، ويخاف عندهم

1 الآية 50 من سورة المائدة.

2 البلاذرى: كتاب جمل من أنساب الأشراف 8/212-215، والعيون والحدائق لمؤلف مجهول ص41-42 من خلافة الوليد بن عبد الملك إلى خلافة المعتصم "ط" مكتبة المثنى ببغداد.

3 انظر: مناظراتهم هذه في: البداية والنهاية 4/305-308، و 311-317.

ص: 710

المؤمن، وقد بينوا في المناظرة ضيق أفقهم حيث أوجبوا لعن أهل الذنوب ثم حصروا الموالاة والمعاداة عليه، وقد دحض عمر هذه الشبهة، ثم بين لهم المنهج الصحيح الذي كان يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس وهم عبدة أوثان فدعاهم إلى أن يخلعوا الأوثان، وأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن فعل ذلك حقن دمه، وأمن عنده، وكان أسوة المسلمين، ومن أبى ذلك جاهده؟ فهذا هو المنهج الصحيح في دعوة الناس إلى الإسلام، وليس اللعن، والبراءة لكل من ارتكب كبيرة سواء كان خطئا أو عمدا، ولذا اقتنع الحبشي وقال: ما رأيت حجة أبين ولا أقرب مأخذا من حجتك، أما أنا فأشهد أنك على الحق، وأنني بريء ممن خالفك.

ويتبين من المناظرات بَيْن عمر والخوارج أنه لم يترك لهم شبهة إلا كسرها وبين زيفها، وكشف عوارها، ويبدو أن بعض الخوارج يحملون قلوبا عميا، وآذانا صما، ونفوسا شريرة، أبعدتهم عن الحق، وصدتهم عن الهدى، وظنوا أن ما معهم هو الحق، وتأولوا القرآن على ما تميله نفوسهم، وقد بذل عمر جهده في مناظرتهم. هذا وقد بين عمر رحمه الله تعالى في مناظرته للخوارج عدة سمات اتصفوا بها ومنها:

ص: 711

1-

الجهل: قال عمر ويحكم إنكم قوم جهال، وهذه سمة للخوارج بلا شك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه عن الخوارج:"فهم جهال فارقوا السنة والجماعة عن جهل"1.

2-

ومن سماتهم تضليلهم لأئمة الهدى وجماعة المسلمين ولعل عمر يقصدهم بقوله سن رسول الله وولاة الأمر من بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله

" قال شيخ الإسلام واصفا صفاتهم: "فهؤلاء أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجيين عن السنة من الرافضة ونحوهم ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرا ثم يرتبون على الكفر أحكاما ابتدعوها2.

3-

ومن علامات الخوارج التكفير بالمعاصي وإلحاق أهلها المسلمين بالكفار في الأحكام، والدار، والمعاملة، والقتال، واستحلال دماء المسلمين بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4-

ومن سماتهم قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان كما وصفهم بذلك عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.

1 منهاج السنة 3/464.

2 الفتاوى 28/497.

ص: 712