المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل التاسع: موقفه من أهل الذمة - الآثار الواردة عن عمر بن عبد العزيز في العقيدة - جـ ٢

[حياة بن محمد بن جبريل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثالث: الآثار عن عمر في الاعتصام بالكتاب والسنة وموقفه من أهل الأهواء والبدع وأهل الذمة

- ‌الفصل الأول: الآثار عن عمر في الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌المبحث الأول: الأثار عن عمر في وجوب لزوم الجماعة

- ‌المبحث الثاني: الآثار الواردة عنه في اتباع الكتاب والسنة

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: الآثار عن عمر في الحرص على لزوم السنة والذب عنها

- ‌المبحث الخامس: الآثار عن عمر في الأمر بالتمسك بما عليه الفطرة

- ‌المبحث السادس: الآثار عن عمر في التمسك بأخبار الآحاد في العقيدة

- ‌المبحث السابع: الآثار عن عمر في الاعتصام بسنة الخلفاء الراشدين

- ‌الفصل الثاني: الآثار عن عمر في التحذير من الأهواء والبدع

- ‌الفصل الثالث: الآثار عن عمر في بيان سمات أهل الأهواء والبدع

- ‌الفصل الرابع: الآثار عن عمر في النهي عن الخصومات في الدين وحثه على الجدال بالتي هي أحسن

- ‌الفصل الخامس: موقفه من الخوارج

- ‌المبحث الأول: موقفه من خروج الخوارج عليه

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في مناظرة الخوارج

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر في الحكم على الخوارج

- ‌الفصل السادس: موقفه من الشيعة

- ‌الفصل السابع: موقفه من القدرية

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في الرد على القدرية ومنهجه في ذلك

- ‌المبحث الثاني: رد عمر على القدرية في رسالته المشهورة

- ‌المبحث الثالث: الآثار عن عمر بن عبد العزيز في الحكم على القدرية

- ‌الفصل الثامن: الآثار عن عمر في الرد على فرق مختلفة:

- ‌المبحث الأول: الآثار عن عمر في الرد على المرجئة

- ‌المبحث الثاني: الآثار عن عمر في الرد على الجهمية

- ‌المبحث الثالث: موقف عمر بن عبد العزيز ممن يُزهّد في العلم الشرعي من الفرق الضالة

- ‌الفصل التاسع: موقفه من أهل الذمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل التاسع: موقفه من أهل الذمة

‌الفصل التاسع: موقفه من أهل الذمة

تمهيد:

قد سبق أن ذكرنا موقف عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى من أهل الأهواء والبدع، وسنذكر الآن موقفه من أهل الذمة وهم:- أهل الأديان الأخرى غير الإسلام المعاهدين على دفع الجزية للمسلمين.

أما موقفه من أهل الحرب؛ فقد كان متبعا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهج خلفائه الراشدين حيث كتب إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع فارس والروم، ووعدهم عمر بأن يملكهم بلادهم ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وكانت سيرته قد بلغتهم فأسلم "جيشبة بن زاهر" والملوك، وتسموا له بأسماء العرب

وبقي ملوك السند مسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد بن عبد الملك

1.

كما كتب إلى ملك الروم قيصر يدعوه إلى الإسلام2. أما ما يخص أهل الذمة الموجودين تحت سلطته فيتضح موقفه منهم فيما أثر عنه من الآثار الآتية:

1 انظر:ابن الأثير الكامل في التاريخ 4/160، ط. دار الكتاب العربي بيروت ط. السادسة عام 1406هـ.

2 انظر: ابن عساكر تاريخ دمشق ج33 ص 419 وابن كثير البداية والنهاية ج 5 ص230.

ص: 833

329/1- ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن القاسم، عن عياش بن سليم، عن عمر بن عبد العزيز في الذمي يوصي بالكنيسة يوقف وقفا من ماله للنصارى أو لليهود. قال: يجوز ذلك1.

330/2- وقال: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني سويد، عن حصين، عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب: إن أسلم والجزية في كفة الميزان فلا تؤخذ منه2.

331/3- وقال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عمر بن محمد، عن عمرو بن المهاجر، عن عمر بن عبد العزيز، في الذمي يسلم قبل السنة بيوم، قال: لا تؤخذ منه الجزية3.

332/4- أبو عبيد القاسم بن سلَاّم قال: حدثني سعيد بن أبي مريم، عن عبد الله بن عمر العمري، عن سهيل بن أبي صالح، عن رجل من الأنصار، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن - وهو بالعراق - أن أخرج للناس أعطياتهم فكتب إليه عبد الحميد إني قد أخرجت للناس أعطياتهم، وقد بقي في بيت المال مال. فكتب إليه: أن انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه، قال قد قضيت

1 ابن سعد الطبقات 5/356، وفي إسناد الأثر شيخ المصنف متروك.

2 المصدر السابق 5/356.

3 المصدر السابق 5/356.

ص: 834

عنهم وبقي في بيت المال مال فكتب إليه أن زوج كل شاب يريد الزواج، فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال. فكتب إليه بعد مخرج هذا: أن انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه، فأسلفه ما يقوي به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين1.

333/5- وقال: حدثنا حفص بن غياث، عن أبي بن عبد الله، قال: أتانا كتاب عمر بن عبد العزيز: "لا تهدموا كنيسة ولا بيت نار، صولحوا عليه، ولا تحدثوا كنيسة ولا بيت نار، ولا تحدوا شفرة، على رأس بهيمة، ولا تجمعوا بين صلاتين إلا من عذر"2.

334/6- ابن عبد الحكم قال: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله:

أما بعد: فإن المشركين نجس حين جعلهم الله جند الشيطان، وجعلهم {الأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ

1 أبو عبيد في الأموال ص265، وفي الأثر عبد الله بن عمر العمري ضعيف عابد. تقريب التهذيب ص314.

والرجل الأنصاري لم اهتد إليه، وقد أخرج الأثر ابن عساكر 45/213، عن طريق أبي عبيد به.

2 أبو عبيد في الأموال ص103-104.

ص: 835

صُنْعاً} 1، فأولئك لعمري ممن تجب عليهم باجتهادهم لعنة الله ولعنة اللاعنين. وإن المسلمين كانوا فيما مضى إذا قدموا بلدة فيها أهل الشرك يستعينون بهم لعلمهم بالجباية، والكتابة، والتدبير، فكانت لهم في ذلك مدة فقد قضاها الله بأمير المؤمنين فلا أعلم كاتبا، ولا عاملا، في شيء من عملك على غير دين الإسلام إلا عزلته واستبدل مكانه رجلا مسلما، فإن محق أعمالهم محق أديانهم. فإن أولى بهم إنزالهم منزلتهم التي أنزلهم الله بها من الذل والصغار، فافعل ذلك واكتب إلي كيف فعلت. وانظر فلا يركبن نصراني على سرج وليركبوا بالأكف، ولا تركبن امرأة من نسائهم راحلة، وليكن مركبها على إكاف2 ولا يفحجوا على الدواب، وليدخلوا أرجلهم من جانب واحد، وتقدم في ذلك إلى عمالك حيث كانوا، واكتب إليهم كتابا في ذلك بالتشديد واكفنيه، ولا قوة إلا بالله3.

1 الآيتان 103-104 من سورة الكهف.

2 إكاف: البرذعة وهو الذي يوضع على الحمار أو البغل ليركب عليه كالسرج للفرس. المعجم الوسيط ص (48) .

3 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص140، وأبو حفص الملاء 1/404-405، وأبو يوسف في الخراج ص127، وأبو نعيم في الحلية 5/325.

ص: 836

335/7- ابن عبد الحكم قال: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: أن لا يمشين نصراني إلا مفروق الناصية، ولا يلبس قباء1، ولا يمشي إلا بزنار2 من جلود، ولا يلبس طيلسانا3، ولا سراويل ذات خدمة، ولا نعلا لها عذبة4، ولا يوجدن في بيته سلاح إلا انتهب5.

336/8- أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد ابن إسحاق، ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، أن عمر كتب: أن امنعوا اليهود، والنصارى من دخول مساجد المسلمين، واتبع نهيه قول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} 6...."7

337/9- أبو يوسف القاضي قال: حدثني عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله:

1 ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق به. المعجم الوسيط (713) .

2 الزنار: حزام يشده النصراني على وسطه، المعجم الوسيط ص (403) .

3 الطيلسان: ضرب من الأوشحة، يلبس على الكتف أو يحيط بالبدن خالٍ عن التفصيل والخياطة. المعجم الوسيط ص (561) .

4 هو: جعل شراك النعل من خلفها، انظر المعجم الوسيط ص (589) .

5 ابن عبد الحكم سيرة عمر ص140.

6 الآية 28 من سورة التوبة.

7 أبو نعيم في الحلية 5/325-326.

ص: 837

أما بعد: فلا تدعن صليبا ظاهرا، إلا كسر، ومحق، ولا يركبن يهودي ولا نصراني على سرج، وليركب على إكاف، ولا تركبن امرأة من نسائهم على رحالة، وليكن ركوبها على إكاف، وتقدم في ذلك تقدما بليغا، وامنع من قبلك فلا يلبس نصراني قباء، ولا ثوب خز ولا عصب، وقد ذكر لي أن كثيرا ممن قبلك من النصارى قد راجعوا لبس العمائم، وتركوا المناطق على أوساطهم، واتخذوا الجمام والوفر1، وتركوا التقصيص، ولعمري لئن كان يصنع ذلك فيما قبلك، إن ذلك بك لضعف، وعجز، ومصانعة، وإنهم حين يراجعون ذلك ليعلموا ما أنت فانظر كل شيء نهيت عنه فاحسم عنه من فعله والسلام2.

التعليق:

هذه الآثار تدل على مدى سعة فكر عمر بن عبد العزيز وفقهه وعلى التسامح الذي أشاعه بين الناس من ناحية موقفه من أهل الذمة حيث أنه

1 هو الشعر المجتمع على الرأس، أو ما جاوز شحمة الأذن، المعجم الوسيط ص (1046) .

2 أبو يوسف في الخراج ص 27-28. وأبو يوسف هو: يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة المتوفى 183هـ انظر مقدمة كتاب الخراج ط. دار المعرفة بيروت.

وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي صدوق يخطئ ورمي بالقدر. تقريب ص337، وأبوه ثابت بن ثوبان العنسي، ثقة. تقريب ص132.

ص: 838

كان يعاملهم بالرفق، وعدم إرهاقهم بما يشق عليهم ترغيبا لهم في الإسلام، وكذلك أيضا قد عف عن ما في أيديهم. وكان همه الإسلام أولا، لا الجزية، وإثراء بيت المال، فقد أمر عماله أن يضعوا الجزية عن الذمي إذا أسلم حتى ولو كانت تلك الجزية في الميزان، وقد عوضه الله بخير عميم فامتلأت خزائنه بالمال لحسن نيته حيث كان ينفق المال بسخاء للمحتاجين، على اختلافهم فيساعد من يحتاج من المزارعين الذميين ما يتقوون به على الاستفادة من أراضيهم، وغير ذلك من الأعمال التي تذكر له تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه رضي الله عنهم، وهذا دلالة على أن من ترك شيئاً لله عوضه الله بخير منه. ولهذا أصبح عمر رحمه الله مثال الحاكم العابد، والزاهد، العفيف. وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بأن نعامل أهل الكتاب معاملة حسنة لا سيما الذين لم يقاتلونا في الدين فقال:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} 1.

1 الآية 8 من سورة الممتحنة.

ص: 839

فهذه الآية تأمرنا بالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، واكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف والرحمة، لا على سبيل الخوف والذلة1.

وأما ما يخص أهل الذمة القادرين على أداء الجزية فقد أمرهم بأن لا يتشبهوا بالمسلمين في اللباس، والمركب، والهيئة، ويؤخذ عليهم عهدا بأن يجعلوا في أوساطهم الزنارات مثل الرمانة من خشب، وبأن يجعلوا شراك نعالهم مثنية، ولا يحذوا على حذو المسلمين، وتمنع نساؤهم من ركوب الرحائل، ويمنعوا من أن يحدثوا بناء بيعة أو كنيسة في المدينة إلا ما كانوا صولحوا عليه، وصاروا ذمة، وهي بيعة لهم أو كنيسة. فما كان كذلك تركت لهم ولم تهدم، وكذلك بيوت النيران، ويتركون يسكنون في أمصار المسلمين وأسواقهم يبيعون، ويشترون، ولا يبيعون خمرا ولا خنزيرا، ولا يظهرون الصلبان في الأمصار2، وهذا ما أمر به عمر رحمه الله تعالى تأسيا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ويبدو من الآثار الواردة عن عمر أنه وجد أن أهل الذمة في زمنه قد انقسموا إلى ثلاثة أقسام:

1-

قسم قد حُمِّلوا ما لا يطيقون دفعه من قبل بعض العمال فأزال عنهم هذا الظلم

1 انظر القرافى: في الفروق 3/15.

2 انظر أبو يوسف في الخراج ص127.

ص: 840

2-

وقسم قد خرجوا عن الحدود المرسومة لهم بعهودهم فتطاولوا على المسلمين، وتلبسوا بحالات تشبهوا فيها بالمسلمين في أزيائهم ومراكبهم، فرأى عمر أن في ذلك خروجا منهم عن مكانتهم بحسب الشروط الواردة في عهودهم.

3-

وقسم قد وَلّوا مناصب هامة في جبابة الزكاة، والفيء، والمواريث، فرأى عمر أن هذا خروج عن العهد الذي عليهم وهو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون. فأعادهم إلى عهدهم ومكانهم. فعمر رحمه الله تعالى يعزل من لا يثق في عقيدته، وقد كانت معاملته مع أهل الذمة مضرب المثل في العدالة. وقد تقدم في فضائله شيء من ذلك. ولم يأمر أهل الذمة بأن يلبسوا لباسا خاصا إلا لحرصه عليهم من أن يصيبهم مكروه ولو خطئا، لأن المسلمين مطالبون بفرائض وواجبات عليهم أن يؤدوها، ولم يكن هناك ما يحدد الهوية فإن لم يتميز الأشخاص بملابسهم وهيآتهم لوقع اللبس، كمن يقف مثلا خارج المسجد والصلاة تصلى وهو يلبس ملابس المسلمين فلا شك أن ذلك يوجب المساءلة والاتهام أما إذا كان يلبس ملابس أهل الذمة فلا يتهم1 ويمكن أن يكون ذلك من باب التصغير لهم والتحقير لعلهم يسلمون أو يبقوا مكسورين والله أعلم.

1 انظر: البورنو قدوة الحكام والمصلحين عمر بن عبد العزيز ص552.

ص: 841

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه

1-

وبعد: فقد تناولنا من خلال التمهيد والأبواب الثلاثة المتقدمة الآثار الواردة عن عمر في العقيدة، فكان التمهيد مخصصا بالتعريفات؛ تعريف مفردات عنوان الرسالة، وتعريف أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وتبين منها أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- قد ولد بالمدينة النبوية عام 61هـ ونشأ وتربى فيها وأخذ عن علمائها وفقهائها السبعة وبذل جهداً كبيراً في تدوين السنة وإحيائها، وإماتة البدع، ومحو آثارها. وقد أُمِّر على المدينة، وحمدت سيرته، وجعل بطانته العلماء الأبرار ثم نحي عنها وسافر إلى الشام ثم ولي الخلافة وكان رحمه الله تعالى صاحب فضائل جمة، ومناقب مشهورة، وتوجد مبالغات في بعض ما ينسب له من الفضائل. وقد تأثر بجده عمر بن الخطاب رضي الله عنه واقتدى بسيرته في الحكم، ويكاد علماء السلف يجمعون على أنه هو المجدد للقرن الأول، وقد سخر ولايته لخدمة السنة، والعقيدة الصحيحة، وبذل جهداً كبيراً وكتب رسائل عديدة طويلة كتبها إلى عماله في ذلك، وقد كانت وفاته خسارة فادحة للمسلمين في عام 101هـ في أخريات رجب عن أربعين عاما على أصح الأقوال.

ص: 845

2-

وكان رحمه الله على طريقة السلف الصالح في الحرص على الدعاء والاهتمام بآدابه، وشروطه والنهي عن الابتداع فيه، وكان يرى جواز التبرك بمقتنيات الرسول صلى الله عليه وسلم فقط.

3-

وتبين من خلال الآثار المنقولة عنه حرصه الشديد على إظهار الشكر لله تعالى وتوسطه بين الخوف والرجاء، وكان ينهى عن التطير ويأمر بالتوكل ويأخذ بالأسباب المباحة كما كان ينهى عن اتخاذ القبور مساجد. ويأمر بقتل الساحر إذا ثبت سحره.

4-

إن عمر رحمه الله تعالى كان على منهج أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وأنها توقيفية، وأزلية.

5-

وكان عمر رحمه الله تعالى على طريقة السلف في الإيمان بالملائكة والكتب والرسل وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم وفضائل أصحابه، وحقوق أهل بيته.

6-

وتبين من خلال الآثار الواردة عنه الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وأنهما على الروح، والجسد معاً. كما تبين منها الإيمان بالمعاد، والحوض، والميزان، والصراط، والجنة والنار، ورؤية المؤمنين ربهم في الجنة.

7-

وكان يحرص على إيضاح مسائل الإيمان بالقدر وذكر أركانه، ويزجر عن الخوض فيه بالعقل المجرد، ويحث على التسليم لما قضى الله وقدر.

ص: 846

8-

وقد تبين من تلك الآثار موقف عمر من زيادة الإيمان ونقصانه، وكونه يشمل الأعمال، والأقوال، والاعتقادات، وموقفه من مرتكب الكبيرة، وتكفير المعين، ولعنه، والحكم عليه أوله بالجنة أو النار، وبيان بعض نوا قض الإيمان كالردة، وإنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة وغيرهما. وأنه كان في كل ذلك على نهج السلف.

9-

وتبين أن الاعتصام بالكتاب والسنة، ولزوم الجماعة، وتجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم والحض على لزوم السنة، والذب عنها والتمسك بما تدل عليه أخبار الآحاد، وما تدل عليه الفطرة من منهج عمر في العقيدة.

10-

إن عمر كان يعتصم بسنة الخلفاء الراشدين، ويحذر من الأهواء كلها والبدع، وكان يبين سمات أهلها، ويحذر الناس من الاتصاف بها، ويحذر من الخصومات إذا كانت عن جهل أو في ما نهى الله ورسوله عنه أو كانت بباطل، ويحث على الجدال بالتي هي أحسن؛ كما جاء في القرآن، وقد كان رحمه الله تعالى مجتهدا في إيضاح الحق، عالماً، عاملاً. وله مواقف مشهورة ومشكورة تجاه أهل الأهواء والبدع.

11-

إن موقف عمر رحمه الله تعالى من أهل البدع من الخوارج، والشيعة، والقدرية، والجهمية، والمرجئة وغيرهم من أهل الأهواء والبدع هو موقف السلف الصالح حيث ناظر الخوارج، وبين لهم خطأهم ثم حاربهم، وحذر الناس من مبادئ الشيعة، كما ناظر القدرية وسألهم عن علم الله تعالى فإن أقروا به خصموا وإن جحدوا به كفروا، ثم بين له

ص: 847

خطأهم في فهم النصوص. ثم حكم عليهم، كما حكم على غيرهم من فرق الضلال، كالذين يعبدون الله بغير علم من الفرق الضالة.

12-

إن موقفه من أهل الذمة هو ما دل عليه الكتاب والسنة وعمل به السلف الصالح من الإحسان إليهم، وعدم إرهاقهم عنتا، وتسليفهم ما يحتاجون إليه من مال، وإنفاذ ما تصدقوا به على ذويهم، وحثهم على الدخول في الإسلام ماديا، ومعنويا، وغير ذلك من الإحسان إليهم. وأن هذا كان له تأثير عظيم في نفوس أهل الذمة ودخولهم في الإسلام.

هذا ما تيسر التنبيه عليه حيث اكتفيت بذكر أهم ما ينبغي الوقوف عليه من الآثار الواردة عن هذا الخليفة العابد، الزاهد، وأرجو الله عز وجل أن أكون قد أسهمت إسهاما نافعا في بيان هذا الجانب من حياة عمر بن عبد العزيز. والكمال لله تعالى.

ص: 848